قالت شارون وهي تنشر الرسمة التي استلمتها من وصيفتها، ثم ابتسمت بسخرية.
“ألا يروق لكِ يا سيدتي؟”
“بل يروق لي كثيرًا. كنت أظن أن موهبتها تقتصر على إغواء الرجال، لكن يبدو أن لديها في هذا المجال أيضًا قدرًا فائضًا من الموهبة.”
تنفست الوصيفة الصعداء وقد خشيت أن تغضب سيدتها مجددًا، ثم أومأت برأسها بحماس. التصميم الذي سلّمته روميا على أنه رسمة القبعة جاء مبالغًا فيه، مليئًا بالزخارف والبهرجة.
“بهذا القدر، يمكنني أن ألقّن تلك الحقيرة درسًا، ومعها ابن أخي البغيض!”
في البداية، لم ترد سوى أن تذلّ تلك “المتسلقَة” المبتذلة لأنها لا تطيق منظرها وهي تتفاخر. لكن منذ أن غادر جِهاردي، كانت شارون بحاجة إلى متنفس تصب فيه غضبها نحوه، فوجدت في روميا بيرلوس هدفًا مناسبًا.
القبعة التي طلبتها من روميا كانت معدّة لمناسبة غاية في الأهمية، حيث يجب عليها الالتزام بآداب البلاط الملكي، بعيدًا عن ذوقها الشخصي.
“في ذكرى وفاة والديّ، إن ظهرتُ وأنا أضع قبعة صنعتها تلك الحقيرة، فكيف سيكون وجهك يا جِهاردي؟”
لو كانت روميا تعرف أن المناسبة هي ذكرى الأمير الراحل وزوجته، لما تجرأت. لكن من مظهر التصميم بدا أنها تجهل الأمر تمامًا. هذا جعل ابتسامة عريضة ترتسم على وجه شارون وهي تسلّم الوصيفة الرسمة.
“امضِ بها كما هي. تعجبني كثيرًا.”
“أمركِ يا سمو الأميرة.”
تخيلت شارون وجهًا جامدًا لطالما ظل بلا تعبير وقد تشوّه بالحنق، فضحكت بخبث حتى انفجرت بضحكة عالية. ثم نادت وصيفتها مجددًا:
“أما عن الأمر الذي طلبت منكِ التحقق منه؟ عندما ضُمّ جِهاردي إلى العائلة المالكة، أين صارت رئيسة الوصيفات التي كانت تخدم والدته؟”
“ما زلنا نبحث يا سيدتي. لقد مر وقت طويل. لكن هناك من رآها آخر مرة، قبل ثماني سنوات تقريبًا، حين غادرت العاصمة متجهة غربًا.”
“إلى الغرب؟”
“نعم، قالت إنها ستنزل في مقاطعة وينشستر لتقضي ما تبقى من حياتها هناك.”
“أتمنى أن تكون ميشيل على قيد الحياة…”
ضيّقت شارون عينيها مستغرقة في التفكير.
إن كان وراء ولادة جِهاردي سرّ دفين كما تظن، فلن يعرفه سوى قلّة قليلة، وربما يختبئون في مكان يتعذر الوصول إليه. ما طمأنها قليلًا هو شخصية أوليفيا؛ فهي اعتادت أن تعامل خدمها بعناية، ولم تكن من النوع الذي يقتلهم لإخفاء الأسرار.
ولذلك يمكنها الآن أن تتبع أثر ميشيل، التي خدمت أوليفيا عن قرب.
صحيح أن أوليفيا، بحذرها الشديد، لم تكن لتترك أثرًا سهلًا، لكن شارون عقدت آمالها على ما اعتبرته الميزة الوحيدة لتلك المرأة: طيبة قلبها.
ما لم يخطر ببال أوليفيا هو أن خصالها تلك قد تتحول لاحقًا إلى فخّ يكبل حفيدها العزيز.
***
“لن أذهب.”
“لكن يا سيدتي، لقد اخترتِ بالفعل الفستان والحُلي.”
قالت ميريج بقلق وهي تحدق بالفستان الذي رمته هيرين أرضًا وبصندوق المجوهرات الملقى بجانبه. فقد كانت قد اختارت الإطلالة بعناية، بعد أن علمت مسبقًا بحضور الملك. لو لم تكن تلك الحقيرة بيرلوس بجوار جِهاردي في منزل المركيز جيرويك، لكانت هيرين قد فكرت في استعادة مكانتها وإسكات الشائعات التي انتشرت عنها في كاتاس.
فبرأيها، بيرلوس ليست سوى عابرة في ملذات الملك، أما علاقتها هي وجِهاردي فما زالت راسخة. لكن ما جدوى ذلك الآن؟ الرجل الذي، رغم كل التحذيرات، أصرّ على اصطحاب روميا بيرلوس، لم يعد يكترث لها إطلاقًا. ولم تكن هي أصلًا تنتظر منه الكثير.
الذهاب إلى هناك الآن لن يجلب لها سوى الشفقة.
“سيدتي…”
حتى ميريج، التي كانت تبدو أشد بؤسًا منها، لم تستطع إخفاء قلقها. فقضمت هيرين أظافرها باضطراب.
أدركت أن تحذير جِهاردي لها، عندما حاولت إلقاء روميا على عاتق إيدِن، لم ينتهِ بعد.
فتمتمت بحزن وكأنها تخاطب الفراغ:
“إنه رجل لا يغيّر ما يقرره. لقد قال بوضوح إنها مجرد تسلية عابرة.”
سوف يزول كل ذلك قريبًا، هكذا حاولت أن تقنع نفسها لتخفف عن قلبها. أرادت أن تبدو قوية، على الأقل أمام ميريج. لم تشأ أن يلحظ أحد انهيار كبريائها.
لكن فجأة…
سعلت بعنف.
“سيدتي!”
ضغطت هيرين على صدرها قرب القلب وهي تكتم وجعًا لا يُحتمل، بينما ارتسمت على وجهها الجميل علامات الألم.
فقد وُلدت بجسد ضعيف، وأي انفعال كان يرهق قلبها العليل منذ الطفولة.
أسرعت ميريج تدعمها، قلقة وقد بدا وجه سيدتها أكثر شحوبًا.
“يبدو أن همومك أثقلت عليكِ يا سيدتي. سأستدعي الطبيب حالًا.”
“لا داعي.”
أصرت هيرين على البقاء في الفراش ورفضت. فترددت ميريج لكنها بقيت إلى جانبها، تدلّك أطرافها بحنان.
“هل أنتِ بخير فعلًا يا سيدتي؟”
“وهل أنا مريضة منذ يوم أو يومين فقط؟ قليل من الراحة يكفي.”
أرادت أن تُخفي وخزًا مقلقًا لا يزال يعتصر قلبها، فابتسمت بصعوبة.
الحقيقة التي لم تدركها ميريج، بينما أدركتها هيرين بوضوح، هي أن حالتها تسوء عامًا بعد عام. وأن أيامها تُستنزف بسرعة.
لا الأدوية المسكنة ولا العلاجات الموصى بها نجحت في إنقاذها. حتى الطبيب، وهو يقترح أدوية أقوى ببرود، لم يُدرك أن جسدها كان يصرخ بأن الخطر بات وشيكًا.
وهي لم تصل بعد إلى غايتها الوحيدة في الحياة. كل شيء قد ينتهي قبل ذلك، بسبب امرأة تافهة وبلا قيمة.
***
“ثمن الوصال.”
تفوهت بالكلمة المخزية بصوت مسموع.
وقفت روميا تتأمل انعكاسها في المرآة، غير قادرة على تحديد أي ملامح يجب أن ترتسم على وجهها. لا ضحكة ولا دمعة.
رفعت شعرها المموج عاليًا، وثبّتته تحت قبعة قصيرة الحافة تعطي مظهرًا رصينًا. لكنها لم تكف عن الالتفات يمنة ويسرة، كأن مظهرها بدا غريبًا عنها.
الإطلالة من رأسها حتى قدميها كانت هدية من جِهاردي. فستان بظلال وردية ورمادية، ضيق قليلًا عند الخصر لكنه ليس مفتوحًا كغيره من فساتين السهرة.
وعنقها يزدان بزمرد وردي نادر، قالوا إنه لا يوجد إلا في أساطير كاتاس القديمة. لامست روميا الحجر بأسنانها على شفتها.
ومع أن العقد ذا الطبقتين زين عنقها، إلا أنه لم يخفِ تمامًا أثر بشرتها المكشوفة. مررت يدها على رقبتها، لكن لم يفلح ذلك.
كانت حمرة مبعثرة بالكاد مرئية، لكنها تعرف جيدًا أنها من أثر ليالٍ ترك بصماته عليها. آثارٌ حسبت أنها تلاشت، لكنها ما زالت هناك، تكشفها المرآة بوضوح.
كما لو أنها تحفة من صنعه، كما يريدها هو.
“أبدو كإمرأة ذاهبة لقبض أجرتها.”
كل هذه النفائس لا تمحو آثار امتلاكه لها. فحبست زفرة مُرة.
“حان الوقت يا سيدتي. جلالته بانتظارك.”
في التوقيت المناسب، جاءت خادمة أرسلها جيهاردي لتصطحبها.
كان ذلك أول موعد رسمي تشاركه منذ أن أصبحت كورتسيان جِهاردي. وقد توقعت سلفًا سيل الانتقادات التي ستنهال عليها. فأخذت روميا نفسًا عميقًا، تشدّ عزيمتها بقوة.
لن أنهار، حتى لو انكسرت.
غير أن قلبها الخائن كان يخفق بعنف، مهددًا بتقويض قرارها، لكنها لم تكفّ عن محاولة تهدئة نفسها.
وحين فكرت في جهاردي الذي ينتظرها خلف ذلك الباب، غمرها شيء من الطمأنينة. كان مثيرًا للسخرية أن يخالجها مثل هذا الشعور تجاه من دفعها إلى حافة الهاوية.
رغم علمها أن رجاءها بأن يخلّصها هو نفسه من الجحيم الذي صنعه لها ليس سوى وهمٍ باطل…
إلا أن روميا واصلت خطواتها المتجهة نحو جيهاردي دون أن تتوقف.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 55"