لحسن الحظ، لم يكن آيدون قد ابتعد كثيرًا. لهثت روميا تلتقط أنفاسها وهي تناديه لتوقفه.
“الليدي تقول أنه إن لم يكن لديك مانع، فلتتقاسم معها وقتًا للشاي.”
كان آيدون، وهو يترقب روميا بيرلوس من بعيد بصفتها إحدى وصيفات هيرين فوتاميا، قد أُحبط أشد الإحباط حين ظهرت أمامه هيرين وأفسدت خطته في النظر إليها. لكن ها هي بيرلوس تأتيه برجليها! غنيمة لم يتوقعها. ابتسم ابتسامة لم يستطع إخفاءها، لكنه سرعان ما تظاهر بالفتور قائلاً:
“هاه… معي أنا؟”
“لعلها رأت أن تركك تمضي هكذا، بعد طول إنتظار، أمر يفتقر إلى اللياقة.”
كان ارتباك روميا في التعامل مع النبلاء ظاهرًا، إذ لم تعتد سوى على مخاطبة جهاردي. على النقيض منها، كانت عينا آيدون تجولان فيها بجموح، تفحصان كل تفصيل فيها بجشع.
“صدفة… ليس عندي ما يشغلني.”
توقف فجأة عن مسح ذقنه بنبرة متعمدة، ثم عجل بسؤال مباغت:
“أأنتِ هي؟”
“نعم…؟”
أجابت بعينين مغمورتين بالدهشة، فابتسم ابتسامة باردة أثارت قشعريرة في جسدها ودعتها للتراجع خطوتين. كان نظره المسموم فضًّا حد العُري.
“أنتِ من صنع قبعة تتويج جهاردي… أليس كذلك، يا حديثة النعمة؟”
رغم أن اللقب بحد ذاته لم يكن سوى سُبّة، فإن روميا واجهت إساءته بانحناءة مؤدبة.
“أنا روميا بيرلوس، يا دوق.”
“أجل. أعلم.”
عيناه، كلما ارتفع صدرها وهبط مع أنفاسها المتقطعة، ازدادتا وقاحة.
“أليس في بالك أن تصبحي وصيفة لي أنا؟”
“ماذا… ماذا تقصد؟”
لم يكن في عينيه سوى الرغبة العارية، لا عداء ولا حتى اهتمام جاد. حتى روميا الساذجة لم تحتج وقتًا لتفهم مغزى التحديق الذي مسح جسدها من رأسها إلى قدميها. انقبض جسدها كله بارتعاشة اشمئزاز.
قال بصوت متهكم:
“سأُحسن إليك أكثر مما تفعل السيّدة هيرين. أليس أفضل لكِ أن تحوزي مكانًا عندي؟ أليس هذا سبب كونكِ في خدمتها أصلًا؟”
لم يكن في لهجته مواربة، ولا في عينيه رحمة. ظلت روميا صامتة، لكن إلحاحه لم ينقطع:
لم يساوره شك أنها ستقع طوعًا تحت قدميه مقابل بريق حجر أو ثوب. كان مقتنعًا أن وضيعة مثلها لا تملك ترف الرفض.
“إن… إن السيدة بانتظارك. الأحرى بك أن تسرع.”
ارتجفت كلماتها وهي تحاول إتمام مهمتها. لم تفعل شيئًا سوى أن أيقظت فيه غريزة التلذذ بالخوف.
“فلتنتظر قليلًا إذن.”
لم يكن في المكان أحد سواهما. معظم خدم القصر في عطلة، فلا خوف من عيون تتلصص. ظن آيدون أن الظروف كلها اصطفت لصالحه. لم يخطر بباله أن رفضها حقيقي. ابتسم كأنما يتفضل عليها.
لكن عند تلك اللحظة دوّى صوت ثالث:
“يا دوق، السيدة بانتظارك.”
كانت إيزابيلا، إحدى وصيفات هيرين. تجمّد آيدون، وقد كاد أن يمد يده ليقبض على معصم روميا. ارتبك، فانفجر صارخًا بلا مبرر:
“أتراها صارت ملكة لتأمرني وتنهاني؟”
توارى سخطه تحت شعور فاضح بالإحراج، زاده نظرة الازدراء التي رمقته بها الوصيفة الثانية.
أسرعت روميا تحتمي خلف إيزابيلا، فراقبتها هذه الأخيرة مليًا قبل أن تعيد التذكير بصوت حازم:
“جلالة الدوق.”
“حسنًا، حسنًا! قادم أنا!”
لم يجد سبيلًا للرفض، فانصرف متجهًا نحو جناح هيرين. غير أنه حين مر بجانب روميا، زمّ شفتيه كأنما يلتهمها بعينيه، فاضطرت إلى عض شفتيها لتكتم شهقتها. مجرد نظراته وحدها كانت كفيلة بجرح الكرامة.
ما إن غاب حتى التفتت إيزابيلا نحوها:
“عليكِ بالحذر.”
“ماذا… ماذا تقصدين؟”
“لقد نُفي دوق لِيزارد من البلاط بتهمة التحرش. وتلك العادة لا تزول بسهولة.”
تنفست بعمق، وهي تدرك أن روميا وحدها في هذا القصر لم تفهم أن الجمال هنا أشبه بسمّ.
“من أجلك… احذري، روميا.”
“ن… نعم، إيزابيلا.”
أومأت روميا بعنف، غارقة في الخوف. لولا تدخلها في اللحظة الأخيرة، لربما كانت قد وقعت فريسة لا خلاص لها.
***
أما في مجلس الشاي، فقد استقبلت هيرين آيدون بابتسامة مضطربة تخفي في طيّاتها غثيانًا دفينًا. من البداية، لم يكن يكترث إلا بالوصيفات من حولها.
“تبدو عيناك شاردة جلالتك.”
“أهذا عجب؟ المنظر فاتن.”
ألقى بصره على الحديقة التافهة أمامهم كمن يدّعي الانشغال، في حين أن عينيه لم تفارقا روميا الجالسة بعيدًا ترسم.
تذكرت هيرين سمعته التي تملأ البلاط: طامع لا يردع، مهووس بالنساء. أحكمت السيطرة على ملامحها، وقالت:
“كيف حال زوجتك، دوقة لِيزارد؟”
“بخير على ما أظن.”
أجاب بفتورٍ فاضح. كان واضحًا كم هو بعيد عن حياة زوجته، إيلينا. منذ عزله عن البلاط، توارت الدوقة عن المجالس، مُثقلة بفضائحه.
“في آخر رسالة منها بدت وحيدة للغاية.”
“تقتل وقتها بالتطريز والألحان المملة. من الطبيعي أن تشعر بالفراغ.”
لكن عينيه، وهو يقولها، لم تكن عليها. بل على روميا وحدها.
أخفت هيرين غيظها بابتسامة:
“ربما يجدر بك أن تجد لزوجتك رفيقة تسليها.”
“رفيقة؟ إنها بالكاد تنطق أمام الناس.”
رمقها بازدراء. كأن الحديث عن الدوقة ثقيل عليه.
لكن هيرين لم تتركه:
“وصيفتي روميا بيرلوس… فتاة متعددة المواهب. صنعت قبعة التتويج بنفسها. أود لو صارت رفيقة لزوجتك، فتؤنسها وتطمئنني على حالها.”
عند سماع الاسم، لمعت عينا آيدون بمكر.
“بيرلوس…؟ لا بأس.”
ابتسمت هيرين بهدوء، فيما راقبت نهمه يزداد.
“ستروق لها… وستروق لك أيضًا.”
هزّ آيدن رأسه مؤكدًا بلهجة حاسمة. لم يكن لديه سبب ليرفض أن تُرسل روميا بيرلوس إلى قصره.
‘أخيرًا بتنا نتفاهم!’
وحين أخفى آيدن ابتسامة متغطرسة والتفت إلى هيرين، وجدها تنظر إليه بابتسامة خفيفة.
“تلك الفتاة تمتلك مواهب كثيرة جدًّا.”
لم يدرك آيدن أن هيرين تعمّدت طرح موضوع إرسال روميا له، بل كان منشغلًا بفكرة امتلاكها. أمّا هيرين، فوضعت فنجان الشاي بهدوء دون إصدار صوت، وعلى شفتيها ابتسامة ساخرة.
فأولئك السُّفلة يليق أن يجتمعوا معًا، ولا حاجة بها لأن تتدخّل في ذلك.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 43"