روميا لم تجد أين تضع عينيها، فخفضت رأسها بشدة. ورغم أنها ألقت التحية كما أوصتها السيدة ميريج مسبقًا، إلا أن ارتباكها الشديد جعلها تتساءل إن كانت قد أدّتها على الوجه الصحيح أم لا.
لكن عزيمتها العظيمة التي كانت قبل قليل فقط، تلاشت في الهواء لحظة واحدة وصارت وهماً.
يبس فمها وجمد جسدها كليًا. والأمتعة البسيطة الموضوعة خلفها بدت أكثر بؤسًا وهي تقف بتوتر أمام تلك السيدة المهيبة ذات الطلة الباهرة.
روميا، التي كانت قد صففت شعرها الخشن بسرعة بيدها، نظرت بحزن إلى الشعر العالق والمتشابك في أصابعها.
كانت تعلم أنه بالمقارنة مع أولئك المولودين في طبقة مغايرة لها لا يبقى لها سوى شعور حاد بالدونية، ومع ذلك لم تستطع أن توقف نفسها عن مقارنة نفسها بهم. فأغمضت عينيها بإحكام.
كان هذا كل ما سألته هيرين. وعندما لم يخطر ببالها اسم عائلة بارزة عند سماع اللقب، سرعان ما فقدت بريق اهتمامها.
وعندما صمتت هيرين، رفعت روميا رأسها خلسة وهي تعبث بأصابعها. بدت السيدة ميريج بجانبها وكأنها توصيها بشفتيها: “إجابات قصيرة ومقتضبة.” لكن الماء قد سُكِب بالفعل. وأدركت روميا أنها لم تُحسن أي شيء، فازدادت ملامحها كآبة.
هيرين فوتاميا. منذ صغرها كانت خطيبة ولي العهد المقررة، المرأة التي ستصبح ملكة في المستقبل القريب.
وفوتاميا عائلة ذات تاريخ عريق، تُعد من بُناة كاتاس الأوائل. وما إن انتهت الحرب حتى لم تفوّت الفرصة، فاستثمرت بسخاء في السفن والملاحة الجوية. ومع دخول البلاد مرحلة الاستقرار، راكمت ثروات طائلة، حتى جمعت المجد والثروة معًا.
آنسة من سلالة صاحبت الحكم منذ الأجيال السابقة، تحمل تاريخًا عريقًا يختلف تمامًا عن حالها.
وعندما رأت هيرين أمامها أدركت أنها أجمل بكثير وأرقى من بروسي التي اعتادت النظر إليها بعين ضيقة. كانت أكثر بهاءً وأشد أنوثة ورقة، وأجواؤها الطاغية لا تُقارن.
رفعت جفونها الكثيفة نحو روميا.
“روميا بيرلوس…”
ثم ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجهها.
لكنها في الحقيقة كانت موجّهة إلى ما وراء كتف روميا. وما إن نهضت هيرين من مقعدها حتى وصل صوت رجولي رقيق من خلف ظهر روميا.
“هل أعجبتكِ وصيفتك الجديدة؟”
“يا صاحب السمو.”
استدارت روميا ببطء نحو هيرين المبتسمة بخجل.
“أرجو ألا أكون أزعجتكم.”
“وكيف يكون ذلك؟ بل إنه يسعدني كثيرًا.”
آه… عندما رأت روميا وجه الرجل، انفرجت شفتاها بذهول. وبينما استمر الحديث بينهما، لم تستطع أن تتحرك أو تفسح لهما المجال، وظلت متيبسة في مكانها.
وأخيرًا التفتت نظرات الرجل من هيرين إليها. فلما التقت عيناهما، خفق قلبها بشدة حتى كاد يهوي.
شعره الأسود المصقول بلا فجوة واحدة بدا بارزًا على نحو خاص. وزاوية ابتسامته الهادئة كانت متناقضة مع بشرته البيضاء حتى ظهرت ماكرة. وتصرّفت روميا كمن نسي كيف يتنفس حين التقت عيناها بعينيه.
…
…
الزمن توقف. حتى زقزقة العصافير اختفت. ونسيم الجبال اللطيف تجنّب المرور بينهما. ولم تكن تشعر سوى بحرارة الشمس الملتهبة التي تسللت من النافذة إلى بشرتها العارية.
حتماً، هذا الاحمرار الذي اجتاح وجهها كان بسبب شمس الظهيرة.
انحنت روميا سريعًا وخفضت رأسها بشدة، ثم لامست وجنتيها بأسفل أصابعها وقضمت شفتها. وسط هذا المشهد الهزلي، بدت عائلة بيرلوس بائسة في مقارنة مخزية بين عظمة فوتاميا وولي عهد كاتاس المنتظر. حتى الدموع كادت تنهمر.
لكن نظرة جهاردي الملتصقة بها لم تفارقها رغم كل ذلك، فارتجف قلبها أكثر.
ومهما فكّرت، كان القصر الملكي بمثابة حقل مترامي الأطراف يجمع كل أحلامها وأوهامها.
—
لم يكن العمل كوصيفة لهيرين أمرًا صعبًا. فقد كانت رقيقة، ودودة، تمامًا مثل بروسي من بيريـدروز. هادئة دومًا، متسامحة مع الأخطاء الصغيرة، صاحبة صدر رحب. ملكة المستقبل الكريمة الرحيمة، تلك هي هيرين فوتاميا.
“الجنيّة وصاحب السمو يقومان بجولة معًا في هذا الوقت كل يوم. وبعدها يتناولان شايًا خفيفًا، من الأفضل أن تحفظي هذا جيدًا.”
اتبعت روميا تعليمات إيزابيلا، التي أخذتها لقطف الزهور من الحديقة ثم رتّبتها في مزهرية. ورغم أن رؤية الزهور مقطوعة الجذور لم يكن أمرًا مريحًا لها، إلا أن أوامر السيدة ميريج الصارمة بضرورة الإسراع أنهت شرودها بسرعة.
“حين يدخل سمو ولي العهد والآنسة، عليك أن تلقي تحية قصيرة ثم تنسحبي فورًا. لا يليق بنا أن نقطع وقتهم معًا.”
كلمات التحذير الحازمة جعلت روميا تلف عينيها. فقد أدركت مع مرور الوقت أن ما طالبتها به فيوليت من آداب السيدة لم يكن شيئًا يُذكر أمام ما يُنتظر من العاملين في القصر.
الأمور الصغيرة جدًا والتفاصيل الدقيقة، كلها تخضع للرقابة. والأسوأ من ذلك أن أي خطأ منها ينعكس مباشرة على سمعة الآنسة، كما لم تتوقف السيدة ميريج عن تذكيرها بلا انقطاع.
“ها قد جاءوا!”
ارتفع صوت قوي نافذ. وبينما هرعت الوصيفات إلى أماكنهن، ظلّت روميا تنظر مباشرة إلى الرجل والمرأة يقتربان بخطى متناسقة، من وراء نافذة تتدفق منها أشعة الشمس. بدا مشهد هيرين وجهاردي سويًا في غاية الألفة.
فجأة شعرت بغثيان. كلما اقتربا، ازداد شعورها بالرغبة في التقيؤ.
الابتسامات المتبادلة بين جهاردي وهيرين كانت ساطعة حتى إنها فكرت أن استمرار النظر قد يعمي بصرها. لكن رغم ذلك لم تفلت بصرها من تلك العينين الداكنتين الخالية من الحياة، على العكس من ابتسامته الرقيقة.
إيزابيلا، التي كانت في طريقها إلى مقعدها، همست بدهشة لروميا التي بقيت واقفة مذهولة:
“يا إلهي. ما أروع هذا الانسجام! إنه مشهد رومانسي حقًا!”
كان ظاهرًا للعيان هكذا، فلم تجادلها روميا. لكنها لم تستطع طرد شعور غريب كحبات الرمل الجافة العالقة في فمها.
“إنهما عاشقان بحق. انظري إلى نظرة سموه لها! الحب يقطر منها!”
‘ليس صحيحًا.’
ابتلعت روميا كلماتها ولم تجرؤ أن تنطق بها. ورغم أن رأسها ظل مرفوعًا بثبات، إلا أن عينيها المرتبكتين الموجهتين إلى جهاردي أفصحتا عن اضطرابها.
“آه، لو أنني تزوجت رجلاً مثل سموه!”
كانا زوجين مثاليين تنظر إليهما الإمبراطورية كلها بإعجاب. الثنائي الأسطوري لبلاد كاتاس، اللذان يترقب الجميع ارتباطهما. تناقض الشعر الأسود والذهبي كان يجذب الأنظار بجمال فريد، وحولهما غيوم وردية كغزل البنات.
لذلك لم تستطع أن تتفوه بحرف. الكلمات انحبست في حلقها.
‘لا. ولي العهد لا يحب هيرين فوتاميا.’
عيون الرجل الواقع في الحب لا تكون فارغة هكذا. لا يبتسم ابتسامة لازمة كأنها واجب رسمي. لا يتحرك بخشونة كدمية خشبية منحوتة. على الأقل هكذا بدت لروميا.
فهي صانعة القبعات، بيرلوس. كانت دائمًا تقرأ المشاعر الخفية في وجوه الناس لتصوغ قبعة تناسبهم تمامًا. ومن المروع أن تدرك أن الجميع حولها يجهلون ما تراه وحدها بوضوح.
فالمشاعر العارية التي أظهرها لها جهاردي ذات مرة، حين لم تعلم بعد أنه ولي العهد، كانت مختلفة تمامًا عن هذا القناع الفارغ الآن. في ذلك الوقت كان قد كشف لها ولو قليلًا عن نفسه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"