كارلايل ظلّ لفترة يطأطئ رأسه عاجزًا عن الكلام من شدّة الارتباك. أن تكون روميا حيّة أمام عينيه بعدما لم يتمنى سوى سلامتها، بدا له أمرًا لا يمكن تمييز ما اذا كان حلما أم واقعا، وعندما رأى الطفل نائمًا بهدوء بين ذراعيها، توقفت كل دوائر تفكيره.
تجمّد كالجليد، عاجزًا حتى عن الإحساس أو التفكير، حينها سألته روميا بحذر
“هل فزعت كثيرًا؟”
“……آه، لا. لا، أبدًا.”
الابتسامة المشرقة التي ارتسمت على وجهه حين رآها اختفت بلا أثر. لم يستطع تقبّل وجود آرنيس بسهولة. فالطفل الذي بين ذراعي روميا كان يشبه تمامًا ذلك الرجل الذي طالما ازدرى كارلايل وجوده.
إنه دم من دفعها إلى المعاناة وحشرها عند حافة الهاوية.
الحلم الكبير الذي كان قد بناه في مخيلته، بأن يأتي بها ويطلب يدها بخطبة رائعة، انطوى عبثًا. بدا وكأن كل ما حدث قد وقع فقط لأنه في ذلك الحين لم يتمكّن من الذهاب إلى ريلنوك.
دائمًا، جيهاردي كاتاس، كان يسبقه بخطوة. حتى الآن، يكفي أن ينظر إلى ذلك الطفل الصغير المتململ ليفهم. لم تعد تلك المرأة التي كان يظنها ربيعه وصيفه تخصّه.
امرأة ملونة بألوان زاهية، لم يرها أحد من أولئك الأغبياء الحمقى كما رآها هو.
وجهها لم يتغيّر كثيرًا عمّا كان عليه حين غادرت كاتاس، وعيناها اللتان اشتاق إليهما حدّ اللوعة ابتسمتا له بلطف. كانت أمام زجاج شفاف يكشف الداخل بوضوح، تلتفت برأسها سريعًا كأنها تبحث عن أحد.
“جئت لأقابل السيدة ريتشيتو. هل هي بالداخل؟”
***
احتضنت السيدة ريتشيتو روميا العائدة بذراعين مرتجفتين ووجه مبلل بالدموع. ورغم أنها بدت متفاجئة بوجود آرنيس، فإنها لم تسأل شيئًا، وظلّت تردد فقط كلمات حمد وشكر على عودتها.
وبفضل ذلك، تمكّنت روميا من أخذ قسط كافٍ من الراحة ليومين تقريبًا، ثم خرجت متجهة إلى مكتب البريد لإرسال رسالة إلى إيزابيلا التي لا بد أنها تنتظر أخبارها. كان شارعًا تسير فيه بعد زمن طويل، ولم يتغير الكثير؛ ميدان العاصمة لا يزال مزدحمًا بالناس كما كان دائمًا.
“من فضلك، أرسلها بأسرع بريد.”
بعد أن دفعت واستلمت الإيصال وخرجت، اصطدمت جبهتها بجبهة شخص ما. بخلاف ما كان عليه المكان حين دخلت، لم يعد هناك ازدحام شديد. وهي تفرك جبهتها المتألمة، جاءها صوت مألوف من فوق رأسها.
“لماذا أنتِ هنا؟”
كان جيهاردي كاتاس. على وجهيهما ظهر ارتباك واضح جراء اللقاء السريع وغير المتوقع. في تلك اللحظة فقط، أدركت روميا السبب وراء خلو المكان من الناس. لم تكن سوى هي التي بقيت وسط الطريق الذي انقسم إلى نصفين بظهور الملك المفاجئ.
وبمجرد أن ترجل جيهاردي من عربته ورآها، منع حرسه من إيقافها.
وعندما وقعت عيناه المندهشتان عليها، اعترفت روميا بتردد
“وصلت إلى كاتاس منذ يومين.”
“لكن، لماذا هنا…”
على وجهه الجامد الذي بدا وكأنه لن يتأثر بنسمة هواء، ظهر شرخ. ضيّق عينيه قليلًا متسائلًا. هل ظنّت لوهلة أن كلماته كانت كذبًا؟ هل اعتقدت أن وعده بأنه سيعود ليصطحبها لم يكن إلا خداعًا؟ أو لعل الساذجة بيرلوس لحقت به إلى هنا؟ هذه الفكرة وحدها كفيلة بأن تجمد ملامحه.
وما إن بدا وجهه يظلم بسرعة، حتى سارعت روميا بالشرح
“لم يكن الأمر أنني لم أصدق وعدك بالقدوم.”
“…….”
“لم أرد أن أكون مجرد دمية تكتفي بالانتظار بصمت وهدوء لجلالتك.”
تلك الأعين الخضراء الوقحة، المتحدية له، لم تكن تكذب أبدًا.
“أنا الآن لست خليلة لجلالتك، وأنت أيضًا لا تنوي أن تلعب معي لعبة الدمى، أليس كذلك؟”
“لم يمض وقت طويل على انتهاء الحرب، والوضع الأمني ليس جيدًا. لا بد أنه كان صعبًا عليك أن تستقلي وحدك سفينة من ريلنوك إلى كاتاس.”
عاد ليتخيلها مرة أخرى وهي على متن سفينة متجهة إلى كاتاس وحدها من ريلنوك، فكاد صدره ينفجر من الغيظ. هذا الكائن الصغير المتهور لا يجلب له سوى القلق، لكنها كانت تزداد عنادًا وهي تهز رأسها.
“لم أكن وحدي. جئت مع آرنيس.”
كان اسمًا غير مألوف، ومع ذلك كان هو من منحه إيّاه.
عندما تذكر فجأة وجود الطفل، ذلك الطفل الذي سيظل لقائهما ذلك اليوم في ريلنوك ذكرى لا تُنسى، تجمّد جيهاردي فجأة وأطبق شفتَيْه.
“لقد تركت أرنيس مع السيدة ريتشيتو اليوم.”
هو نفسه كاد يضحك من شدّة الدهشة، بينما روميا تتحدث ببساطة بوجه نقي لا يحمل أي أثر للحرج. وزاد ضحكه المكتوم وهو يرى ذلك. لم يفُت روميا صوت ضحكته الخافتة، فرفعت رأسها بحماس وسألته
“كنت للتو أبعث برسالة لإيزابيلا، وأنت يا جلالتك؟”
“……بعد الحرب، ولأجل استقرار الاقتصاد، جرى إصدار عملة جديدة.”
“وهل سيكون وجه جلالتك مطبوعًا على العملة الجديدة؟”
استعاد ذهنها ذكرى باهتة لما حدث قديمًا، وأخذت تبتسم بخفة. جيهاردي الذي كان يحدّق في ابتسامتها، نسي دهشته وأومأ برأسه.
“آرنيس سيكون محظوظًا. كلما حصل على المال سيرى وجه أبيه.”
كلمة “أبيه” جعلت جيهاردي مرة أخرى يلوذ بالصمت طويلًا كأنه تعطّل عن العمل. لم يرد أن يقاطع صوتها العذب، والأهم أن تلك الكلمة الغريبة والمحرجة لم تستقر بعد في قلبه.
“أين تقيمين الآن؟”
“في بيت السيدة ريتشيتو.”
“عودي إلى القصر الملكي. سأهيئ لكِ مكانًا للإقامة هناك.”
كان على وشك أن يرفع يده ويصدر أوامر لحرسه خلفه، لكنها بادرت بقول
“لا أريد.”
برأس مرفوع ووجه ودود، هزت رأسها رافضة. كانت هذه أول مرة تعبّر فيها عن موقفها بوضوح أمامه، ورغم ارتجاف قلبها من الخوف، فإنها نقلت إرادتها بثبات.
“لديّ ما أرغب بفعله. عندما كنت أصنع القبعات لأهل ريلنوك، أدركت شيئًا.”
خشيت أن يقطّب جبينه لسماع كلامها، أو ربما كانت تخاف أن يعتبر حلمها الجديد مجرد دعابة تافهة، فسارعت تضيف
“مع كثرة التجارب، اكتشفت أن مهارتي اليدوية التي كنت أظنها موهبة، لم تكن سوى شيئا محدود.”
لحسن الحظ، انتظر حتى أنهت كلامها بصبر.
“أريد أن أتعلم.”
حين قرأ في عينيها عزيمة متقدة أكثر من أي شخص، ظلّ جيهاردي صامتًا قليلًا. وعندما نطق أخيرًا، كان قد تأكد من أمر واحد: روميا لم تعد إليه.
“إذن، لم تعودي إليّ.”
لكنها، هذه الروميا بيرلوس الماكرة، كانت قد توقعت ذلك، فقطعت حديثه على عجل.
“هذه المرة، فلتكن جلالتك من ينتظر.”
“…”
“لقد قلت أنك تحبني.”
وحين بدأت الأنظار تتجه إليهما بعدما عرف الناس هوية الملك، اقتربت روميا وارتفعت على أطراف أصابعها لتهمس في أذن جيهاردي. ورغم أن الممر الفسيح الذي فتحه الحرس كان كافيًا ليحول دون سماعهم، أصرّت على الهمس.
“كان يؤلمني أنك لم تجرؤ حتى على الاعتراف بتلك الكلمة وأنت راقد هناك. أنا في البداية أحببتك، لكنني كنت دومًا في النهاية أقول إنني أبغضك وأمقتك. كنت أصف حبي بأنه دومًا…… يأس.”
“روميا.”
عند كلمة “يأس”، وعندما التقت عيناها بخاصته، شعر جيهاردي وكأن قلبه يسقط من مكانه. أراد أن يهمس لها كما كانت تفعل هي، أن يقول لها “ليس الأمر كذلك، كل شيء سيكون بخير”، لكن عينيها المبللتين بالدموع لم تكن تنظر إليه.
“أكرهك.”
“…”
“أمقتك. وأحيانًا ما زلت أخافك.”
“إن كان كل هذا مجرد إضاعة وقت حتى لا تعودي إليّ، فقوليها الآن. لن أرهقك كما في الماضي.”
قالها وهو يقبض على معصمها بقلق، بعدما لم يعد يرى انعكاس صورته في عينيها. لكن جوابها كان أقسى مما توقع.
“مع ذلك، أحبك.”
“…”
“اشتقت إليك، أنا أيضًا.”
الغريب أنه في اللحظة التي قالَت فيها ذلك، خطر بباله أنها تشبه فراشة خفيفة تحلّق فوق حقل أزهار متفتحة ببذخ. عيناها الخضراوتان، اللتان التقتا بعينيه، بدتا أشد غموضًا من أي وقت. أحاسيسه كلها بدت غير واقعية، لكن قلبه كان يتألم كأن شيئًا ينخره.
كانت تلك الكلمات هي ما تاق إليه طويلًا، ولن تكفيه حتى لو سمعها عمرًا كاملًا.
جيهاردي أمسك صدره المثقل بالألم ونظر إليها بعينين مضطربتين.
“أمر مضحك حقًا…… أنني ما زلت أحبك، أنت الذي حطّمتني إلى أشلاء.”
وعندما رفعت روميا عينيها المحمرتين في تحدٍ إلى عينيه، شعر بدوار طاغٍ.
“كافئ حبي. دع آرنيس يناديك أبي بدلًا من جلالتك. وسأثبت أنا للآخرين أنني لست روميا بيرلوس مشوهة السمعة، بل امرأة تملك من المعرفة والمهارة ما يضاهي أي مختص.”
هذا الكائن الصغير الذي استعاد شيئًا من شكله المفقود بدأ يبعث نورًا من جديد. وتنفس جيهاردي المضطرب عاد يستقر مع نهاية كلماتها القوية.
“ستستطيعين.”
“تقولها لي؟ أم لنفسك؟”
“لكِ. ولي أنا أيضًا.”
ابتسمت كأن الجواب أرضاها. ثم همست بنبرة حلوة بأنها ستذهب الآن وتنتظر اليوم الذي سيأتي ليأخذها. وهي تسحب يدها من يده، قالت
“طفلنا…… شكرًا لأنك منحته اسمًا. ربما كنتُ أرجو ذلك أكثر من أي شيء آخر.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
توني قريت أول ٢٠ فصل من الرواية ولازم أعلق على جودة الترجمة العالية ما شاء الله!! 💗💗💗 وانتقاء الكلمات مو طبيعي وكأنها فعلًا مكتوبة بالعربية أولًا قبل بالكورية، أهنّي المترجمة على تعبها يعطيك العافية! وما أقدر اوصف فرحتي لاني لقيت وحده من أجمل الأعمال على قلبي من ترجمتك وهي Secret Lady 🥺 ياليت كلماتي ما تزعجك لكن من كل قلبي أتمنى إنك تستمرين فيها للنهاية لأنها قصة عظيمة جدًا! ومع شخص متفانٍ وشغوف مثلك متأكدة إنك بتزيدينها كمال ❣️❣️
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 110"
توني قريت أول ٢٠ فصل من الرواية ولازم أعلق على جودة الترجمة العالية ما شاء الله!! 💗💗💗 وانتقاء الكلمات مو طبيعي وكأنها فعلًا مكتوبة بالعربية أولًا قبل بالكورية، أهنّي المترجمة على تعبها يعطيك العافية! وما أقدر اوصف فرحتي لاني لقيت وحده من أجمل الأعمال على قلبي من ترجمتك وهي Secret Lady 🥺 ياليت كلماتي ما تزعجك لكن من كل قلبي أتمنى إنك تستمرين فيها للنهاية لأنها قصة عظيمة جدًا! ومع شخص متفانٍ وشغوف مثلك متأكدة إنك بتزيدينها كمال ❣️❣️