بعد لقائها بالوصيفة التي بعثتها الأميرة شارون، عادت روميا إلى غرفتها لتجدها في حالة فوضى عارمة. ما صدمها أكثر أنّ من بعثر متاعها بيديه لم يكن سوى هيرين فوتاميا.
اقتربت روميا بارتباك، لكن لم يجرؤ أحد على إيقاف هيرين أو حتى إخبارها بما يحدث. لم تكن هناك سوى نظراتٍ تتفادى المشهد، همسات مكتومة، وأعين تنظر إلى غير اتجاه.
نادتها بصوت مرتجف:
“سيدتي…”
التفتت هيرين بوجهٍ ساكن، ثم وضعت حقيبة روميا بين يديها وسألت ببرود:
“هل تعلمين ما معنى أن تصبحي وصيفة الملك؟”
روميا ازدادت ارتباكاً وهي تحدّق في الخراب من حولها. لم تفهم لماذا تجمع هيرين ثيابها وترميها في حقيبتها. لكن قلبها بدأ يخفق بعنف حين رأت ذلك الوميض الغريب في عينيها.
قالت هيرين وهي تحشو الثياب بلا نظام:
“في كاتاس، مَن يخدمون الملك يختارون بعناية. الملك ملزَم بالعفة، ففضيحة حياته الخاصة قد تهز شرعية العرش.”
صوتها كان صارماً وهي تتابع:
“لذلك، لا يُسمح بالقرب منه إلا العجائز، المتزوجات، أو النساء العاجزات عن الإنجاب.”
“يعني أنّك عشيقة الملك! وأنه أعلن ذلك أمام الجميع!”
النظرة القاسية التي صوّبتها نحوها كانت كخنجر. ارتجف قلب روميا، وانهار لون وجهها حتى صار شاحباً كالرماد. لم تدرِ بمَ تعتذر، وكيف تطلب غفراناً.
همست هيرين بغلٍّ وهي تسحب يديها عنها كأنها مسّت قذارة:
“قذرة.”
ثم مسحت أصابعها بمنديل نظيف وأضافت ببرود:
“سافلة، مدنّسة.”
خرجت بخطواتٍ عالية، وأمرت الوصيفات في الخارج:
“أبعدن هذه عن ناظري حالاً!”
جذبن روميا من ذراعيها وأخرجنها بلا رحمة، حتى سقطت على الأرض فانجرحت بشرتها، لكن الألم الأكبر كان خيانتها لـ هيرين.
أدركت متأخرة أنها عاشت مطمئنة في ظلها، غافلة عن حقيقة كونها مجرد عشيقة في عيون الآخرين.
وقفت أمام أبواب قصر الزنابق الحديدية، الموصد في وجهها، تهمس منكسرة:
“أخطأت… سامحيني…”
انهمرت السماء بالبكاء معها، فاختلطت دموعها بأمطارٍ غزيرة جرفت كل ما تبقى من كبريائها.
***
وللمرة الأولى، لم ترتعد روميا أمام جهاردي، بل واجهته بدموعٍ وصراخ. ضربت صدره بقبضتيها، تصرخ:
“لماذا فعلت هذا؟”
لكنه بقي هادئاً، وأمسك معصمها برفق حتى خارت قواها وسقطت بين ذراعيه. رفع يده إلى جبينها، فأدرك حرارتها ووهَن جسدها. أخذ يخلع عنها ثيابها المبتلة ويغطيها بيديه المرتجفتين.
حملها إلى الحمّام، والماء الساخن يتدفّق ببطء، بينما أنفاسها الواهنة تثير في قلبه قلقاً لم يعهده. جلس في البخار الكثيف، ممسكاً جسدها المثلج ملتصقاً بصدره حتى عاد إليها وعيها شيئاً فشيئاً.
فتحت عينيها المبللتين وهمست:
“لماذا… ذهبت إلى هذا الحد؟”
لم يتوقف عن فرك أطرافها المرتجفة، وقال بنبرة جافة:
“أكره التعقيد. على كل حال، كان لا بد أن يُكشف الأمر عاجلاً أم آجلاً.”
أغمضت روميا عينيها، مستسلمة لدفء الماء وحرارة صدره. ومع كل نبضة قلبٍ تسمعها، راحت تستسلم أكثر.
لكنها تمتمت بصوت متعب:
“بسببي أنتما الاثنان… أنت وهيرين… صرتما بائسين.”
رد بهدوءٍ قاطع:
“البؤس لا يأتي إلا إذا خسرنا شيئاً. أنا… وهيرين… لم نفقد شيئاً.”
كلماته بدت جافة، لكنها كسرت قلبها أكثر.
رفعت عينيها المحمرّتين وقالت بمرارة:
“ولهذا أغضب أكثر… أنا التي أتحطم وأتغير كل يوم، بينما أنتم… لا شيء يتبدّل.”
نظرت إليه في حوض الماء، ثيابه ما تزال تلتصق بجسده وهو يحدّق فيها بصمت.
صرخت بنبرة حادة:
“الحب؟ الشفقة؟ هذا الذي تفعله ليس إلا عبثاً جسدياً. ولستُ أنا الوحيدة التي تستطيع فعل ذلك معها!”
أجاب ببرودٍ مميت:
“صحيح.”
جفّ حلقها، وغصّت بدموعها. لم يفهم غضبها، لم يفهم أن صرخاتها لم تكن سوى محاولة للتشبث به. بالنسبة له، يكفي أنها ما زالت هنا… وأنها، وهي تترنح بين الحياة والموت، اختارت أن تغضب في حضنه.
تحركت روميا محاولة النهوض، لكن جهاردي أمسك جسدها وأجلسها من جديد وهو يقول:
“لكن لن تكون أنتِ. حتى لو قلتُ إنني أُبقيكِ بجانبي لأني أحبك، فلن تصدقي.”
تبدلت ملامح روميا بارتباك كمن سمع شيئاً لا يُصدَّق. وما لبث أن انحدرت دمعة صافية من عينيها المحمرتين. ومن شفتيها المبللتين بالدموع خرج إنكار حاد:
“صحيح. لن أصدق. لأنني ما زلت أتذكر جيداً كل القسوة التي عاملتني بها يا جلالة الملك.”
ظل جيهاردي صامتاً يراقبها وهي تبكي. كان يعلم أن العلاقة التي انعقدت بينهما التواءً شديداً لا يمكن فكّه، بل ربما لا يُحل إلا بالقطع. ومع ذلك لم يستطع لا أن يطردها ولا أن يقطعها من حياته.
أما روميا فأدارت وجهها عنه، تكتم نشيجها بأسنان مشدودة حتى كادت تطحن بعضها. كانت تكره نفسها لأنها تمنح وزناً لكل كلمة قد تكون مجرد عبارة عابرة. كانت تكره هذا الشعور الذي يطوقها من جديد ولا يترك لها مخرجاً.
وما زاد ألمها أن عيني الرجل أمامها، العاجز حتى عن مواساتها، بدا وكأنه يبكي معها في صمت. عيناه كانتا حزينة بالقدر الذي جعل دموعها لا تتوقف.
هكذا ظلت روميا تبكي بصوت خافت، متقطعة الأنفاس، كأنها تبكي عليه.
وكان جهاردي، كأنه يعرف أنها تبكي لأجله، يكتفي بالانتظار حتى ينتهي بكاؤها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 47"