بعد أن أنزلت العقاب المناسب بـ بيرلوس، استقبلت شارون الليل المظلم وهي في مزاج أفضل بكثير. وبينما كان فراشها يُجهَّز، رفعت رأسها لتنظر إلى السماء الحالكـة على غير العادة. لكنها سرعان ما ملّت من محاولة العثور على القمر الذي ظل مختبئًا خلف الغيوم دون أن يظهر.
أبعد من ذلك، كان هناك شك واحد يسيطر على ذهن شارون.
“ليست بجسدٍ عذري.”
“عفواً؟”
تجاوبت الخادمة التي كانت ترتّب الفراش مع تمتمة شارون التي خرجت كحديث مع نفسها. ضيّقت شارون عينيها كأنها تقيّم شيئًا ما، ثم سرعان ما قطّبت حاجبيها. وضعت كوب شاي الأعشاب الدافئ الذي اعتادت شربه قبل النوم، ثم التفتت إلى خادمتها التي كانت تنتظر كلامها وقالت:
“……أخبري خدَم القصر أن يوافوني بتقرير عن النظام الغذائي الذي تتناوله روميا بيرلوس.”
“النظام الغذائي… لماذا؟”
لم تستطع الخادمة أن تفهم سبب رغبة سيدتها في معرفة طعام امرأة ليست سوى عشيقة الملك. أعادت السؤال بدهشة، لكن شارون لوّحت بيدها كأنها لا ترى حاجة إلى الشرح أكثر.
“هناك ما أريد التأكد منه.”
“مفهوم، يا سمو الأميرة.”
لم يكن هناك ما يدعو إلى إثارة حفيظتها بالسؤال أكثر. أجابت الخادمة بطاعة، وأكملت ترتيب الفراش، ثم غادرت غرفة النوم.
حتى بعد خروجها، بقيت شارون واقفة طويلًا عند النافذة دون أن تتحرك. ذلك الارتجاف الطفيف في كتفي روميا كلما وجّهت إليها نظراتها الحادّة، يديها التي كانت تضم بطنها السفلي كمن يحاول حمايتها من كل ما قد يؤذيها… كل ذلك لم يكن طبيعيًا على الإطلاق.
وفوق هذا، كان قوام روميا بيرلوس قد تغيّر بشكل طفيف عمّا كان من قبل. وشارون، التي خاضت تجربة الولادة بنفسها، لم يفُتها أن تلاحظ ذلك بعينيها الخبيرة.
والآن، بعد تفكير طويل، وصلت شارون أخيرًا إلى استنتاج.
“لقد أصبح الأمر ممتعًا.”
أليس خطأ ابن أخيها الذي لم يحسن صون نسله، أن يُفرّط في الشرعية ويهبها لمجرد ثرية دخيلة لم يسمع بها أحد من قبل؟
***
دفعت روميا باب الصالون الفارغ بقوة، وأخرجت القبعات النموذجية التي لم ترها عين بعد، لتعيد رفعها واحدة تلو الأخرى على الأرفف. كان عملاً متكررًا يوميًا، لكنه لم يكن مرهقًا لها. لقد كان وقتها الوحيد الذي تبتعد فيه عن الذي آذاها.
وبما أن سرًّا ثقيلاً صار يحمله صدرها، فقد فكرت في أن تقلل تدريجيًا الأوقات التي تقضيها مع جيرهاردي.
بالأمس كانت مع السيدة ريتشيتو، وقبلها مع كارلايل، وقبلها بيوم في الصالون… كانت تتنقل كل يوم إلى مكانٍ بعيد عن القصر الملكي قدر الإمكان، لتظل بعيدة عنه. وإلا فقد خشي قلبها أن يلحظ أحد حالتها ويشي بها لجيرهاردي.
في تلك اللحظة، دوّى جرس الباب معلنًا دخول أحدهم إلى الصالون.
أسرعت روميا، التي كانت في الداخل تبحث عن قبعة، إلى الخارج فور سماع وقع الخطى. فإذا بسيدة أنيقة تقف هناك، تحمل مظلة وتلبس معطفًا أرجوانيًا من فرو المنك، وحين تعرّفت على روميا ابتسمت لها ابتسامة مشرقة.
“لقد مضى وقت طويل، أليس كذلك؟”
رمشت روميا ببطء مندهشة. لم تكن تفهم كيف يمكن لامرأة غريبة لم ترها من قبل أن تُبدي هذا الترحيب بها.
ولم يكن يليق أن تُبقي ضيفتها واقفةً عند الباب، فوضعت القبعة جانبًا وأدخلتها إلى الداخل.
قدمت لها شايًا مع بعض الحلوى الخفيفة، ثم سألتها روميا مترددة، وهي تستعيد طريقة تصرفها الغريبة منذ لحظة وصولها:
“هل تعرفينني؟”
“لقد رأيتك مرة في بيريدروز.”
“عذرًا؟”
“لقد أصبحت أجمل بكثير من ذلك الوقت، آنسة بيرلوس.”
ابتسمت السيدة وهي ترتشف شاي اليوزو الذي قدمته لها روميا، وكأن طعمه أعجبها. صحيح أن الشاي المصنوع من أوراق باهظة كان مرغوبًا، لكن كان هناك شيء مريح في هذا الشاي الدافئ والبسيط. ولما لاحظت حيرة روميا البادية على وجهها، ضحكت بخفة طفولية.
كان طبيعيًا ألا تتذكرها روميا.
“سمعت أن السيدة إنغاتو اشترت هدية عيد ميلادي من هناك. فأعجبني الأمر، ونزلت بنفسي إلى بيريدروز.”
“إذن جئتِ إلى متجر القبعات عندنا؟”
“نعم. لكنني لم أشترِ قبعة.”
بدت الحيرة على روميا وهي تحاول تذكر أي شيء، لكن السيدة لوّحت بيدها نافية، كأنها تقول إن عليها ألا تشعر بالذنب.
“لم أجد قبعة تعجبني في ذلك اليوم. قال لي صاحب المتجر إن المصممة كانت مريضة، ولم تتمكن من صنع تصميمات جديدة.”
“آه… إذن متى رأيتِني؟”
“في آخر يوم من إقامتي في بيريدروز. زرت المتجر مرة أخرى قبل أن أغادر. لكن للأسف، بينما كنت خارجة، كنتِ أنتِ تدخلين.”
إن كان هذا اللقاء القصير هو ما تشير إليه السيدة، فلا عجب أن روميا لم تتذكر. ابتسمت روميا بإحراج، فغمزت السيدة بعينها وأردفت:
“لقد وعدت نفسي أن أراك مرة أخرى. لم يكن بوسعي أن أمكث في بيريدروز طويلًا.”
بدت في صوتها نبرة أسف وهي تستعيد ذلك الموقف، لكن سرعان ما استردت ابتسامتها وهي تتمعّن في القبعات المعروضة حولها.
كان هناك أكثر من قبعة لفتت نظرها.
“يقال إن قبعة تتويج جلالة الملك، وكذلك قبعة الأميرة شارون في مراسم التأبين الأخيرة… كلها من تصميمك، صحيح؟ الشائعات منتشرة في كل مكان.”
“…….”
“كنت فضولية. فشهرتك آنسة فيرلوس، لا يمكن إنكارها.”
ثم أضافت السيدة:
“سمعت أنك تفتحين صالونًا بلا زبائن منذ أسبوع كامل…”
لكن ذلك القلق الذي خالج قلب روميا من أن تتناول السيدة سُمعتها السيئة كعشيقة الملك، تلاشى في لحظة. فقد كان واضحًا أنها لم تهتم إلا بقبعاتها.
بل إن نظراتها المتنقلة لم تكن إلا نحو ديكور الصالون والقبعات التي صنعتها روميا.
لم تستطع روميا تمييز إن كانت صديقة أو خصمة. ولما ترددت في الكلام، ابتسمت السيدة كأنها تطمئنها قائلة ألا تقلق.
“لكن بما أنني هنا الآن، فسوف يزدحم صالونك بالناس قريبًا.”
“…….”
“أعدك، باسم لافانتوار.”
حينها فقط، بدأ يساور روميا الشك في أن ضيفتها هذه قد تكون بالفعل من آل لافانتوار. فمظهرها يدل على ذوق رفيع في الموضة، وسبق أن قرأت في صحيفة التايمز أن ابنة آل لافانتوار الصغرى، المعروفة بحبها للأزياء المبهرة، تحمل دومًا مظلة وردية اللون، مهما كان الطقس.
لقد كانت هي نفسها، الابنة الصغرى لأسرة الكونت لافانتوار، التي فضلت استخدام اسم عائلتها لا اسمها الشخصي، وحققت نجاحًا مبهرًا كممثلة مسرحية. امتد صيتها من مجلات الموضة وحتى الأوبرا، حتى صار لقبها “الفنانة التي تعشقها كاتاس”.
وما إن نطقت هي باسمها بنفسها، حتى شهقت روميا لا إراديًا واضعة يدها على فمها.
ضحكت السيدة بهدوء من رد فعلها البريء، وقالت بصوت دافئ:
“سأشجع حلمك الجديد. نحن لسنا جميعًا ضدك يا آنسة بيرلوس. فالتسامح مع الآخرين أحد فضائلنا أيضًا.”
لقد سلكت لافانتوار طريقًا صعبًا منذ أن كانت ابنة لعائلة نبيلة حتى صارت ممثلة ناجحة، ولذا كانت تدرك كم قد يكون طريق روميا الجديد شاقًا ومرهقًا. جلس الاثنان يتبادلان الأحاديث والذكريات حتى مر الوقت سريعًا.
وأخيرًا، لما بدأت الشمس تميل إلى الغروب، اعتذرت لافانتوار بأنها مضطرة للرحيل باكرًا بسبب ارتباطٍ صباحي. كانت ملامحها توحي بالأسف، حتى إن روميا أسرعت إلى الداخل وأحضرت علبة مغلفة.
“ما هذا؟”
“أنتِ أول زبونة تدخل صالوني. وهذا هدية مني لكِ.”
“……يا إلهي.”
وما إن فتحت العلبة حتى اتسعت عيناها دهشة.
“كنت ألاحظ منذ البداية أن نظراتك تتجه إلى هذه القبعة. أعجبتك، أليس كذلك؟”
“كثيرًا. لو لم تهديني إياها، لكنت أنا من طلب شراءها للتو.”
كانت روميا قد لاحظت انشداد بصرها إليها مرارًا أثناء الحديث، فأعدّت الهدية لها خصيصًا. ولما رأت إعجابها بها، شرحت بحماس تفاصيل التصميم الجديد.
“ستليق بكِ كثيرًا. بداخل القبعة رباط يمكن شده ليتناسب مع حجم رأسك.”
“رغم أنها من الصوف؟”
“لقد دعّمتها بطبقة قماش وثبّتُها جيدًا، لن يتغير شكلها. ولن تحتاجي حتى إلى قياس محيط رأسك. أغلب القبعات الجاهزة التي سأطرحها للبيع ستكون بنفس الطريقة.”
“أشكرك حقًا.”
احتضنتها السيدة بامتنان وضحكت بعينين متألقتين.
“في المرة القادمة، أود حقًا أن أدعوكِ إلى لافانتوار.”
ساد بينهما جو دافئ وودود لم تشعر به روميا منذ زمن طويل.
لكن ما إن خرجت لافانتوار من الصالون، تحمل القبعة بين يديها وتبتسم راضية، حتى رفعت رأسها فجأة وتوقفت مذهولة.
“يا للدهشة!”
“…….”
غطّت فمها بدهشة، لكن الرجل الذي كان السبب لم يبدُ عليه أي انفعال، بل وقف ساكنًا فحسب.
لم تشأ أن تثير ضجة، فاكتفت بأن انحنت بخفة احترامًا له، ثم انسحبت بهدوء دون أن تسبب إزعاجًا.
وهي تتأمل القبعة التي تحتضنها، ثم الرجل الذي تركته وراءها، ابتسمت بمرارة خفيفة في نفسها.
‘تاريخ كاتاس لا يزال يمر بتحولات عاصفة.’
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 68"