5
─────────────────────
🪻الفصل الخامس🪻
─────────────────────
“ربّــاه، يا للعجب!”
“هل يمكنُ أن يكون هناك طعامٌ يبدو بهذا الإغراء؟”
“رائحتهُ ساحرة لدرجة تجعلني أرغب في انتزاع الشوكة والتهامه الآن!”
“لا شكّ أنهم استخدموا أجود المكونات وأكثرها طزاجة!”
كانت الأصواتُ متشابهة، لكنها خاليةٌ من أيّ نبرةٍ طبيعية، كأنها تمثيليةٌ متكلفةٌ تفتقر إلى الروح.
‘حقًا، المشاكلُ هنا كثيرة.’
لو استمرّ الوضع على هذا النحو، فحتى اللاعبُ المفتون برسومات الواقع الافتراضيّ الخلابة التي قدمتها الشركة سيفقدُ شغفه باللعبة سريعًا. أنا مثالٌ حيّ على ذلك.
بعد أن خفتت تعجّبات الخادمات، بدا وكأن الجوّ قد تجمد فجأة.
شعورٌ كأنما العاصفةُ تلوح في الأفق، تنذرُ بحدثٍ غير عادي.
لكن، مهلاً، هذا ليس شأني الآن.
‘لنرى ما لدينا هنا.’
حولتُ نظري إلى الطبق الذي كُشف عنه للتو.
‘واه.’
لم تكن مبالغات الخادمات بلا أساس. رغم تصرفاتهن المتكلفة، كان اللحمُ يفوح برائحةٍ مغرية، وهو يتلألأ بلمعانٍ ناعم.
قشرته المشويةُ بلونٍ ذهبي بدت مقرمشة، وكنتُ أتخيل بالفعل طراوة اللحمِ الذي يختبئ تحتها، جاهزًا ليذوب في الفم.
لكن، ما إن رفعتُ الشوكة حتى ظهرت نافذةُ تحذيرٍ لامعة أمام عيني.
[تحذير! يُوصى بالالتزام بقواعد السلامة.]
‘حسنًا، على الأقل دعني أتذوقه…’
[تحذير! يُوصى بالالتزام بقواعد السلامة.]
كلما حركتُ رأسي، كانت النافذة تلاحقني بعنادٍ مزعج، كأنها ظلٌ يرفض مفارقتي. أخيرًا، أغلقتُ فمي بتعبيرٍ متجهم، وقد استسلمتُ للواقع.
أن أرفض طعامًا يبدو بهذا الإغراء، إنها لقسوةٌ حقًا.
لكنني، من ناحية أخرى، أفهم موقف الشركة المتزمت.
ربما لأن هذه نسخة تجريبية، فهم يريدون من اللاعبين الالتزام بالسيناريو المحدّد بدلاً من القيام بتصرفاتٍ عشوائية قد تكشف عن ثغراتٍ لم يتم تهيئتها بعد.
طِــق.
وضعتُ الشوكة جانبًا بحزم، وفتحتُ فمي بنبرةٍ واثقة.
“سيدي الطاهي.”
في لحظةٍ، ساد الصمت غرفة الطعام، كأن الهواء نفسه تجمد.
في هذا الهدوء الغريب، اقتربَ الطاهي وأمالَ رأسه قليلاً.
“نعم، تفضلي.”
“ما نوعُ هذا اللحم؟”
أشرتُ بعيني إلى الطبق الذي لا يزالُ يتصاعد منه البخار.
“أوه، يا لي من نسّاء! لقد نسيتُ أن أخبركِ!”
ردّ بنبرةٍ متكلفة، ثم تراجع خطوةً إلى الوراء وغيّر نبرته فجأة إلى أسلوبٍ أكثر جدية.
“إنه لحم ■■■.”
كما توقعتُ، لم يتمّ تهيئة هذا الجزء بعد.
كانت الأحاسيس في اللعبة، مثل النوم أو الجوع، محاكاةً بدقةٍ مذهلة، لكن طعم الطعام؟ تلك قصةٌ أخرى.
لا يمكنُ لعقلي أن يتخيل طعمَ شيءٍ لم أتذوقه من قبل.
بينما كنتُ أفكر، أعدتُ النظر إلى الطبق.
‘مهلاً؟’
بعد أن تبدّد البخار، رأيتُ شيئًا لم ألاحظه من قبل.
فوق الطبق، كانت هناك خصلةٌ سوداء ملفوفة كالسباغيتي… شعر!
“هذا، هذا، هذا…”
شعرتُ بقشعريرةٍ تنتشر في جسدي من القرفِ الغريزي.
‘هذا شعرٌ بلا شك!’
وليس مجرد شعرة أو اثنتين، بل كتلةٌ كاملةٌ من الشعر، حتى أنني رأيتُ جذورها!
أنا، التي نظّفتُ أرضية شقتي مراتٍ لا تُحصى، لا يمكن أن أخطئ في تمييز هذا.
تلاشت شهيتي في لحظة، ولم أتمالك نفسي عن إظهار تعبيرٍ صريحٍ بالخيبة.
“آه.”
من الناحية الإنسانية، لا يمكن أن يكون هناك طاهٍ عاقل يضع شعرًا في الطعام، لذا لا بد أن هذا خطأ في النظام.
ربما، بسبب استخدام ذكاءٍ اصطناعي رديء، تم الخلط بين الطبقِ الأبيض ووجهٍ بشري، فأُضيفَ الشعر فوقه؟
سمعتُ أن بعض شركات الألعاب تستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليل تكاليف التصميم، لكن هذه لعبة واقع افتراضي، وليست مجرد رسومٍ متحركة!
أن أرى توفير التكاليف بهذا الشكل جعل قلبي يتحطم.
‘ربما يجبُ أن أخفضَ تقييمي للعبة.’
بينما كنتُ غارقةً في حيرتي بين التفاصيلِ المذهلة والأخطاء الفادحة، سمعتهُ يسأل بنبرةٍ باردة:
“ألا تودّين التذوّق؟”
كان يحدقُ بي بلا أدنى حركة، وقد اختفى الحماس الذي رافق وصفه للطبق.
[الإعجاب -3]
[تحذير: إذا انخفضت درجة الإعجاب بالشخصيات الرئيسية إلى ما دون مستوى معين، قد تفقدين فرصة الحصول على معلوماتٍ هامة.
استخدمي الوظائف والعناصر المتاحة في اللعبة للتفاعل مع الشخصيات.]
وها هو الإعجابُ ينخفض كالصاعقة.
لم أكن أعلم حتى أنه يمكن أن يصبح تحتَ الصفر…
“أممم، حسناً، إنه…”
لم أتمكن من إخفاء ارتباكي، فظهرَ على وجهي بوضوح.
هذا؟ شعر؟ تريدني أن آكل شعرًا؟
بينما كنتُ أتردّد، تابع الطاهي بنبرةٍ كئيبة، أو بالأحرى…. نبرةٌ سلبيةٌ وخافتةٌ للغاية كما لو أنهُ أصيب بخيبة أمل.
“لمَ لا تتذوقينه؟ هل هناك ما يزعجكِ…؟”
من خلال هذا السلوك، تأكدتُ من شكوكي.
‘حتى لو كان النظام يتحكمُ في كلّ شيء، فإن الذكاء الاصطناعي الذي يلعبُ دور الشخصية قد يشعرُ بالإهانة.’
إذا كان هذا الشعرُ نتيجة خطأ في الذكاء الاصطناعي، فمن المؤكد أن الطاهي يراهُ كسباغيتي عادية.
ومع ذلك، للأسف، لم أكن مستعدةً للتظاهر بتناول هذه القنبلة البصرية (بمعنى آخر).
‘لم أكن أرغبُ في اللجوء إلى هذا الأسلوب.’
لمحتُ تحذير النظام الذي لا يزالُ يومض في زاوية رؤيتي، ثم رفعتُ الشوكة وعليها الشعر.
نعم، الشعرُ تحديدًا.
بعد أن تأكدتُ بعينيّ وملمسه، قلت:
“ما الذي تراهُ هنا؟”
“… ماذا؟”
“انظر جيدًا.”
كانت كتلةُ الشعر تتأرجحُ مع حركة يدي.
بدأ الطاهي يبدي ارتباكًا واضحًا، وهو يتلفتُ بعصبية.
“إ-إنها سباغيتي…”
“لا، قلتُ لكَ انظر جيدًا. هل تبدو هذه سباغيتي حقًا؟”
هــزّ، هــزّ.
مع كل هزةٍ للشعر، كان كتفاهُ يرتجفانِ قليلاً.
“إنهُ شعر!”
“لا يمكنُ أن يكون كذلك…”
لا فائدةَ من إنكاره.
من وجهة نظر الطاهي، كان يراها سباغيتي بالتأكيد، لكنني أصررتُ على أنها شعر، مما جعلهُ في موقفٍ محير.
لكن الذكاء الاصطناعي هو ذكاءٌ اصطناعيّ في النهاية.
لا يملكُ القدرة على الحكمُ على الحقائق بنفسه، بل يعتمدُ على توقع الإجابة الأكثر منطقيةً في سياق الحوار.
إذا أصرّ المستخدم على شيءٍ ما، فسيضطرّ في النهاية إلى القبول به، مهما كان خطأً.
كان هذا الذكاء الاصطناعي، بطبيعته الممتثِلة، مثاليًا للتلاعب العقليّ؛ فما إن تبدي إصرارًا كافيًا، حتى يبدأ في التشكيكِ بالمنطق نيابةً عنك.
“افتح عينيكَ جيدًا… أو، على أيّ حال، انظر بعناية. سترى أن هذا شعرٌ بالتأكيد. شعرٌ أسود، رفيع، بملمسٍ خشنٍ كالليفة. هل هناك سباغيتي بهذهِ المواصفات؟ حقًا؟”
“لا أعتقدُ أن…”
“بل هو كذلك.”
“آه!”
أمسك الطاهي برأسه، غارقًا في الحيرة، لكنه اضطرّ أخيرًا إلى الإيماء موافقًا عندما دفعته بالشعر أمام وجهه مرة أخرى.
“ح-حسنًا، يبدو أنهُ كذلك…”
أمام إصراري اللا إنسانيّ، كان الذكاءُ الاصطناعي عاجزًا.
“لا تعتقد أنكَ كنت ستقدمُ لي شعرًا لآكله، أليس كذلك؟ أنا ضيفةٌ هنا، وبيت بيلموند الدوقي لا يمكن أن يقدم مثل هذا، صحيح؟ أليس كذلك؟”
“أ، أم، آه…”
كان الطاهي، كدميةٍ آليةٍ معطلة، يحركُ رأسه بعنف، ثم بدا وكأنه أدركَ الخطأ أخيرًا، فرفع صوته بمبالغة:
“ربّــاه!”
“؟”
“يبدو أن خطأً وقعَ أثناء التحضير. أشكركِ من قلبي على لفتِ انتباهي!”
[الإعجاب +3]
عندما رأيتُ عودة درجة الإعجاب إلى سابقِ عهدها، انحنى الطاهي وقال:
“إذا تكرمتِ بمسامحتي، سأقدمُ طبقًا مثاليًا هذه المرة.”
عند هذه الكلمات، بدأت الخادمات، اللواتي كنّ يمتدحنَ الطبق قبل قليل، بحركةٍ متزامنة كأنهنّ ينتظرن الإشارة، في جمع الأطباق.
بينما كنتُ أستمتع بشعور النصر، استعدتُ رباطة جأشي وقلتُ بسرعة:
“لا، لا! أشعرُ ببعض التوعك، لذا سأغادرُ الآن.”
“هــا، لكن!”
حاول الطاهي التمسكَ بي، لكنني كنتُ قد أزلتُ منديل العنق بسلاسة ونهضتُ بالفعل.
“ههه! شكرًا على مجهودكَ!”
غادرتُ غرفة الطعام بسرعةٍ كالماء الجاري.
شعرتُ بنظراتٍ محبطة تخترق ظهري، لكن… لحظة، كيف يمكنُ أن أشعر بنظراتٍ من شخصٍ بلا وجه؟
على أيّ حال، لم يكن هناك مجالٌ لتناول مثلِ هذا الشيء!
‘آسفةٌ، يا سيدي الطاهي!’
خشيةَ أن يلحقَ بي، هرعتُ إلى غرفتي بأقصى سرعة.
─────────────────────
🪻شروحــات🪻
الغازلايتينغ (Gaslighting):
“التلاعب العقليّ” أو “الإضاءة الغازية”، مصطلحٌ يُستخدم لوصف نوع خفي من التلاعب النفسي، حيث يتعمّد الشخص تشويش الضحية ودفعها للتشكيك في ذاكرتها أو إدراكها أو حتى في عقلها.
وغالبًا ما يُمارَس عبر الإنكار المستمر، والكذب، وتقديم روايات متناقضة، بهدف زعزعة ثقة الضحية بنفسها والتحكم بها نفسيًا.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حســاب الواتبــــاد:
أساسي: Satora_g
احتياطي: Satora_v
انستــا: Satora_v
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻
التعليقات لهذا الفصل " 5"