أثنى ريك على فيوليت ثناءً كبيرًا. فابتسمت باستهزاء وغمزت بعينها. وبمجرّد أن سمعا خبر أنّ روميا أصبحت كورتيسيان الملك، ألغيا تذاكر القطار للعودة إلى بيريدروز.
قرّرا البقاء في العاصمة مدة أطول ليستغلا روميا لتحقيق المزيد من المكاسب. لكن دائمًا ما كانت هناك متغيرات غير متوقعة، ولهذا تحرّكت فيوليت بحذرٍ شديد.
“روميا ليست فتاة تفهم قلب الرجال جيدًا. ربما جلالته انجذب فقط إلى مظهر العذراء الساذجة. وحين يملّ منها سيتخلى عنها. لذلك، كتبتُ رسالةً مسبقًا إلى لورد هيسلا تحسبًا لأي طارئ!”
خطة فيوليت المحكمة جعلت ريك يسأل بحماس شديد:
“وماذا كان ردّه؟”
“بالطبع قال إنه موافق! فاللورد هيسلا يُشاع عنه أنّه لا يمانع الزواج حتى من امرأة بيت دعارة ما دامت ستُنجب له وريثًا. هوهو.”
كانت فيوليت تتمنى أن تنجح روميا وتظلّ كورتيسيان الملك حتى النهاية، لكنها كانت تعرف أكثر من أيّ أحد طبيعة قلوب الرجال. فحين تكبر المرأة في العمر، ويذبل جمالها أو يفسده المرض، فإنّ أغلب الرجال سيتخلون عنها. وخصوصًا أولئك ذوي المقام العالي.
وفي كل مرّة كان أولئك المتعالون المتكبّرون يرفضون التعامل مع عائلة بيرلوس، كانت فيوليت تسخر في سرّها وتزدريهم مثلما يزدروها، وهي تدرك تمامًا أنّهم يعيشون حياة بوهيمية مبتذلة لا تختلف عنهم بشيء.
الآن، في أوج جمال روميا، لم يكن الملك الشاب قادرًا على الانفكاك من ثنايا ثوبها، لكن فيوليت لم تستطع أن تمنع نفسها من التفكير بأنّه سيتخلّى عنها حتمًا حين يتقدّم بها العمر.
ولهذا وقع اختيارها على لورد هيسلا. صحيح أنّه كان أكبر سنًا وأعرج في إحدى قدميه، لكن الثروة المتراكمة في عائلته عبر الأجيال لم يكن بالإمكان الاستهانة بها. ورغم أنّ سمعة هيسلا لم تعد كما في السابق، إلا أنّ فيوليت ارتاحت لفكرة أنّه ليس من أصلٍ وضيع بل من أسرة عريقة، ثم اطمأنت مرة ثانية لوفرة أمواله.
“سمعتُ أنّ لديه من الذهب والفضة ما يملأ منبع نهر هيسلا حتى مصبّه. ويُقال إنّ ابن عمّ اللورد هيسلا هو الأميرة الخامسة عشرة لمملكة ريداريان!”
“ريداريان؟! تلك الحليفة لكاتاس، وأيضًا دولة غنية جدًا!”
أطلق ريك العنان لخيالاته السعيدة وهو يبتسم ببلادة قبل أن يختصر استنتاجه.
وكانت فيوليت تفكر مثله. فقد وعد لورد هيسلا، إن تزوّج روميا، أن يمنح ريك وفيوليت حقّ افتتاح متاجر أزياء في العاصمة وفي أراضي إرنادان الشهيرة بالمعادن الوفيرة. كما أنّه لم يبدِ أي اعتراض على كون روميا كورتيسيان الملك سابقًا. لذا، لم يكن هناك زواج أفضل لابنتهما التي ستُلقى يومًا على الهامش.
ضحكات ريك وفيوليت العالية تسللت حتى خارج جدران غرفة الفندق التي استأجرتها ريتشيتو.
‘يا ربّ، أرجوك أن تُنزل على تلك الطفلة المسكينة والوَحيدة أشعة شمسٍ كأشعة الربيع.’
كانت ريتشيتو قد أخبرت روميا وهي تساعدها في عملها إنّها تستطيع أن تعود إليها في أي وقت إن شعرت بالتعب.
لكن بعدما سمعت خلف الباب، مختبئة، كامل حديث فيوليت وريك، تمنت لو تصفع فمها على تلك الكلمات التي تفوّهت بها. لعلّها كان يجدر بها ألّا تسمع شيئًا من الأساس.
أغمضت عينيها بإحكام ودعت الله أن يمنح تلك الطفلة المسكينة، التي ستظل وحيدة ومعذبة حتى إن عادت، قبسًا دافئًا من النور لمستقبلها.
***
بالنسبة لفيوليت وريك، كانت روميا دائمًا ابنة ناقصة. فقد كانت أبطأ وأقلّ كفاءة من بقية الأطفال، مما جعلها غير مرضية لعينَيهما المتعجلتين.
لكن حين اكتشفا أنّ لديها موهبة في تصميم القبعات، سرعان ما غيّرا موقفهما. واعتبرا أنّها بعد أن وُلدت وتغذّت وربّياها، ها هي أخيرًا تؤدي غرضها. بهذا الشكل اعترفا بقيمتها.
وروميا، التي لم تتلقَّ سوى كلمات قاسية واضطهاد متواصل طوال حياتها، وجدت في مدح والديها لأول مرة طعمًا لذيذًا للغاية. ولهذا راحت ترسم القبعات بلا توقف، ليلًا ونهارًا، وأحيانًا لأربعة أيام متواصلة دون أن تضع قلمها. كانت تنتظر المدح القادم، فلم تشعر بالتعب، ولا حتى بالجوع. ففي تلك اللحظات كانت تغمرها السعادة وهي ترسم القبعات.
ومنذ ذلك الطعم الأول للحلاوة، لم تستطع روميا التوقف. ومنذ طفولتها وحتى الآن ظلّت أسيرة لتأثير فيوليت وريك. بل وحتى أحلامها انبثقت أصلًا من طمع فيوليت.
والآن، باتت روميا متيقنة أنّ ما منحاها إياه لم يكن سوى محبة زائفة. فقد وقفت أمامها سيدة ترتدي بدلة سوداء أنيقة، بوجه صارم وعيون قاسية تطعنها بنظراتها.
“يجب أن تشعري بالخزي.”
جاء صوتها القاطع أسرع من الريح، وكان النظر الحاد المسدّد إلى روميا أشبه بخنجر.
“لقد جاءتني فيوليت بيرلوس راجيةً أن أساعدها على افتتاح متجر أزياء في العاصمة. سمعت أنّ جلالته افتتح لكِ صالون قبعات مؤخرًا، ومع ذلك طمع والداك بلغ حدّ السماء. نحن عائلة أرتميجا مشهورة بالنزاهة. وأنا الدليل الحي على ذلك.”
نظرات السيّدة أرتميجا المسلطة على روميا كانت تحمل خيبةً، بل وشيئًا من الازدراء. كانت قريبة بعيدة للعائلة الملكية، وعيناها المشدودتان إلى أعلى مثل تسريحة شعرها المحكمة كانت تتحركان وكأنّهما تؤنبان روميا.
“وجاءا بالمال معهما. متذرعين بأنّ ابنتهما هي محظية الملك.”
لقد مسّت فيوليت كبرياء آل أرتميجا. هذه الأسرة لم تكن ثرية ماليًا، لكنها حرصت دائمًا على الظهور بصورة مثالية حفاظًا على علاقتها بالقصر. ومن ضمن ذلك رفضها قبول الرشاوى المعتادة عند غيرها.
وبما أنّ فيوليت لم تستطع دخول القصر مباشرة، فقد قصدت السيّدة أرتميجا، بصفتها من أقارب العائلة المالكة المقيمة في العاصمة. ولم تكن تدري أنّها بذلك مست كرامة الأسرة وموضع اعتزازها.
وصوت الغضب في نبرة السيّدة لم يكن ليخفت بسهولة. أغمضت روميا عينيها وتنفّست بسرعة، وهي تعرف مسبقًا الطريق الذي سيسلكه ريك وفيوليت.
كانت تعمل مع دويينغا، وكان كارلايل شريكها ووصيًا لها يساعدها في كل شيء. وربما لهذا السبب بالتحديد لم تجرؤ أن تذكر شيئًا عن شراكتها معه أمام ريك وفيوليت. فقد كانت تخشى أن يخنقوا حلمها الأول باسم “العائلة” مجددًا.
“أعتذر.”
“أرجو أن تظلي ساكنة كالفأر. وأتمنى ألا يأتي أحد من عائلة بيرلوس إلى أرتميجا لأسباب تافهة بعد الآن.”
رغم أنّ ملامح السيّدة أرتميجا كانت ما تزال غاضبة، فإنّها كراشدة كانت تعرف أنّ عليها إنهاء الموقف هنا. قالت عبارتها الحادّة وغادرت.
حتى بعد أن غابت، لم تستطع روميا أن ترفع رأسها. وجهها كان يحترق من الخزي. شعرت أنّ خدّام القصر الذين أعدّوا الشاي لجلسة السيّدة كانوا يستمعون للحديث كلّه ويتهكّمون عليها.
***
كان حفل التأبين أبسط بكثير مما توقعت. فحزن أوليفيا لفقدان ابنها وزوجته كان لا يوصف، ولذا جعلوا اليوم عطلة وطنية. لكن المراسم لم تكن تتعدى اجتماع العائلة الملكية معًا، يستمعون إلى صلاة القس إيفراند وتلاوته من الإنجيل. وبعدها يضعون الأزهار البيضاء المعدّة سلفًا عند شواهد القبور، ويقفون دقيقة صمت.
مسح جيهاردي بعينيه المتعبتين وجوه الحاضرين وأيديهم مطبقةً في الصلاة.
المشهد نفسه كل عام، والأشخاص أنفسهم. الاختلاف الوحيد هو غياب جدته أوليفيا عن مقعده المجاور، ووجود هيرين فوتاميا بدلًا منها.
ورغم امتلاء الكنيسة بالمصلين، ورغم أن صوت القس يدوّي في أرجاء القاعة الواسعة، إلا أنّ المكان بدا فارغًا. كان هناك نقص لا يُملأ.
هل قالت إنها ستلتقي اليوم بكارلايل دوين؟ تدحرجت عيناه ببطء في صمت. بدا له التصاقهما المستمر تحت ذريعة “شركاء عمل” أمرًا مثيرًا للسخرية.
وفجأة انفتح الباب بصوت احتكاك خفيف. كانت السيّدة أرتميجا، التي لم تظهر منذ بداية المراسم. أسرعت إلى حيث يجلس زوجها وأولادها وجلست. وضعت يديها على جبينها وهمست مع القس دون أي شبهة.
حركاتها كانت خالية من أي ريبة، بحيث لم يخطر ببال أحد أن يسألها أين كانت أو مع من اجتمعت.
لكن عندما مرّت بجانب جيهاردي، اسودّت عيناه.
فقد حملت الريح التي دخلت مع انغلاق الباب أثر عطر الصبغة الذي تعرف عليه فورًا. كان عطر امرأته، روميا.
آنذاك فقط، أدرك جيهاردي سبب ذلك الفراغ الذي شعر به.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 63"