“يا للأسف. كان هذا اليوم مخصصًا لك، لكن الجميع منشغلون بالحديث عن تلك القصة…”
أطلق غيرويك ضحكة جشة على كلام صديقه القديم، الكونت كانيون. ثم ناوله كأس نبيذ وهو يقول وكأنه يبالغ في القلق:
“أليست حفلات غيرويك مشهورة بالملل؟ فكم هو جميل أن يتشرف الحفل اليوم بوجود بطلة الفضيحة!”
“هذا صحيح أيضًا. الجميع منشغلون بالحديث والثرثرة عن الآخرين.”
“وما المانع؟ حتى نحن الشيوخ نتبادل أطراف الحديث حول هذا الموضوع. من الطبيعي أن يثير فضولهم، فهي المرأة التي أسرَت قلب الملك.”
كان كانيون وغيرويك صديقين قدامى يفتخران بمتانة صداقتهما، لكنهما يختلفان سياسيًا؛ فكانيون كان دائم الشك في جدارة جيهاردي، بينما كان غيرويك شديد الولاء له. ولم يكن الإرث العائلي العميق بلا تأثير.
‘أمر يثير العجب في كل مرة أراهما معًا.’
كتم كارلايل ضحكة خفيفة وهو يراقب كانيون وغيرويك. إن رؤية نبلاء مركزيين ذوي توجهات متعارضة يحتفظون بصداقة وطيدة حتى بعد الكبر لم تجذب أنظار كارلايل وحده.
“لا يمكن الوثوق بالشائعات، لذا يرغبون برؤية الحقيقة بأعينهم.”
“كأني بك أيضًا، يا كانيون، فضولي جدًا.”
“ألا ترى أن الأحاديث المنتشرة كلها قبيحة؟ يقولون إنها لا تهتم إلا بالمال، كما يليق بابنة عائلة ثرية حديثة النعمة.”
نقر كانيون بلسانه وهو لا يتردد في توجيه الانتقاد لعائلة بيرلوس الصاعدة، بينما اكتفى غيرويك بتجاهل كلامه رغم ولائه المعتاد للعائلة المالكة؛ لكنه في النهاية كان نبيلًا مركزيًا عريقًا.
كارلايل لم يرغب في الاستماع أكثر، وكان ينوي الانصراف، لولا أن رجلاً عديم الذوق ظهر وأفسد جو الحديث.
“يبدو أنكما تتحدثان بأمر ممتع. آه! أنا أيضًا سمعت تلك الشائعة!”
إنه لانت بيدل. رجل صاخب الإيماءات، يرفع صوته بلا انفعال، ويشتهر بين الجميع بأنه فاسق آل بيدل. على عكس والده الكونت بيدل المعروف بفضائله وأعماله الخيرية، كان لانت متعجرفًا يستخف بالناس.
ولم يتردد في اقتحام حديث غيرويك وكانيون، رغم أن الآخرين يتحرجون من ذلك.
“كم ينبغي أن تكون جميلة حتى يأخذها جلالته معه إلى فراشه؟ لا شك أنها تعرف كيف ترضي الرجل جيدًا، ليس بجمالها فقط.”
قال لانت ذلك ساخرًا من المرأة التي كانت موضوع الشائعات، وعلى وجهه علامات السرور. بينما تجمد وجه كارلايل شيئًا فشيئًا.
لم يكن لانت مجرد عابث، بل كان ماجنًا بذيئًا، يلقي النكات السخيفة غير عابئ بمشاعر الآخرين ما دام هو يستمتع.
غيرويك الذي مرّ بكلام كانيون بلا مبالاة، هذه المرة تصلب وجهه وحذّر بصرامة:
“لانت. أتمنى ألا تكون قد نسيت أين أنت، ومن الحاضر هنا.”
لكن رغم التحذير الواضح بعدم تجاوز الحدود، لم يتوقف لسان لانت الوقح.
“هاها! تقلق كثيرًا! أتظن حقًا أن جلالته سيغضب من شتيمة عابرة لامرأة بغيّة؟ أليست عشيقة الملك سوى وسيلة لإرضاء شهواته؟”
في تلك اللحظة، أصيب الحاضرون جميعًا بصدمة صامتة. صحيح أن الكثيرين يتهامسون خلف الأبواب، لكن لم يجرؤ أحد على انتقاد بيرلوس علنًا بصفتها عشيقة الإمبراطور.
‘يا له من وقح!’
كان كارلايل دومًا لا يبالي بالناس، يهتم فقط بالمال، لكنه منذ عرف روميا بدأ عالمه يتصدع.
لم يجرؤ أحد على إيقاف لانت، حتى غيرويك وكانيون اللذان يرتبطان بعلاقة وطيدة بوالده الكونت بيدل لم يتدخلا بحزم.
لم يعد كارلايل قادرًا على السكوت وهو يرى لانت يهين روميا. كان على وشك أن يناديه بصوت عالٍ ويواجهه، عندما…
“سيد لانت…!”
دوّى صوت مكتوم، وسقط جسد لانت للأمام بقوة. أخذ يتألم على الأرض متلوّيًا.
توقفت خطوات كارلايل، وتجمّد كل شيء في القاعة. لم يُسمع سوى أنين لانت وهو يقاوم الألم، وأنغام الموسيقى الكلاسيكية الهادئة التي ملأت المكان.
رفع لانت رأسه مذهولًا وهو يمسك بساقه.
“مـ… ماذا…!”
أمام عينيه، كان جيهاردي واقفًا بوجهه اللامبالي المعتاد، يضع يده داخل جيب بنطاله الأسود.
“جلالتك!”
كان غيرويك وكانيون أول من ركع احترامًا للملك، فتبعهم بقية الحضور واحدًا تلو الآخر.
‘ذلك هو جلالة الملك…’
آخر مرة رأى فيها كارلايل جيهاردي كانت في صغره، حين تبع والده المركيز دوين إلى القصر الملكي، وكان جيهاردي وليًّا للعهد. حتى في التتويج لم يره إلا من بعيد. لذا، الآن، وهو أمامه عن قرب، لم يترك تفاصيل وجهه تمر دون تمعن.
وكأن الآلهة خلقتْه بيدها، وجه كامل بلا شائبة، تغمره مهابة متدفقة. رغم أنه يبدو في عمر كارلايل تقريبًا، إلا أن جسده يفيض بسلطان لا يمكن عصيانه.
نظر جيهاردي إلى لانت المرتعب وكأنه يتأمل شخصًا مثيرًا للشفقة.
“كنت تسدّ الطريق.”
لقد سمح لنفسه في مجلس خاص أن يُظهر انفعالًا شخصيًا. الجميع ركعوا وخفضوا رؤوسهم، لكن لو رفع أحد بصره الآن لكان رأى في عينيه فريسة شهية. لم ينظر كارلايل مباشرة في تلك العيون البراقة، ومع ذلك شعر بقشعريرة تسري في جسده.
‘حقًا… إنه ملك.’
بكلمة مقتضبة، وبصوت جاف، سيطر على الموقف بأسره. لم يكن ملكًا عاديًا، بل معجزة نادرة في بيت كاتاس. لم يصدق كارلايل أن مثل هذا الكائن يمكن أن يُولد في العائلة المالكة.
الناس لطالما مدحوه كملك صالح، لكن ذلك لم يكن صحيحًا أبدًا. مقارنةً بجدته أوليفيا المشهورة بالرحمة واللين، ازدادت ملامحه القاسية وضوحًا.
إلا إذا كان مفهوم “الملك الصالح” لديهم معوجًا، فهذا الرجل لا يمكن أن يكون كذلك. كيف لوجه جامد، يخلو من أي شعور، أن يكون وجه إنسان؟
لا أثر لغضب، ولا لاهتمام، ولا حتى لسبب يبرر أفعاله.
‘لا ثغرة فيه.’
هذا ما وصف به كارلايل انطباعه الأول عن جيهاردي.
ثم دوّى صوت خافت تمتم به أحدهم، لكن الصمت كان مخيمًا لدرجة أن الجميع سمعه بوضوح:
“إذن تلك هي روميا بيرلوس…؟”
استدار كارلايل تلقائيًا خلف جيهاردي.
وهناك وقفت امرأة بثوب رمادي اللون تتخلله لمسات وردية باهتة، خلفه مباشرة، وكأنها تعلم كل ما يجري.
عشرات العيون اتجهت نحو بطلة الشائعة، روميا بيرلوس.
بدا وجهها شاحبًا للغاية، كأنها ستنهار في أي لحظة. تملّك كارلايل شعور قوي بأن يذهب إليها ويخفف جراحها، فقد كان من المستحيل صرف النظر عن ذلك الوجه المجروح.
لكن صوت جيهاردي شدّ كارلايل إلى مكانه مجددًا.
“مشهد بغيض، ابتعد حالًا.”
“جلالتك! إنني…”
حاول لانت الاعتذار وهو يجمع يديه بتوسل، لكن جواب جيهاردي جاء صارمًا ومختصرًا، مصحوبًا بإيماءة رأس:
“أنا لا أحب أن أكرر كلامي مرتين.”
كانت تلك أخطر لحظة في حياة لانت. طالما ردّد والده الكونت بيدل على مسامعه جملة واحدة:
” أبدًا! لا تعبث مع أفراد العائلة الملكية! إن أردت أن تعيش كطائش طَوال حياتك، فلا تقدم على ما لا تقدر على عواقبه!”
لم يعترف به كابن قط، لكنه لم يجرؤ أيضًا على طرده من العائلة، بل سمح له بأن يمرح في حدود معينة. يومها ظنها لانت مجرد ثرثرة كريهة، فلم يلقِ لها بالًا. لكن الآن… لماذا يتذكرها فجأة؟
أدرك لانت بفطرته أنه قد تجاوز الخط الأحمر. لم يكن مجرد خطوة صغيرة، بل قفز قفزة متهورة متجاهلًا حدودًا رسمها له والده.
وعندما استعاد رشده، شعر وكأن هذا الرجل اللامبالي قد قبض بالفعل على عنقه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 56"