بمجرد خروج أليستو بتلك السرعة ، تبادل كاستر و كونويل النظرات.
بدت علامات الحيرة على وجوه بقية “البوم” الجالسين حول الطاولة نفسها.
تمتم ليبري و هو يراقب من النافذة: “هل يعقل أن يكون السبب هو القدّيسة و الفيكونت دالبرت الموجودان في الحديقة الآن؟”
عندها ، بدأ “البوم” يتجمعون حول النافذة واحدًا تلو الآخر.
و بالفعل ، تحت شجرة الصفصاف التي تُعد أجمل بقعة في الحديقة ، ظهرت القدّيسة و الفيكونت دالبرت و هما يقضيان ظهيرة هادئة.
“و لكن لماذا القدّيسة مع الفيكونت دالبرت؟”
“ألا ترى بوضوح؟ القدّيسة أعدت مكانًا في الحديقة لتأخذ قيلولة ، فاقترب منها الفيكونت دالبرت”
رغم أنها أعدت المكان للقراءة ، إلا أن سوء الفهم بأنها قيلولة لم يكن مستبعدًا ، فالأريكة تحت الشجرة كانت بحجم السرير.
على أي حال—
“لماذا اقترب دالبرت من قدّيستنا؟”
“صحيح ، لماذا؟”
تجمع “البوم” و بدأوا يتحدثون بهمس ، و لم يجرؤ أحد منهم على تخيل أن الفيكونت دالبرت قد اقترب من القدّيسة بدافع الإعجاب.
حينها أطلق كاستر صوتًا ساخرًا بلسانه و قدم الإجابة الأكثر منطقية: “الأمر يشبه إرسال الهدايا لزوجة كونت عندما يكون هناك كونت تود التقرب منه”
فكر “البوم” لبرهة.
عندما نريد شيئًا من سموه ، هل سيكون الطلب من القدّيسة أكثر فاعلية؟
أوه.
“… لقد استخدم عقله إذن؟”
لم يشعروا بالقلق ، فسموه ليس بالأحمق الذي لا يفرق بين العمل و الحياة الشخصية.
***
شعرت آثا بالفضول تجاه كلمات سيدريك.
“أحقًا؟ هل تختلف الأساطير من كتاب لآخر؟”
يا لها من لحظة ، عندما تلمع عينا المرأة التي يهتم بها تجاهه.
“أجل. ‘إيسيس’ يُصور أحيانًا كحاكم سماوي يحكم كملك ، و أحيانًا يكون إنسانيًا جدًا كما ذكرتِ قبل قليل. و في بعض الأحيان يُصور كشرير لدرجة أنه لا يختلف عن الشيطان”
فزعت آثا قائلة: “حقًا؟ رغم أنه حاكم ، هل هناك أساطير تصفه بالشر لدرجة الشيطان؟”
في هذه اللحظة ، شعر سيدريك ببعض الاستغراب.
بدت و كأنها شخص يتعرف على الأساطير لأول مرة.
هل يعقل هذا؟ و هي القدّيسة؟
منطقيًا ، لم يكن للأمر معنى ، إلا إذا كان هناك احتمال أن والدتها ، القدّيسة السابقة ، قد عاملتها كزهرة في دفيئة و أخبرتها فقط بالقصص الإيجابية عن إيسيس.
اختار سيدريك كلماته بعناية كي لا يخدش دفيئة آثا: “بما أن الحاكم إيسيس و معبد سول لم يكونا دائما موضع ترحيب ، أعتقد أن التصوير اختلف قليلاً حسب العصور”
“مم- هذا منطقي”
شعر سيدريك بشعور غريب و هو يرى آثا تومئ برأسها ببساطة.
شعر ببراءة تجعله يظن أنها ستصدق أي شيء يقوله.
كان يتذكر نظرات آثا في مطعم بحيرة فيسيل ، و حديقة ولي العهد ، و المكتبة.
في ذلك الوقت ، كانت حذرة منه قليلاً ، لكن اليوم اختفى ذلك الشعور تمامًا
.
رؤيتها و هي تثق به دون حماية لمجرد أنه عاملها بلطف ، جعله يشعر بالسعادة و في الوقت نفسه بالقلق.
شعر و كأن عليه أن يحميها لأنها تبدو كمن يثق بالناس أكثر من اللازم و قد تقع ضحية للاحتيال بسهولة.
أجل.
كان في آثا شيء ما يثير غريزة الحماية لديه.
و عندما اكتشف العفوية و الحياة المخبأة في جمالها ، تضاعف طمعه.
لم تكن رغبة بدائية في امتلاكها أو لمسها فحسب ، بل أراد أن يصبح شخصًا مميزًا لهذه المرأة.
“يبدو أنك تعرف الأساطير جيدًا”
“لا عجب في ذلك ، فوجود الحاكم إيسيس متأصل بعمق في حياة دالبرت”
و بمجرد أن أنهى كلامه ، ضمت آثا شفتيها بدهشة: “أوه! حقًا؟ كيف ذلك؟”
في تلك اللحظة ، ضغط سيدريك على أسنانه ليمنع ضحكته من الخروج.
كيف يمكن أن تكون تعابير وجهها غنية هكذا؟
‘يا لها من لطيفة’
بعد تبادل بضع جمل ، أدرك أنها تستخدم تعابير و أسلوبًا في الكلام نادرًا ما يستخدمه النبلاء.
بل إن نمط حوارها بحد ذاته يختلف عنهم ؛ فالنبلاء يميلون للمواربة و الصبر ، و يخفون نواياهم بينما يجسون نبض الآخرين ببراعة ، ولا يجدون ذلك مزعجًا بل يعتبرونه قمة الرقي.
على أي حال.
بينما كان يخوض حوارًا غير أرستقراطي بالمرة ، شعر بأن الألفة بينهما تبنى لبنة فوق أخرى.
أجاب على سؤالها السابق بنبرة جادة تمامًا هذه المرة: “حياة دالبرت مرتبطة بشكل أساسي بالبحر. نحن نصلي للحاكم إيسيس من أجل صيد وفير ، و من أجل العودة الآمنة لأفراد عائلتنا الذين ذهبوا لبعيد ، و نعلق قلوبنا به”
في تلك اللحظة—
شعرت آثا بتأثر في قلبها.
فقد شعرت بأن إيمانه نقي و مستقيم للغاية.
قد لا يبدو الأمر مدعاة للتأثر ، لكنه كان بسبب طريقته في الحديث عن الحاكم.
كانت آثا تظن أن حب شخص ما و الثقة به دون شروط أمر صعب ، فما بالك لو كان الحاكم؟
لا يُرى بالعين ، ولا يمكن حتى التأكد من وجوده.
بالطبع ، هي قابلت الحاكم شخصيًا و تعلم أنه رغم خفته ، لديه جوانب جيدة ، لكن سيدريك لم يقابله أبدًا.
‘… أم قابله؟ هل فعل؟’
بالمناسبة ، لقد جاء الحاكم لرؤيتها ، فكيف يمكنها أن تجزم بأنه لم يقابل أحدًا غيرها؟
“سيادة الفيكونت ، هل سبق لك أن قابلت الحاكم إيسيس؟”
حينها تعمقت غمازة سيدريك الذي كان يبتسم برقة طوال الوقت ، و تحولت الابتسامة إلى ضحكة ، و كأنه سمع سؤالاً غريبًا و مضحكًا من طفل صغير.
“للأسف لم تُمنح لي مثل هذه الفرصة بعد ، لكن لدي أمنية بمقابلته يومًا ما”
بدت ملامح آثا متأسفة لأنه لم يقابله بعد ، و شجعت أمنيته قائلة: “أتمنى أن يأتي ذلك اليوم. ماذا ستفعل إذا قابلت الحاكم؟”
صمت لبرهة و قد انعقد لسانه: “لم أفكر في الأمر بعد ، لكنني أود احتساء الشاي و تبادل الحديث معه”
“عن ماذا ستتحدثان؟”
أصبحت أسئلة آثا أكثر تفصيلاً ، و شعر سيدريك بشعور مريب.
لقد كانت تتحدث عن الحاكم و كأنه شخص بشري ؛ كشخص حي يتنفس في مكان ما و يمكن مقابلته في أي وقت إذا سنحت الفرصة.
‘… هل تنسج خيالاً كهذا في حوار مع نبيل ليس مقربًا منها؟’
بالطبع بالنسبة لآثا لم يكن هذا خيالاً ، لكن سيدريك لم يعلم ؛ فكيف له أن يتخيل أنها قابلت الحاكم حقًا حتى لو كانت القدّيسة؟
ظن سيدريك فقط أن آثا تملك جانبًا مشرقًا و صافيًا ، و أنها غريبة الأطوار بشكل غير مألوف.
هل لأن الشخص الذي معها مميز؟
هذا المكان الصغير المخصص للراحة في ركن من حديقة ولي العهد ، بدا و كأنه مساحة مختلفة عن الواقع ؛ مكان يمكن فيه التخلص من أعباء الحياة الشاقة و التفكير في أي شيء.
بدا هذا الحوار الخيالي العبثي معها و كأنه حلم ، أو كأنها داخل قوس قزح نقي.
قالت آثا بجدية: “عليك أن تفكر بشكل ملموس في نوع الحوار الذي ستجريه و الأسئلة التي ستطرحها ، فأنت لا تعلم متى قد تظهر الفرصة فجأة”
تخلى سيدريك قليلاً عن الواقع و فكر ؛ ما هي أول كلمة يود قولها إذا قابل الحاكم
؟
“أود أن أسأله إن كان يعلم بوجود شخص مثلي في هذا العالم. و أنا فضولي أيضًا لأعرف من منظور الحاكم ، إن كنت أعيش حياتي بشكل جيد”
فجأة ، ضحكت آثا بإشراق.
ضحكت بضياء يخطف الأبصار و هي تقول: “كلا ، أنت حقًا شخص مستقيم و نقي جدًا. لو كنت مكانك ، لسألتُ أولاً عن المناطق التي سترتفع فيها أسعار العقارات بشكل جنوني”
لم يملك سيدريك إلا أن ينفجر بالضحك مرة أخرى.
من تصف مَن بالاستقامة و النقاء؟
في عينيه ، بدت هذه المرأة التي تتحدث عن أسعار العقارات أكثر كائن نقي و صافٍ في العالم.
التعليقات لهذا الفصل " 58"