إذا طُلب من آثا اختيار شخص واحد لا تود لقاءه أبدًا في المستقبل ، فستختار سيدريك دون تردد.
‘لكن ، أن نلتقي هنا و بهذه الطريقة؟’
بل إنه تنكر في مظهر روبرت و ظلّ معها طوال هذا الوقت؟
لم تستطع آثا إخفاء ملامح الارتباك و الذهول بتاتًا.
تقدم سيدريك نحوها خطوة ، و هي التي فشلت تمامًا في التحكم بتعابير وجهها ، و سأل: “لماذا يبدو وجهكِ هكذا؟”
حتى في هذه اللحظة ، كانت الابتسامة تعلو وجهه ، و صوته يفيض بالحنّية.
بمظهره المتألق و عينيه الدافئتين و حديثه اللطيف ، كان يبدو مثاليًا ، لكنه الشخص نفسه الذي كان يخفي هويته حتى قبل قليل.
لماذا أخفى هويته؟
‘.. لا ، لماذا اختار كشفها الآن بالتحديد؟’
و روبي ليست هنا!
آه ، هل اختار هذا الوقت لأن روبي ليست هنا؟
أدركت آثا بغريزتها أن عليها الهرب فورًا ، لكن قدميها تسمرتا في مكانهما.
يقال إن الحيوان العشبي لا يستطيع الحراك أمام المفترس ، فهل هذا هو الشعور؟
بينما كانت متجمدة من الرعب ، كان سيدريك قد أصبح أمامها مباشرة.
نظرت إليه آثا و فتحت فمها ببطء: “أنا فقط مـ ، مندهشة. لم أتوقع هذا الموقف أبدًا ..”
و بطريقة تثير القشعريرة حقًا.
لمست يد الرجل الذي ينظر إليها من الأعلى وجنتها.
ابتسم بإشراق و هو يغمض عينيه برقة ، ثم خفض رأسه ببطء.
و عندما تلامست جبهتاهما —
“الآن ، اختفت كل العوائق التي كانت بيننا”
شعرت آثا بالرعب من كلماته.
العوائق بيننا؟
و أي علاقة تربطنا أصلاً؟
لم تستطع السؤال.
فنظراته ، نبرة صوته ، تصرفاته ، و الهالة المحيطة به ، كل شيء كان يوحي بأنه يعامل حبيبته.
كانت هذه تجربة مروعة حقًا.
لو كان مجرد اعتراف بالحب لخلعت حذاءها و هربت ، فما بالك بهذا …!
‘يبدو أنه ليس مجرد مجنون ، بل فقد عقله تمامًا ، أليس كذلك؟’
بما أن أي خطأ قد يودي بحياتها ، فمن الأفضل أن تنحني بانتظار الفرصة و تراقب الأجواء بينما تنادي إيسيس.
ربما تحولت أفكارها إلى فعل لا إرادي—اتجهت يدها نحو القلادة دون أن تشعر.
و لكن—
بمجرد أن لمست يد آثا القلادة ، لمعت عينا سيدريك بحدة.
انقلب مزاجه في لحظة.
فهذه القلادة المعلقة في عنقها الأبيض النحيل ، من الواضح أن ولي العهد هو من أعطاها إياها.
بمعنى آخر ، كانت كأثر من حبيب سابق لامرأته.
“آثا ، ابعدي يدكِ”
اختفت نبرته الناعمة و حل محلها صوت منخفض لدرجة شعرت معها بالتهديد.
بصوت يشبه الزمجرة ، و عندما ترددت يد آثا ، أبعد يدها و أمسك بقلادة الماس الوردي بقبضته.
“لم تعجبني أبدًا في كل مرة رأيتها فيها”
تودوك—
جذب سيدريك قلادة آثا بقوة لدرجة انقطع معها الخيط ، و لم يبالِ بالجلد الذي سحجته القلادة.
“آه ..!”
لم يلتفت حتى لأنينها المتألم البسيط ، و رمى القلادة المقطوعة في مكان ما وسط الأعشاب.
حاولت آثا الاندفاع نحو الأعشاب بسرعة ، لكن ذراع الرجل الصلبة التي عانقتها من الخلف بقوة منعتها.
و مع ذلك ، كانت لمسات يده و هي تمسح على شعرها حذرة و رقيقة بشكل غريب.
كيف يمكن وصفه؟
مجنون يجمع بين اللطف و الخبث في آن واحد؟
‘لهذا كانت آثا الأصلية تحاول جاهدة الهرب منه’
قال المجنون: “هل تعرفين ماذا ضحيتُ به من أجلكِ؟”
بصراحة ، لم تكن تريد أن تعرف.
حاولت التملص و الهرب من بين ذراعيه القويتين اللتين كانتا تضيقان عليها أكثر ، لكن فارق البنية و القوة كان شاسعًا.
“بماذا ضحيتَ من أجلي؟”
و قبل أن تنطق بالكلمات التي كادت تخبره فيها ألا يضحي بشيء بل يغرب عن وجهها ، وصلت أنفاسه مع صوته إلى أذنها.
“التضحية بقتلكِ لإعادة الوقت”
توقف نَفَس آثا في تلك اللحظة.
أو ربما الأصح قول إنها كتمت أنفاسها.
كانت إجابة واضحة لدرجة أنها لم تعد بحاجة لسؤاله عما إذا كانت هي الوسيط.
ظن سيدريك أن رد فعلها ظريف جدًا ، فدفن شفتيه في رقبتها.
و بينما كانت شفتاه تلامسان عنقها الأبيض ، قال بنبرة غائمة: “كيف لي أن أقتلكِ ، همم؟ و أنتِ بهذا القدر من الرقة”
شعر بريقها الجاف و هو ينزلق في حلقها ، و شعر بجسدها المحاصر بين يديه و هو يرتجف بشدة.
اتسعت ابتسامته لدرجة كادت تصل إلى أذنيه ، و ظل صوته عذبًا.
“التجارة البحرية و دالبيرت. لقد ضحيتُ بكل شيء. تمامًا كما ضحيتِ أنتِ بمنصب الإمبراطورة”
سأل و كأنه يزن مشاعرها ، أو يتأكد منها ، أو ربما يفرضها عليها: “مغادرتكِ للقصر ، كانت من أجل الهرب من مخالب ولي العهد و البدء ببداية جديدة معي ، أليس كذلك؟”
في تلك اللحظة ، شعرت آثا بشيء يلامس خصرها.
بشكل عجيب حقًا.
لم تره بعينيها ، و كان مجرد إحساس عبر ملابسها ، لكنها عرفت أنه نصل سكين.
‘إذًا ، أنت تهددني الآن؟’
أتموتين؟
أم تعيشين معي؟
قررت أن تساير الإيقاع الغريب الذي يفرضه.
عليها أن تتصرف بطاعة أولاً لتخرج على الأقل من هذه الغابة المقفرة.
أومأت برأسها ببطء.
“نعم ، هذا صحيح. أريد أن أبدأ بداية جديدة معك”
بدت إجابتها هي الخيار الصحيح.
فأرخى سيدريك أخيرًا قبضته التي كانت تحاصرها.
“كنتُ أعلم ذلك. هيا لننطلق. لنبحث عن عشنا الصغير”
سألت آثا بنبرة مشوشة و هي تسمع صوته المليء بالضحك: “لكن روبي لم تعد بعد ..؟”
ضحك بخفة و جذب رأس آثا من الخلف و طبع قبلة على جبهتها المستوية.
بكل رقة ، كعاشقين قديمين.
لكن مضمون الكلمات التي خرجت من فمه لم يكن رقيقًا أبدًا.
“سنترك روبي و نرحل. ربما قبل أن ينتهي هذا الليل ، ستصبح طعامًا للوحوش الضارية ، أليس كذلك؟”
عندما عجزت آثا عن الكلام من هول الكلمات القاسية ، نقر سيدريك على أنفها و قال بمزاح: “هذا جزاء بقائها قريبة منكِ أكثر من اللازم. لقد كدتُ أموت من الغيرة”
و بينما كان يدفع ظهر آثا نحو العربة ، قاومت و قالت بذعر: “انتظر لحظة! لا أظن أن تركها هنا هو التصرف الصحيح. أرجوك. لننزل من الجبل معًا على الأقل .. كـ ، كح!”
لم تستطع آثا إكمال جملتها.
لأن سيدريك قبض على عنقها في منتصف الكلام.
نظر إلى وجهها الذي احمرّ من ضيق التنفس ، و قال ببرود و هو يلوك الكلمات: “لا تكوني مزعجة ، آثا. فأنا أريد حقًا أن أكون زوجًا حنونًا و لطيفًا معكِ”
شعر سيدريك بدافع متصاعد و هو ينظر إلى يدها الصغيرة التي تضرب ذراعه و إلى وجهها الذي صار أحمر كأنه سينفجر.
أأقتلها الآن؟
‘..’
ظننتُ أنني سأكون سعيدًا بمجرد بقائها بجانبي عندما لم تكن ملكي.
لكن عندما أصبحنا في علاقة يمكنني فيها الوصول إليها بمجرد مد يدي ، بدأ ماضيها يراودني باستمرار.
‘لستُ أنا الأول’
هكذا هو الأمر.
بعد انتظار طويل ، حصلتُ أخيرًا على التفاحة المتألقة ، لكن شخصًا ما كان قد أخذ منها قضمة بالفعل.
بالطبع كنتُ أعلم ، لكن أثر الأسنان كان أوضح مما توقعت.
في لحظة ارتباكها ، كم أزعجتني يدها التي كانت تمسك بقلادة الماس الوردي دون وعي منها.
حتى لو تظاهرتُ بعدم المعرفة ، كنتُ أشعر بالضيق و الغضب باستمرار.
“آد-
استعاد وعيه الذي كان يغلي بالغيظ عندما فقدت آثا وعيها و ارتخى جسدها.
ترك عنقها بسرعة و التقط جسدها الصغير ليحتضنه ، و بعد أن وضعها في العربة تأكد من تنفسها.
‘هوف. كدتُ أقتلها حقًا’
لستُ الأول ، لكن بما أن الأمر وصل إلى هنا—
أليس من الخسارة قتلها دون تذوق الحب؟
نعم.
بالتفكير في الأمر ، لا بأس بالاستمتاع بشهر عسل لعدة أيام.
و بعدها ، عندما ينفد صبري ، يمكنني البدء من جديد حينها—
بينما أتخذ القديسة الطاهرة زوجة لي.
ضحك بحدة و أغلق باب العربة ، ثم جلس في مقعد السائق.
في النهاية ، انطلقت العربة بدون روبي.
***
لامس طرف السيف الذي يحمله كاستر حنجرة جيلبرت.
“تراجع ، أيها الماركيز جيلبرت ويغل”
كم كان صوته باردًا.
تراجع جيلبرت ببطء و نظر تارة إلى كاستر و تارة إلى الخادمة.
استطاع تخمين ما حدث تقريبًا.
‘هذه خيانة عظمى بلا شك ..!’
تحدث كاستر مجددًا: “سأقوم باحتجازك ، فأنت أول من اكتشف الجثة في غرفة نوم الإمبراطور. حتى ينتهي تشريح الجثة و يُعرف سبب الوفاة”
***
ركض ستيفان ، بومة الجسر ، كأن النار تشتعل في ذيله.
لم يتوقف لمرة واحدة رغم أن أنفاسه كادت تنقطع ، و رغم أن ساقيه كانتا تؤلمانه كأنهما ستنفجران.
عندما رأى القصر الإمبراطوري و دخل قصر بلوسوم ، بذل قصارى جهده حتى وصل أخيرًا إلى الطابق الرابع ، و فتح باب المكتب المشترك.
توجه نحو ولي العهد دون مراعاة لأي بروتوكول ، و أخبره بما حصل فورًا: “لقد قُتلت غارنيت”
التعليقات لهذا الفصل " 118"