الفصل 24 : الأشخاص الذين يحبونك (2)
أشار بإصبعه إلى مكانٍ ما. حيث تتبعت عينا الطفلة تلقائياً اتجاه إصبعه.
قلعة حادة على قمة جبل حاد.
كانت المنطقة بأكملها محاطةً بمنحدرات خطيرة. لم يكن هناك سوى أصوات طيور تنعق بصوتٍ مشؤوم “كا-كا-كا”.
“أنا خائفة… حقاً… خائفة.”
‘تشبه القلعة التي كنت أعيش فيها. مظلمة… موحشة، وكأن شيئاً سيئاً على وشك الحدوث.’
عندما رأى رايفن أن الفتاة مرتعبة، ربّت على جسدها أكثر لتهدئتها.
“لا، إيلي. لا شيء ليخيفك هنا—”
وفي تلك اللحظة
“يا أيها الوغد!”
“…بالطبع، لا بد أن يحدث هذا. هاا.”
انطلق صوت صراخ يهز الأرض ويملأ السماء.
بدا أن رايفن قلق، فاحتضن إيلي أكثر بين ذراعيه ونزل نحو الرجل الذي كان يشتمه دون سبب.
“أوه، تبدو شجاعًا هكذا؟ عندما كنت أدعوك للقدوم، لم تأتِ، والآن تظهر بهذه الجرأة.”
“اخرس.”
“ماذا؟ ‘اخرس’؟ هل تريد أن أقتلك حقاً؟ لقد أعطيتك ابنتي العزيزة.”
“هيليوس، توقف عن الغضب. وكف عن الشتائم.”
“وهل يبدو أنني أستطيع كبح الغضب؟ لقد حالفني الحظ بمقابلتك. كنت تختبئ عندما كنت أبحث عنك. ربما يجب أن أقتلك.”
“أبي… لنعود. أنا خائفة.”
عندها، أغلق الرجل ذو الشعر الذهبي الناري فمه فجأة، وكأنه سمع شيئاً غريباً.
“أبي؟ بعد أن حولت ابنتي إلى هذا الشكل، تجرؤ على…!”
فجأة، بدأ الرعد يُقْصَفُ في السماء. أطبقت إيلي جفنيها بشدة وانسحبت أكثر في أحضان رايفن.
“إنها ابنتها.”
“…ماذا؟”
“إيلي.. انظري أمامكِ. إنه ليس شخصًا مخيفًا، إنه جَدُّكِ.”
مع ذلك، لم تفتح إيلي عينيها.
“إيلي؟”
“أبي، أنا خائفة.”
أخيراً، بدأ هيليوس بالاقتراب منهم ببطء. حلّت الحيرة والأمل على وجهه الذي كان غاضباً للتو. حاول رايفن أن يريَه إيلي، فاستدار بها قليلاً.
“شعر أسود… هل هي حقاً؟ إيلينيا؟ أخيراً وجدت إيلينيا الحقيقية؟”
عند سماع هذا، فتحت إيلي عينيها قليلاً ونظرت إليه.
“أبي، هذا الشخص يعرف اسمي.”
“بالطبع يعرفه. ارفعي رأسك. إنه ليس شخصاً مخيفاً.”
“لا يا أبي. إنه مخيف. لقد كان يصرخ عليك…”
“…إيلي تخاف منك.”
“لا يا صغيرتي. جدك ليس شخصاً مخيفاً. هذا المكان أيضاً ليس مخيفاً. انتظري، سأريك.”
بدأ هيليوس بلمس نفسه بسرعة. وفي لحظة، ارتدى بدلة أنيقة بدلاً من ملابسه الرثة.
“انظري! جدك يبدو رائعاً جداً!”
“لا… هذا المكان مخيف. مظلم وفيه جبال حادة… أنا خائفة.”
“انتظري قليلاً أيضًا… آه، أعني… ماذا يمكن أن يكون لطيفًا؟… آه، لا أعرف.”
رفع يده بسرعة نحو السماء، فظهرت عصا طويلة في يده. ثم ارتفع في الهواء كأنه ينتظر ذلك، وبدأ يلوح بالعصا في كل اتجاه.
“جدك رائع حقاً.”
لكن رايفن زفر ساخراً، بينما واصل هيليوس حركته. وكأنه طفل يلعب بكعكته بإصبعه، بدأت المناظر المرعبة تتغير بينما كان يلوح بعصاه ببراءة.
أزهار زرقاء تفتحت بين الجبال الحادة.
حتى الطيور السوداء التي كانت تصدر أصواتًا مشؤومة تحولت إلى لون وردي جميل وحلّقت في السماء،
بينما تحوّل الدخان الأسود الذي كان يتلوى بين المنحدرات الخطرة إلى خراف متوهجة تثغو ‘ميه- ميه’.
كان تغييرًا مذهلاً بلا شك، لكن المشهد بدا غريبًا أكثر مما كان جميلاً أو مُبهجًا.
فالطيور الوردية لا تتوقف عن النعيق، والجبال الحادة لا تتغير لمجرد وجود زهور زرقاء.
أما الخراف المتوهجة… فكانت غريبة حقاً.
والأسوأ كانت القلعة.
كان من الأفضل تركها كما كانت. كان عليه تغيير شكلها بدلاً من لونها، لكن هيليوس غير لونها إلى قوس قزح مع إشعاعات ساطعة.
أصبحت القلعة كأنها تلمع بضوء ساطع.
تجهم رايفن، لكن هيليوس كان متحمساً لإسعاد إيلي.
بعد الانتهاء، وقف هيليوس أمامهم مبتسماً.
“انظري يا إيلي. أصبح كل شيء جميلاً! واو، رائع!”
“……”
“إيلي…؟ انظري مرة واحدة فقط، حسناً؟”
لكنها لم ترفع رأسها. بدا أن الصدمة لم تزل بعد.
في تلك الأثناء، كان رايفن يتذمر من المناظر الغريبة التي صنعها هيليوس.
“انظروا إلى هذا. ليس لديه ذوق على الإطلاق.”
“ماذا؟”
“أتعتقد أن هذا سيجعلها أقل خوفاً؟ كجد، يجب أن تعرف ما يحبه الأطفال.”
“وأنت تعرف؟!”
“أعرف. انظر، إيلي تحبني. هناك سبب لذلك.”
ارتفع كبرياء رايفن إلى السماء.
بدا أن كتفيه منتفخان بالفخر.
بينما كان هيليوس يفكر، تذكر شيئاً وبدأ يلوح بيده. فتح فجوة في الهواء وأدخل يده فيها، يبحث عن شيء.
لكن بدا أن هناك مشكلة، فتجهم. أخيراً، أدخل نصف جسده فيها.
كان المشهد غريباً، لكن رايفن لم يبد مندهشاً.
بعد فترة، بدأ هيليوس يتحرك بعصبية.
“مهلاً، لا تتحرك.”
“نيهيه!”
“إذا استمريت في المقاومة، سأقتلع قرنيك!”
“…نيه.”
وبعد وقتٍ ما، خرج هيليوس وهو يبتسم، وكأنه وجد ما يريد.
“أحضر الجد هديةً لإيلي~!”
ولم يكد ينتهي من كلامه حتى انبثق شيءٌ ما من الداخل مُجْبَرًا على الخروج.
بعد تهديداتٍ متكررةٍ من هيليوس، خرج أخيرًا بما جلبه. حصانٌ أبيضُ كالثلج، بأجنحةٍ تنتشر من ظهره، وقَرنٍ يتوهج من رأسه.
كان جسده يشعُّ بضوءٍ ساحر، ينضح بجمالٍ أخّاذ.
وبمجرد أن وقف الحصان بسلام إلى جانبه، عاود هيليوس محاولة التواصل مع إيلي.
“إيلي… هل تعرفين اليونيكورن؟ حصان صغير بقرن.”
“…قول ‘حصان صغير’ يبدو رخيصاً، لن تستطيع اللعب معه.”
“إذن ماذا أسميه؟!”
“…مهر؟”
نسي رايفن شتائمه ووبخ هيليوس. لكن الأخير لم يهتم، وأصر
“إيلي، انظري! واو، يونيكورن جميل!”
‘يوني… كورن؟’
توردت وجنتا إيلي قليلاً.
كان اسمًا يذكّرها بذاكرةٍ قديمة من كتاب الحكايات الذي جلبته لها أرييل في طفولتها.
ذلك المخلوق الطاهر النقي الذي لا يراه سوى عيون الأطفال، والذي – وفق الحكاية – يتحول إلى فتى وسيم إن التقى بحبّه المصيري.
لكنها سمعت أنه غير موجود في الواقع.
‘هل هو هنا حقاً…؟’
أخيراً، بدأت فضوليتها تتغلب على خوفها، فالتفت ببطء.
وفي اللحظة التي رأته فيها، اصفرّ وجهها أكثر.
“آاه!”
اختبأت في حضن رايفن مرة أخرى.
“هل أنتِ بخير؟”
“ن-نعم، لكن… أبي، الحصان بحجم منزل! إنه كبير جداً.”
امتلأت عيناها بالدموع.
لقد توقعت يونيكورن من الحكايات، لكن الحقيقة حطمت توقعاتها.
اليونيكورن كان ضخماً جداً، أكبر مما تخيلت.
حتى أن ساقه كانت أكبر من الإنسان!
كان طبيعياً أن تخاف.
عندما انكمشت إيلي خوفاً، تصلب وجه رايفن. بينما بدا هيليوس خائب الأمل.
“…ظننت أن الأطفال يحبون اليونيكورن…”
“…بالطبع لن تحبه. كيف لطفلة أن تحب حصاناً بحجم جبل؟ ربما فقط الحكام الغريبة مثلك تحب هذه الأشياء.”
أحكم رايفن كلماته، فلم يجد هيليوس رداً.
“على أي حال، أبعد ذلك الشيء. لو كان غيرك، لكنت غضبت لأنك أخفت إيلي. لكنك جدها، سأعطيك فرصة أخرى. أحضر شيئاً تحبه.”
“من أنت لتعطيني فرصة؟”
“من أنا؟ أنا أبيها. هل ستزيل ذلك الحصان؟ وإلا سنذهب.”
“أوه، أتتهددني بإيلي الآن؟”
“نعم.”
“كم أنت قاس! سأزيله. سنرى لاحقاً، أيها التنين الصغير.”
بلا خيار، فتح هيليوس الفجوة مرة أخرى ونظر لليونيكورن.
“خذ هذا وعد إلى المنزل.”
أخرج جزراً متوهجاً وأعطاه للحصان.
ابتهج اليونيكورن، وركض في المكان ثم رفع رأسه نحو السماء.
“نيهيييي!”
“آاه!”
صدمت إيلي من الصوت الصاخت.
وبسبب ذلك، ازداد تجهم هيليوس سوءًا.
“…اذهب بهدوء.”
“…نيه.”
‘أنا آسفة أيها الحصان…’
شعرت إيلي بالذنب لأن الحصان تعرض للصراخ بسببها.
رفس هيليوس الحصان بعصبية حتى دخل الفجوة.
كان كل ما فعله حتى الآن يخيف إيلي.
لم يعرف كيف يصلح الموقف.
أخيراً، بعد اختفاء اليونيكورن، حاول هيليوس التحدث بصوتٍ خافت:
“إيلي… ماذا تحبين؟ سأصنع أي شيء تريدينه.”
“……”
بدا عليه العجز، فربت رايفن على رأس إيلي.
“حسناً… سأعطيك تلميحاً. إيلي تحب الكلاب.”
أومأت إيلي برأسها موافقة.
“أرأيت؟ هذا صحيح.”
تذكر رايفن يوم السوق، حين كانت إيلي تبتسم وهي تداعب كلباً.
كانت قد رفضت اقتناء كلب لأنها تعتقد أنها ستؤذيه.
صفق هيليوس بفرح
“آه! الكلاب! فهمت. انتظريني هنا، لا تذهبي.”
واختفى فجأة.
عندما غاب، مسح رايفن شعر إيلي.
“إيلي، ارفعي رأسك. لقد ذهب جدك.”
“أما الأشياء المخيفة…؟”
“بالطبع، انظري.”
رفعت رأسها بتردد، وما رأته جعل رايفن يتجمد.
“واااو، جميل!”
“…إيه؟ جميل؟”
ترجمة : سنو.
انستقرام : soulyinl
واتباد : punnychanehe
التعليقات لهذا الفصل "24- الأشخاص الذين يحبونك (2)"