7
عالمنا مليء بالعديد من الأشياء التي تستحق التأمل، ومنها الأشجار والنباتات.
ما أروع نباتات الأرض!
تكون مجرد بذرة محاصَرة في قشرة صلبة، وحولها تُراب بارد، لكنها تشق قشرتها وتواجه التربة في سبيل الخروج والتنعم بضوء الشمس، ثم تنمو وتزدهر.
لكن قد تموت إذا وُضِعَت في تربة لا تنتمي إليها.عندها تتحول من مثالٍ للكفاح في سبيل العيش ، إلى درسٍ يصور لنا هشاشة الحياة .
♧♧♧♧♧♧♧
عندما غابت نيملوث عن الوعي، انتاب والدها ذعرٌ شديد، فحمل جسدها الرقيق بين ذراعيه متوجهًا إلى الداخل، طالبًا المساعدة. لم يستطع تمالك نفسه أمام الآخرين، فبدأ بالبكاء، وجسده كان يرتعش كمن استحم بماءٍ بارد.
عندما نُقل جسدها، تم فحصها على عجل، ولم يكن هناك أي شيء مريب باستثناء غيابها عن الوعي.
أظهر الحكماء على وجوههم هدوءًا يتناقض مع الحيرة والقلق اللذين استوليا على صدورهم، إذ إن فقدان الوعي والسُّبات العميق بهذه الطريقة كان أمرًا مقلقًا.
فالجان لا ينامون بالطريقة نفسها التي ينام بها البشر، بل يدخلون في حالة تأمل عميقة تُعرف بـ “أحلام اليقظة”.
لا يغلقون أعينهم كما يفعل البشر، بل يستغرقون في تأمل يستعيدون خلاله طاقتهم الجسدية والعقلية. وخلال هذه الحالة، قد يسترجعون ذكرياتهم بوضوح شديد، كأنهم يعيشونها مجددًا.
يمكنهم البقاء في هذه الحالة حتى أثناء الحركة أو في بيئة خطرة، مما يجعلهم أكثر يقظة.
أربع ساعات من التأمل كافية لاستعادة نشاطهم، بينما يحتاج البشر إلى نوم طويل.
عندما عُثر على نيملوث لأول مرة، اعتُقد أن غيابها عن الوعي كان نتيجة سَجن جسدها في تلك البلورة الغامضة، لكن الآن لم يعد لديهم تفسير لحالتها، لذا قرروا البحث في كتب ومخطوطات السحر القديم على أمل العثور على إجابة.
عندما سمع ثراندويل بما حدث لصديقته القديمة، انتابه الخوف والقلق على حياتها. كان يخشى أن تؤدي حالتها إلى وفاتها.
ساد التوتر في القصر لساعات، وظل تورغون جاثيًا على ركبتيه، ممسكًا بيد ابنته، يهمس بصلاة صامتة، على أمل أن تتجاوز نيملوث هذه المحنة.
عندما فتحت جفنيها أخيرًا، شعر ببرودة تنساب إلى صدره كالماء، وأخرج نفسًا طويلًا لم يكن يدرك إلى أي مدى كان يحبسُه في داخله.
داعب وجهها الرقيق، وحاول أن يتحدث معها قائلًا:
“عزيزتي، كيف حالك الآن؟ هل يؤلمك أي جزء من جسدك؟ أو هل تشعرين بأي إحساس آخر؟”
شعر بخيبة أمل طفيفة عندما لم يتلقَّ أي إجابة منها. ظلت مقلتا عينيها متوجهتين نحو السقف، ولم تنبس ببنت شفة.
اقترب منها أكثر، وجلس على طرف السرير، وقد اجتاح الإدراك عقله عندما دقق النظر في عينيها شبه الناعستين. لقد كانت في حالة أحلام يقظة، مما منحه بعض السلام في قلبه الحزين.
♤♤♤♤♤♤♤
خلال فترة غيابها عن الوعي، شعرت نيملوث وكأنها غارقة في بحيرة عميقة، جسدها ثابتٌ في مكانه، وعاجزة عن فعل أي شيء للخلاص من هذه الورطة.
أرادت أن تصرخ.
أن تعوم إلى الأعلى.
أو على الأقل، أن تتخلص من البرد الذي تسلل إلى جسدها الهش.
لكن لا فائدة؛ كان جسدها يرفض الاستجابة.
ظهر أمامها ظلٌ مخيف، يعوم مقتربًا منها بسرعة هائلة، ممسكًا بأداة بلورية حادة.
اتسعت عيناها عندما لمحته، لكن قبل أن تتمكن من فعل أي شيء، طُعِنت.
فتحت جفنيها أخيرًا، لكن جسدها كان مرهقًا للغاية، فدخل على الفور في حالة من أحلام اليقظة، محاولةً استعادة طاقتها.
بعد أن انقشع ضباب النوم عن عينيها، رأت والدها ممسكًا بيدها، وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة واسعة تكاد تُفلِق الحجر. وضع يده على رأسها، ومسح على شعرها وهو يقول: “عزيزتي، هل أنتِ بخير؟”
لم يكن في رأس نيملوث أي إجابة على سؤاله، فاكتفت بهز رأسها إيجابًا، حتى لا تقلقه.
لكنها لم تستطع طرد ذلك الكابوس من ذهنها.
شعرت وكأن جسدها قد طُعن بالفعل.
أرادت أن تبكي، أن تعبّر عن خوفها وقلقها؛ لكن شيئًا ما، لا تدري ما هو ، جعلها عاجزة عن الكلام أو التعبير.
نظرت نيملوث إليه بينما كان يتحدث، وحاولت أن تجبر نفسها على الاستماع، لكنها لم تفهم شيئًا.
للحظات، شعرت بأصوات عديدة غير مفهومة تتداخل في رأسها، مما تسبب في صداع شديد.
اكتفت بالنظر إلى والدها من دون أن تنطق بكلمة.
وبعد أن أنهى كلامه، أشار إلى الدفتر الذي أحضره من أجلها، وكانت مجموعة أوراق النباتات التي جمعتها موضوعة على طاولة الكتابة.
وبعد خروجه من الغرفة، ظلت نيملوث مستلقية في مكانها، تحدّق في السقف، منتظرة أن يسود الهدوء في رأسها، الذي لم يخلُ من تلك الأصوات المربكة.
تمنت لو يختفي كل شيء، حتى الصمت.
لكن الهدوء لم يأتِ.
بعد مدة، ساد الهدوء في رأسها، بمجرد أن اختفت الأصوات وانتهى صداع الرأس.
أرجحت ساقيها من على السرير، وسارت نحو النافذة، تنظر إلى ضوء القمر.
كان جميلًا إلى حدٍّ ما،
لكن جماله بدا رماديًّا وكئيبًا.
خطر في بالها أنه أشبه بشخص متكبر ومتباهٍ.
هزّت رأسها، محاولةً طرد هذه الفكرة من عقلها.
أخذت الدفتر بين يديها، وجلست على الكرسي قرب طاولة الكتابة، وبدأت تقلب صفحاته.
انتابها إحساس مألوف وهي تلمس الأوراق، شعور لم تستطع تسميته.
نظرت إلى الأوراق والنباتات الموضوعة أمامها، وتذكّرت أنها تكاد لا تعرف معظم المعلومات عنها.
لذا نهضت من مكانها، وتوجهت إلى المكتبة التي أخبرتها عنها نوريفين سابقًا، في سبيل الحصول على كتاب.
عندما دخلت إلى المكتبة، ظلت واقفة في مكانها للحظات، تتأمل روعة المكان.
كانت الرفوف الخشبية أشبه بخلايا النحل البري؛ عشوائية إلى حدٍّ ما، لكنها بدت في الوقت ذاته مرتبة.
وكانت هناك فروع متشابكة تصعد نحو الأعلى، حتى تصل إلى قبةٍ من الزجاج الملوّن، يتسلل من خلالها ضوء القمر.
أثناء تأملها للزجاج الملون في الأعلى، جفلت عندما سمعت صوتًا ذكوريًا يخاطبها قائلاً:
“تبدين بخير.”
نظرت نيملوث إلى صاحب الصوت؛ لقد كان ثراندويل.
انتابها إحساس غريب بالراحة والاطمئنان، مما جعل الابتسامة ترتسم على وجهها من دون أن تشعر.
كان ثراندويل يرتدي ثيابًا ذات لون أخضر داكن، وعباءة من قماش حريري موشّى بخيوط الذهب والفضة المغزولة.
كانت تلك الخيوط تعكس الضوء، فتبدو كمصابيح صغيرة للغاية، تنير المكان من حوله.
أفاقت نيملوث من تأملها للرجل الواقف أمامها، حين لوّح بيده أمام وجهها.
شعرت بحرارة تتصاعد في وجهها، وإحساس قد يُسمى (خجلًا).
“ما بكِ؟ لا زلتِ تحدقين بي وكأنني لوحة فنية مصنوعة من الفسيفساء”، قال ثراندويل بنبرة ساخرة، ثم أضاف: “على أي حال، أنا لا ألومك؛ أنا أبدو رائعًا.”
لم تستطع نيملوث منع نفسها من الضحك، وردّت على تعليقه: “أجل، أنت كذلك.”
حدق ثراندويل في وجهها، وقد وضع ملاحظة ذهنية في رأسه أن يُذكّر نيملوث باعترافها هذا عندما تستعيد ذاكرتها، حتى يضايقها كما كان يفعل في الماضي.
نظرت نيملوث إلى الرفوف وقالت: “أنا أبحث عن كتاب فيه معلومات عن نباتات هذه الغابة، هل يمكنك مساعدتي؟”
عقد ثراندويل حاجبيه مستغربًا؛ لم يكن يتذكر اهتمامًا خاصًا بالنباتات لدى صديقته. هز رأسه وقرّر ألا يسألها عن السبب، لذا قال: “أجل، توجد بعض المخطوطات هنا، يمكنني منحك إياها.”
تقدّم ثراندويل نحو أحد الرفوف المرتفعة، مدّ يده وسحب دُرجًا صغيرًا كان مخفيًا بين الكتب، ثم أخرج منه مجموعة من المخطوطات القديمة المربوطة بخيط حريري بلون أخضر باهت.
قال وهو يضعها على الطاولة أمام نيملوث:
“هذه أندر ما لدينا، بعضها يحتوي على رسومات يدويّة، والآخر فيه وصف دقيق لخواص النباتات السحرية.”
ثم أضاف، مبتسمًا بخفة “لكن لا تلومي المخطوطات إن بدت لكِ مملة، فهي أقدم حتى من والدك.”
ضحكت نيملوث مرة أخرى، وهمّت بفتح واحدة منها، لكنها توقفت للحظة وسألته:
“هل كنتَ… تحفظ هذه الأشياء لأجل أحد؟”
نظر إليها ثراندويل بعمق، وكأن السؤال استوقفه أكثر مما توقعت. ثم ردّ، بنبرة هادئة:
“كنت أظن أنني أحتفظ بها من باب الفضول… لكن ربما كنت بانتظار من يهتم بها حقًا.”
سادت لحظة صمت قصيرة بينهما، تخللتها أصوات الصفحات وهي تُقلّب، وضوء القمر الذي انكسر عبر الزجاج الملوّن ليُضيء وجه نيملوث بينما بدأت بالقراءة.
بعد أن وجدت نيملوث ضالّتها، ودّعته ثم خرجت من المكتبة، عائدةً إلى غرفتها.
ظلت تقرأ في المخطوطات طوال الليل، وفي كل مرة تعتقد أنها اكتفت من المعلومات، كانت ترغب في معرفة المزيد بمجرد أن تقلّب الصفحة وترى رسمة جديدة.
كان عقلها أشبه بإسفنجة، يستقبل أي شيء يتلقّاه، ويرغب بالحصول على المزيد.
عندما بدأت بكتابة نبذة عن كل نبتة، ألصقتها في الدفتر. سقطت زهرة الأقحوان على الأرض قرب السرير، فتوقّفت عمّا تفعله وانحنت لتلتقط الزهرة.
وعندما أخذتها، ظلّت تنظر إلى العلبة الخشبية المُعلّقة بواسطة حبل صغير على ساق السرير. أخذت العلبة، وعندما فتحتها، ظهر لها مفتاح نحاسيٌّ صغير، مُزيّن بحجر زمرد.
ظلت تتأمل المفتاح، وتساءلت إن كان هذا المفتاح مِلكًا لها… أم لا.
كان المفتاح يلمع بضوء القمر الخافت، وكأنه يخبئ وراءه قصة لم تُكتب بعد.
أمضت لحظات تراقب حجر الزمرد الذي يزين المفتاح، و بدا لها ان الضوء الذي ينبعث منه يحمل سرًا من الماضي.
عندما تسلل الضوء الأول من الفجر، دخلت نوريفين إلى الغرفة وكانت تبدو سعيدة؛ عندما رأت نيملوث في حالٍ أفضل مما توقعت.
وقفت أمام نيملوث وقالت: “أنا سعيدة للغاية لأنك بخير. هل أنتِ مستعدة لتعلم شيء جديد اليوم؟”
أفاقت نيملوث من دوامة تساؤلاتها حول ما في يدها، نظرت إلى المرأة الواقفة أمامها وسألت: “لمن هذا المفتاح؟”
عقدت نوريفين حاجبيها، وأخذت المفتاح لتتفحصه. ثم أعادت نظرها إلى نيملوث وسألتها:
“أين عثرتِ عليه؟”
“أسفل السرير.”
تنهدت نوريفين، جلست على السرير بجانبها وقالت:
“بما أنكِ عثرتِ عليه أسفل سريرك، فهذا على الأرجح ملكٌ لك، لكن يا ترى، لأي شيء؟”
نظرت نوريفين إلى الأدراج، وتوجهت إليها لتجرب فتحها باستخدام المفتاح.
ظلّت تحاول حتى وجدت الدرج المنشود.
كان آخر درج في أسفل الدولاب.
عندما فتحته، لم تجد شيئًا سوى خيط أسود، لكن ما لبثت أن اكتشفت أن الدرج يحتوي على قاع مزيف. سحبت الخيط لتكتشف ما يوجد بداخله، فوجدت دفترًا قديمًا محفوظًا بشكل جيد.
لقد كان دفتر يوميات نيملوث.
فتحت نوريفين الدفتر بحذر، وبدت علامات الفضول على وجهها. كانت صفحات الدفتر قديمة، حوافها متهالكة بعض الشيء، لكنها ما زالت تحتفظ بخطوط الكتابة .
أخذت نوريفين الدفتر وأعطته للمرأة الجالسة على السرير، وقالت: “هذا الدفتر خاص بك، لذا لا يحق لي أن أقرأ شيئًا فيه.” ابتعدت، وقبل أن تخرج، أضافت:
“سأتركك لتتعاملي مع ما كتبته في الماضي؛ ربما يحتوي على شيء خاص للغاية.”
بعد أن خرجت نوريفين، فتحت نيملوث الدفتر على الفور؛ كانت متشوقة لمعرفة أي شيء يتعلق بها.
أخذت تنظر إلى الورقة الأولى، وبعد أن هدأ حماسها قليلاً، بدأت تقرأ ما كُتب فيها:
📜”لم أرغب في حدوث هذا… الأمر ليس بيدي، ولا يمكنني التحكم بمشاعري أو بالأفكار التي تدور في رأسي.
أرغب في هذا الرجل بكل جزء من كياني، لكنني لا أجرؤ…
لا أجرؤ على الاعتراف بذلك.”📜
نيملوث
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 9 - تركتني و رحلت 2025-05-31
- 8 2025-05-14
- 7 - دفتر 2025-04-11
- 6 - زهرة الاقحوان 2025-04-10
- 5 - مذاق ترابي 2025-04-09
- 4 - يقظة بعد غياب 2025-04-08
- 3 - الجميلة النائمة 2025-04-06
- 2 - ذكريات 2025-04-04
- 1 - آلام الملك 2025-04-04
التعليقات لهذا الفصل "7"