“أرأيتِ؟ حتى أنتِ لا تستطيعين النطق. فكيف تجرؤين على الكذب؟”
رمقتها بينين بنظرة أكثر شراسة مما سبق.
شعرت روميا بظلم أكبر بسبب نظراتها. فقد أنكرت بجسدها كله أنّها الفاعلة، إلا أن وجوه الوصيفات بدت مملوءة بازدراء واضح نحوها.
قالت هيرين:
“هذا مخيب للآمال يا روميا. ألا يكون من الحكمة أن تصارحيني بالحقيقة وتطلبي الصفح مني بدلاً من هذا؟”
لأول مرة ترد هيرين على حديثها، فارتسم على وجه روميا، الذي كان غارقًا في اليأس، بصيص أمل كمن رأى المنقذ.
“سيدتي، آنستي، أرجوكِ استمعي إليّ. لقد كنت في الطريق عائدة من لقاء سمو ولي العهد للتو. أنا مطلقًا، مطلقًا لم……!”
“أنتِ وأمثالك، كيف تجرؤين على ذكر اسم ولي العهد بلسانك الوضيع!”
اخترق صوت الاحتكاك الحاد أجواء المكان، ليبدد الوهم الذي اعتقدت روميا أنه أمل. كان ذلك حين هوت كفّ السيدة ميريج الثقيلة على خدها، فسقطت روميا إلى الوراء جاثية.
قالت ميريج بغضب:
“كم مرة حذرتكِ أن لا تتصرفي بخفة ورعونة!”
وكأنها تعاقبها نيابة عن سيدتها، التي لا يليق بها أن تفقد اتزانها أو كرامتها.
“المكان الذي نشأتِ فيه قد يتسامح مع غبائك، أما هنا فالأمر مختلف. هذا القصر الملكي!”
لماذا يحرص الجميع هنا على تذكيرها دوماً بالحقيقة القاسية التي تعرفها جيدًا؟ أمسكت روميا بخدها المنتفخ بسرعة، وقد غمرت عينيها دموع حارقة. لقد اعتادت على العداء الموجه لعائلتها حديثة الثراء، عائلة بيرلوس. لكن لم تعتد على هذا النوع من الإذلال الجسدي.
القصر الذي حلمت به كسهول مترامية الأطراف، لم يكن في الحقيقة سوى غابة متوحشة.
قالت ميريج بصرامة وهي ترفع ساعدها وتُخرج السوط:
“انطرحي أرضًا، روميا. كثيرًا ما رأيت خادمات ريفيات بيدين خبيثتين. أنا معتادة على مثل هذا.”
ببطء زحفت روميا وتمدّدت أرضًا، وسرعان ما بدأ السوط يرسم ندوبًا غائرة على ظهرها. راح فستانها الأبيض المسائي يتلطخ بالحمرة، حتى أن بقية الوصيفات، رغم ازدرائهن لها، لم يطقن النظر مباشرة إلى المشهد الوحشي فأشحن وجوههن جانبًا.
امتزجت صرخاتها المبحوحة، المحملة بالألم والاختناق، بصوت السوط وهو يشق الهواء. ومع ذلك، رفعت رأسها. لم يكن خوفها من الظلم الذي لحق بها بقدر رعبها من وجه هيرين، تلك التي تجاهلت المشهد ببرود، وكأنها ليست هي الفتاة المشرقة التي كانت تعرفها.
وقبل أن تطبق جفونها من شدة الألم، تلاقت عيناها للحظة مع إيزابيلا، التي كانت تحدق بها بثبات. فأغمضت روميا عينيها بقوة.
“آه…….”
كانت تبكي بنشيج متقطع، حتى بُح صوتها. ومع كل صرخة، كان صوت السوط أعلى.
ثم جاء صوت هيرين، هادئًا لكن نافذًا:
“الآن وأنا أفكر في الأمر…….”
ساد المكان عبق الدم. توقفت يد ميريج التي كانت تلهب ظهر روميا.
قالت هيرين:
“لا أستطيع أن أنقض وصية جلالة الملكة الراحلة بتهور، أليس كذلك يا ميريج؟”
أنزلت ساقيها من على السرير، وعندما وقع بصرها على ظهر روميا الغارق في الدم، تقلصت ملامحها قليلًا ثم قالت:
“باعتبار أصلكِ، قد أفهم أن تطرأ في نفسكِ نوايا شريرة كهذه. أتفهم ذلك.”
كانت روميا بالكاد واعية، بالكاد تحتمل ألم جسدها الممزق ورائحة الدم التي ملأت أنفها. عيناها متورمتان من كثرة البكاء، حتى إنها لم تعد قادرة على الرؤية بوضوح. لم تكن كلمات هيرين تصل إلى أذنيها بوضوح.
لكن هيرين واصلت حديثها دون أن تأبه لحالها:
“ولهذا، سأعامل الأمر برأفة. إنها الرحمة الوحيدة التي يمكنني أن أمنحكِ إياها كراشدة.”
كان ذلك الحل المثالي. عقابٌ كافٍ، يتبعه غفران، فيظهر وجهها بمظهر النموذج الأمثل لعضو من العائلة الملكية. ابتسمت راضية وسلمت روميا منديلاً قائلة بصوت مفعم بالحنان، نقيض ما فعلته من قبل:
“في مثل هذه المواقف، عليكِ أن تعترفي بخطئكِ، وتتعهدِي أن لا تعيدي الكرة. أفهمتِ؟”
تقطعت أنفاس روميا وهي تبكي:
“آه…… أخطأت…… لن أكررها ثانية…….”
“جيد. إيزابيلا، اسندي روميا وأعيديها إلى غرفتها. لا حاجة لها بخدمتي لبعض الوقت. سأفي بوصية الملكة الراحلة حتى حفل تقديمها إلى المجتمع. حتى ذلك الحين، فلتعتنِ بنفسكِ.”
أرغمت هيرين روميا على الاستجداء بلسانها. ورغم أنها لم تقترف سرقة، فقد أجبرت على الاعتراف. لم يعد عقلها قادرًا على التفكير بالعدل والظلم، فقد هشّم السوط قدرتها على أي مقاومة.
اقتربت إيزابيلا تنفيذًا للأمر، ثم حين رأت جسد روميا المشوه، أصدرت بصوت منخفض لا يسمعه غيرها نقرة استياء بلسانها.
كانت تسند روميا بصعوبة وهي تمضي بها نحو الباب، لكن هناك توقفت فجأة حين رأت رجلاً مألوفًا يقف عند المدخل. صاحت مرتجفة:
“سمو ولي العهد!”
أسرعت الخادمات لإخفاء آثار ما جرى، لكن جهاردي لم يبدُ عليه الاهتمام. رائحة الدم التي فاحت فور فتح الباب كانت كافية لتخبره بالكثير.
قال ببرود:
“يبدو أن ضجة قد حدثت هنا.”
رحبت به هيرين بوجه مرتبك للحظة، لكنها سرعان ما ارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة.
“سننهي الأمر ونستقبلك رسميًا. هل تتكرم بالانتظار قليلاً؟”
أما إيزابيلا، فقد تنحت جانبًا بخجل، فيما شعرت بروميا المنهارة بجانبها تثقل على كتفها أكثر فأكثر. طوال الوقت، لم ينصرف بصر جهاردي إلا إلى هيرين.
رغم أن عقل روميا كان نصف غائب، فقد عضت شفتها وهي تفكر: لو كان في جسدها بقية قوة، لهربت من هنا بكل ما أوتيت. فالإحساس بالقهر مما رأت من الوجه الآخر لهيرين، أكثر مرارة من الألم الممزق على ظهرها.
“إنها مجرد خادمة ذات يدٍ خبيثة، فاضطررنا لتأديبها. لكنها أبدت بوادر ندم، فقررت العفو عنها. إن أنا نصحتها وأرشدتها، فلن تعود لفعلتها.”
أجاب ولي العهد بهدوء:
“من لحظة دخولها القصر، هي مجرد خادمة للقصر الملكي. وسعادتكِ سيدتي، ستكونين سيدة من علية القوم. من الطبيعي إذن أن تعاقبيها كما يجب.”
ضحكت هيرين بخفة:
“أوَه، أشكرك على تقديرك.”
ابتعد صوتها تدريجيًا فيما كانت إيزابيلا تسرع الخطى وهي تسند روميا. لم تعد كلمات الاثنين تُسمع، لكن قلب روميا اعتصرها بقسوة.
لماذا، لماذا ظهر في هذه اللحظة بالذات……؟
لم تستطع كبح دموعها فانهمرت.
قالت إيزابيلا بغضب وهي تلقي بها على السرير:
“يا لكِ من غبية!”
“تتحملين كل هذا الضرب هكذا؟ أأنتِ حمقاء أم مجرد بلهاء؟!”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 19"