“يمكنني معرفة ذلك. سواء كان ينوي استخدام قدرتكِ أم لا”
كان حديثه أسرع قليلاً من المعتاد ، و نبرته أعلى ، أما تعابير وجهه فكانت … يائسة.
في تلك اللحظة، أطبقت آثا شفتيها.
لم تستوعب الأمر.
سيدريك رجل يعمل مع “البوم” في قصر ولي العهد.
حتى لو افترضنا—و لو لمرة واحدة—أنني مخدوعة حقًا بـأليستو ، ألا يجب عليه هو أن يغض الطرف و يتجاوز الأمر؟
أليس من المفترض أن يحاول كسب رضا ولي العهد؟
إذا كُشف أمره و هو يقول مثل هذا الكلام لامرأة ولي العهد في قلب حديقة بلوسوم ، فلن ينجو هو ولا عائلة دالبيرت ، أليس كذلك؟
فجأة ، تملّكها الفضول ؛ لماذا يحاول بهذا الإصرار و التحرق إبلاغها بأن أليستو شخص خطر؟
لم يكن من السهل اعتبار الأمر مجرد محاولة للوقيعة ، ثمة شيء ما يثير الريبة.
‘هل من التسرع أن أشعر بأن كلماته و تصرفاته نابعة من صدق؟’
بالتفكير في الأمر ، هي ركزت فقط على حقيقة معرفته بالنبوءة و هاجمته بناءً على ذلك.
و لكن ماذا عنه هو؟
طوال المحادثة ، كان يتصرف بتهذيب شديد و لم يبدُ عليه سوى القلق عليها.
راقبته آثا بتمهل ، هذا الرجل الأشقر الواقف أمامها ، ثم سألت فجأة: “لماذا تقول لي هذا الكلام؟”
و ليس هذا فحسب.
بل لماذا يقوله …
بتلك الملامح التي تبدو و كأنها على وشك البكاء؟
ابتسم سيدريك بخفة و هو ينظر للمرأة التي تتساءل عن دوافعه.
التقى بعينيها ، و ضمن صوته نبرة دافئة: “لا أعرف السبب تمامًا. ربما هي رغبتي في حماية القديسة كوني مؤمنًا مخلصًا بـإيسيس؟ أتمنى أن تكون الآنسة آثا سعيدة. لذا … أود أن تتزوجي من يقدركِ و يحبكِ أكثر من أي شخص في العالم، لا من يخدعكِ”
كان يتظاهر باللطف ، بينما في داخله شعر بمرارة لعدم سير الأمور تمامًا كما خطط.
كان يتوقع أنها ستغرق في الحزن بمجرد سماع كلامه.
ظن أنها ستصدم ، و تتألم ، و تتزعزع ثقتها.
لكن هز ثباتها النفسي كان أصعب مما تخيل.
لم يعرف إن كان ذلك بسبب قوة إيمانها بولي العهد أم لكونها شخصية عقلانية جدًا ، لكن الاضطراب الظاهر عليها لم يرقَ لمستوى توقعاته.
‘هل يجب أن أكتفي اليوم بإحداث شق صغير في جدار قلبها؟’
‘أردتُ زعزعتها أكثر’
‘يجب أن ينجرح قلبها بما يكفي حتى أتمكن أنا من احتضانها و مواساتها’
‘.. يا للأسف’
كان شعورًا غريبًا ؛ يقلق عليها من الجرح ، و في الوقت ذاته يتحين لحظة ضعفها ليكون هو الملاذ.
على أي حال—
العزاء الوحيد هو أن صدقه وصل إليها على ما يبدو ، بالنظر إلى أن ملامحها الباردة قد لانت قليلاً.
“قلتَ قبل قليل إن بإمكانك معرفة ما إذا كان سمو ولي العهد ينوي استخدام قدرتي أم لا. كيف ذلك؟”
في الواقع ، رغم أن وجه آثا أصبح أرق ، إلا أنها لم ترفع حذرها تجاه سيدريك تمامًا.
لقد خففت من حدة الجو فقط لتعرف ما يمكن معرفته.
‘ليس من الضرر أن أستمع إليه ، أليس كذلك؟’
‘القرار النهائي يعود لي في النهاية’
لم تركز فقط على محتوى كلامه ، بل كانت ترقب كل شيء ؛ من نظرات عينيه إلى شحوب وجهه وصولاً إلى أطراف أصابعه التي ترتجف بخفة.
“لو لم يكن ينوي استخدام تلك القوة ، لما سألكِ ‘كيف’ تستخدمين قدرتكِ كما فعلتُ أنا. من البديهي أن من يعرف الطريقة سيطمع بها ، لذا فإن الشخص الصادق لن يسمح لتلك البذرة بالنمو من الأساس. و هو … ليس من هذا النوع”
قال سيدريك هذا و هو متيقن في قرارة نفسه أن ولي العهد قد سألها بالفعل عن طريقة استخدام قدرتها.
و كما توقع.
رصد وميضًا من الاضطراب في عيني آثا و هي تسمعه.
‘بالطبع’
‘ولي العهد الحذر و الدقيق كـأليستو ، يستحيل ألا يكون قد سأل’
كان بحاجة لمعرفة ما يتطلبه الأمر لإعادة الزمن ، ليضمن عدم انتشار أي وسيلة أو وسيط معين يمثل شرطًا لتلك القوة في الأسواق.
ليضمن ألا يستخدم أحد قدرة القديسة غيره.
أليستو هو هذا النوع من الأشخاص.
الشخص الذي لا يرتاح إلا إذا اجتث أي احتمال قد يقف ضده ، مهما كان.
لكن سيدريك زيف الحقيقة قليلاً لآثا.
أوهمها أن سؤال ولي العهد عن شروط تفعيل قدرتها ليس لقطع الطريق على أي تهديد محتمل له … بل لأنه يرغب في استخدام تلك القدرة.
‘من المؤسف أنني اضطررت لعدم الصدق معها للحظة ، لكن لا بأس’
‘فأحيانًا تكون الكذبة البيضاء ضرورية’
‘لم تكن هذه الكذبة من أجلي ، بل من أجلها هي … لتخليصها من الفخ’
و مع ذلك—
‘أليس الأهم في النهاية هو أن حبي لكِ صادق؟’
انتقلت نظرات سيدريك التي كانت تراقب عينيها إلى شفتيها.
تلك الشفتان الحمراوان المكتنزتان.
تمنى في سره أن تنطقا يومًا بكلمات الحب تجاهه.
و بعد هذا التمني الصغير ، وجه لها الضربة القاضية: “ما رأيكِ؟ ألم يسألكِ سمو ولي العهد؟ عما يجب فعله لتعيدي الزمن؟”
لم تفتح فمها ، لكن صمتها كان هو الجواب.
و هنا قرر أن يغرس المسمار الأخير بقوة: “إنه لا يحبكِ. لقد اختار وسيلة الزواج ليربطكِ به ، لأنه سيحتاج لاستغلال قدرتكِ يومًا ما”
هنا ، راود آثا سؤال مشابه لما راود سيدريك في وقت سابق: “هل سيأتي يوم يحتاج فيه سموه لقدرتي؟ كما تعلم ، سمو ولي العهد يملك كل شيء بالفعل ، و هو شخص يستطيع فعل أي شيء يريده”
كانت تقصد: ‘ما الحاجة لإعادة الزمن أصلاً؟’
نظر سيدريك إلى آثا و هي تطرح نفس السؤال الذي طرحه هو على الكونت ديرك ، و تأكد مرة أخرى أنهما “مقدران لبعضهما”
بدأ يشرح لها بتؤدة ، و كأنه يعلم طفلة بريئة حقيقة العالم: “لأنه مثالي ، فهو يحتاج لقدرتكِ أكثر. منذ فترة ، تعرضتِ للخطر بتحريض من جلالة الإمبراطور ، أليس كذلك؟ هل تعرفين السبب؟”
هزت آثا رأسها بخفة: “سمعتُ فقط أنه كان بدافع الانتقام من سمو ولي العهد”
حينها ، أضاف سيدريك الكلمات التي كان ينتظر قولها.
دون أن يرف له جفن.
كلمات مغلفة بالأكاذيب: “لأن سمو ولي العهد قتل الفيكونت أوكلي ، ابن جلالة الإمبراطور … أي شقيقه غير الشقيق. و سبب قتله هو أن ‘جهة الإمبراطور’ كانت تستعد لتسجيل الفيكونت أوكلي كأمير رسمي. لا أعرف مدى علمكِ ، لكن لو تم تسجيله كأمير رسمي ، لتغيرت موازين القوى السياسية تمامًا”
رسم سيدريك ملامح رصينة و كأنه شخص رأى المستقبل و عاد: “لننظر لجانب آخر ؛ هل تعلمين أن ولي العهد قتل الكاهن الأكبر؟ لقد تخلص من الجثة في مكان مناسب ليقيد أيدي كبار الكهنة ، لماذا؟ ليؤسس جهاز الرقابة الدينية و يقيلهم جميعًا. و بعد ذلك ، سيضع رجاله في تلك المناصب الشاغرة. ولي العهد ينوي ابتلاع المعبد أيضًا. ألا ترين أن طموحه أكبر مما يتخيله المرء؟”
فجأة ، ارتخت يد آثا ، و سقط الشال الذي كانت ترتديه على الأرض.
لم تفكر حتى في التقاطه.
‘شقيق غير شقيق؟’
‘الكاهن الأكبر؟’
كانت هذه قصصًا لا تعرف عنها شيئًا على الإطلاق.
الأحداث التي ذكرها سيدريك كانت جسيمة جدًا حتى في نظرها و هي لا تفقه شيئًا في هذه الأمور.
بل كانت أكثر من مجرد “أحداث جسيمة”.
‘لو فشل … ألم يكن ليحتاج لقوة إعادة الزمن؟’
و بينما كانت تعض على شفتها السفلية لا إراديًا ، تنهد سيدريك بخفة و انحنى ليلتقط الشال من الأرض.
نفضه مرة واحدة و اقترب من آثا ، ليخيم ظله الكبير فوق رأسها.
اقتراب شخص ضخم و هو يولي ظهره للشمس جعلها تشعر بالرهبة للحظة ، لكنه أعاد وضع الشال على كتفيها بلمسة دافئة جدًا.
ثم ، و كأنه يقرأ ما يدور في عقلها—
نظر في عينيها و قال كل كلمة بوضوح و تأكيد: “لو كان قد فشل ، لاستخدم قدرتكِ على الفور”
عندما خرجت الكلمات التي توقعتها تمامًا من بين شفتي الرجل ، ابتلعت آثا ريقها بصعوبة.
نظر سيدريك في عينيها البنيتين اللتين بدأتا ترتجفان بارتباك.
لم يكن الاضطراب في عيني آثا مجرد اهتزاز بسيط كما كان قبل قليل.
لقد بدا عليها الخوف الشديد ؛ جف ريقها فبدأت تبلل شفتيها ، و عادت لتعض على شفتها السفلية مجددًا.
التعليقات لهذا الفصل " 104"