قبل أن يطلع الفجر، وبينما كانت السماء تمطر وابلًا من النجوم، جلست إيزابيلا تحدّق في السماء وهي تفرك عينيها المتعبة وتُخرج قلمًا وورقة. فمنذ وصولها إلى هذا المكان وهي منشغلة تمامًا بأداء واجباتها، فلم تجد وقتًا لتفرغ ذلك الشعور بالذنب الثقيل الذي كان يجثم على قلبها.
<إلى صديقتي العزيزة روميا،
لا أعلم متى ستصل إليك هذه الرسالة. كيف حالك؟
لقد انتهيتُ أخيرًا من جميع مراسم الزواج، وصرتُ الآن متفرّغة بعض الشيء.
لا بدّ أن الثلوج قد غطّت كل مكان عندكم، أليس كذلك؟ إنّه الشتاء القارس هناك.
أما هنا، فلا يمكن للمرء أن يتوقع رؤية الثلج، إذ ليس هناك سوى بحرٍ واسع من الرمال.
إنّه مكان بعيد جدًّا عن كاتاس، إلى حدّ يمكن القول إنّه يقع على طرفٍ آخر من العالم. الطقس، والوقت، وحتى هيئة الناس، كلّ شيء هنا مختلف.
الجوّ حارّ ورطب، لكن لا بأس. ليس حرًّا خانقًا يجعلني أتعرّق بغزارة.
زوجي كييِل رجل طيّب. شاب، ثريّ، ويتمتّع بصحّة جيّدة.
وفوق ذلك، فهو لطيف. قد يبدو مظهره مخيفًا قليلًا، لكنّه دائمًا يحاول النظر إليّ مباشرة حين يكلّمني.
وإن احتجتُ شيئًا، يظهر فجأة أمامي من تلقاء نفسه دون أن أطلب.
أحيانًا أشعر أنّني قد أُعجب به بدوري. أليس هذا مضحكًا؟
على أيّ حال… سبب إرسالي هذه الرسالة هو أنّ صورتك لا تفارق عيني.
أعرف جيّدًا كم ستعانين من البرد والشدائد بعد رحيلي.
ليس من السهل أن تواصلي حياتك وأنتِ تدركين بؤسها.
أتمنّى ألّا تكوني قد نسيتِ ما قلته لك من قبل.
إذا أردتِ أن تعيشي، فعليكِ أن تهربي. أن تتركي القصر الملكي وتختفي بعيدًا جدًّا.
يجب ألّا تنسي ذلك أبدًا، روميا.
يبدو أنّ زوجي قد عاد. سأُنهي الرسالة هنا.
من إيزابيلا، التي بالكاد تعرف المكان الذي تعيش فيه الآن.>
رغم أنّ لديها الكثير ممّا أرادت قوله، إلّا أنّها سمعت خطوات زوجها النشيط كييِل عائدًا بعد حمّامه، فشعرت بالحرج كونها تكتب رسالة إلى صديقة من وطنها. سارعت بطيّ الورقة وختم الظرف.
تمنّت من قلبها أن تفهم روميا الرسالة المخفيّة بين سطورها، وأن تصل إليها في الوقت المناسب. وحين عاد زوجها إلى غرفة النوم، استقبلته بابتسامة مشرقة.
***
“حقًا، لن تأكلي شيئًا؟”
قالت آنا بصوتٍ مبحوح يكاد يبكي وهي تنظر بقلق إلى روميا.
كان الطبيب قد أوصى بقسطٍ من الراحة، لكن ما رأته آنا لم يكن راحة، بل موتًا بطيئًا. لم تكن روميا سوى جسدٍ بلا روح.
عينان فارغتان تحدّقان في آنا تثيران فيها قشعريرة مخيفة، فتتراجع خطوة إلى الوراء.
شعرها البنيّ الذي كان يومًا يلمع كأشعة الشمس، وعيناها اللتان كانتا تفيض بالحياة، فقدا بريقهما منذ زمن. مثل شجرة ذابلة تُركت طويلًا بلا ماء ولا ضوء، لم يتبقَّ منها سوى أنفاسٍ ضعيفة متقطّعة.
لم تتناول ملعقةً واحدة من الحساء الذي أعادت آنا تسخينه مرارًا، ولم تُلقِ نظرةً واحدة إلى الخارج من النافذة التي فتحت ستائرها لتدخل الشمس.
بل حتى حين حاولت آنا أن تقرأ لها كتابًا بمهارةٍ ركيكة تعلّمتها بشقّ الأنفس، بقيت عينا روميا بلا تركيز.
عند هذه النقطة، اجتاح الخوف قلب آنا.
“يا آنستي…”
لم تفهم الصغيرة معنى أن تفقد امرأة طفلها، لكنّها كانت تعرف على الأقل أنّ إبقاء الجسد دافئًا أمر مهم. بدأت تفرك ذراعي روميا وساقيها وهي تمسح دموعها.
حين بدأت تخدمها، كانت تظنّها امرأة هشّة لكن محبوبة، أما الآن فقد غمرتها الدموع حتى تشوّه وجهها الصغير.
***
انتشر خبر سقوط شارون طريحة الفراش بعد أن شربت شاي ديبيتو في كل أرجاء القصر الملكي. حتى هيرين التي كانت منهمكة بالتطريز وخزت إصبعها من شدّة الصدمة، فسال الدم من طرفه.
“دعيني أعقمه لكِ.”
قالت السيدة ميريج وهي تسرع بإحضار صندوق الأدوية والضمادات، لكن هيرين لوّحت بيدها بحدة. لم تكن بتلك الهشاشة لتقلق من جرحٍ صغير كهذا.
ورغم أنّها كانت تدرك أنّ ما تفعله لا معنى له، إلّا أنّها تماسكت على طريقتها.
فمن الواضح أنّ الدور التالي بعد شارون سيكون دورها هي.
إذا كان الملك الذي عُرف يومًا باللطف والوقار قد خلع قناعه وصار بهذا القدر من القسوة، فهذا يعني أنّ العاصفة القادمة ستكون دامية.
‘كلّ هذا فقط من أجل تلك الفتاة بيرلوس.’
أن يُلقي بقناعٍ حافظ عليه طوال حياته من أجلها؟
كانت تدرك أنّ وليّ العهد ليس كما يبدو، لكن لم يخطر ببالها أنّه قد يصبح بهذه الوحشية. وذلك من أجل فتاة ضئيلة الشأن.
نهضت هيرين فجأة تاركة إبرتها، وبدأت تبحث عن معطفها.
“في هذا الجوّ، هل تنوين الخروج؟”
“يجب أن ألتقي بالسيدة بيرلوس.”
“ماذا؟”
“لم يعد هناك سبب لتأجيل زواج روميا.”
فالجنين الذي كان في بطنها قد أُسقط، ولم يتبقَّ سوى التخلّص من روميا نفسها. أما غضب الملك، فيمكنها أن تحتمي منه باسم فوتاميا.
أدركت هيرين أنّ عليها التحرّك قبل أن يصل إليها بنفسه.
صمت جناح الزنابق حتى الآن لم يكن لأنّه أغفلها، بل لأنّه أجّلها مؤقتًا احترامًا لاسم فوتاميا.
كانت تعلم أنّه لا يغيّر ما يقرّره أبدًا، لكنها لم تستطع أن تطرد هاجسًا مؤلمًا: أنّ فقدانه لطفلٍ قد يحمل ملامح روميا ربما جعله يفقد عقله إلى الحدّ الذي يدوس فيه على كلّ مبادئه.
لم يعد هناك وليّ العهد جِهاردي الذي عرفته من قبل.
***
حين عاد جِهاردي إلى القصر أبكر من المعتاد، لم تستقبله غرفة فوضويّة ولا روميا النافرة، بل وجد آنا وحدها جالسة بجانب امرأة ممدّدة كالجثة.
وقفت آنا بسرعة تمسح دموعها حين رأت جِهاردي.
وبدون أن يسألها، راحت تسرع بسرد كلّ ما قد يثير فضوله:
“إنها ترفض الطعام، وتبقى مستلقية تحدّق في السقف. أحيانًا تغمض عينيها، لكن لا أظنّها تنام.”
انتقلت عيناه إلى روميا المستلقية. لو لم يرَ صدرها يتحرّك بخفّة، لظنّ أنّها ميّتة.
عيناها الخضراوتان اللتان كان يكرهها ثم أحبّها لم تعدا تُرى خلف جفون منغلقة بإصرار.
“أنا… أخشى أن يحدث لها مكروه.”
قالت آنا وهي تعبث بيديها محاولة حبس دموعها.
تذكّر أنّها وصيفة روميا المفضّلة، فسألها بهدوء:
“اسمك؟”
“آنا. آنا ديبلوس، يا مولاي.”
كان هو من ألحقها بخدمة روميا، لكنه لم يكترث يومًا باسمها. أجابت بأدب، لكنّها فوجئت ببروده. فهو لا يولي اهتمامًا لأيّ شيء سوى سيدتها.
“أحضري شيئًا تأكله فورًا. أنا سأطعمها بنفسي.”
“آ… نعم! حاضر!”
أمرها بلطف غير معتاد، لكنها حين أسرعت نحو المطبخ وأُغلق الباب خلفها، جلس هو بجانب روميا.
“ستموتين هكذا.”
همس بذلك وهو يحدّق في وجهها. شعر بخفّة رجفة في رموشها، دليلًا على أنّها تسمعه.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"