تردّد أليستو للحظة و هو ينظر إلى قطعة الدجاج الممدودة أمامه ، ثم فتح فمه ببطء.
ظنّ أنّه سيشعر بالاشمئزاز لأنّه شوكة استخدمها شخص آخر ، لكن الأمر كان على ما يرام بشكل مفاجئ.
“لذيذة ، أليس كذلك؟”
كان تعبير المرأة و هي تسأل عمّا إذا كان الطعام لذيذًا مشرقًا للغاية ، لدرجة أنّه كان سيقول إنّه لذيذ حتى لو أطعمتْه طينًا.
أومأ أليستو برأسه دون مقاومة.
“نعم”
حينها ضحكت القدّيسة مجددًا و كأنّ شيئًا ما قد أعجبها.
و مع ضحكتها ، بدا وجهها المستدير أكثر استدارة.
رغم أنّها كانت نحيفة ، إلا أنّ تقاسيم وجهها في الأساس كانت مستديرة ، من عينيها و أنفها وصولًا إلى فمها.
لا يدري كيف يمكن للأنف أن يكون مستديرًا ، لكنّه كان يبدو ناصعًا و مستديرًا مثل لؤلؤة صغيرة.
***
دندنت روبي مع نفسها دون وعي.
تذكّرت الياقوت الأزرق الذي قدّمه لها السيد فيريل ، مسؤول الشموع ، كرشوة منذ فترة قصيرة.
كم ستجني لو باعت تلك القطعة؟
بما أنّها كبيرة الحجم ، فلا بدّ أنّها ستجلب مبلغًا جيدًا.
هل ستكون هذه هي النهاية؟
بالطبع لا.
طالما أنّها تعمل كخادمة لدى خطيبة ولي العهد المحبوبة ، فإنّ الرشاوي ستتدفّق بلا انقطاع.
الأجر مرتفع ، و الأموال الجانبية وفيرة ، لذا فهي تضرب ‘عصفورين بحجر واحد’.
إذا أصبحت الآنسة آثا وليّة عهد رسميّة ، و من ثمّ إمبراطورة ، فكم من الأموال الطائلة ستجني حينها؟
ربما تتمكّن من شراء منزل بحديقة ، و ربما توظّف خادمة منزلية أيضًا.
لقد أحبّت الآنسة آثا أيضًا.
فهي تتحرّك بنشاط و تعتمد على نفسها ، و تأكل كلّ شيء جيدًا ، ولا تتفوّه بالشتائم ، و ليست حسّاسة.
في هذا الزمن ، هي سيّدة نادرة للغاية و من السهل خدمتها ، لذا كانت روبي تشعر بالحيوية حتى بعد انتهاء العمل.
‘يجب أن أسرع للمنزل و أخبر أخي الأكبر ألّا يقلق بشأن دخول الأكاديمية ، فـأخته ستجني الكثير من المال مستقبلاً’
و بخطوات مليئة بالبهجة في طريق عودتها ، التقت روبي بوجه مألوف عند بسطة الدرج في الطابق الأول.
“أوه؟ روبي!”
“ماري ، مرحبًا!”
كانت ماري التي تعرّفت عليها أثناء عملها كخادمة في قصر بلوسوم.
على عكس روبي ، كانت ماري خادمة عادية و ليست من ‘البوم’ ، لذا كانت تتساءل مؤخرًا عن سبب تغيير وظيفة روبي المفاجئ.
بالطبع ، لم يكن هناك شيء يمكن لـروبي أن تخبرها به.
بينما كانت تهمّ بالمرور بعد إلقاء تحيّة عابرة ، أمسكت ماري بذراعها و تحدثت.
“يا هذه ، هل سمعتِ ذلك الخبر؟”
نفضت روبي يد ماري عن ذراعها بلطف و رسمت ابتسامة اعتذار.
“أنا آسفة ، لكنني مشغولة قليلًا الآن ، يجب أن أسرع للمنزل للاعتناء بإخوتي”
و بينما كانت تنزل الدرج بسرعة ، لم تطق ماري صبرًا على إبقاء لسانها داخل فمها ، فتبعتها بسرعة و همست بصوت منخفض.
“يقولون إنّ السيد فيريل قد مات”
توقّفت خطوات روبي فجأة ، و انطلقت ماري بحماس بعد أن رأت رد الفعل الفوري ، و وقفت بجانب روبي هامسة بصوت غامض.
“و الأكثر صدمة ، هل تعرفين ماذا؟ لقد وُجدت الجثّة بلا لسان ، ممّا يعني أنّه لم يكن حادثًا”
شحب وجه روبي كلّما استمرت ماري في حديثها.
هل كان موت السيد فيريل ، الذي قدّم لها رشوة لمعرفة حقيقة الآنسة آثا منذ فترة ، مجرّد صدفة؟
كلا.
لا يمكن أن يكون صدفة أبدًا.
حينها سمعت كلمات ماري المرعبة.
“آه ، صحيح. قلتِ إنّكِ ذهبتِ إلى الطابق الثالث ، أليس كذلك؟ كـ …”
التفتت روبي بسرعة و كمّت فم ماري بيدها ، بينما رفعت سبّابة يدها الأخرى محذّرة.
“أنتِ ، لا تشعري بالفضول ، ولا تسألي ، ولا تنطقي بحرف واحد”
عندما أومأت ماري برأسها بقوة بعد أن أدركت خطورة الموقف ، رفعت روبي يدها عن فمها و تراجعت للخلف.
تبادلت روبي و ماري النظرات بوجوه يملؤها الرعب ، ثم غادرتا المكان في الوقت نفسه تقريبًا دون أن تسبق إحداهما الأخرى.
***
في ذلك الوقت ، في قاعة الرقص.
توقّفت خطوات سيدريك الذي كان يطارد أثر آثا فقط.
لقد ظهر رجلها.
حتى قبل قليل ، كان يفكّر في أنّه يتمنّى ألّا يجعل ولي العهد آثا تشعر بالوحدة.
لكن رؤيتهما معًا هكذا جعلت مرارةً تسري في حلقه.
و بينما كان واقفًا بذهول ، اقترب منه المضيف بضجّة.
“ها أنت هنا ، لقد بحثتُ عنك كثيرًا”
أشاح سيدريك بنظره عن آثا ، و تأكّد من هوية الرجل الذي كان مع المضيف.
كان رجلًا ممتلئ القوام بشارب أنيق.
“هذا هو الكونت كورتيس ، يعمل في التجارة و بشكل أساسي في السلع الفاخرة مثل الخزف و السجاد”
“مرحبًا بك يا سيادة الماركيز ، أنا بوزي كورتيس ، لقد سمعتُ عنك الكثير من الكونت كاريون”
كان الكونت كاريون هو الشخص الذي تبادل الرسائل مع ولي العهد للحصول على دعم للقضاء على القراصنة.
أرخى سيدريك تعابير وجهه و صافح الكونت كورتيس.
“الكونت كاريون رجل أدين له ببعض الفضل ، هل تعمل في التجارة؟”
“نعم يا سيادة الماركيز ، بما أنّك قضيتَ على القراصنة تمامًا هذه المرة ، ألن يُفتح طريق التجارة البحرية مستقبلاً؟ لذا ، هناك بعض الأمور التي أودّ مناقشتها معك بهذا الشأن ، فهل يمكنك منحي بعض الوقت؟”
“بالتأكيد ، هل تعرف مكانًا هادئًا؟”
“هناك نادٍ في الطابق العلوي ، سأرافقك إليه”
***
بعد الانتهاء من وجبة مشبعة—
خرجت آثا من قاعة الرقص و استقلّت عربة أليستو معه.
ربما لأنهما كانا بمفردهما في مساحة العربة الصغيرة ، شعرت بتوتّر طفيف.
في قاعة الرقص سابقًا ، كانت المساحة واسعة و الناس كُثر ، و كان بإمكانها كسر الجمود بمشاركة اللحم أحيانًا.
لكن داخل العربة ، لم تجد أيّ كلام لتقوله.
نظرت خلسة إلى أليستو الجالس مقابلها.
و عندما رأت وجهه ، تذكّرت فجأة حقيقة اكتشفتها مؤخرًا.
و هي أنّها عندما ترى رجلًا وسيمًا أمامها ، ترتفع زوايا فمها تلقائيًا.
هذا حقيقي.
في هذا الموقف ، لم يكن هناك سبب واحد للابتسام سوى ذلك الوجه.
حتى مع تشوّش عقلها بسبب ذلك الكاهن المريب.
ألم يفرغ عقلها في لحظة؟
هل هذا هو مفعول الرجل الوسيم؟
بدأ قلبها يخفق دون داعٍ.
***
كان أليستو يراقب تلك القدّيسة بهدوء.
كانت تحرّك عينيها باستمرار.
و كأنّها قلقة أو متوتّرة.
و بما أنّ المرأة الجالسة أمامه كانت تتصرّف هكذا ، شعر و كأنّ عدوى ذلك القلق أو التوتّر قد انتقلت إليه.
عندما بدأت نبضات قلبه التي تنبض ببطء عادةً تتسارع قليلاً ، أخذ أنفاسه بهدوء لتهدئة نفسه.
‘أشعر و كأنّ العربة تزداد حرارة ، أم أنّ هذا مجرد شعور؟’
لو كان بمفرده لفتح نافذة العربة ، لكنّه لم يفعل.
فـالقدّيسة كانت ترتدي فستانًا بفتحة صدر مستديرة ، و كانت مساحة واسعة من بشرتها عارية لدرجة ظهور عظمة الترقوة.
بما أنّ الشمس قد غربت و الهواء بارد ، خشي أن تُصاب بالبرد إذا تعرّضت للرياح الباردة.
تحمّل هذه الحرارة أفضل من جعل شخص ضعيف يمرض.
و بما أنّها بدت ضعيفة البنية و تكشف عن بشرتها هكذا ، لم يستطع إلّا أن ينشغل باله بها.
بمناسبة الحديث ، لماذا ارتدت فستانًا بفتحة واسعة هكذا؟ بحيث تظهر بشرتها بالكامل.
‘…؟’
لا ، بشرتها …؟!
و بينما كان يتابع أفكاره ، بدأ وجه أليستو يسخن فجأة.
لقد أدرك للتوّ أنّ ما تقع عليه عيناه هو ‘بشرة’ القدّيسة.
شعر بالحرج من النظر إليها ، فأنزل نظره بسرعة ، فوقعت عيناه على يديها النحيفتين اللتين تتحركان بارتباك.
أجل.
من الأفضل النظر إلى يديها.
بما أنّها كانت تحرّكهما باستمرار ، فلن يشعر بالملل.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يراقب فيها يد امرأة هكذا بهدوء.
و فجأة ، راوده تساؤل.
هل أيدي النساء الأخريات بيضاء و صغيرة هكذا؟
أم أنّ القدّيسة هي الوحيدة هكذا.
حتى دون التدقيق ، كانت يداها نحيفتين للغاية ، لدرجة أنّه شعر أنّ كلتا يديها ستتّسعان في قبضة يد واحدة من يديه.
و فجأة ، تملّكه الفضول لمعرفة شعور الإمساك بتلك اليد.
‘… أمسك يدها؟’
هل جُننت؟
لماذا تراودني مثل هذه الأفكار الدنيئة؟
بالطبع ، بالنظر إلى هدفه ، فقد حان الوقت للبدء بالتواصل الجسدي.
فلا شيء يقرب المحبين اللذين بدآ علاقة للتوّ بسرعة و عمق مثل اللمس.
لكن لسبب ما ، شعر أنّها فكرة منافقة للغاية.
فكرة أنّه لا يريد إمساك يد هذه المرأة لمجرّد تحقيق هدفه فقط.
ألقى بنظره خارج النافذة.
لأنّه رأى أنّه من الأفضل صرف انتباهه عن القدّيسة الآن.
لكن سرعان ما عادت عيناه لتنظرا إليها و كأنّهما تخونان عقله.
عند هذه النقطة ، لم يجد بدًا من الاعتراف.
لقد أراد إمساك يد هذه المرأة الآن.
لا يدري أكان ذلك لجمالها أم لنعومتها ، لكنّه كان متأكدًا من أنّ الأمر لم يكن لمجرّد هدفه فحسب.
التعليقات لهذا الفصل " 19"