كنّ يعرفن جيدًا كم أن حزن فقدان طفل عظيم، لذا لم يوجّهن انتقادًا كبيرًا لإجهاض روميا، لكن خطوات المحظية التي تثير الاضطراب كانت على ما يبدو تُزعجهنّ ففتحن أفواههنّ بكلمات متفرقة.
كانت أريينا تُصغي بتركيز إلى حديثهنّ بينما توجه بصرها نحو روميا.
إنها امرأة رقيقة كالنسمات، تحمل في ملامحها دفء أشعة الشمس.
ألوانها كانت قادرة على إذابة المشهد الثلجي المكدّس في الخارج.
اقتربت منها أريينا مدفوعةً بالفضول.
ورغم أن كلام الآخرين عنها كان مشبعًا بروح الرفض والإقصاء تجاه عائلة بيرلوس، إلّا أن الغريب أنّ الناس لم ينقطعوا عن التجمهر حولها.
حتى مجموعة ليليانا، المشهورة بكبريائها، لم تبرح جانبها لسبب ما.
بما أن أريينا كانت ضعيفة البنية ونادرًا ما تحضر حفلات أو تجمعات، فهذه كانت المرة الأولى التي ترى فيها صاحبة الشائعات المنتشرة.
ومن أول نظرة أدركت أنّ تلك الشائعات مغلوطة.
فهي لم تكن بائسة أو رثّة كما يقولون.
“أنتِ جميلة كعادتك اليوم.”
كلما اقتربت أكثر سمعت كلمات المديح بوضوح موجهة نحو روميا على لسان ليليانا ومن معها.
كانت روميا ترسم ابتسامة رقيقة.
ولم تكن ترفض ذلك المديح الممزوج بالتملّق، بل ردّت عليه بعطف بكلمات ثناء مقابلة.
ومع أنّها احمرّت قليلًا خجلًا من الإطراء، إلّا أن ابتسامتها العفوية وردودها جاءت سلسة كأنها مُحضّرة مسبقًا.
‘كيف لهم أن يصفوها بابنة حديثي النعمة وهم يرون هذا المنظر؟’
انبهرت أريينا بذلك.
منذ ولادتها بين الأرستقراطيين الحقيقيين، وهي تميّز الفرق بين من وُلدوا نبلاء ومن اشتروا ألقابهم بالمال، مثل روميا بيرلوس.
‘حتى لو قيل إنها وُلدت أرستقراطية، سأصدق.’
نظرت إليها أريينا بعينين متألقتين كما لو أنها أسرت قلبها.
إيماءاتها، حركات يديها، نظرة عينيها حين تبتسم—كل شيء كان ساحرًا.
بقدر عزمها على التقاط كل تفاصيلها، لم تستطع عيناها أن تفارقا روميا.
رغم ما سمعته من شائعات بأنها عاشت في عالم مختلف كليًا، إلا أنّ روميا بيرلوس بدت وكأنها خُلقت منذ البداية لتكون أرستقراطية نبيلة راقية.
لم يظهر فيها أي شعور بالإختلاف، فكل آدابها كانت كاملة وجميلة.
ابتسامتها الخفيفة كانت معتدلة، لا إفراط فيها ولا تفريط.
وفوق ذلك، لم تفعل شيئًا سوى الإنصات بصمت، ومع ذلك جذبت إليها من الانتباه أكثر مما فعل المتحدثون أنفسهم.
أريينا التي كانت تعتقد أنّها ستكون كجسم دخيل غريب، فوجئت بمدى اندماجها الكامل.
فهمت الآن إلى حد ما، لماذا لا يستطيع الملك الشاب الجديد لكاتاس أن ينفكّ عنها.
ذلك الملك الفتيّ، شديد الجمال بجنون، أحبّ هذه المرأة التي تشبه غصن زهرة.
حين تتفتح فهي باهرة الجمال، وحين تنطوي فهي أنقى من أي ضوء.
فاستعادت أريينا في خاطرها ما جرى لها مؤخرًا وشعرت ببعض الأسى تجاهها.
ورغم أنها لم تعرف تفاصيل ما جرى، كان واضحًا كم من المحن لا بد أن تكون قد عانت قبل أن تبلغ هذه الدرجة من الاكتمال.
أريينا أرادت أن تحدّث روميا.
سواء في موضوع القبعات التي تحبها، أو هواياتها الأخرى—أي حديث كان ليكون مناسبًا.
ولمّا عزمت على التقدم نحوها بجرأة، دوّى صوت أشبه بصيحة:
“جلالتك!”
جلالته؟ أريينا التفتت مع الجميع نحو مصدر الصوت.
فرأت الملك وقد وقف خلف روميا بيرلوس بكل تلقائية.
كان يرتدي بزته العسكرية، إذ كان مؤخرًا يتنقل بين القواعد العسكرية في إطار الوعد الذي قطعه ليوتار بتقديم الدعم العسكري والمؤن.
بدا على الحاضرين، من المضيف إلى من حول روميا، علامات الارتباك إثر ظهور الملك الشاب “جيهاردي”.
أما روميا فبدت عليها مسحة اعتذار لهم وهي تلتفت إليه.
“لماذا… أنت هنا؟”
“جئت لآخذك.”
“هناك عيون كثيرة ترانا.”
“خشيت أن تضيعي وتحتاري، يا سيدة بيرلوس.”
“لا يُعقل… لست طفلة صغيرة.”
كان ظهوره بالنسبة لها مزعجًا.
فهو لم يكن من مكانته أن يحضر تجمعات صغيرة كهذه، بل كان الأفضل أن تبقى تحركاته الخاصة طيّ الكتمان.
ورغم جهلها بالسياسة، كانت روميا متيقنة أن ظهوره هذا سيُقدّم لهم مادة دسمة للثرثرة والانتقاد.
مدّ جيهاردي أصابعه ولمس الأقراط الضخمة التي تزين أذنيها.
كل ما ترتديه من رأسها إلى قدميها كان من هداياه:
مجوهرات فاخرة ونادرة، فساتين، أحذية، حقائب…
تفحّصها من أعلى لأسفل وهو يقطب جبينه قليلًا.
جمالها كان طاغيًا… لكن مظهرها بدا مثقلًا.
“إذا انتهيتِ من اللهو، فلنعد يا روميا.”
“كم الساعة الآن؟”
“الثامنة مساءً.”
“…… لم يمضِ سوى ساعتين منذ جئت إلى هنا.”
حتى أبكر الحفلات تبدأ عند السادسة مساءً.
رفعت روميا بصرها إليه بحرج، لكنه نظر مباشرة في عينيها بثبات.
جيهاردي لم يكن يحب إضاعة الوقت.
قبل فترة كان ينتظرها بصبر حتى انتهت إحدى جلساتها في الصالون.
لم يكن الانتظار مملًا آنذاك، فهو يعلم أنّ روميا لا يمكن أن تبقى هناك إلى الأبد، وأنها ستخرج نحوه في النهاية.
لكن مع تكرار الأمر، بدأ القلق يتسلل إلى قلبه.
ومما زاد الأمر سوءًا، أنّه هو نفسه سمح لها بدعوة صديقاتها إلى القصر.
كنّ يسهرن يشربن الشمبانيا حتى وقت متأخر، وأحيانًا يقرأن الكتب ويتناقشن، أو تتولى روميا تعليمهنّ طرقًا بسيطة لتزيين القبعات…
يوماً بعد يوم… حتى باتت روميا لا تدخل غرفته إلا بعد منتصف الليل.
بدأ صبر جيهاردي ينفد.
بل وزاد الطين بلة أنّها راحت أيضًا تختار من بين بطاقات الدعوات وتخرج لحضور حفلات.
هي نفسها التي لم تكن تنظر لبطاقات الدعوة يومًا حين كانت تُقابل بالرفض بسبب أصولها.
أما الآن فهي تتزيّن كل يوم بالهدايا التي أهداها لها، وتبتسم تلك الابتسامة المصطنعة التي لا يراها إلّا عند هيرين فوتاميا.
الأرستقراطية… تلك الصورة التي طالما تمنّت أن تكونها، أصبحت الآن تجيد تقمصها تمامًا.
ابتسم جيهاردي ابتسامة ملتوية وفتح شفتيه ببطء.
في عينيه الهادئتين اختبأ شغفه بها.
ذلك القلق الذي لم يقدر أن يتجاهله.
حتى وهو بين ذراعي روميا التي باتت أكثر جرأة في مبادرته، لم يستطع أن يطمئن.
“ستعودين، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“أسألك، هل ستعودين؟”
“ما هذا الكلام…”
ارتبكت روميا ونظرت حولها سريعًا.
ولحسن الحظ كان الجميع قد انسحبوا ليتركوا لهما بعض الخصوصية، فلم يبقَ أحد بالجوار.
لكنها كانت متأكدة أنهم جميعًا يتظاهرون بعدم الإصغاء فيما آذانهم مشدودة.
عادت بنظرها إلى جيهاردي، وما إن التقت عيناها بعينيه حتى انحبس نفسها فجأة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 87"