كان بطنها يزداد انتفاخًا، لذلك بدأت روميا في ارتداء ملابس أكثر سماكة، ورغم أن الوقت كان لا يزال مبكرًا، أحسّت بحركة طفيفة في أسفل بطنها.
حياة، حياة صغيرة مستقرة خلف جلد بطنها، لا يمكن لمسها أو رؤيتها.
الأشياء التي كانت تخشاها ولم تستطع مواجهتها صارت تقترب مع مرور الوقت بوضوح أكبر. حتى الأعراض التي كانت تخفيها في عجلة، حين فكرت أنها إشارات يرسلها الجنين الصغير داخلها ليقول إنه حيّ، بدت محتملة.
في النهار، حين يغلبها النعاس، كانت تجلس في زاوية دافئة مستندة إلى الحائط، وتتخيل من سيشبه طفلها أكثر. حينها، يتسلل إليها ضحك خافت. وحتى لو جرّها التفكير إلى كآبة قاتمة بأن هذا الطفل قد لا يحظى بالحب الكامل من كلا والديه، كانت روميا تبتسم بشجاعة.
لم تكن تريد أن يسمع طفلها أفكارًا سيئة. هذا الشعور كان جديدًا عليها؛ لم يسبق أن تعلمته أو تلقت مثله من أحد. كانت هذه المرة الأولى التي تفكر فيها في حماية شخص ما، والمرة الأولى التي اكتشفت أنها تملك شجاعة كهذه.
أكثر ما كانت تتطلع إليه هو أن ترى تلك النظرات اللامبالية في عينيه وقد تلطفّت وانحنت برفق على وجه طفلها القادم. لذلك لم تستطع الاستسلام.
الجميع قالوا عنها: شجرة لا يمكن بلوغها. مشاعر حمقاء. سمّ. واقع قاسٍ…
لكن الشيء الوحيد الذي كان بوسع روميا امتلاكه وسط كل ذلك كان هذا الطفل. الطفل الذي يشبهه. لم تسعَ لامتلاكه، لكنه جاء إليها بنفسه.
رفعت روميا صوتها فجأة محاولة إخفاء دموعها المتوهجة.
“لا أريد.”
ومع حدة رفضها، شدّت بيديها على ذلك الكيان الصغير والقوي المختبئ تحت طبقات ثيابها الثقيلة. رغم دموعها المتلألئة المتوسلة، ظلّت شارون متصلّبة.
أن يولد هذا الطفل ويظهر للعالم، كان أمرًا توقّعته روميا منذ أن بدأت السير في طريق المعاناة. ما لم تهرب من جانب جيهاردي، لم يكن الأمر سوى مسألة وقت.
لكنها لم تفكر قط أنها ستُطرد هكذا وتُداس دون أن يعلم هو.
من الجهة المقابلة، أطلقت شارون ضحكة ساخرة.
“سمعت أن الليدي رتّبت لك خطبة، صحيح؟ اشربي، وغادري هذا المكان، وعيشي بهدوء كفأرة ميتة.”
“لا أريد يا صاحبة السمو.”
حتى دون اعتراف مباشر بالحب، كانت هناك شفتان تلامسان جفنيها كلما فتحت عينيها في الصباح. صباحاته كانت تبدأ بقبلة منه، ثم وجبة يرسلها خادمه، ثم يشربان الشاي الذي اعتاد تناوله بعد الطعام.
قد يبدو يومًا عاديًا مكررًا قبل أن يبدأ برنامجه الصباحي، لكنه كان أكثر الأوقات المحببة إلى قلب روميا. بداية ثابتة لنهارها كانت بالنسبة لها مصدر طمأنينة وسط خوفها الدائم من أن يتغير كل شيء في حياتها فجأة.
اليوم كان كذلك أيضًا. تركت أعمال نادي “سينسيا” جانبًا، وأبعدت مؤقتًا حتى مشروعها مع كارلايل، وخصّصت وقتها لنفسها وللجنين في بطنها فقط.
حين سمعت أن شارون تبحث عنها، شعرت بقليل من القلق، لكنها حاولت تهدئة نفسها معتبرة أنه ما يزال مبكرًا جدًا ليُكشف أمرها.
غير أن المشهد أمامها كان مختلفًا. كوب شاي بارد، لونه الأحمر الداكن بدا لها مقززًا للغاية، وشارون تمدّه نحوها بحدة آمرة. انهارت روميا فجأة على ركبتيها.
“هذا هو شريان حياتك!”
“لا… لا، لا أريد يا صاحبة السمو.”
“أيتها الحمقاء! لماذا بحق السماء…!”
كل كلمة غاضبة من شارون كانت تمزّق جسدها أشلاء.
احتضنت روميا جسدها المرتجف، غير قادرة على السيطرة على نفسها.
لم يعد يفيد أن تتساءل كيف عرفت شارون. الحقيقة أنها عرفت، وهذا وحده جعل وجه روميا يبهت شاحبًا.
ذلك الشاي المصنوع من بتلات زهرة “يوليسيس”، المشهورة بخطرها الكبير على الحمل… لم يُظهر على شارون أي احترام للحياة بداخلها.
دموع روميا المتوسلة لم تحرّك في الأميرة ساكنًا، بل نظرت إليها بعدم رضا لمحاولتها حماية الجنين.
قالت شارون إن هذا هو شريان حياتها، لكن الحقيقة أن ما تدفعها لشربه كان قطع أنفاسها.
رأت روميا في ذلك محاولة لسلب آخر خيوط الضوء في حياتها التي بالكاد استمرت بفضل مشروعها مع كارلايل. ومع ذلك، ورغم الخوف، توسلت، وبكت حتى جفت دموعها، وانبطحت على الأرض متضرعة كي تحمي طفلها.
“إذن، تريدين أن تلدي هذا الطفل ليربى كابن غير شرعي في العائلة المالكة؟ أتريدين تلويث وجه عائلة كاتاس؟!”
طعنة في القلب. رفعت رأسها بحثًا عن عون، لكن لم يلتقِ أحد عينيها.
فانخفض رأسها يائسًا حتى لامس الأرض الباردة، ودموعها تتساقط غزيرة على الرخام.
فوق رأسها، تنفست شارون بعمق وكأنها ضجرت تمامًا:
“قد يموت بمجرد أن يولد. عليك أن تدركي يا روميا من هو والده. هذا ليس وقتًا لعنادك.”
ثم…
“اشربي.”
دفعت شارون بالكوب نحوها مجددًا. سبق أن وعدت هيرين بأن تُسقِط جنين روميا، وفي المقابل، تكسر كبرياء تلك المرأة التعيسة. وبرّرت ذلك هذه المرة بأنه لأجل شرف العائلة المالكة.
كانت أوراق الشاي هذه رفيقتها الدائمة، لكنها لم تتخيل أن تستخدمها ضد عشيقة ابن شقيقها، جيهاردي. الفكرة أضحكتها، فكتمت ضحكتها بصعوبة.
راقبت عيني روميا وهما تغدو أعتق فأعتق، ثم قالت ببرود:
“يجب أن تشربي كي تعيشي.”
ظنت أن قليلًا من الشفقة لا بأس بها. التعامل مع فتاة مثل روميا، هابطة المنبت، لم يكن إلا أمرًا مقززًا. لكن لولا أن وقعت في عين ذلك “الوحش”، لكانت مجرد فتاة عادية عابرة.
استحضرت شارون صورة حياة روميا العادية، ثم هزّت رأسها.
لم تكن روميا في غاية الجمال، لكن في عينيها قوة خفية قادرة على جذب الرجال. حتى وهي فاقدة للبريق الآن، ظلت عيناها العميقتين حزينة بشكل لا يوصف.
‘صحيح. أي شيء يتجاوز حده يصبح سمًّا.’
بمثل ذلك الوجه، لم يكن بمقدورها أن تحظى بحياة عادية كما تحلم بها الفتيات الأخريات.
داعبت شارون أطراف أظافرها المصقولة ونظرت إليها بصمت.
لم تكن تضمر كراهية شخصية عميقة لها؛ هدفها الحقيقي كان جيهاردي، ابن شقيقها.
‘لسوء حظك… هذه نتيجة ارتباطك بشخص لا يجدر بك الارتباط به.’
نقرت بلسانها، ثم أخرجت الظرف الأبيض الذي سبق أن دسّته “هيرين” لروميا، ووضعته بجانب الكوب.
“ثم عيشي كما أردتِ. ابتعدي عن جيهاردي، وعودي إلى حيث تنتمين.”
***
إلى حيث تنتمي… كلمات شارون دارت في ذهن روميا، فتمسكت ببطنها المرتجف وتوقفت لتلتقط أنفاسها. لطالما أخبرها جيهاردي أن مكانها إلى جواره.
لكنها الآن شعرت كمسافرة ضالة فقدت طريقها، وانفجرت بسخرية مريرة. في فمها بقي الطعم المرّ ورائحة لا تودّ أن تشمها ثانيةً.
لم تجبرها شارون على شرب الشاي، لم تفتح فمها عنوة. كان الكوب أمامها، حصتها، فشربته بنفسها. فلماذا تبكي الآن؟ هاها… انطلقت ضحكة مريرة من فمها وتلاشت في الهواء.
ما فعلته للتو جعل الدنيا تدور أمام عينيها.
أصابعها ارتعشت حتى أنها لم تستطع الاستناد إلى العمود بجوارها. قدماها فقدتا قوتهما، فبدأ جسدها يميل.
‘لماذا… لماذا… قلتِ أنك ستحمينه…’
دفنت وجهها بين كفيها العجاف، وجسدها يهتز بارتعاش هستيري.
“ما الذي فعلته…؟”
الانخداع بكلمات العودة، ودفعها للتصرف باندفاع، كان ثمنه باهظًا جدًا. شعرت أنها ستُغرقها الموجة العاتية التي خلّفتها تلك اللحظة. وإن ذبلت وماتت، فلن تكون شارون هي من قتلها، بل روميا بيرلوس نفسها. تلك الغبية التي يسخرون منها، بائعة القبعات، حديثة النعمة… هي من قتلت نفسها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 74"