قضت الليالي تحت جسده، تحاول أن تخفي حتى أنينها الضئيل بيديها حتى لا يسمعها أحد… وطالما ظلّت تلك الليالي الوحيدة والقاسية محفورة في ذاكرتها، فلن يتحقق أيٌّ من آمالها المنتفخة.
لم يحن المستقبل بعد، لكن روميا كانت تعلم: إن اكتشف الجميع أنها محظيّة الملك، فستنهمر عليها الأصابع المُتَّهِمة. وجميع عروض الزواج التي رتّبتها ڤيوليت ستنقطع لا محالة.
اشتعل رأسها بحرارة خانقة. لم تستطع رفض أمرٍ جاء في هيئة “طلب” من الأميرة، لكن أكثر ما أرعبها هو ذلك اليوم الذي يُفتضح فيه أمرها: حين ينطفئ الاهتمام وتشتعل السخرية والمهانة.
لم يبقَ لها إذن حلم، ولا أمل، ولا حتى وهمٌ رومانسي.
ما تبقّى فقط هو الشيء الوحيد الذي تجيده.
القدرة التي كانت سببًا في أن تُدعى مرارًا بـ”بائعة قبعات” على سبيل السخرية…
موهبة صناعة قبعاتٍ تخطف قلوب الناس.
رغم أنها أصبحت محظيّة الملك المدلَّلة، إلا أنها لم تملك شيئًا آخر.
وبين يأسٍ يطبق صدرها، فتحت روميا عينيها ببطء وقالت:
“…قد تكون مهاراتي ناقصة، لكن سأبذل قصارى جهدي.”
لم يكن ذلك وعدًا عن قناعة، بل لأن لا خيار آخر لديها.
“هذا رائع! روميا، ستكون فرصة عظيمة لكِ!”
هتفَت هيرين بفرح وكأنها المعنيّة بالأمر. صَفّقت براحة يدها بابتسامة مُشرقة، فابتسمت روميا بدورها… لكنها كانت تدرك تمامًا أنّ ابتسامتها ليست نضرة ولا جميلة كابتسامة هيرين.
“آه، وبالمناسبة… أود أن أصنع عندكِ قبّعتي أنا أيضًا.”
شدّت هيرين يديها على يدي روميا بحميمية.
“قبعتكِ أنتِ يا سيدتي؟”
“زفافي سيكون خلال الأشهر القادمة. بعد المراسم، هناك موكب عرس في ساحة العاصمة. أريد أن تكون القبعة التي سأرتديها من صنعك.”
اليوم كان يوم تتويج جهاردي ملكًا. وبانتهاء التتويج، من الطبيعي أن تبدأ العائلة الملكية في تحضير احتفالاتها السنوية وإكمال فراغ العرش بملكة جديدة… مستقبل كاتاس يُعاد تشكيله الآن.
لكن ما هو “طبيعي” بالنسبة للجميع، كان طعنًا مباغتًا في صدر روميا.
حين بلغها خبر زواج جهاردي وهيرين المُعجَّل، لم يؤلمها بهذا الشكل. أما الآن، فقد ارتفعت يدها بغير وعي لتضغط على صدرها الموجوع.
“إذن ستصنعين قبعة الأميرة شارون، ثم قبّعتي أنا. سيكون ذلك مناسبًا، أليس كذلك؟”
بوجهٍ صادق لا يعرف شيئًا عن الصراع الخفي، دسّت هيرين طلبها. وبأيّ وجه لروميا أن ترفض؟
كلما وقفت أمام هيرين، شعرت أنها مجرّدة من كل حق، كأنها مجرّمة تنتظر الحكم.
فأومأت برأسها بعد جهدٍ مُرهِق، وهي تعصر ما تبقى من قوتها.
* * *
كان منتصف الليل قد مضى منذ زمن طويل. عاد جهاردي من قاعة “كينزي” إلى جناحه في القصر ليستريح استعدادًا لمهام الغد. وما إن شرع يخلع ثيابه حتى ارتبك:
هناك، على الأريكة، كانت روميا مستندة بملابس مبعثرة، وقد جلبت معها زجاجات شمبانيا من الحفل، بعضها يتدحرج على الأرض.
“شربتِ حتى الثمالة.”
حتى وهج الشموع الخافت أظهر وجهها المحمّر على الفور.
جلس أمامها عابسًا، تاركًا ملابسه نصف مخلعة. لم يستدعها هذه الليلة، لكن حضورها صار مألوفًا إلى حد مخيف… مألوفًا لدرجة أنه أعجبه. وتلك كانت المشكلة.
رغم إحساسها به، واصلت روميا ملء كأسها وتجرّعه، حتى داهمتها حازوقة خفيفة. لكن الثمل بدا لها أهون من اليقظة، فلم تتوقف.
“في البداية، لم يكلّمني أحد… لكن بمرور الوقت، بدأوا يسألون: ألستِ من عائلة بيرلوس؟”
“ثم ماذا؟”
“أخذت أقبل كؤوسهم واحدًا تلو الآخر.”
أدرك أنه ردّ متأخر على ملاحظته السابقة بأنها ثمِلة. فابتسم ساخرًا في داخله، لكنه أصغى بكل اهتمام.
“قالوا إن القبعة التي صنعتُها رائعة.”
“كانت كذلك. أنا راضٍ عنها، فكيف لا تُعجبهم.”
“أليست موهبتي هذه رسالة من السماء أنني لا أصلح أن أكون نبيلة؟ مكتوب عليّ أن أبقى روميا بائعة القبعات.”
“حتى نطقكِ المرتبك يؤكد ذلك.”
ضحك قليلًا وهو يستمع لتمتمتها السكيرّة. حتى وهي ثملة، ظلت روميا كما هي.
“جلالتك… أنت فقط لا تحبني.”
تلك الشفاه الممدودة ببرود…
لم يشرب الليلة قطرة، لكن منظر الشمبانيا ينساب من شفتيها جعله يفكر أن رشفة أو اثنتين قد تكون مقبولة. أخذ الكأس من يدها قائلاً:
“لا أكرهك كليًا. لو فعلت، لما سمحت لكِ بدخول غرفتي أصلاً.”
“نعم، نعم… تحب جسدي فقط.”
كلماتها الجافية لم تُغضبه، ولا حتى وجدها وقاحة. العكس، كانت مشاكستها مخملية كفتات كعك. نسي أن يغضب.
بل جذب نظره كيف جلست بلا اكتراث، مُلتحمة بالأريكة كأنها امتدادٌ لها.
“اجلسي مستقيمة.”
“لا. أرتاح هكذا.”
إحتدت عيناها كمثلث وهي تعانده. فاقترب منها وجذبها ليجعلها تجلس رغماً عنها. ومع ذلك استمرت تهذي بما يحلو لها:
وجنتاها محمرتان حتى عينيها من فرط الشراب. نظر إليها وهي تتمايل في حضنه، فزفر ببطء.
“لم أطلبك الليلة. أنتِ من جئتِ بنفسك.”
أدخل يده تحت فستانها النازل ببطء.
ارتجفت وهي تشعر ببرودة أصابعه تسرق حرارتها. فقالت متعثّرة:
“اليوم يوم تاريخي لكاتاس… لكن لماذا الليل هادئ هكذا؟”
لو لم يكن بفضل شمعة مضاءة، لكانت الغرفة في عتمة كاملة. وبُعدها عن القاعة الصاخبة جعل السكون طبيعيًا.
“لأن وقت النوم حلّ.”
“لكن القاعة لا تزال مضيئة. الموسيقى مستمرة، والكثير لم يغادروا بعد.”
بينما كانت تروي ذلك، كان فمه يتنقّل ببطء على جسدها.
“أوه…”
تفجّر منها أنين واهن.
“الجميع يتصرّفون كأنهم الحدث الرئيسي في الحفلة… مع أنهم ليسوا كذلك حقًا.”
رائحة الخمر الحلوة كانت تلاحقه مع كل قبلة. ورغم احتجازه لها بين ذراعيه، لم تتوقف عن الكلام. نصفها كان مجرد هذيان سُكْر.
وحين غاص أكثر بجسده، همس بصوت خشن:
“ومن هو الحدث الحقيقي؟”
كان من المفترض أن يكتفي بالنهش حتى يشبع جوعه. لكن كلماتها لم يقدر أن يتجاهلها. لهذا كانت خطيرة. لم يعد قادرًا على التوقف. فزمجر خافتًا، لترفع روميا عينيها نحوه.
في نظراتها عتاب نقي، كأنها تسأله: “ألا تعرف حقًا؟”
“أنت… جلالتك.”
ظن أنه من كان يوبّخها، لكنه أدرك فجأة: زمرد عينيها كان هو الذي يوبّخه الآن، برفقٍ غامض.
“حدث اليوم هو جلالتك، أليس كذلك؟ لكن الناس ظلّوا يقولون إنني أنا بطلة الحفلة مضحك، أليس كذلك؟ اليوم أصبحت ملكًا، ومع ذلك…….”
“كلاهم ليس خاطئًا تمامًا.”
إزاحة صانعي البلاط جانبًا وصُنع قبعة التتويج بيد أسرةٍ متواضعة مثل آل بيرلوس، لا بد أن الاهتمام بهم قد ارتفع فجأة. وجهاردي، الذي يعرف طبيعة البلاط حق المعرفة، كان يدرك كل ما جرى حول روميا دون أن يحتاج إلى أن يراه أو يسمعه.
في البلاط، مَن يثير الأحاديث هو الحدث الرئيسي، حتى من يرتدي التاج أقل أهمية. تلك كانت طبيعة العالم الذي يعيشون فيه. لكن بيرلوس الرقيقة لم تستطع أن تفهم ذلك تمامًا.
“إنه بارد.”
انتفخت وجنتا روميا بالهواء وهي ترتجف من النسيم البارد. وسرعان ما رمقت جسدها العاري بنظرة عابرة قبل أن تستدير. عانقت عنق جهاردي بكلتي ذراعيها، وما إن شعرت بالدفء يتسرّب إليها حتى بدا على وجهها هدوء وراحة.
“عندما أكون هكذا، لا أشعر بالبرد.”
يبدو أنها لم تكره الدفء الذي منحها إياه. بل راحت تبحث عن مزيد منه وهي تحتك به كالهرّة الصغيرة.
“مبارك، جلالتك على اعتلاء العرش.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 41"