سألت إيزابيلا، وهي تمسح العرق المتصبب عن جبينها، بعدما ألقت على كتفيها برداء مطرّز بزخارف فاخرة بشكل غير مرتب، موجهة سؤالها إلى روميا.
“ذهبت لإحضار الطبيب.”
“لا أفهم لماذا لا يستطيع الطبيب بريتدا أن يجد الطريق إلى هنا، رغم أنه يأتي كل شهر.”
انطلقت نبرة معاتبة، لكن روميا لم تُعرها اهتمامًا وأجابت بابتسامة. فتحت إيزابيلا السلة التي أحضرتها معها وأخرجت الطعام الذي جلبته.
“مهما كان الوحام شديد، الحامل يجب أن تأكل جيدًا.”
“لكن الطبيب بريتدا قال إنه إذا كان الأكل صعبًا فلا داعي لإجبار نفسي.”
“برأيي، بريتدا هذا دجّال.”
فتغيّر وجه إيزابيلا بغضب وهي تُخرج الخبز والحساء، فما كان من روميا إلا أن انفجرت ضاحكة بصوت مرتفع. ثم مسحت بطنها المنتفخ برفق ونهضت ببطء لتجلس أمام الطعام الذي أعدّته لها إيزابيلا.
“ألا يزعجك هذا كل مرة؟”
“يزعجني، لكنكِ تعلمين أنه لا أصدقاء لي هنا. حتى سيرا عادت الأسبوع الماضي.”
لم يكن الزواج والعيش في بلد غريب أمرًا سهلًا كما ظنت. فمهما كان زوجها عطوفًا ويحسن معاملتها، إلا أن إيزابيلا تبقى غريبة تمامًا في ريلنوك.
وأثناء تأملها وجه روميا الذي بدأ يتلوى ببطء من صعوبة البلع، زفرت إيزابيلا تنهيدة خافتة لم تشأ أن تلاحظها صديقتها.
كانت إيزابيلا تأتي كل أسبوع مرة لتتفقد روميا وتجلب لها الطعام والاحتياجات. ورغم أن دور كالأخت الكبرى هذا أرهقها بعض الشيء، إلا أنها لم تستطع إنكار أن وجود روميا جعل حياتها الزوجية في الغربة أقل وحدة.
‘هل مضى شهران منذ قدوم روميا إلى هنا…؟’
في تلك الفترة تغيّرت أشياء كثيرة. فقد وفرت لها إيزابيلا مكانًا تقيم فيه بالقرب من قصرها. حين كانت سيرا موجودة، كانت روميا تقيم معهما وتستعيد الذكريات معهما، لكن الأمر لم يدم طويلًا.
‘حقًا… عندما انهارت فجأة ظننت أنها أصيبت بمرض خطير…’
لكن اتضح أنها تحمل بطفل من ملك كاتاس. وعندما علمت لاحقًا عبر سيرا أن روميا فقدت جنينًا من قبل، صُدمت إيزابيلا أكثر. لم تستطع أن تجرؤ وتسألها عما ستفعل بهذا الطفل، ولا أن تُحاسبها على قرارها.
كل ما كان بمقدورها فعله هو أن توفر لها مسكنًا وطبيبًا وأناسًا يعتنون بها بعد أن هربت إلى ريلنوك.
“إيزابيلا، مهاراتك في الطبخ تتحسن أكثر فأكثر.”
قالت روميا، وقد احمرّ وجهها خجلًا بعد أن أنهت صحنها كاملًا رغم بطء تناولها.
“لأن زوجي يعشق طعامي كثيرًا…”
لم تكن إيزابيلا معتادة على سماع الإطراء، فاحمرّت عنقها وأجابت عفويًا، ثم عضّت لسانها نادمة، إذ شعرت وكأنها تتفاخر بحياتها الزوجية أمام روميا، فغمرها الحرج.
“تعالي لزيارتي في القصر إن شعرتِ بالملل. سمعت من لافهِن أنك لا تزالين ترسمين القبعات؟”
“ليس لدي وقت لأشعر بالملل. شمس ريلنوك قوية، ومن الممتع أن أهدي الناس قبعات من صنع يدي.”
لم يكن استقرار روميا في ريلنوك سهلًا. فالبعض رفض وجودها لأنها من كاتاس، لكنها في النهاية امرأة حامل، بلا عائلة ولا أقارب، فغلب شعور الشفقة على الناس تجاهها.
كانوا يمدونها بالطعام، يساعدونها في إصلاح منزلها، ويعلمونها لغتهم. أما هي فكانت تكافئهم بصنع قبعات مرسومة بيدها.
شعب ريلنوك، الذي اعتاد على ارتداء العمائم الثقيلة لحماية بشرتهم من الشمس، أُعجب كثيرًا بالتصاميم الجديدة للقبعات التي ابتكرتها روميا. كانت أشبه بقبعات البونيه لكن بحواف أوسع، تُنسج من قماش رقيق يسمح بالتهوية، ودمجت بشكل مبتكر مع العمامة. وبعد أن كانوا في البداية متحفظين تجاه التصاميم الغريبة، أصبحوا الآن يطلبون منها صنع قبعات لهم.
‘موهبة حقيقية مهدورة.’
تمتمت إيزابيلا وهي تراقب روميا، لكنها لم تُعارضها بما أنها سعيدة بذلك.
تجوّلت إيزابيلا في المنزل وهي تترك روميا تغسل الصحون، باحثة عمّا قد ينقصها لتجلبه لها في المرة القادمة.
‘رسائل؟’
تذكرت أن صديقتها ذهبت مرة إلى ميناء ويلتون بصحبة أحدهم، ويبدو أنها ما زالت تراسل الابن الثاني لعائلة دويِن. رغم أن مشاعرهما لا تبدو متبادلة تمامًا.
كانت هناك رسائل كثيرة مكدسة بجوار السرير. لم تعرف محتواها، لكنها رأت اسم “كارلايل دويِن” مكتوبًا عليها، ولا يمكن أن يخفى عليها ذلك.
وفجأة، شهقت إيزابيلا وتراجعت إلى الوراء.
كان من الصعب جدًا أن تصل أخبار عن كاتاس إلى ريلنوك، لبعد المسافة ووجود الصحارى بين المدن، مما يجعل التواصل شبه مستحيل عند سوء الطقس.
لذلك، كان أهل ريلنوك أبعد الناس عن متابعة الأخبار. حتى إيزابيلا لم تعرف كثيرًا مما يحدث إلا مما يرويه لها زوجها.
أما أخبار الوطن، فكانت تصلها على نحو متقطع عبر الرسائل التي تبعثها سيرا مرتين أو ثلاثًا في الشهر.
مدّت يدها دون وعي، والتقطت جريدة كانت روميا قد قرأتها بلا شك. كان خبرًا بارزًا في الصفحة الأولى، ربما غفلَت عنه روميا لانشغالها بالرسائل.
“من الذي جلب لكِ هذا؟”
سألت إيزابيلا، وهي تلوّح بالجريدة نحو روميا.
“الطبيب بريتدا. يأتي بها مرة كل شهر عند زيارته.”
“…هل ترغبين في العودة؟”
تساقطت يد إيزابيلا بضعف. اقتربت روميا، وقد انتهت من غسل الصحون، وهزّت رأسها.
“الحرب في ريلنوك ليست ذنبكِ يا إيزابيلا.”
“هل حقًا تقرئين هذه الصحف من أجل الحرب؟”
أمام إصرار الأسئلة، فتحت روميا فمها لكنها لم تستطع أن تنطق بشيء.
“أنتِ تعلمين أن السبب في الحرب هو كاتاس.”
“…”
“لستِ تطلبين هذه الصحف من بريتدا لمجرد متابعة أخبار الحرب، صحيح؟”
وبينما كانت إيزابيلا تقلب الصفحة الأولى بحذر، ظهر فيها وجه ملك كاتاس، “جيهاردي”، بالأسود والأبيض. ارتجف بصر روميا، كما لو انكشف سرٌّ كان يجب أن يظل مخفيًا.
***
“تلك الفتاة الغبية… ركلت بقدميها نعمتها وهربت!”
“سيدتي، أرجو أن تكتفي وتعودي إلى الداخل.”
“اتركني! من تظن نفسك لتأمرني بالكفّ عن الشرب؟!”
انطلقت ضحكة غريبة من فيوليت، امتزجت بكلماتها المتقطعة. كان الليل قد بلغ آخره، وغادر جميع الزبائن، لكنها بقيت وحيدة تصرخ مطالبة بمزيد من الخمر.
حتى الموظف الذي حاول تهدئتها استسلم في النهاية، وهز رأسه يائسًا، ثم دخل المطبخ ولم يعد.
“كان بإمكانها أن تغادر فحسب… لكنها ماذا فعلت؟ أوكلت وصايتها إلى تلك المرأة ريتشيتو؟! باسم عائلة بيرلوس؟!”
ظلت فيوليت تتمتم بلا توقف، تلعن روميا التي اختفت فجأة، وهي تلحس فوهة زجاجة الخمر في الحانة الخالية.
كل الأموال كانت أموالها! لكن تلك اللعينة، قبل أن تهرب، سجلت أعمالها المشتركة مع عائلة دويِن باسم الوكيلة ريتشيتو. أحضرت معها محاميًا وأبرمت العقود رسميًا، بحيث لم يعد بإمكان فيوليت ولا ريك تغيير أي شيء، حتى لو ادّعوا أنهما والدا روميا.
الاسم “بيرلوس” كان يلمع هناك بوضوح! وقبعات روميا كانت دائمًا ملكًا لهم! لكن في النهاية لم يصل لفيوليت وريك أي شيء.
“…ما كان يجب أن نأخذها منذ البداية.”
صرّت أسنانها بغضب، وأسقطت الزجاجة الفارغة وهي تُخرج سيجارًا طويلًا من صدرها.
لقد أصبحا والديّ روميا فقط لأن من عرض الأمر عليهما وعدهما بالمال لشراء لقبٍ نَبيل، إن وافقا على أن يصيرا والديها القانونيين.
ووعدوهما بمزيد من المال إن أحسنا تربيتها لتكون جديرة باللقب.
لكن ما عادت به كان خيانة وجحودًا!
طَق– تدحرج شيء على الأرض.
انزلقت أداة إشعال السيجار من يدها، وارتطمت بالأرض محدثة صوت احتكاك معدني. انحنت تلتقطها، وهناك، بجانب بقية الزبائن، وقع بصرها فجأة على ما لم تتوقعه.
“ها!”
ارتسمت على شفتيها ابتسامة مريبة، مائلة بخبث، حتى بدت مقززة.
<الغاء فسخ خطوبة ملك كاتاس…>
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"