لم تكن فخامة الحفلة رحيمة بروميا. الحماس الذي انتفخ داخلها لم يكن سوى مادة رخيصة لأحاديث الآخرين.
حتى بروسي، التي ظنت أنها ستقف بجانبها، حطمت أوهامها. وهكذا وجدت روميا نفسها مضطرة لإضاعة الفرصة التي ألقتها إليها أوليفيا من غير أي مكسب.
“أتظنين أن ذلك المكان مخصص لتبادل الضحك مع السيدات؟! أتعلمين ما هو ذاك المكان! ألهذا لم تتمكني حتى من الظفر برجل واحد بشكل لائق؟!”
في اليوم التالي، استدعت فيوليت روميا إلى فندق جيلا، كانت تحدق بصمت في الكؤوس المحطمة أمامها على الأرض.
فيوليت التي كانت قد استمتعت بالأمس طيلة الحفل، نهضت هذا الصباح من غير أن تزيل مساحيقها، وفور سماعها أن روميا انسحبت من الحفل في منتصفه، اشتعل غضبها.
“عندما تكبرين أكثر لن يرغب أحد في الزواج منك! ماذا ستفعلين إذن؟ ها؟!”
كلما فتحت فيوليت فمها انبعثت رائحة الخمر الثقيلة منه. شعرها مبعثر، وملابسها الداخلية غير مرتبة، وغضبها المنفجر جعلها تبدو تمامًا كما كانت روميا تراها وهي طفلة.
“عديمة الفائدة!”
وبينما هي تصرخ، راحت ترمي كل ما تقع عليه يدها، ثم لم تكتف بذلك، بل صرخت في وجه روميا أن تخرج فورًا من أمامها.
اعتذرت روميا بلا توقف، متوسلة بقولها إنها أخطأت، لكن فيوليت دفعتها في النهاية لتطردها من الغرفة بلا رحمة.
روميا أغمضت عينيها بقوة وهي تحدق في الباب المغلق بإحكام.
كانت تعلم أن خطأها هو ما خيب أمل فيوليت، لكن مع ذلك، لم تفهم لماذا تشعر بعجز قاسٍ ينهشها هكذا.
منذ الليلة الماضية وحتى الآن، الحقيقة التي توصلت إليها هي أنه لا مكان يرحب بها.
رغم أنها وقفت تحت الأضواء الباهرة، إلا أنها شعرت أنها تقف في الظل، مجرد زينة لا قيمة لها. حاولت بجسدها كله إنكار ذلك، لكنها في النهاية لم تستطع إلا الهرب من قاعة الحفل.
فما جعلها تهرب لم يكن سوى ذلك المشهد.
حين يلمح القلب شيئًا لامعًا ونفيسًا أكثر من اللازم، لا بد أن يهتز، لكن رؤية ذلك الثنائي يرقصان الوالتز وسط المديح جعل صدرها ينقبض بألم.
النظر إلى جمالهم المبهر، وسط التصفيق، جعلتها تخشى أن تدرك حقيقة مشاعرها.
أن العالم الذي عرفته لم يكن كل شيء، بل ثمة عالم أوسع.
لكنها أدركت ذلك متأخرة جدًّا، والأسوأ أنها لم تدركه إلا من خلال ولي العهد نفسه. كم كان ذلك عبثيًا ومؤلمًا.
والعواقب، كما هي دائمًا، كانت حكرًا عليها وحدها.
—
“هل لكِ معرفة بعائلة دُوين؟”
“دُوين؟”
“إنهم عظماء في مجال السكك الحديدية. ألم تسمعي عنهم من قبل؟”
ما إن عادت من لقاء فيوليت حتى دفعت إيزابيلا نحوها برسالة وصلت باسمها.
روميا قطبت حاجبيها، إذ بدا الاسم غريبًا ومألوفًا في الوقت نفسه، لكنها سرعان ما فتحت عينيها متذكرة شيئًا وأمسكت بيد إيزابيلا.
“آه! الشعار المحفور على محطة القطار الضخمة في مدينة ماندوايل!”
“بالضبط. إنه علامة على أن المحطة أنشأتها عائلة دُوين. شخص منهم أرسل هذه الرسالة وطلب أن تصلك.”
أعطتها إيزابيلا سكين فتح الرسائل تحثها على فتحها.
“إلي أنا؟”
كانت متعجبة؛ فهي لا تملك أي صلة بعائلة دُوين، ولم يسبق أن التقت بهم. ربما كان أحد أفرادها في الحفل بالأمس؟
على ورق يحمل ختم وردة وردية باهتة، كُتبت رسالة بخط أنيق:
“إلى الآنسة بيرلوس العزيزة،
أعتذر على أنني أراسلك لأول مرة بلا مقدمات.
ربما ستكونين في غاية الدهشة لتلقيك هذه الرسالة.
لكنني علمت أن مالكة الغرض الذي عثرت عليه في حفل السيدة نوبريدج هي أنتِ، فرأيت أن أعيده إلى صاحبته.
إن كنت ترغبين في استعادة القبعة الضائعة، فالرجاء أن تحضري بعد غدٍ عند الظهيرة إلى الساحة الشمالية في شارع فالامون الأول.”
— كارلايل دُوين
طرفت روميا ببطء، متأثرة بلطف الكلمات.
بعد حديثها مع بروسي في الشرفة، انسحبت من الحفل على عجل ولم تنتبه أنها نسيت القبعة إلا في الصباح حين ذهبت لرؤية فيوليت. تذكرت كيف شكت مؤخرًا من نسيانها القبعات مرارًا.
“كيف عرف أنها قبعتي؟”
لا، الأدهى من ذلك—
كيف عرف أنها من صنعها هي، وأنها خصصتها لتناسب فستانًا أعدته فيوليت؟
ملامح الحيرة البريئة ارتسمت على وجهها.
ورغم سيل الأسئلة، بقيت عيناها معلقتين على اسم واحد:
“……دُوين.”
رسالة واحدة، لطف غريب من شخص لم تره من قبل.
“هذا رائع. اذهبي لملاقاته. فلن يضرك شيء من مصادقة عائلة دُوين.”
إيزابيلا ألقت نظرة خاطفة على الرسالة، ثم ربتت على كتف روميا بلطف وأردفت:
“ثم إن كارلايل دُوين ما زال أعزبًا، بلا خطيبة. والجميع يطمع في أن يكون عريسهم.”
بكلمات عابرة كهذه اتسعت عينا روميا. لعل ذلك يمنحها مخرجًا من ضغط فيوليت المتواصل لإجبارها على زواج لا تريده، بل ربما يمنحها فرصة لتحقيق الحلم الذي طالما راودها عن زواج مثالي.
—
توقفت عربة أنيقة عند مدخل الساحة الشمالية. انعكس شعر أزرق داكن على زجاج نافذتها المظللة. عيناه الضيقتان المائلة أطرت ملامحه الحادة، لكن ابتسامته الهادئة خففت حدة ذلك، لتكشف عن رجل يليق به النقاء والبساطة.
كان معصمه الأملس يحمل ساعة فاخرة، وكأن يديه لم تعرفا العمل الشاق قط.
خفض النافذة قليلًا وأسند ذقنه على يده، متأملًا شارع فالامون المزدحم. لم يكن صعبًا عليه أن يميز روميا بيرلوس وسط الحشود.
شعرها البني المتموج يلمع كالأرض تحت شمس الربيع، وعيناها متوجستان وهي تراقب برج الساعة كل حين لتتأكد من الوقت.
كارلايل مد يده نحو المقعد المجاور، حيث وُضعت القبعة التي التقطها.
لم يكن تشطيبها جيدًا، لكن عدا ذلك، كانت مذهلة. بروز صغير أنيق ارتفع عند القمة، واضح أنها لم تُصنع لتحجب الشمس، بل لتكون قطعة جمالية خالصة.
“لقد ابتكرت موضة جديدة حقًّا.”
ابتسم كارلايل بإعجاب وهو يتأمل قبعة لم يرَ لها مثيلًا. كانت من ابتكار روميا بيرلوس، وقد أثارت فضوله الشديد.
في الحقيقة، كان يراقبها منذ البداية، من بعيد.
عندما دخلت قاعة الحفل، لم يكن صعبًا عليه أن يدرك أنها “بيرلوس” التي انتظر الجميع ظهورها بلهفة. فالجميع كان يتحدث عن صانعة قبعة ولي العهد المرتقبة. حتى هو، الذي لم يكن يعير شيئًا اهتمامًا سوى المال والمكانة، وجد نفسه يتطلع لرؤيتها.
كثرت الشائعات حولها، أن موهبتها عبقرية تفوق الخيال، أو أن جمالها هو ما أسر ولي العهد.
لكن حين عثر صدفة على القبعة التي تركتها في الشرفة، تغيرت أفكاره.
“حقًّا، العائلة المالكة هي عائلة مالكة.”
لم يكن الأمر مجرد شغف أو جمال. ولي العهد كان يثق تمامًا في قبعات بيرلوس. القبعة التي صنعَتها كانت دليلًا على ذلك.
وبينما أمسك القبعة وغادر الشرفة مسرعًا، كانت روميا قد غادرت القاعة. لكنه رأى أن ذلك حسن الحظ؛ فذلك أتاح له أن يعاود الشعور بذلك الإحساس الدافئ، كربيع وصيف يلتقيان.
عيناه النصف مغمضتين امتلأتا بالنعومة، ووجهه بدا كوجه فتى وقع في حبّها من النظرة الأولى.
لقد أيقن أن هذه القبعة ستكون سببًا ليلتقيها مجددًا. ولديه إحساس أنها ستصبح صديقة جيدة، شريكة في المنفعة.
أنهى إسترجاعه السريع، وحمل القبعة، ثم نزل من العربة.
كان خطوه متصلبًا بعض الشيء، أثقل مما يليق بمن يسعى لعقد شراكة أو لقاء عمل. بل بدا كمن يقترب وفي قلبه رجفة خفية من الترقب.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"