كثيرًا ما كانت روميا تغرق في خيالها، تتساءل: كيف سيبدو طفلها حين يولد؟
هل ستغدو عيناه غائرتين مثل عينيه؟ هل سيولد بحدقتين سوداويّتين كالسبج تشبهانه؟
وإن كان الطفل يشبهه، ألن يعتصرها ذلك ألمًا كلما نظرت إليه؟ ألن يُثقل صدرها بكدمات من الذكريات؟ لقد كانت روميا تعاني مرارًا من هذا الهاجس. كان يقينًا طفلها، لكن الخوف كان يساورها دومًا: إن كان يشبهه، فقد يظهر فجأة وينتزعه منها.
عدّلت روميا ثيابها، وأخذت نفسًا عميقًا. الهواء الساخن اخترق رئتيها بقوة. لقد باتت معتادة إلى حدٍّ ما على هذا الجو الحار.
“هل أنتِ واثقة أنكِ بخير؟”
“أنا بخير، إيزابيلا.”
“مجرد كونها الماركيزة موندرِيا يجعل الأمر مُرهبًا. أخشى أن ترتكبي خطأً صغيرًا فيسقط حضورك من عينها، ذلك ما يخيفني حقًا.”
وضعت إيزابيلا مشبكًا على شكل فراشة في شعر روميا وزفرت تنهيدة طويلة.
كانت تأمل أن تترك روميا وراءها حياة كاتاس الشاقة وتعيش بسلام على الأقل في ريلنوك. لكن لم تستطع أن تجزم هل وقوعها في عين الماركيزة موندرِيا سيكون حُسن طالع أم شؤمًا.
أُعجبت الماركيزة موندرِيا كثيرًا بالقبعة التي صنعتها روميا، حتى عرضت عليها أن ترافقها إلى حفل خيري. وهذا وحده زاد من قلق إيزابيلا عليها.
مدّت يدها تتحسس بطن روميا.
“لا نعلم متى ستلدين، لذا يجب أن تكوني حذرة، بل حذرة جدًا. أتراكِ نسيتِ ما أوصاكِ به الطبيب بريتدا مرارًا؟”
“إيزابيلا، يا لكِ من قلقة. لستُ سيرا.”
ضحكت روميا بخفة لتبديد قلق إيزابيلا.
ولم تكتفِ إيزابيلا بقلقها، بل أعارَت أيضًا عربة آل بيلفيروتر حتى يسهل على روميا الذهاب.
حتى بعدما ابتعدت العربة التي تقلّ روميا، ظلّت إيزابيلا تكرر وصاياها بلا توقف، حتى ضاقت لافهين ذرعًا بها وأخبرتها أن تكفّ عن التذمر.
“إيّاكِ أن تأكلي أي شيء عشوائي، قد يُصيبك بوعكة!”
***
تراقصت الأقمشة البيضاء في الهواء كأنها بالونات تنتفخ بالريح. ولحجب أشعة الشمس، مُدّت أقمشة بيضاء فوق الرؤوس. رفعت روميا بصرها إليها شاردة، ثم خطت ببطء نحو الداخل. بخلاف المدخل الرملي، كان باطن مكان الحفل أرضًا صلبة لا أثر للرمل فيها.
كانت رائحة الفاكهة الناضجة زكية وحلوة، تفوح في الأجواء. وقد عُرضت بشكل أنيق يفتح الشهية. أفضل ما في ريلنوك بلا شك هو فواكهها التي أزالت تمامًا أعراض الوحم المستمر لديها.
يكفي النظر إليها ليسيل لعابها. وما إن همّت روميا بالانجذاب إلى مائدة الفاكهة كالمسحورة، حتى استرعى انتباهها همس الحاضرات.
اجتمعت سيدات الطبقة الراقية في حلقات صغيرة، يتبادلن الأحاديث.
فتحت إحدى السيدات، وهي تلوّح بمروحتها دون توقف، موضوع الحرب.
“المسافة من هنا حتى مقاطعة دنبرغ ليست بعيدة. ماذا لو انهارت قوات ريلنوك؟”
أربع ساعات بالعربة تكفي للوصول من بيلفيروتر إلى هناك. إن الشرارة التي أشعلها يوتار تحوّلت إلى حرب كبرى جمعت الاتحاد الغربي والاتحاد الفدرالي. ومع اتساع رقعة الحرب، بدا أن القلق الكامن في الصدور قد بدأ يتسرب إلى همساتهم.
مع دخول لوماهوي الحرب إلى جانب ليلنوك، تهاوى خط الدفاع الممتد من بحر غاريا حتى حدود دنبرغ. بالكاد تمكّن فرسان بيلفيروتر وموندرِيا من صدّ الهجوم وإقامة خط دفاعي، لكن إن طال الزمن، قد تُسلب مقاطعة دنبرغ بأكملها.
“لا يمكن ذلك. جلالته لم يُهزم في أي حرب قط.”
ردّت السيدة إيغاتو على حديث السيدة جيزيل، وهي تمسح عرقها، لكنها رغم إنكارها بدت قلقة هي الأخرى.
“قد تكون هذه المرة الأولى!”
عقدت راستيليا جيزيل حاجبيها الجميلين وصرخت في وجه السيدة إيغاتو. عندها، وضعت السيدة ديلونا فين يدها على كتف جيزيل تربّت عليها.
“هوني عليكِ، سيدتي جيزيل. لا تنفعكِ الحدة. اطمئني، ما دام جلالته مع إله أبات، فسيحرسنا.”
وكان العقد في عنقها مرصعًا برمز إله أبات، يلمع بوضوح.
في تلك اللحظة، قطع صوتًا جهوريًا الحديث:
“لا تبقي واقفة هناك، تعالي اجلسي، يا روميا.”
كان صوت الماركيزة إيلينا موندرِيا المهيب.
راحت روميا مسرعة تؤدي التحية.
“أمركِ، سيدتي.”
فتحوّلت أنظار السيدات إليها دفعة واحدة.
رغم أن السيدة المضيفة كانت كونتيسة غارد، إلا أن صاحبة الشأن الأعلى والسلطة الأقوى كانت ماركيزة موندرِيا، وها هي تنادي روميا باسمها صراحة وتُجالسها.
فصارت العيون تلتفت نحو روميا، بعضها يتلصص بالهمس.
“لم أرها من قبل، من تكون؟ لا تبدو من إمبراطوريتنا.”
“سمعت أن دوق بيلفيروتر تزوّج مؤخرًا فتاة من كاتاس. ربما هي زوجته.”
“مستحيل. لقد رأيت زوجته من قبل، وهذه غيرها. انظري إلى بطنها، هل سمع أحد أن دوقة بيلفيروتر حامل؟”
“الوجوه الشاحبة تتشابه، يصعب التفريق.”
تجاهلت روميا الهمسات وجلست بجانب إيلينا موندرِيا. ويبدو أن الماركيزة طلبت جلوسها رحمة بحملها.
لكنها أيضًا، لتكبح الشائعات حول روميا، قالت بجملة قصيرة حاسمة:
“إنها الفتاة التي أتكفّل برعايتها. والقبعة التي أضعها اليوم من صنعها.”
“حقًا؟!”
تعالت همسات الإعجاب، وتحوّلت النظرات المرتابة فجأة إلى إعجاب.
“لا عجب إذن! سيدتي عادة لا ترتدين القبعات، وهذا سبب ارتدائك لها اليوم.”
“قبعة فاتنة بحق!”
بحركة واحدة، قطعت الطريق على الألسنة قبل أن تلوكها. لم تستطع روميا إلا أن تعيد النظر إليها بإعجاب. لم تُبعد الشبهات فحسب، بل أحكمت سيطرتها على اتجاه أنظار الجميع، مُحوّلة الشك إلى مديح.
بكلمتين اثنتين، حمت سمعة روميا، وربطتها بنفسها، حتى لا يتجرأ أحد على الإساءة إليها.
أدارت الماركيزة إليها ابتسامة رقيقة، وكأنها تقرأ خواطرها تمامًا.
***
في ذلك الوقت، كان من المفترض أن تكون قوات كاتاس قد وصلت ريلنوك. شعر كارلايل بقلق لم يألفه من قبل. سلّم ظرفًا ثقيلاً للرجل المقابل له.
فتح الرجل الظرف وتفحص الأوراق النقدية، ثم سأل بوجه متجهم:
“هل… حقًا عليك أن تذهب؟”
“لقد وعدت. قبل انقضاء الربيع، عليّ أن أكون هناك.”
“يا إلهي… في حياتي كلها لم أرى سيدًا رفيعًا يريد الذهاب طوعًا إلى ساحة حرب.”
كان ذهابه إلى قلب الحرب، إلى ريلنوك نفسها، جنونًا لا يُفسَّر. لدرجة أن الرجل شكك في سلامة عقله.
لكن كارلايل لم يُعر الأمر اهتمامًا. ما يهمه فقط هو أن يجد سبيلًا إلى ريلنوك.
“هل ستتمكن من تدبير ذلك؟”
“سيستغرق وقتًا طويلًا.”
“كم؟”
“على الأقل أسبوعين.”
“يكفيني أن يكون قبل انقضاء الربيع.”
هزّ الرجل رأسه ضجرًا من إصراره. ثم سلّمه تذكرة قطار كما طُلب منه سابقًا، وقال:
“اذهب إلى محطة رونديا، واركب السفينة المتجهة إلى ماهانيك. إنها دولة لا تنتمي لأي اتحاد، بل موقّعة على معاهدة السلام العالمي.”
“ماهانيك إذن…”
“بهوية ماهانيكية تستطيع التنقل بحرية. بينما رعايا الدول المتحاربة لا يُسمح لهم، لكن مواطني ماهانيك يُسمح لهم بدخول أي مكان حتى وسط الحرب.”
عيني كارلايل تلألأتا بأمل جديد.
أمل أن يلتقيها قريبًا، وأن ينقل إليها مشاعره التي ظلّت غامضة حتى الآن.
لقد كانت رسائل روميا دائمًا قصيرة، تسأل عن حاله وحسب. ومع ذلك، كان كارلايل ممتنًا لذلك، لأنها لم تكن مضطرة أصلًا أن تراسله، لكنها خصّته بهذا التواصل الخفي.
وقرر أن يُعيدها إليه قبل أن ينقضي الربيع.
فقد سبق أن أخذها إلى أرض لا تعرف الشتاء، والآن سيأخذها مجددًا، لكن هذه المرة كزوجة، لا كصديقة أو شريكة عمل.
ظنّ أن زواجها به سيحقق لها الحلم الذي عجزت عن بلوغه، ويعيد إليها السعادة.
ازدادت خطى كارلايل سرعة. عليه أن يُعِدّ نفسه سريعًا وينطلق إلى محطة رونديا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 97"