“في ذلك اليوم، لم يكن قلبي مرتاحاً. أعلم أنّك ساعدتِ جلالتها بدافع حسن النية، لكنك تعرفين كيف هي قوانين كاتاس.”
“نعم…….”
“مع ذلك، سمعت أن جلالة الملكة الراحلة قد عفت عنك، وكم كان ذلك مدعاة للارتياح. حين جئتِ لتقديم التحية لم أكن في حال تسمح لي بأن أفتح هذا الموضوع.”
أطرقت روميا رأسها وهي تعبث بأظافرها بلا ذنب.
حين استعادت بروسي ذكريات الماضي، اجتاحها ثقل ذلك اليوم من جديد، فغمرها شعور بالذنب ظلّ نائماً في أعماق قلبها.
في ذلك الوقت، شعرت بالارتياح لأنها أنقذت أوليفيا، لكن خبر وفاة الملكة الراحلة لاحقاً كان يقضّها بشعور غريب: “في النهاية لم أستطع إنقاذها.” كدين ثقيل يسحقها.
في غرفة البودرة المخصصة للسيدات، حيث جلستا بهدوء، رفعت بروسي كأس الشامبانيا إلى شفتيها وسألت:
“هل دوقة فوتاميا جيدة؟”
“نعم، إنها…… سيدة عطوفة.”
“جميع السيدات يعرفن خصالها الحميدة. حتى لو أخطأتِ، فهي من النوع الذي يسامح بكرم.”
تكلمت بروسي كما لو كانت تعرف هيرين جيداً. أما في نظر روميا، فقد كانت بروسي لا تكاد تغادر بيريـدروز، لذا بدا عجيباً أنها مطّلعة إلى هذا الحد على نبلاء العاصمة.
“هل كنتِ بخير يا آنسة بروسي؟”
كانت بروسي بعد طول غياب ما تزال جميلة كما يُطلق عليها: الوردة الزرقاء لبيريـدروز.
صحيح أن روميا التقت بالكثير من النساء الجميلات والبارزات، لكنها لم تنسَ أنّ بروسي كانت أول مثل أعلى في حياتها، ولهذا بقيت مكانتها في قلبها قوية لا تزول.
حتى في السابق، كلما التقت بروسي، كانت روميا تنسى نفسها لبرهة أمام جمالها الخانق وتحدّق فيها بذهول.
ورغم أنها كانت تعلم أنّ ذلك تصرّف غير لائق، فإنها الآن أيضاً لم تستطع أن تمنع نفسها من التحديق مطولاً في بروسي التي لم ترها منذ زمن طويل.
صحيح أن حياتها في القصر لم تكن سيئة، لكن لقاء بروسي أيقظ في داخلها حنيناً لم تنسَه.
ذكريات بيريـدروز الهادئة أخذت تتسرّب إلى ذهنها وتثقلها بالحزن. لقد وضعت أحلامها كلها في العاصمة، دون أن تدرك أن ذلك المكان الذي تركته كان أشبه بالجنة. وما كان الثمن إلا فادحاً.
ابتسمت بروسي بهدوء وهي ترى روميا غارقة في تلك المشاعر.
“الأفضل أن تضبطي ألقاب المخاطبة. لا يمكنكِ أن تظلي بالنسبة لي روميا الخيّاطة الصغيرة من بيريـدروز. لقد أصبحتِ الآن سيدة قدّمت ظهورها الأول رسميّاً في حفلات العاصمة. فلا بد أن نلتزم بقدْرٍ من الرسمية.”
“…… هل أناديكِ بليدي بيريـدروز؟”
“قد يكون الأمر غريباً في البداية، لكن من الآن فصاعداً، عليك أن تخاطبي الجميع باللقب المناسب. فأنتِ لم تعودي تلك الفتاة التي كانت تجري هنا وهناك في بيريـدروز.”
أومأت روميا برأسها وقد بدا عليها الاقتناع.
لم يسبق أن منحها أحد مثل هذا التوجيه الصادق من أجل مصلحتها، ولهذا كان لكلمات بروسي وقع دافئ في نفسها.
كانت روميا سابقاً تجد التعامل مع بروسي أمراً صعباً، لكن هذه المرة شعرت وكأنها التقت بصديقة من مسقط رأسها، فتجاوبت معها دون أن تتراجع أو تشعر بالانكسار. لعل وجود شخص مألوف وسط هذه الأجواء الغريبة كان بالنسبة لها كحبل نجاة.
أما بروسي فقد تفهّمت ذلك، ورأت أنه أبسط ما يمكن أن تمنحه من تسامح.
“ثم إني…… سأتزوج قريباً.”
“تتزوجين؟!”
تسارعت وتيرة الحديث بسلاسة، لكن كلام بروسي جعل عيني روميا تتسعان كعيني أرنب مذعور. كانت قد سمعت شيئاً عن خطوبة بروسي من قبل، لكنها لم تتوقع أن تسمع إعلان زواجها فجأة على هذا النحو.
“إنه الابن الأكبر لعائلة من النبلاء المركزيين، أسرة عسكرية مشهورة. إنه رجل طيب، عطوف وذو اهتمام كبير.”
“هل جئتِ إلى العاصمة لأجل أمور الزواج؟”
“نعم، جئت لتحية كبار أسرته، ولأني تلقيت دعوة إلى حفلة السيدة نوبريدج…….”
“إذن جئتِ لتعلني خبر الزواج أيضاً.”
حين سمعت روميا أن من كانت مثالها الأعلى منذ صغرها ستتزوج، شعرت بغصة لا تفارقها. وبالرغم من أنّ الأمر كان بديهيًا، إلا أنها لم تستطع إيقاف شعورها بالحزن. أومأت بروسي بصمت مؤكّدة، فزاد ذلك من إحساس روميا بالثقل.
“أيّ شعور هذا؟ لا أفهمه…….”
الوردة الزرقاء التي عشقها الجميع، بروسي التي كانت تبدو وكأنها ستزهر دوماً في بيريـدروز، ها هي اليوم ستؤسس أسرة مع رجل وتعيش كزوجته……
إنه في النهاية ما سيكون قدرها هي أيضاً، فلماذا شعرت بالفراغ في قلبها؟ بدت كمن يلوم نفسها على هذه الحساسية الزائدة.
وبينما كانت عيناها توشك أن تدمعا، كانت بروسي تراقبها بصمت، ثم وضعت كأس الشامبانيا جانباً ونادت:
“بالمناسبة، روميا.”
“نعم، سيدتي.”
“سمعتُ أنكِ ستصنعين قُبّعة ولي العهد. كنت أعلم بمهارتك منذ زمن، لكن يبدو أنكِ تولّيتِ مهمة محفوفة بالمخاطر.”
بدت وجنتاها متورّدتين قليلاً، لعلها بدأت تثمل. وبينما كانت عيناها تترنّح، ثبتت بروسي بصرها على روميا وقالت:
“كوني حذرة يا روميا. هذا المكان ليس بيريـدروز.”
لم تكن تنوي أن تنصحها بهذا القدر، لكن حرارة الشراب جعلت لسانها ينطق بما في قلبها.
“حان الوقت كي تستيقظي من الحلم.”
بروسي لم تكره روميا قط. ربما كانت تراها –بسبب أصلها– أدنى قليلاً منها، لكنها لم تحمل نحوها عداوة قط.
فمعظم أهل بيريـدروز كانوا يكرهون روميا، لكنها كانت تصرّ أنها ليست مثلهم.
“لقد كبرتِ الآن. كوني سيدة ناضجة بحق.”
—
“نشكر حضورك الكريم يا صاحب السمو ولي العهد.”
“لا داعي للشكر.”
نظرت السيدة نوبريدج برضا إلى هيرين وجهاردي، اللذين كانا بمثابة أحفاد بالنسبة لها.
فما إن دخلا معاً حتى صارا نجم الحفل بلا منازع. وبالنسبة لمستضيفة الحفل، لم يكن هناك ما يرفع قيمته أكثر من حضورهما.
فقيمة الحفل تتجلى في نفوذ المدعوين. ولذا، حين اقتربت منها هيرين بنفسها بحديث ودود، أشرقت ابتسامة السيدة نوبريدج.
كان بجوارها جهاردي، واقفاً بلا مبالاة، لكن تعابير وجهه لم تفصح عن ملل أو فتور، وهذا ما أرضى المضيفة.
“قريباً سيتغير الإيقاع. ما رأيكما أن تزيّنا القاعة بالرقص معاً؟”
غمزت السيدة نوبريدج لهيرين مازحة. كان اللحن البطيء يقترب من نهايته، وما إن ينتهي حتى يبدأ إيقاع مناسب للرقص.
“أنفعل ذلك؟”
“لا مانع عندي.”
أومأت هيرين نحو جهاردي كما لو تطلب موافقته، ثم قبلت دعوة المضيفة. لم يكن لدى جهاردي سبب ليرفض الرقص مع خطيبته.
بل إنه حسب أن الظهور معها بهذا الشكل أمام الناس سيجعله أكثر رسوخاً، ويكسبه دعم بيت دوق فوتاميا مستقبلاً، فيمنع أي شخص من التشكيك في كفاءته كملك.
كان جهاردي دوماً يخطط للمستقبل، ويضع أسوأ الاحتمالات أمام عينيه.
حتى وإن خرج للعلن سرّه الذي أخفته أوليفيا في قبرها بموتها، فإنه كان واثقاً أن وجود فوتاميا سيحول دون سقوطه.
وفي هذه المعادلة الباردة، أمسك جهاردي وهيرين بأيدي بعضهما.
“لم أرقص منذ زمن طويل، أشعر بتوتر.”
همست هيرين بخجل وهي تقترب منه بجسدها. لكنها في الحقيقة لم ترتكب يوماً خطأ وهي ترقص معه؛ لم تطأ قدمه عرضاً، ولم تخرج عن الإيقاع. كانت تعتبر ذلك خطيئة لا تُغتفر.
توجه الاثنان إلى وسط القاعة.
سرعان ما بدأت الموسيقى بالعزف، وبدأ الشباب والشابات في الرقص، متشابكين مع بعضهم البعض. لم يكن هيرين وجهادي استثناءً.
ومن حولهم، راح الناس ينظرون إليهما بفخر، وكأنهم يرون مستقبل كاتاس. وشعرت هيرين بثقل تلك الأنظار، فرفعت رأسها.
أول ما وقع نظرها عليه كان خطّ فكّ جهاردي الحاد. كان الحضور إلى الحفل اقتراح منها، لكنها الآن تندم على ذلك.
فمنذ لحظة دخولهما، لم تتوقف عن مراقبة عينيه خشية أن يوجّه بصره نحو مكان مألوف لها.
تأكّدت مراراً وتكراراً، ورغم ذلك لم تستطع أن تُكذّب ذلك الواقع.
كانت قد أمرت روميا بأن تتسلل ليلاً إلى غرفة جهاردي مراراً. كل مرة ألبستها ثوباً مبتذلاً تحت مسمى “هدية.” ومع ذلك لم يرفض جهاردي دخولها أبداً.
كان يدرك تماماً الرسالة الحقيقية في ذلك، ومع ذلك تظاهر بالجهل. وهذا لم يكن من طباعه.
علمت هيرين من السيدة ميريج أن روميا كانت تعود قبل بزوغ الفجر. أرادت أن تستفسر حول ما كان يحدث، لكنها لم تجرؤ. فالمرأة النبيلة التي تفقد وقارها وتفعل شيئا كهذا لا تليق بأن تكون ملكة.
عضّت هيرين شفتها خفية وهي بجانبه.
لحسن الحظ، وعلى عكس ما كانت تخشى، لم يبدُ على جهاردي أنه يبحث عن روميا في القاعة. كانت عيناه الغامضتان تتنقلان بين من يقتربون منه، وتلتفت إليها حين تكلمه، ولم يظهر على ملامحه الباردة أي أثر للشوّق لرؤيتها.
ومع ذلك، لم تطمئن أبدًا……
وفي لحظة غفلة، بينما التفتت بعيداً……
“…… تلك روميا.”
“…….”
“إنها وصيفتي، يا صاحب السمو.”
لقد كان جهاردي يحدّق بلا وعي في ظهر روميا وهي تغادر القاعة على عجل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"