تمتمت السيدة ريتشيتو وهي تتأمل غرفة الانتظار المزدحمة في الصالون.
روميا، التي كانت تجهز القبعات لتُعرض على الزبائن، وافقت على قولها.
“نعم. لقد تفاجأتُ أنا أيضًا.”
وبينما كانت تستحضر مجددًا حقيقة أنّ تلك المرأة ممثلة محبوبة لدى شعب كاتاس بأكمله، لمعت عينا روميا.
كلمات لافانتوار التي تباهت بأنّ صالون روميا سيمتلئ بالناس تحت اسمها لم تكن كذبة.
فبعد أن انصرف ضيوف الصباح، كان ضيوف بعد الظهر يتقاطرون بالفعل على الصالون.
سيدات مسنّات، عرائس حديثات الزواج، وحتى فتيات صغيرات من طبقة النبلاء.
لافانتوار كانت امرأة تحظى بمحبة الجميع.
وضعت ريتشيتو الوجبات الخفيفة المخصصة للضيوف على الصينية بترتيب أنيق، ثم دفعت ظهر روميا التي ما زالت واقفة في مكانها.
“أنجزي هذا بسرعة واذهبي حالًا. ستتأخرين يا روميا.”
“نعم، شكرًا لكِ يا سيدتي.”
استفاقت روميا فجأة من شرودها، وأمسكت على عجل بمعطفها ووشاحها.
طلبت المعذرة مسبقًا من الضيوف في الصالون، على أن تتولى السيدة ريتشيتو استقبالهم بدلاً منها.
خرجت بهدوء من الباب الخلفي متجهة نحو كارلايل دويْن، الذي كان في انتظارها.
اليوم ستذهب معه إلى الحفل الذي تلقى دعوة لحضوره.
كان وجه روميا يعلوه احمرار خفيف وهي تمضي للقائه، إذ أنّ وجودها مع كارلايل دائمًا ما كان يجلب لها الكثير من الجديد.
***
“سيتم الانتهاء من بناء المصنع مع حلول الربيع الدافئ.”
استمعت روميا إلى لمحة عن تقدم بناء المصنع من كارلايل، ثم توقفت عند يده الممدودة نحوها، مترددة.
فهي لم تتلقَّ من قبل مرافقة أحدٍ بهذا الشكل، ولم تستطع بسهولة أن تضع يدها في يده.
لاحظ كارلايل ذلك، فابتسم برفق.
“الحفل الذي سنذهب إليه اليوم هو حفل نبيذ يدفئ الشتاء.”
شعرت روميا بالامتنان لعنايته التي أرادت أن تبعث الطمأنينة في قلبها، ثم وضعت يدها بخجل على يده.
جلس الاثنان داخل العربة، والدفء في الداخل جعل وجهيهما يبدوان أكثر راحة وهما يتبادلان النظر.
“هل معنى ذلك أنّ حرارة الجسد ترتفع مع السكر؟”
“بالضبط. أو لنقل بدقة أكبر: إنّه حفل يجتمع فيه محبو الخمر في كاتاس.”
“هذا ممتع.”
ضحكت روميا بطفولية، ضحكة خالصة صدرت من القلب.
غطّت فمها بيدها وهي تضحك، ولم يبدُ عليها وكأنها تعيش فوق طبقة جليدية رقيقة على وشك الانكسار.
المواسم.
كلما رآها كارلايل، كان قلبه يخفق كما لو أنّه يبصر فصلًا بعيدًا.
كان يجد نفسه يبحث فيها عن فصولٍ أكثر نضرةً وبريقًا.
كالربيع أو الصيف، اللذين لا يزالان بعيدين.
شعر وكأنّ الألوان المتنوعة التي تجتاح الحقول الواسعة حين تهب عليها نسمات الربيع قد تجسدت أمام عينيه.
حينها، ابتسمت روميا له ابتسامة مشرقة، بينما كان يحدق فيها بوجه شارد.
***
وكما وعد كارلايل، بدا أن جميع السكارى قد اجتمعوا فعلًا في حفل النبيذ الذي أقيم في “سينسيا كلوب هاوس”.
الأجواء الثقيلة، ورائحة النبيذ التي كانت تملأ المكان حتى بمجرد نفس بسيط، أوحت بشيء غير عادي.
على عكس الحفلات الأخرى، كانت الأصوات عالية وغير مضبوطة.
كان الناس ينفجرون ضاحكين على أتفه النكات، دون أن يحاولوا حتى تغطية أفواههم.
ارتجفت روميا لا إراديًا.
“لا تقلقي. صحيح أنّ بعضهم بلا لياقة، لكن معظم الحضور هادئون ويستمتعون بالنبيذ فقط.”
زمّ كارلايل عينيه نحو مجموعةٍ عند المدخل تفوح منهم رائحة الخمر، ثم أمسك بيد روميا وقادها إلى الداخل.
عرض عليها كأسًا من النبيذ الفاخر، لكنها هزّت رأسها بالرفض.
كانت تعرف أنّ الكحول مضرّ بالجنين.
لم تستطع، من أجل طفلها، أن تشرب ما عرضه كارلايل.
ولحسن الحظ، لم يُلحّ عليها.
في تلك اللحظة، دوّى صوت مألوف.
مع أنّه امتزج بضوضاء الناس، إلا أنّ ضحكةً مبتذلة دفعت روميا إلى الالتفات نحو مصدرها.
كما توقعت، كان الشخص الواضح للعيان هناك، محاطًا بالناس، يضحك وشفاهه المطلية بالأحمر مرفوعة في ابتسامة.
في فستان يكشف صدرها بجرأة، لم تُبدِ فيوليت أي تحفظ.
بل كانت تميل بجسدها إلى الوراء وهي تضحك حتى كاد حلقها يظهر.
‘مبتذلة… قذرة.’
لو كانت هيرين هنا، لربما لفظت هذه الكلمات وهي ترى والدتها فيوليت.
حتى روميا، ابنتها، كانت تعض على شفتيها من شدة الحرج من منظرها.
مخزٍ.
كان من المحرم عليها أن تشعر بذلك تجاه والديها اللذان أنجباها وربياها، لكنّها لم تستطع طرد هذه الأفكار السيئة.
“أوه، عذرًا.”
بينما كانت تمزح مع معارفها، لمحت فيوليت روميا.
عدلت وضع شالها المنزلق، ثم تقدمت نحوها بعينين منحرفتين.
لم تمنح روميا فرصة للكلام، بل أمسكت بذراعها وسحبتها بعيدًا نحو ممر مهجور، وقدّمت نفسها بسرعة لكارلايل المندهش على أنها أم روميا.
وعند نهاية الممر، أمسكت بيديها وضغطت عليهما وهي تضحك بسخف.
“هل تعرفتِ إلى دويْن من قبل؟ تخيلي! السيدة أندابرو، صديقتي، قالت إنها رأتكِ مع السيد دويْن في الساحة! ظننتُ أنّها كانت تهذي من السكر!”
كان كلّ ما تتفوه به تفوح منه رائحة النبيذ الثقيلة.
حبست روميا أنفاسها وهي تصغي.
“كان عليكِ أن تخبريني بذلك فورًا! لماذا لم تقولي شيئًا لأمك؟ هاه؟”
بدأت تتمتم بعباراتٍ متناقضة، مرة تشكو ومرة تمدح، بينما تهتز كتفاها.
لم تحتمل روميا الاهتزاز أكثر، فدفعتها بعيدًا بقوة.
“لم تسألي.”
ارتطم صوت الاحتكاك بالجدار في الممر الهادئ فزاد من الإحراج.
رفعت فيوليت عينيها نصف المغلقتين، كأنها أفاقت، ثم عادت تضحك بلامبالاة.
“لو لم أسأل، هل كنتِ ستُخفين عني حتى لو كنتِ حاملًا؟”
ارتجفت.
لم يكن ممكنًا أن تعرف، ومع ذلك غطّت روميا بطنها بيديها.
“صحيح! روميا! لدي خبر سار لنا!”
بخلاف توتر روميا، كانت فيوليت المبتهجة غارقة في نشوة النبيذ.
منذ أن أرسلت ابنتها إلى العاصمة، صارت أمورهم تسير على ما يرام.
حتى ذلك البيت الفقير في بيريدروز لم يكن يكفيها، لكن الآن، ابنتها أصبحت محظية الملك وتقف إلى جانب دويْن الذي يشتم منه رائحة المال من بعيد.
أخيرًا… بدأت تجلب لنا الفائدة.
أشعلت فيوليت سيجارًا وضحكت.
“لقد دفعتُ بعض المال للسيدة أرتيمي. سيصلنا خبر قريبًا. حينها، سيكون لنا متجر باسم عائلة بيريلوس في قلب العاصمة!”
كان الأمر بالنسبة إليها كأنّها تمسك بيديها أكوامًا من الذهب والفضة.
كانت لهجتها غير واضحة من أثر السكر والسيجار، لكن روميا فهمت جيدًا.
نظرت إليها وهي تتكئ على الجدار لتشعل السيجار.
خالطها شعور بالشفقة. حتى لو كانت والدتها…
لكنها لم تكمل الفكرة.
بدأت تفهم لماذا كرهتها هيرين، وبروسي، وكثير من الناس.
لأنهم لم يروا فيها سوى صورة والدتها.
حينها فقط، اتضحت الأمور.
لماذا كانوا مختلفين عنها. ولماذا لم يعترفو بها.
المسألة كانت بسيطة.
وضعت روميا يدها على صدرها الخافق وتنفست ببطء.
“تعرفين أنّ نجاح الوالدين هو نجاحكِ أنتِ. يا روميا، لو فقدتِ عطف الملك، فستنتهين. لكن إن ثبتنا مكانتنا الآن، فحتى لو كنتِ محظية الملك، سيتزاحم الرجال للزواج منك.”
لم تعد روميا تريد سماع شيء.
“أمي.”
لم تستطع إنكار كونها ابنتها، لكنها لم ترغب في مشاركة أوهامها.
نادتها بلهجة ملؤها القهر والرجاء، وقد اغرورقت نبرتها بالدموع.
“أرجوكِ، توقفي.”
“ماذا؟! أأنتِ تكرهين نجاحنا؟! جاحدة! ألا تعرفين فضل من ربّاكِ؟!”
بدأت فيوليت تستعيد بعض وعيها مع زوال أثر الخمر، وغضبت بشدة من رفض روميا لكلامها.
لم تصدق أنّ ابنتها المطيعة التي اعتادت أن تجيب دومًا بـ”نعم” قد جرأت على إسكاتها.
رفعت السيجار عاليًا كأنها ستضربها به، لكن روميا أغمضت عينيها بقوة، تستند إلى الجدار لتثبت جسدها المتمايل.
“أشعر بدوار… كفى… توقفي.”
كان شعورًا غريبًا.
رؤيتها كانت تبهت حتى غدت ظلامًا دامسًا.
جسدها أخذ يميل أكثر فأكثر.
حتى برودة الجدار لم تعد تشعر بها.
من بعيد، ومن نهاية الممر ذاته الذي دخلتا منه، سمعت صوت كارلايل وهو يناديها بجزع، بينما يراها تسقط.
“روميا!”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 72"