“إنها مجتهدة، أليست كذلك؟ من أجل صنع قبعة لسموّ الأمير، تعمل هكذا طوال وقت الاستراحة. إنها حقًا فتاة لطيفة.”
كلمات الثناء من هيرين التي بدت وكأنها تدافع عن روميا لم تصل إلى مسامع شارون كما ينبغي. فعيناها كانتا تتابعان فقط ملامح روميا، وسرعان ما دار في تلك العينين بريق مختلف.
‘أها.’
حين أمعنت النظر في تلك الفتاة، انتابها فجأة فضول جديد. مجرد تساؤل خالص حول حقيقة الشائعة التي تقول أن خادمة الليدي فوتاميا تدخل وتخرج من مكتب ولي العهد ساعة كاملة كل يوم قبل بدء أعماله.
هل هو حقًا فقط من أجل صنع القبعة التي سيرتديها في حفل التتويج؟
حتى من بعيد، ملامح وجهها البارزة كانت تجذب البصر بلا عناء. ريفية المظهر نعم، لكنها بدت كوجه يمكن أن ينافس إذا جرى تهذيبه بشكل جيد.
صحيح أن الآن كل ما يطغى عليها هو ملامح طفولية… لكن إن تحولت تلك الفتاة إلى سيدة حقيقية مكتملة، فلا شك أنها ستكون قادرة على إغواء الرجال.
‘تشه! هؤلاء الرجال…’
استحضرت شارون وجه ابن أخيها، جهاردي، الذي كان دائمًا متجهمًا بلا تعابير، وعضّت أسنانها بغيظ أقرب إلى الاحتقار. ذاك الذي يتظاهر أمام من هم أعلى منه شرفًا وتباهيًا، هو نفسه الذي يترنح خلف الستار بسبب تنورة خادمة صغيرة!
زوجها كان كذلك، وابنها كان كذلك، وكان وجود العشيقات أشبه بعادة مسكوت عنها. حتى شارون نفسها لم تكن تجهل رغبات الرجال؛ فقد غضت الطرف عن نزوات زوجها بشرط واحد: ألا يجلب طفلًا غير شرعي إلى بيتها.
جميعهن عشن هكذا. حتى السيدات العظيمات المتباهيات، لا يختلف باطن حياتهن كثيرًا. لكن ابنها كان يجب أن يكون مختلفًا.
‘حين أدخلت والدتي كل تلك العشيقات إلى قصرها تحت ذريعة “التعليم”، واحتقرناها لذلك. ثم فجّرت فضائح أدون حتى حرمتْه دخول القصر… و الآن، مع تلك الفتاة…’
كلما استرسلت في التفكير، ازداد عبوس ملامح شارون. لكنها لم تشأ أن تدع هيرين تلتقط أي أثر لذلك، فأعادت رسم ابتسامة ودودة.
ثم أطلقت تنهيدة طويلة بدت كأنها أنين، متعمدة إظهارها وكأنها غير موجهة.
“لا بد أن الأمر يشغلك كثيرًا، يا سيدتي.”
طنين خافت صدر من ارتطام فنجان الشاي على الجانب الآخر، فجعل عيني شارون تنحنيان في شكل نصف دائري.
“إن ابن أخي كان يتجنب النساء والخمر منذ زمن بعيد.”
“…”
“لكن أليس من المعروف أن رياح الكهولة المتأخرة هي الأشد خطورة؟”
“عمتي.”
نادتها هيرين، محاولة ردعها بلطف وقد بدأت تتجاوز حدود اللياقة، لكن شارون لم تكترث.
“ولي العهد رجل أيضًا. ثم إنه رجل في غاية الفتوة.”
“كفى، عودي أدراجك. أشعر بالتعب.”
في النهاية، لم تستطع هيرين أن تكبح نفسها أكثر، فنهضت فجأة وواجهت شارون بوجه جاد حازم. هي أيضًا لم تكن من النوع الذي يتسامح مع الإهانة، حتى ولو صدرت عن أحد كبار العائلة المالكة. لقد كانت معتادة أكثر على أن ترى الآخرين من موقع أعلى، لا أن تنحني أمامهم.
وربما لهذا السبب بالذات، اختارت أوليفيا السيدة فوتاميا لتكون قرينة جهاردي.
لأن زوجة الملك لا يجوز لها أن تخفض رأسها لأي سبب كان، ولا أن تتحمل الإهانات الحمقاء بصمت.
حتى شارون هزت كتفيها ببطء، كأنها بلا حيلة، ونهضت بدورها. لكنها، وقد وجدت فجأة اهتمامًا جديدًا بابن أخيها المزعج، لم تكن راضية عن مجرد الانصراف هكذا.
فتوقفت عن السير، والتفتت نحو هيرين التي كانت تمسك رأسها، وابتسمت ابتسامة عريضة.
“يجب أن تُصغي بعناية إلى كلمات هذه العجوز، يا ليدي.”
الليدي فوتاميا التي تتظاهر بأنها الأرفع مكانة في بيت كاتاس الملكي لطالما أزعجتها أيضًا.
لكن بعد هذه الحادثة، ستدرك حقًا من هو الراشد الحقيقي هنا.
قالت إيزابيلا فجأة وهي تنظر إلى روميا. ولما نظرت المقصودة اليها، احمرّ عنقها من الخجل، ثم ردّت بنبرة حادة مشوبة بضيق:
“ماذا؟ ولماذا تنظرين إلي هكذا؟”
كانت تتحدث بتلك الطريقة بينما كانت في ترفع حواف فستان روميا بعناية. لم تكن روميا معتادة على أن يساعدها أحد في تزيين نفسها، فاحمر وجهها بسرعة وتمتمت بنبرة ممتعضة:
“لأني لست معتادة على سماع المديح منك.”
“الجميل يقال له أنه جميع، وإلا فـ بماذا تريدين أن أصفك؟”
“… شكرًا لك.”
ردّت روميا بصدق، فابتسمت إيزابيلا بغير تصديق، لكنها لم تلبث أن لاحظت أن روميا كانت بالفعل سعيدة بمديحها. همّت أن تضيف شيئًا آخر لكنها كتمته.
كانت إيزابيلا شحيحة في المديح، لكن بدا أن روميا أيضًا ليست معتادة على سماع المديح، مما جعلها تشعر نحوها بنوع من الألفة.
ساد صمت قصير، ثم فتحت إيزابيلا موضوعًا جديدًا:
“سمعت أنك ستذهبين بلا شريك.”
“لم أستطع أن أجد واحدًا.”
“كم من آنسات صغيرات يذهبن من دون شركاء؟ لا تقلقي. المهم في الحفل هو أن تكوني أنتِ وحدك الحدث هناك. فقط بعد الحفل الخيري اليوم، سيكون مهمًا مع من تذهبين مستقبلا. فلا تشغلي بالك.”
“نعم، إيزابيلا. شكرًا لك.”
رغم أن روميا لم تضع مساحيق ثقيلة، إلا أن وجنتيها كانتا متورّدتين مثل بتلات ورد وردي باهت، تبعثان شعورًا بالحبور العذب.
إيزابيلا، وهي ترى روميا مرتدية الفستان للمرة الأولى، وجدت نفسها، رغم أنها امرأة مثلها، تحدق مدهوشة بفم مفتوح. انعكاس روميا في المرآة بدا كأنه شيء يريد المرء التهامه دفعة واحدة، أو كأنه يذيب القلب بمجرد النظر.
روميا نفسها رأت أن الفستان مكشوف أكثر من اللازم، حيث يظهر خط العنق والكتفين، لكن في عيني إيزابيلا لم يكن كذلك على الإطلاق. جسدها الرقيق غلّفه الثوب الوردّي الشاحب، فظهر مزيج بين براءتها الفطرية وأنوثتها الكامنة، ما أضفى عليها جاذبية خاصة.
فستان كهذا قد يجعل أي أخرى تبدو مبتذلة، لكن روميا ارتدته فبدت به بديعة.
هيرين، الليدي فوتاميا التي تخدمها، كانت بلا شك جميلة حين تتأنق، لكن كان فيها دائمًا ما يفرض على النساء الأخريات نظرة رهبة وإجلال. أما روميا، فقد أثارت لدى إيزابيلا شعورًا مختلفًا، شعورًا يذكرها بأختها الصغرى، رغبة جارفة في حبها حدّ الجنون.
منذ ذلك اليوم، بدأت إيزابيلا تنفتح أكثر على روميا. لقد بدا أن تغيير الثوب وحده كفيل بأن يجعلها تظهر وكأنها سحرت بنوع من السحر الخفي. ولعل ذلك هو جزء من سحر روميا الخاص.
“ماذا لو أخطأت الليلة؟”
“لقد تدربنا معًا حتى وقت متأخر. من طريقة التحية إلى كيفية الابتسام. فقط لا تنسي ما تعلمتِه.”
“وكما علمتِني، إذا تكلموا بأمور لا أفهمها، عليّ فقط أن أستمع وأبتسم، صحيح؟”
“إذا جلستِ صامتة، تكونين قد قطعتِ نصف الطريق.”
كان طبيعيًا أن تكون روميا متحمسة للغاية، فهذا حفل الديبوتانت الذي طالما انتظرته. حتى من الخلف، كانت وجنتاها الورديتان تبدوان بارزتين بشدة، دليلًا على مدى انفعالها.
إيزابيلا، التي كانت تساعدها على ترتيب شعرها، رفعت عينيها إلى الساعة المعلقة على الجدار.
قالوا إن ولي العهد سيحضر حفل الليلة عند الليدي نوبريدج…
روميا لم تكن تسمع كثيرًا بمثل هذه الأخبار، لكن إيزابيلا كانت قد علمت مسبقًا من رفيقاتها، وشعرت بقلق عميق.
حتى في الحفلات السابقة، حين توسلت الليدي نوبريدج بنفسها، لم يحضر ولي العهد ولا مرة واحدة…
وكان توقيت ظهوره الآن أمرًا غريبًا للغاية.
* * *
تحت الثريا العالية التي تتلألأ في قاعة الاحتفالات، كانت الليدي نوبريدج تقف في الوسط مرحبة بضيوفها.
رغم أن دخول روميا لم يكن مدويًا، ولم تتجه إليها كل الأنظار، إلا أن المشهد كله كان مبهراً بعكس حفلات بيريدروز الهادئة.
وقد احمرّت وجنتاها بخجل وهي تجول بنظرها بين الأضواء الساطعة الباذخة.
‘كأني أصبحتُ أميرة من قصص الحكايات.’
كما قالت فيوليت، حفلات العاصمة كانت من مستوى مختلف تمامًا. كان الجميع في أبهى حللهم، حتى شعرت روميا بالانكماش.
وعلى جدران القاعة، حيث تعلق لوحات فنية تثبت ذوق أسرة نوبريدج الرفيع في الرسم، استوقفتها الألوان لوهلة.
“لا تنشغلي باللوحات. ابتسمي للناس.”
وبّختها فيوليت التي رافقتها بصرامة.
“إن تركتِ انطباعًا قويًا هنا، فسوف تصل عروض الزواج الجيدة إلى عائلتنا قريبًا.”
ارتفعت ألحان الفرقة رقيقة وبطيئة، والشبان الذين دخلوا حديثًا سنّ الشباب تبادلوا أحاديث خفيفة عن السياسة وأمور العائلات، بينما تجمعت السيدات في أعمار متقاربة لتبادل الأخبار.
“اذهبي وسلّمي على أحدهم.”
لم يرق لفيوليت أن ترى روميا تقف على استحياء بلا مجموعة تؤويها، فدفعتها مرارًا بيدها إلى الأمام.
وبينما وجدت روميا نفسها مضطرة إلى التقدم، خطت نحو مجموعة تبدو في مثل سنها. كان عليها أن تتظاهر ولو قليلًا بالاندماج، خاصة وأن نظرات فيوليت الحادة كانت تحرق ظهرها.
“مرحبًا.”
قالت ذلك بابتسامة متكلفة تدربت عليها، على غرار بروسي وهيرين اللتين كانتا دائمًا تبتسمان بود للغرباء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 29"