لم يظن يومًا في حياته أن السيطرة على مشاعره ستكون أمرًا صعبًا ، لكن هذا الاعتقاد تغير مؤخرًا ؛ و تحديدًا منذ أن أدرك يقينًا أنه يحب هذه المرأة.
كان شعورًا يشبه انقشاع حجاب كان يغلف قلبه ؛ فقد كان قلبه سابقًا ضبابيًا ، باهتًا ، و قاسيًا ، مما جعل تجاهله و التحكم فيه أمرًا هينًا.
أما الآن ، فيشعر و كأن مشاعره و نبضاته التي كانت مخبأة بعناية قد تجردت من غطائها فجأة ؛ مشاعر فقدت مخبأها و أخذت تضطرب بعفوية فجة.
بصراحة ، كان الأمر محرجًا.
خفقان؟
توقعات؟
رغم أن صدره كان يرتجف بقوة بسبب هذه الأشياء ، إلا أن سبب إحراجه لم يكن ذلك.
لو كان قلبه ممتلئًا بحب نقي و صافٍ لكان الأمر هينا ، لكن المشكلة تكمن في كونه رجلاً شابًا يغلي الدم في عروقه.
كانت تراوده أفكار آثمة باستمرار.
في البداية ، كان يكتفي بمجرد النظر إليها ، و كان يرضى بمجرد إمساك يدها ، لكن طمعه كان يزداد باطراد.
و لو كان هذا الطمع يزداد ببطء ليتمكن من الاعتياد عليه لكان أفضل ، لكنه كان ينمو بسرعة جنونية و كأنه يسخر من محاولاته للمقاومة.
لم يعد الأمر يقاس بالأيام ، بل بالدقائق و الثواني ، حتى وصل به الحال الآن لدرجة أنه …
أراد أن يلتهم القدّيسة حية.
بطريقة تفتقر للرقي.
بالطبع ، بما أنهما رجل و امرأة بالغان يحبان بعضهما ، فإن تراود الأفكار المثيرة أمر طبيعي ، و مع ذلك كان الأمر محرجًا لأن القدّيسة تبدو “نقية” أكثر من اللازم.
قبل قليل ، ظن أنها ترغب في قبلة أيضًا ، لكنه غير رأيه الآن ؛ فرؤية وجهها الصافي و هي غارقة في الاستماع للموسيقى تجعله يظن أنها قد لا تعرف حتى ما هي القبلة.
لقد بلغت العشرين للتو.
إنها صغيرة.
هل تعرف معنى الحب بين الرجل و المرأة؟
بالنظر لكونها نشأت في الريف ، فمن المرجح أنها لا تعرف شيئًا ، و يخشى أنه لو ارتكب خطأ ما ، فقد تنفجر بالبكاء خوفًا منه.
و بناءً على هذه الأفكار ، قرر في النهاية تأجيل كل شيء ، بما في ذلك القبلة.
كان عليه فعل ذلك ، فقد عاهد نفسه على التقرب منها ببطء ، و على الحذر كي لا يخيفها.
و لعل الشيء الوحيد الذي يواسيه في هذا الموقف هو ثقته الكبيرة في الصبر ؛ فقد قضى حياته كلها و هو يمتنع عن القيام بالأفعال التي لا ينبغي القيام بها.
‘سأحاول أن أكون مسترخيًا و لو بالقوة ، كي أتمكن من الاستمتاع بلذة الانتظار و حرقة القلب’
قام بكتف ذراعيه و اعتدل في جلسته بعد أن كان مائلاً نحوها ، و صرف نظره عنها ليركز مع العازفين ؛ فقد تملكه فضول فجأة لمعرفة أي مقطوعة تثير ابتسامتها و بهجتها.
أراد أن يتعلم كيف ترى هي العالم ، و أن يقترب منها خطوة بخطوة و هو يرى و يسمع و يشعر بالأشياء نفسها التي تشعر بها.
رغم أنه لا يفقه الكثير في أمور العشق ، إلا أنه ظن أن هذه هي الطريقة الصحيحة.
من ناحية أخرى ، لو سمعت آثا ما يدور في خلد أليستو ، فماذا كانت ستظن؟
نقاء؟
ما هذا؟ هل يُؤكل؟
ألم نقل إننا في رواية حياة القدّيسة في الأسر؟
هل تظنون أنها قرأت روايات الرومانسية الخيالية السوداوية فقط؟
يا لكم من ساذجين!
لقد كانت قارئة مخضرمة لدرجة أنها خاضت في روايات الرومانسية الخيالية المخصصة للكبار فقط ؛ مما يعني أنها رغم افتقارها للخبرة ، إلا أن خيالها ممتلئ بأكثر مما يتخيله أحد.
حتى الآن كان الأمر كذلك.
بينما ينظر أليستو لعيونها و يظنها براقة و نقية ، كان الواقع مختلفًا تمامًا.
كانت عيناها مثبتتين على العازفين ، لكن عقلها كان مشغولاً جدًا: ‘لماذا يجلس بعيدًا عني بمقدار شبر كامل؟’
لا بأس لو جلس قريبًا قليلاً.
عادةً عندما يجلسان جنبًا إلى جنب هكذا ، ألا ينبغي له أن يحيط كتفيها أو يضم خصرها قليلاً؟
و إذا كان مثل هذا التلامس يشكل عبئًا ، فليمسك يدها على الأقل.
‘هل أنا الوحيدة التي ترغب في الإمساك بيده؟’
بصراحة ، هي لا تستطيع قول هذا لأحد ، لكن في خيالها ، كانت قد اصطحبت أليستو بالفعل إلى جناح آلموند بخطة “الجرو – هو هو” التي رأتها يومًا على الإنترنت.
و الطريقة هي: إغراء أليستو بالذهاب لجناح آلموند بحجة وجود “جرو” هناك ، و عندما يسأل الرجل الذي تبعها عن مكان الجرو ، تقوم بـ “قبلة تثبيت الحائط” و هي تقول: “هو هو”
“امممـ”
و لكن—
كان جدار الواقع عاليًا و سميكًا.
انظروا الآن ؛ هما جنبًا إلى جنب ولا تستطيع حتى إمساك يده ، فكيف لها أن تقبله؟
كانت تملك طموحًا كبيرًا ، لكنها تفتقر للشجاعة المطلوبة.
‘الأمر ليس سهلاً’
أدارت آثا حدقتي عينيها و اختلست النظر لأليستو ؛ كان يجلس بوقار و يستمع للعزف بجدية تامة.
‘… و لماذا يكتف ذراعيه هكذا؟’
في مواقف كهذه ، يجب عليه وضع يده بتلقائية على الأريكة ، و يلمس يدها خلسة ليخلق جوًا من التوتر اللذيذ ، لكن هذا الرجل الذي قال إنها تجربته الأولى في الحب يبدو و كأنه لا يفقه شيئًا حقًا.
“يا للهول”
ابتلعت تنهيدتها و ارتشفت الحليب الذي في يدها ، ثم شعرت بشيء غريب.
‘……؟’
لا ، لحظة واحدة.
عادةً عندما يخرج رجل في موعد ليلي مع امرأة يهتم بها ، ألا يفضل الخمر على الحليب؟
هذا ما يحدث في معظم الروايات التي قرأتها ؛ يشربون النبيذ الخفيف ، فتشعر البطلة التي لا تتحمل الكحول ببعض السكر ، ثم ترتكب خطأً لطيفًا و تعترف بحبها ، و سيكون من الأفضل لو شعرت بالغيرة حينها ، فيجد البطل حركاتها في غاية اللطافة ، و ينتهي الأمر بقبلة حاسمة!
هل يعقل أن يكون الموعد الليلي هو شرب الحليب و مشاهدة حفل موسيقي؟
خطرت ببالها كلمات اعترافه: ‘أنا أحبكِ حقًا’
كلما فكرت في الأمر ، شعرت أنه لا يعقل.
‘آه! هل يعقل …’
أنه لا يملك نوايا خفية تجاهي؟
بمعنى أنه عندما حلل مشاعره موضوعيًا وجد أنه يحبني ، لكن بما أنها مشاعر مبرمجة ، فإنه لا يشعر بأي رغبة مثيرة تتجاوز ذلك؟
حينها تذكرت مظهرها الخارجي الذي نسيته ؛ شعر بني عادي و عيون بنية ، وجه يمكن وصفه بالجميل إذا جاملناها ، لكنه ليس وجه فاتنة مميزة ، و جسدها الصغير و النحيف …
رغم أنه يقع ضمن معايير الجمال في هذا العالم ، إلا أنه كان نحيفًا لدرجة تفتقر للجاذبية في نظرها.
ارتشفت رشفة أخرى من الحليب ، و ضغطت ذراعيها خلسة على صدرها ؛ كان صغيرًا.
‘هل أسمي هذا صغيرًا أم مسطحًا …’
شعرت ببعض الإحباط و قررت تأجيل خطة القبلة لأجل غير مسمى ؛ فيبدو أنها لا تبدو “كامرأة” في نظره الآن ، و إذا حاولت و رُفضت فسيجرح كبرياؤها.
حتى لو لم يرفضها صراحة ، سيكون من السيء جدًا أن تقترب منه و يظل هو جامدًا كالصخر.
أرادت أن تثير لديه رغبة في لمسها ، لأنها هي أيضًا تريد أن تلمسه و تريده أن يلمسها.
أرادت أن يكون مثل أبطال روايات الكبار ، هائمًا و مضطربًا ولا يتركها و شأنها!
‘… هوووف’
‘لنهدأ و لنفكر بهدوء في كيفية التصرف’
كانت فكرتها الأولى هي “قبلة تثبيت الحائط” ، لكن يبدو الآن أن مثل هذا الهجوم الجسدي العنيف يحمل مخاطرة كبيرة بالرفض ؛ لذا عليها أولاً إبراز سحرها و جاذبيتها.
و بما أن وسيلة جذب الانتباه مع لمسات جسدية هي الإغراء ، أليس كشف بعض مفاتن الجسد هو الحل الأمثل؟
بما أنها لا تثق بصدرها ، فما رأيكِ في فستان مكشوف الظهر تمامًا؟ أو ربما فستان قصير يبرز الساقين؟
‘… لماذا لا تخطر ببالي إلا هذه الأفكار المثيرة؟’
هل هذا من أعراض قراءة الكثير من الروايات المكشوفة؟
ألا توجد طريقة لإغوائه مع الحفاظ على “النقاء” و إشباع رغباتي في الوقت نفسه؟
اختلست آثا النظر لأليستو مرة أخرى ، لكنه لم يتغير ؛ كان غارقًا في الحفل الموسيقي بوضعية ثابتة ، و كأنه غير واعٍ بوجودها بجانبه تمامًا.
تريد إمساك يده ، لكن هذا الرجل لا يبدو أنه ينوي فك ذراعيه المكتفتين.
‘ماذا لو تظاهرتُ بالنوم و اتكأتُ على ذراعه خلسة؟’
تلامس بسيط كهذا قد يكون مقبولاً ، و حتى لو شعر بعدم الارتياح و دفعني ، فلدي عذر جاهز ؛ فالوقت متأخر ، و شرب الحليب الدافئ جعلني أغفو دون أن أشعر ، و لن يكون الموقف محرجًا.
‘… ليست فكرة سيئة!!’
أجل ، إذا كانت قبلة الحائط صعبة ، فيمكنني على الأقل امتلاك هذه الشجاعة.
عقدت آثا عزمها و وضعت كوب الحليب جانبًا ، ظلت ساكنة لبرهة و هي تضم ركبتيها ثم— 3 ، 2 ، 1.
بدء العملية.
أغمضت عينيها ، و أنزلت رأسها بتمثيل متقن ، ثم بدأت تميل ببطء و تدرج نحو اتجاه أليستو.
و بأكبر قدر ممكن من الطبيعية … مالت برأسها حتى شعرت أخيرًا بملامسة مؤخرة رأسها لذراعه.
‘لن يدفعني بعيدًا و يضرب كتفي ، صحيح؟’
بمجرد أن لامس رأس القدّيسة ذراعه—
استدار رأس أليستو نحوها ببطء و كأنه آلة صدئة.
رغم كل محاولاته لتهدئة نفسه ، إلا أنه بمجرد أن أسندت رأسها على ذراعه ، بدأ قلبه يخفق بجنون مرة أخرى دون حول ولا قوة.
التعليقات لهذا الفصل " 62"