كان كارلايل يحدّق في ظهر المرأة التي أمسكت بذراع روميا بخشونة وهي تزعم أنها أمها وتأخذها بعيدًا. تأخّر قليلًا في استيعاب ما حدث، إذ كان الأمر قد وقع فجأة فلم يُحسن التصرّف. على عجل تبع كارلايل الأم وابنتها، وهناك رأى روميا تنهار بلا حول ولا قوة.
على صرخة كارلايل الملهوفة، اتجهت الأنظار من الحشود المتجمّعة عند مدخل الحفلة إلى روميا التي كان يقصدها.
كان ربيع وصيف كارلايل يذويان. بدأ يركض بخطى متسارعة، لكن تلك الخطوات المثقلة باليأس سرعان ما تباطأت وتوقّفت. السبب كان الرجل الذي ظهر خلف روميا.
توقّف فجأة. كانت المسافة المتبقية قليلة جدًا ليصل إليها. قبل أن تسقط روميا أمام عينيه، كان الرجل قد تلقّفها برفق بين ذراعيه.
لم يكن في حركاته أي استعجال أو توتّر، بخلاف كارلايل.
جيهاردي. كان كارلايل يكرر في داخله مرارًا هذا الاسم العظيم، اسم الملك، وهو يقبض كفّه بقوة. جيهاردي احتضن روميا ونظر مباشرة إلى كارلايل.
غمره الغضب. لا يعرف السبب، لكن أنفاسه الساخنة تكاد تحرق صدره، كأن شيئًا يتفجّر من داخله. نظراته القاتمة، التي قاربت الكفر، التصقت بجيهاردي.
“ماذا تفعل؟”
سأل وهو بالكاد يتماسك.
“أتيت لأخذ ما هو لي.”
العينان الباردتان، التي لا ترى في الأمر مشكلة، بدت لكارلايل وكأنها تسخر منه.
لم يُعلن عن حضور الملك إلى حفلة النبيذ في نادي سينسيا، لذا كان سبب مجيئه واضحًا: روميا.
ومع أنه كان يعرف ذلك، لم يشأ أن يعترف به. هذا الرجل أعلن بجسده كله أنّ روميا بيرلوس تخصّه.
أي ملك سبق أن حمل عشيقة مغمى عليها إلى صدره؟ لو قلبت كل السجلات التاريخية فلن تجد إلا حالات معدودة. هل حقًا سيبقى هذا الملك يعتبر روميا مجرد محظية رغم حضوره بنفسه وفق جدولها؟ حتى بعدما رأى بعينيه تلك النظرة المليئة بشيء يشبه الحب، لم يستطع كارلايل التراجع.
“أنا شريك روميا في هذه الحفلة.”
إن كان بوسعه أن يحمي ربيعه وصيفه، إذن فبوسعه أن يعيشهما معها حتى النهاية.
مدّ كارلايل يده نحو جيهاردي، إشارة صريحة يطلب فيها أن يُسلَّم له روميا. غير أن جيهاردي لم يفعل شيئاً سوى النظر إلى راحتيه الفارغتين.
كان على يقين: ليس هو الأحمق الذي يضع امرأته في يدي غيره.
“كارلايل دُوين، لا أحب الطامعين في ما هو لي.”
“الآنسة روميا ليست من ممتلكات جلالتك.”
“أعرف.”
أجاب بهدوء، ثم ابتسم وهو يحدّق في كارلايل الذي كان ينظر إليه بحدّة.
“لذلك أعاملها بعناية، وأقدم كل ما هو نفيس وغالٍ، حتى لا تهرب مني.”
“…….”
“ألا ترى؟”
أحسّ كارلايل بالحرج، فسحب يده بصمت أمام تلك الابتسامة التي لم تدم طويلًا، لكنها أوصلت تهديدها بوضوح. ثم استدار جيهاردي مبتعدًا، حاملًا روميا معه، ليغدو شيئًا فشيئًا نقطة سوداء تتلاشى في البعيد.
***
لم يعرف أي كابوس كان ذاك الذي جعلها تضطرب هكذا وهي نائمة. العرق البارد انهمر منها حتى ابتلّت الوسادة والغطاء. ومع ذلك، لم يُبدِ جيهاردي أي معارضة، بل ظل يمسح عرق روميا، إستدعى الطبيب قبل وصوله مرارًا.
وكان الصوت الصاخب كافيًا ليعيد وعي روميا شيئًا فشيئًا. قبضت على معصمه.
“أتمنى لو لا تستدعِ الطبيب.”
فتحت عينيها. وقبل أن يُظهر امتنانه لذلك، هزّ جيهاردي رأسه بصرامة.
“لا.”
“أرجوك.”
أن تنهار في حفلة مع رجل آخر، ثم ترفض الفحص الطبي؟ روميا كانت دومًا ضعيفة، لا تعتني بصحتها أو طعامها إن لم يكن بجانبها. لكنه، أمام توسلاتها الصادقة، لم يستطع الرفض طويلًا.
عندما جلس بجانبها من جديد، ابتسمت روميا مطمئنة.
“الآن أفضّل أن أنام بهدوء بدلًا من الفحص.”
كان صوتها أوهن قليلًا، لكن كلماتها بدت حلوة على غير العادة. كانت روميا كلّ ما يعرفه.
سحبت روميا ذراعه، واستدارت بحذر إلى الجانب. طرقت بيدها على السرير بجوارها.
“لتنم بجانبي.”
لم يكن يسمح بأن يُعامَل كطفل، لكنه حدّق مطوّلًا في ملامحها، يحاول أن يفهم. وجهها المحمّر وهي تطلب بتلك الوقاحة التي سرعان ما تحوّلت خجلًا، كان كافيًا ليكشف صدقها.
ولمّا لم يتحرّك، أضافت:
“استلقِ بجانبي وأربّت عليّ كما تفعل كل ليلة حتى أنام.”
“مُخادعة. كنتِ تراقبينني إذًا.”
قالها بسخرية وهو يخفي حرجًا. شعرت روميا بالضيق، لكنها كظمت، مضطرة أن تتحمّل.
“نعم، أحب ذلك. دائمًا أغفو سريعًا حين تربّت عليّ. وأنام بعمق.”
لم يقل شيئًا. فقط تمدّد إلى جانبها. جسده العريض ملأ مجال بصرها.
ثم، على عكس سخريته السابقة، مسح بيده الكبيرة بطنها برفق.
ارتجفت. خشيت أن يكتشف بطنها الذي بدأ يتورّم، لكن توتّرها ما لبث أن خفّ تدريجيًا.
“مع أننا نتشارك الطعام كل يوم، تبدين أنحف.”
“محض وهم.”
هو لا يعرف أنّ روميا، بعد كل وجبة، تذهب إلى الحمام لتتقيأ ما أكلته. كم كان الأمر مرهقًا أن تبتلع الطعام دون مضغ لتخفي ذلك.
ضحكت روميا بخفة، وسارعت بتغيير الموضوع خشية أن يكتشف أمرها.
“جلالتك، كم الساعة الآن؟”
“لم يبلغ الليل منتصفه بعد.”
“أنا مرهقة جدًا.”
عيناها الخضراوتان غمرهما النعاس. جفونها الثقيلة حجبت نصف بريقهما. شعر جيهاردي بالأسى، لكنه أجّل ما تبقّى للغد.
“نامي، روميا.”
“جلالتك أيضًا… لتنم. معي.”
“معك.”
كم كان ذلك اللفظ عذبًا. ربما لم تدرك روميا وقعه، لكنها قالته بعفوية. ابتسم جيهاردي برضا، لكن سرعان ما تذكّر سقوطها في الحفلة، فسأل:
“لماذا فقدتِ وعيك هناك؟”
“……كنت أتحدث مع أمي، فأصابني صداع.”
“كانت السيدة بيرلوس هناك؟”
“نعم. التقيتها صدفة.”
اغتمّت ملامحها فور أن ذُكر اسم فيوليت. حدّق فيها مليًّا، ثم سكت.
‘مقززة. مقززة. مقززة.’
ردّدت روميا في سرّها وهي تغمض عينيها بقوة. مرارًا، كلما تذكّرت أمها. والأسوأ، حين فكّرت أنها قد تكون في نظر الآخرين نسخة منها. شعرت بالاشمئزاز من نفسها.
ضاق صدرها مجددًا، كادت تتقيأ من الانفعال، فتمتمت:
“أتمنى لو أن الصباح يأتي سريعًا.”
“أما أنا… فأرجو ألا تنتهي هذه الليلة.”
حتى في الظلام كان هناك بريق، في عيني جيهاردي تحديدًا. واجهت روميا عينيه ببطء وهي تطرف بجفونها المثقلة.
“حين يأتي الصباح، ربما يتبيّن أن كل هذا كان حلمًا.”
“إن كان حلمًا، فلن أستيقظ منه أبدًا.”
“هذا مستحيل.”
“ممكن. لا شيء أعجز عنه.”
كانت كلمات مغرورة، لكن روميا لم تتمالك نفسها من ضحكة صغيرة.
تمنّت روميا أن يسرع الصباح بالقدوم. أمّا جيهاردي، فتمنّى أن يبقى في هذه الليلة إلى الأبد. هي رجَت أن يكون ما جرى حلمًا، وهو دعى ألا يستيقظ إن كان كذلك.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 73"