لعل السبب أنّ كلمات هيرين فوتاميا بالتحديد قد انغرست في دماغه ولم تفارقه.
في طريق العودة، كان جیهاردي يحدّق في روميا النائمة بعمق. كلمات هيرين فوتاميا، تلك الجملة الملعونة، كانت تدوي في أذنيه كلما أوشكت على التلاشي:
ــ “ترى، هل ستدرك تلك الفتاة مشاعر جلالتكم الصادقة؟”
لم يكن هناك ما هو أكثر سخافةً من أن تتأرجح مشاعره الصادقة تجاه روميا بيرلوس وحدها. فالمشاعر الصادقة بحد ذاتها كانت شيئًا غريبًا عنه.
لم يكن ليهتم حتى لو لم تُدرك روميا صدقه. كان يؤمن بذلك جازمًا، غير أنّه حين خطر بباله أنّ روميا وحدها قد تجهل صدقه الذي انكشف أمام هيرين فوتاميا، بدا له الأمر شديد الظلم.
لأنّه يريدها لهذه الدرجة، ولأنّه اختار أن يُبقيها قربه ولو خسر الكثير، فإنّ مجرّد فكرة أن تبتعد عنه جاهلةً بهذا، جعلت دماءه تبرد سريعًا.
“ماذا، يا تُرى، عليّ أن أفعل بك؟”
حتى وهو يطيل النظر إلى وجه روميا النائمة، كان ذلك غير كافي. حين كانت ترفع إليه عينيها المترنحتين بلذّة منحها إياها، مع وجه متورد تحت جسده، كانت تراوده رغبة عارمة في أن يوثّق ذلكَ تمامًا ويحبسها بين يديه.
شروق الشمس وغروبها، طلوع القمر وانبلاج الفجر، لم يكن لأيٍّ منها قيمة؛ فقد كان قادراً على استهلاك يومه كله في الاستمتاع بجسدها، ومع ذلك يبقى ناقصًا.
نظر إليها، أسرها بعينيه، ثم قبض. كما اعتاد دائمًا، على خصلات شعر روميا المتدلّية.
التوى الشعر المموج بين أصابعه وانكمش كيفما شدّه، وما أن تراخى ضغط يده حتى انسدل من جديد.
حين مالت برأسها، بادر إلى إسنادها على كتفه. ومع أنفه المائل قليلاً، كان يلتقط عبيرًا خفيفًا من عطر شعرها، لم يفلحه عبق الزهور مهما كان حلوًا. رائحة التصقت بجسدها وكأنها فطرية، وكان شمها بلا وعي يجلب له السكينة.
ومن خلف النافذة، كانت القلعة الملكية المضيئة وسط ظلام دامس تدخل مجال نظره. قلعة لم يغمض لها جفن، وكأنها تفرض سطوتها ألا يضلّ أحد طريقه ما دام الملك لم يخلد إلى النوم.
شعور القلق العميق في قلبه بدأ يخف شيئًا فشيئًا.
“جلالتك، لقد وصلنا.”
توقف السائق الملكي عند البوابة الرئيسية للقصر وأخبره بخفوت. رأى جیهاردي صفًّا من الخدم مصطفّين في انتظارهم.
ومنذ بدأت روميا تقيم في القصر، صار هناك بعض الوصيفات أيضًا بعد أن كان يعجّ بالرجال فقط.
“سأتولى الأمر.”
عندما همّ جیهاردي بحمل روميا من العربة، بادر أحد الحرس يعرض المساعدة.
“……تراجع.”
كان فعله صادرًا عن ولاء، لكن صوت جیهاردي خرج باردًا. لم يتحمل فكرة أن يلمس رجل آخر جسد روميا، فزاد ذلك من سوء مزاجه الغارق أصلًا.
“أ-أعتذر.”
انحنى الحارس سريعًا وقد استشعر نذيرًا قاتمًا في نبرة الملك.
انتشر صيت أنّ الملك الحالي، بخلاف أسلافه، يكنّ عناية خاصة لمحظيته. لكن أن يشاهد ذلك بعينه شيء مختلف تمامًا.
بسرعة، أبعده جیهاردي جانبًا ثم رفع روميا بحذر بين ذراعيه. كان ليل الشتاء قارسًا، فغطاها بمعطفه العسكري وهو يمشي ببطء.
“آنا.”
“ن-نعم!”
توقف فجأة أمام وصيفة مألوفة، الطفلة التي كانت روميا تحبها بشدة. على صغر سنها، لم يكن منها أي نفور تجاه بيرلوس، بل كانت تبادلها وفاءً صادقًا، وهذا وحده كان كافيًا.
وحين مرضت روميا، لم يبكِ أحد لأجلها أكثر من تلك الطفلة ذات التسعة أعوام.
“اذهبي وجهزي الغرفة لتنام روميا مباشرة.”
“حاضر، جلالتك.”
أجابت آنا بلطف وهي ترفع رأسها بخجل نحو روميا النائمة بين ذراعيه، ثم أسرعت مبتعدة بخطوات صغيرة. لم يكن مسموحًا أن تسير مع الملك، لذا اتخذت الممرات الجانبية لتسبقه وتصل قبل دخوله.
خفض جیهاردي سرعته قليلًا حتى يمنحها وقتًا لتسبقهم.
***
في ساعة متأخرة من الليل، وبينما غرقت روميا في نومها، اجتمع جیهاردي مع المركيز فانيسا ورئيس الوزراء، الكونت كيلدرو، في حديث سري.
“من المؤكد أنهم يضمرون حقدًا. بعد أن عقدوا صفقة مع يوتار بشروط أخد ماهادري، ليسوا مستعدين للتغاضي، لأنها تعود عليهم بالخسارة.”
“وردنا تقرير بأن رئيس وزراء يوتار التقى سرًا مع رافليكا.”
هزّ المركيز فانيسا رأسه موافقا على كلام الكونت كيلدرو.
ضحك جیهاردي باستخفاف:
“كلاب الاتحاد تريد أن تنهش سيدها كاتاس.”
“رافليكا هي سيد الاتحاد الغربي. ولا أظنكم نسيتم أنها كانت عدونا قبل سبع سنوات على جبهة بامروك.”
“كيف أنسى.”
أيام الحرب القاسية منذ سبع سنوات ما زالت حاضرة، تزوره في المنام، وتبقى آثارها تطنّ في أذنه كلما استفاق.
لا يزال يعيش في أعقابها، وجراحها لم تلتئم. ربما لم تنته الحرب أصلًا بالنسبة له.
“حمقى.”
تمتم بها جیهاردي بهدوء عجيب، لكنها جعلت فانيسا وكيلدرو يصمتان وينظران نحوه، وقشعريرة تسري في جسديهما.
فعينا الملك، حين يطلّ منهما ذلك الاهتمام الغامض، نادرًا ما ينتهي الأمر بخير لمن يقع تحتهما.
الاتحاد بمعظمه كان دولًا كانت سابقًا مستعمرات لكاتاس. وما إن تولّت أوليفيا العرش، حتى منحت تلك الدول حق الاستقلال والحكم الذاتي. ألغت نظام الاستعمار، وأقامت اتحادًا يقوم على المعاهدات العادلة والمتساوية.
تلك الدول وجدت أحوالها أفضل من ذي قبل، فقبلت جميعها. ومع أنّ أوليفيا حررتهم، فقد أبقتهم مقيدين بكاتاس على نحو لا ينفصم.
موهبتها الفطرية في الدبلوماسية عززت ذلك. معظم حكام دول الاتحاد أحبوا الملكة أوليفيا لما كانت تتحلى به من صدق وحب للناس.
حتى يوتار كانوا أوفياء كلابًا لها، لكن بمجرد أن جلس جیهاردي على العرش، انقلبوا كمن يريدون عضّه من رقبته.
“ما العمل إذن؟”
كسر المركيز فانيسا الصمت. فالوضع يسير بالفعل نحو ما كانوا يخشونه.
عندما لم يتكلم جیهاردي، بادر الكونت كيلدرو قائلًا:
“لو اندلعت الحرب فعلًا، هل ستخوضها يا مولاي؟”
كان يعني تكرار كابوس الحرب السابقة. فانيسا صاح برعب وهو يهز رأسه:
“لا يجوز! بالكاد بدأنا نلملم استقرارنا. الاقتصاد الذي انهار منذ سبع سنوات بدأ بالكاد بالتعافي. أنخوض حربًا أخرى الآن؟ مستحيل!”
نظر إليه جیهاردي ببرود قبل أن يرفع رأسه ليتحقق من الوقت. جاءوا باكرًا، لكن منتصف الليل بات قريبًا.
وفكرة أنّ روميا ستكون نائمة بسلام إلى جواره حين يعود، جعلت قلبه يستعجل الخطى.
“إمبراطور ريلنوك كان من المفترض أن يحضر زفافي، أليس كذلك؟”
“إمبراطور ريلنوك؟”
“لم تُعلن فسخ الخطوبة بعد، صحيح؟”
“نعم. أُرسلت رسالة رسمية على أنه مجرد تأجيل، والإجراءات لم تنته تمامًا. وبما أنّ الأمر قابل للتفاوض لو عدلتما عن القرار…”
أومأ جیهاردي ناهضًا:
“إذن إمبراطور ريلنوك سيقاتل بدلًا عنا ضد يوتار ورافليكا.”
“ماذا؟”
حدّق كلاهما به مذهولين، وأخذوا وقتًا ليستوعبوا مقصده. وما إن أدركوه، كان قد غادر قاعة الاجتماع.
تمتم فانيسا، وقد ارتاح قليلًا:
“حقًا، إن استغلال ريلنوك سيكون الطريق الأسهل.”
وافقه كيلدرو مبتسمًا:
“بالطبع. فإمبراطور ريلنوك يحب جلالته كثيرًا.”
“ألم يُشاع إنهما كانا صديقين في الأكاديمية سابقا؟”
“صحيح. جلالته تخرج من جامعة كاتاس الوطنية، ومن أكاديمية إيلوبيا في ريلنوك أيضًا.”
“إذن كان زميلًا له هناك.”
تثاءب فانيسا وهو يفرك جفنيه المرهقين، متمنيا العودة سريعًا للراحة.
“ألن تعود أنت أيضًا؟”
“لدي أوامر أخرى من جلالته.”
“في مثل هذا الوقت؟”
ابتسم كيلدرو بخجل، ثم أخرج ملفات وضعها الملك بين يديه ليريها لها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 88"