تمتمت روميا وهي تنظر بأسى إلى ساق الزهرة التي فقدت حيويتها وتهدلت، فاقتربت منها آنا وقالت:
“لقد ذبلت بسبب البرد.”
“لكنها دائمًا بجانب الموقد.”
“إنها لا ترى أشعة الشمس.”
عند كلام آنا، مسّت روميا شفتيها الجافتين بابتسامة باهتة. لقد شعرت أنّ تلك النبتة الذابلة تُشبه حالها تمامًا.
“ها قد انتهيت، آنستي.”
وضعت آنا آخر ريشة سوداء في الشعر المضفر بعناية، ثم أسرعت وأحضرت مرآة صغيرة لتراها. كان وجه الفتاة متوردًا بخجل كأنها تنتظر ثناء، وعيناها المتلألئتان فضحتا توقعها.
أخيرًا ابتسمت روميا برفق وأومأت برأسها.
“أظن أن مهارتك أفضل من مهارتي. عملك متقن يا آنا.”
“اليوم يوم مهم يا آنستي.”
ضحكة رقيقة عذبة انطلقت من آنا وانتشرت في الجو.
***
“دعوة إلى القصر الملكي!”
قالت ليليانا كاسبيث بصوت مفعم بالحماس وهي تشبك يديها معًا. فالقصر الملكي لم يكن مكانًا يدخل إليه أي شخص بسهولة؛ إذ كانت هناك إجراءات دقيقة لفحص الهوية والسجل الجنائي، وكان يجب الانتظار أيامًا للحصول على الموافقة، والدخول مسموح فقط في اليوم الذي يحدده الملك.
لكن ليليانا، التي تجاوزت كل تلك الإجراءات بفضل دعوة واحدة وصلتها قبل أيام، لم تستطع تهدئة حماسها وهي تحدق بلهفة إلى القصر.
وبما أنهم قد تحققوا من الدعوة عند المدخل، فلم يبقَ سوى التأكد مرة أخرى أمام قاعة الاستقبال الصغيرة الملحقة بالمبنى الرئيسي، حيث كان من المقرر أن تُقام المناسبة.
إلى جانب ليليانا المتحمسة، مدّت أوتروس الدعوة إلى الخادم بوقار متعمد، محاولة إخفاء اضطرابها.
“هذه دعوة استلمتها من الليدي بيرلوس.”
في الحقيقة، كانت بياتريتش أوتروس متحمسة مثل ليليانا، لكن بما أن الدعوة من بيرلوس نفسها، فقد منعها كبرياؤها المتعالي من إظهار فرح طفولي أمام الآخرين.
ظل الخادم يتأمل الدعوة طويلاً، ثم أعادها بوجه متردد وقال:
“… عذرًا، لكن هذه الدعوة ليست مرسلة من الآنسة بيرلوس.”
“ماذا؟”
أجابت بياتريتش مذهولة، غير قادرة على استيعاب ما قيل. وحين رمشت بعينيها مرتبكة، ابتسم الخادم ابتسامة محرجة وهز رأسه.
“ثم إن اسم السيدة أوتروس غير موجود في قائمة المدعوين.”
“ماذا تقول؟ لا بد أن هناك خطأ! هذه الدعوة بالضبط مثل الدعوات التي استلمتها بقية السيّدات!”
قالت بياتريتش وهي تشير إلى ليليانا والسيدات اللواتي بجوارها، لكن الخادم ظل مصراً.
“أوصت السيدة بيرلوس بوضوح أن الدعوة من دون رسم الوردة ليست دعوة حقيقية، وأن حاملها جاء إلى المكان الخطأ. لا يمكنني إدخالك، سيدة أوتروس.”
حدّقت بياتريتش في الدعوة بين يديها بغيظ، ثم سحقتها بقبضتها. لم يكن على ورقتها أي وردة.
وفجأة تذكرت ما فعلته من قبل. لقد سخرت من روميا بيرلوس مرّة، فقط لتتسلى بإحراج تلك الفتاة الريفية الغافلة. لم يخطر ببالها أن تلك المزحة العابرة سترتد عليها بهذا الشكل.
وبينما كانت تصارع الإحراج، تقدمت ليليانا بحذر وقالت:
“أنا ليليانا كاسبيث. هل تسمح بمراجعة دعوتي؟”
“ليدي ليليانا كاسبيث… نعم، يمكنك الدخول.”
ابتسم الخادم بلطف وتنحى جانبًا بعد أن تأكد من اسمها. زفرت ليليانا بارتياح وقد هدأ قلقها.
“إسمي موجود في القائمة.”
فتحت بقية السيّدات دعواتهن بسرعة، وتأكدن من وجود الوردة المرسومة، ثم أسرعن لعرضها على الخادم ليؤكد وجود أسمائهن.
ازدادت مرارة بياتريتش أمام هذا المشهد.
“ما العمل الآن، سيدة أوتروس…؟”
من بين ست مدعوات، كانت هي الوحيدة التي استُبعدت. بدأ البعض يتهامسون بشفقة، وآخرون يلومونها قائلين: “هذا جزاء من اعتادت سوء الطبع.”
حاول البعض مواساتها، لكن الكل كان يعرف أن ما جرى لها لم يكن إلا ثمنًا لما فعلته بروميا بيرلوس.
“ومع ذلك… إن ذهبنا جميعًا وتركنا السيدة أوتروس وحدها، ألن يكون هذا قاسيًا؟”
هزّت ليليانا رأسها بأسف، محاولة إقناع صديقاتها. لكن في النهاية قالت بحزم:
“لقد جئنا بدعوة كريمة، ولا نستطيع ردها. فلنتقدم نحن أولاً.”
لم يكن بوسعها أن تفوّت فرصة حضور شاي في القصر. تبعتها بقية الآنسات بخطوات مترددة، متخلّين عن بياتريتش.
وبعد أن تأكد الخادم من دخول جميع المدعوات، ألقى نظرة سريعة على بياتريتش، ثم أشار للحرس بإغلاق الأبواب الضخمة ببطء.
***
“جميلة…”
لم تكن مجرد مجاملة. ابتسمت روميا وهي ترفع فنجانها ردًا على ثنائهن. الغريب أن كلماتهن هذه المرة لم تزعجها كما كانت تفعل سابقًا. ربما لأن المكان هو القصر الملكي، حيث يقيم ملك كاتاس، جيهاردي.
ورغم أنها شعرت بقلق غامض من أن يعاودن التلميح للحادثة المشؤومة الأخيرة، إلا أنهن لم يتجرأن على التحدث باستخفاف، على الأقل داخل القصر.
كن مشغولات تمامًا بزيارة القصر المهيب الذي طالما غلّفه الغموض، يتحدثن بانبهار حتى عن الستائر ومفارش الطاولات، ويقارنونها بالماركات الملكية من بلدان أخرى.
لم يكن متوقعًا أن يسمحوا لها باستخدام القصر لإقامة حفل شاي، لكنها أرادت أن تقف شامخة ولو مرة أمام من كانوا يسخرون منها. أن تكون ببساطة “بيرلوس” بلا ألقاب ولا أحقاد.
“بما أن جلالته أوصى أن أقضي وقتًا طيبًا مع صديقاتي، فقد أُعِدَّ كل شيء بعناية. أتمنى أن يروق لكن.”
تعمّدت روميا ذكر اسم جيهاردي وإبراز كلمة “صديقاتي”، حتى لا تمنحهم فرصة لانتقادها.
“لكن، هل هناك ضيوف لم يصلوا بعد؟ ما زالت هناك مقاعد فارغة.”
قالت ليليانا وهي تتحسس البطانية الفاخرة على ساقيها ثم تشير إلى المقاعد الخالية.
ابتسمت روميا وأجابت بهدوء:
“لم تصل الليدي ريفنروز بعد. يبدو أنها ستتأخر قليلًا.”
كانت يونيـا ريفنروز، التي رفضت دعوتها رغم إغراء إقامة الحفلة في القصر. تذكرت روميا بمرارة كيف احتقرتها تلك الليدي في إحدى الحفلات، وكيف جعلتها مادة للسخرية أمام الجميع، متسائلة باستهزاء عن مكان عائلة بيرلوس في كاتاس.
أغمضت عينيها متألمة من الذكرى، لكن صوتًا مرحًا جاء من خلف ليليانا:
“أما هذا المقعد… فهو مقعدي.”
“لافانتوار!”
“أشعر بالفخر أنكِ عرفتني! لا أستطيع دخول القصر، وخاصة المبنى الرئيسي حيث يقيم أفراد العائلة المالكة، لكن بفضل دعوة السيدة بيرلوس تمكنت من المجيء.”
نهضت الفتيات جميعًا فور رؤيتها، فهي لافانتوار المحبوبة لدى الصغيرات، والتي غمزت لروميا مبتسمة.
“شكرًا لقدومك.”
“بيننا، هذا أقل ما يمكنني فعله، أليس كذلك؟”
لقد حضرت رغم مشاغلها الكثيرة، على الأرجح لأن القبعة التي أهدتها إياها أعجبتها حقًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 85"