حين تأكّدت هيرين من أنّ فيوليت فتحت الظرف، ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة.
“أليس على روميا أيضًا أن تقوم بواجبها تجاه أسرة بيرلوس؟ لا يمكنها البقاء في القصر الملكي إلى الأبد وهي تحمل وصمة عار مخزية في أوج شبابها. لحسن الحظ، فقد تفهّم الكونت هذه السلسلة من الأحداث كلّها. لا بدّ أنّ هذا من بركة جمال ابنتك.”
“حسنًا، ابنتي قد ورثت جمالي، فهي فائقة الحسن مثلي.”
الورقة المليئة بمعلومات دقيقة عن العريس بدت جديدة. تذكّرت فيوليت فجأة أنّها حين أرسلت ردّها في المرة السابقة قرأت سريعًا بعضًا من هذه التفاصيل.
‘ما هذا؟! كان لدى هذا الرجل أرض قرب نهر ميهِتيربان؟’
اتّسعت عيناها دهشة، وصارت أصابعها تقلب الصفحات بسرعة أكبر بكثير من ذي قبل.
هيرين لم تفُتها ملاحظة ذلك، بل راقبتها بدقّة كاملة.
“لذلك أتمنى أن يروق لكِ هذا الزواج الذي اخترتُه بعناية. أذكر أنّني تلقيت ردًّا إيجابيًا منك في المرة السابقة.”
“نعم… هذا صحيح…”
كان هذا إلحاحًا مبكرًا على الإجابة، بينما فيوليت كانت تفضّل أن تزن الأمور بمرور الوقت. غير أنّ عينيها لم تكفّا عن القراءة في الأوراق المكتوبة بإسهاب. ولتسهيل القرار، أضافت هيرين شرحًا وديًّا:
“إنّه من نبلاء الوسط في كاتاس، يملك المال والمجد، ولا ينقصه شيء من فضائل السادة.”
“……”
“وزواج كهذا بين العائلات لا يتمّ إلّا بموافقة الوالدين، لذا وجدتُ نفسي أطلب إذنك كوسيط. الكونت نفسه في انتظار ردّك.”
وضعت فيوليت الظرف على الطاولة بقوة. كانت على وشك أن تميل نحو هذا العرض، لكن إنْ كانت ستسعى وراء المكاسب الفورية، فالمكافأة التي تنوي اقتناصها من الملك ستكون قد تبخّرت. لم تكن بحاجة إلى ميزان لتعرف أيّ الكفّتين أثقل.
قبل أن تنطق بالرفض، سبقتها هيرين قائلة:
“روميا لا تبدو راضية… حين ينتهي عرضها، هل سيظلّ الناس يصفقون لها؟ هل ستبقى روميا جميلة كأمّها بعد أن يُسدل الستار؟”
هاه. حدّة نظرات فيوليت اشتدّت ككثافة مكياج عينيها. أن يصدر تحذير بهذه القسوة من نبيلة رفيعة… لمجرّد رجل واحد؟ مع ذلك، الملك يستحقّ الطمع فعلًا. مالت شفتيها بابتسامة جانبية، وهي تحدّق في هيرين التي بقيت مبتسمة بوجه كامل.
أن يسمّوا علاقات روميا بالملك “عرضًا مسرحيًا” كان أسلوبهم المترف. والكلمات المبطّنة: “لن يحبّها أحد بعد سقوط الستار.” كانت واضحة بما يكفي. ثم أتبعتها هيرين بابتسامة مشرقة من جديد.
“حينذاك سيكون الأوان قد فات، سيدتي. عليكِ أن تفكّري بطريقة حكيمة لمساعدة ابنتك.”
ثم دفعت بالظرف مجددًا نحو فيوليت. نظرت هذه الأخيرة إليه بازدراء، لكنها فهمت ما ترمي إليه هيرين، فأعادت فتح الظرف. كان هناك ورقة لم تلاحظها في المرة الأولى، منشغلة بقراءة بيانات العريس.
***
بعد أن انتهت فيوليت من استعادة تلك الذكريات، رمت بكلماتها نحو روميا التي ما زالت صامتة:
“تزوّجي.”
أما خطتها القديمة، باستغلال إجهاض روميا للمطالبة بتعويض من الملك، فقد طارت منذ زمن. فالرجال كثيرًا ما يتراجعون عن وعودهم، أما الغيرة عند النساء فهي رهان أكثر أمانًا. الغيرة قادرة على دفعهنّ للوفاء بوعودهن مهما كلّفت.
ولشدّة إصرارها على هذا الخيار، أعادت دفع الظرف نحو روميا لتُلمّح لها بقراءة الورقة التي لم تنتبه إليها.
أفرغت فيوليت حساباتها ثم صرّحت:
“سقوط جنين لا يعني أنّ المرأة فقدت وظيفتها. صحيح أنّه أقلّ مما كنا نطمح، لكن زواجك من أسرة كونت دنتالوف ليس سيئًا. ستنجبين وريثًا ويُعترف بكِ كـ كونتيسة كاملة.”
لم يكن يهمّها إن كانت روميا تصغي أو لا. صمتها الدائم كان مزعجًا، لكن في النهاية، ما وُضع لروميا هو التضحية لأجل لقب مُشترى بالمال، ولأجل ازدهار أسرة بيرلوس.
“إن لم يكن الآن، فمن سيأخذك لاحقًا؟ عليكِ أن تعرفي كيف تقتنصي الفرصة حين تأتي. إلى متى ستبقين حمقاء؟”
عندها فقط، التفتت إليها عينا روميا الخضراوتان، الباردتان دوماً. وحين فتحت فمها، كان الأمر أشبه بذوبان جليد صلب على غصن يابس ليتحوّل إلى قطرة تسقط على النافذة.
“……لن أتزوّج.”
“حتى بعد ما حدث، تفضّلين البقاء عشيقة للملك وتنتهي حياتكِ نهاية بائسة؟”
أن تقول إنّها لن تتزوّج؟! يا للغباء! ضربت فيوليت صدرها من الغيظ وهي ترى روميا تتفلّت من قبضتها منذ حادثة نادي سينسيا.
لم تعد تلك الفتاة الضعيفة التي تخفض بصرها، بل باتت تنظر إليها مباشرة. شعرت فيوليت ببرودة في تلك النظرات الفارغة، قبل أن تسألها روميا فجأة:
“ماذا أخذتِ من السيّدة؟”
“ماذا؟”
“مالًا؟”
“……”
“أو وعدًا بمساعدة أسرة بيرلوس على افتتاح متجر في العاصمة؟”
تذكّرت فيوليت على الفور ما كان في الظرف الذي أعطته هيرين مؤخرًا: وثيقة وعد بمتاجر في العاصمة. لم تكن تحت اسم عائلة بيرلوس بل تحت اسم بيوت تجارة تابعة لأسرة فوتاميا، لكنّها سُلّمت كاملة لها.
ارتبكت فيوليت وارتعش صوتها وهي تصيح محاولةً الإنكار:
“روميا! بحق السماء، ألِهذا الحد تظنين بي؟!”
لكن برودة نظرات روميا أخبرتها أنّ الجواب قد وصل بالفعل. عادت تحدّق بقطرات المطر المتساقطة على النافذة، وقالت:
“متجر القبّعات سيدخل العاصمة.”
“ماذا تعنين؟”
ارتجفت فيوليت دهشة، فقالت روميا بهدوء:
“مشروع أسرة دوين الجديد هو مشروع القبّعات معي. أنا المصمّمة، وهو سيموّل كلّ ما أحتاج. سأرسم القبّعات وهو يوفّر الدعم.”
“ولماذا لم تخبريني من قبل؟!”
“لقب بيرلوس ليس حكرًا لكِ وحدك. أنا أيضًا بيرلوس. كان هذا مشروعي باسمي، لا باسمكِ أنتِ ولا باسم والدي. إنه مشروع ‘روميا بيرلوس’.”
عادت نظراتها لتستقر على والدتها، ممتلئة بمرارة وصبر السنين التي قضتها وحيدة بلا سند.
لم يكن صوتها مرتفعًا، لكن وضوحه حمل تصميمًا قاطعًا. ارتبكت فيوليت وحاولت الإمساك بذراعها، لكن روميا أبعدتها ببرود.
“الآن فهمت. كنتُ تعيسة بسبب هذا اللقب.”
ما زالت صور ذلك اليوم، حين تحوّلت الثلوج البيضاء إلى دم أحمر، حيّة في ذهنها. رغم ذلك، لم تتوقف فيوليت عن استغلالها، مصرّة على أن ابنتها لم تفقد وظيفتها كأنثى.
لكن لم تعد روميا تلك الفتاة التي كانت تؤمن بأوهام والدتها. لقد تخلّت بيدها عن أحلامها الفارغة.
“سأتخلّى عن هذا اللقب.”
“أنتِ…! هل تعرفين كم هي حقيرة حياة العامة بلا لقب بيرلوس؟ لا تزالين حمقاء كما كنتِ عند الطفولة!”
“ليست حقيرة. على الأقل، بلا لقب بيرلوس، لن أُلعن بسببكما. لن أُحبس في غرفة ضيّقة كل يوم لأرسم قبّعات تشبع طمعكما. لن أكون تعيسة على الأقل…”
صفعة مدوّية ملأت الغرفة.
اندفع الألم والحرارة في خدها. وكما اعتادت، لم تتمالك فيوليت أعصابها فرفعت يدها على ابنتها.
“يا نكرة! ألا تعرفين فضل من أنجبتك وربتك؟!”
وانهمرت الشتائم البذيئة منها وهي تجذب شعر روميا بعنف.
“وفي النهاية، لستِ سوى عاهرة تفتح ساقيها للملك! كيف تجرئين أن تخاطبي أمّك هكذا!”
أطلقت روميا أنينًا مكتومًا وهي تشدّ على شفتيها لتتحمّل الألم. أخيرًا تمكّنت من دفع يدها بعيدًا وقالت بجهد:
“……غادري. ولا تعودي مجددًا.”
لكن فيوليت لم تكتفِ، بل هدّدت رافعة يدها من جديد:
“إذن تريدين أن تقطعي صلتك بنا؟ حسنًا! وحين يتخلى عنك الملك، هل سيكون لك مكان تعودين إليه؟”
“……”
كانت كلماتها كالطعنة. أدارَت روميا وجهها بعيدًا، فقهقهت فيوليت وهي تمسك بطنها من شدّة الضحك:
“لا مكان لتعودي إليه!”
ثم خرجت، تاركةً وراءها رائحة عطر نفّاذة وكلمات مُرّة: “لم أنجب ابنة مثلك قط.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 79"