هل لديك أي تَفسير لهذه الحالة ؟” وجه ثراندويل سؤاله إلى الحكيم ، كان جالسًا على مقعده و أصابعه تدلك صُدغ رأسه ؛ لقد كان يعاني من الإرهاق في هذه الفترة بشكلٍ غير عادي ، مما جعله يشعر ببعض القلق و طلب مساعدة احد حُكَماء الجان .
” أعتقد أن ما يحدث معك خلال هذه الفترة نتيجة تراكم المشاعر المكبوتة لديك ، يا صاحب الجلالة ”
اجاب الحكيم بعد أن فكر في التفسير المنطقي لحالة ملكه ، لكنه بحد ذاته لم يَكُن مُقتَنِعًا بهذا التفسير .
عقد ثراندويل حاجبيه ، مُحاولاً استيعاب هذه الإجابة ، لكنه هو الآخر غير مُقتنع ” لا أعتقد أن هذه الإجابة تُفسر حالتي ؛ أنا أعرف تمامًا متى يُصيبني الإرهاق نتيجة مشاعري . أعتقد أن هناك تفسيرًا آخر ”
في تلك اللحظة، هز الحكيم رأسه ببطء، ثم قال بصوت هادئ:
“لدي نظرية حول هذا الأمر، لكنني غير مُتأكد منها.”
أثارت كلماته تساؤلات ثراندويل، الذي نظر إليه بتركيز شديد. كانت نظراته تحمل الكثير من الشك والفضول في آن واحد. كانت عيونه تضيق قليلاً، وكأن عقله يعمل بسرعة أكبر من قدرته على فهم ما سمعه للتو. لم يسبق له أن شعر بالقلق من كلمات الحكيم بهذه الطريقة.
“ما هذه النظرية؟” سأل ثراندويل بصوت خافت، لكنه لم يستطع إخفاء تلميح من القلق الذي ارتسم في نبرته. كانت يده لا تزال على مقعده، لكن قلبه بدأ ينبض بسرعة أكبر. كان يشعر أن هذه اللحظة قد تحمل في طياتها مفاجأة قد تغير مجرى الأحداث.
نظر الحكيم إلى ثراندويل للحظة طويلة، وكان واضحًا أنه يتردد. كانت نظراته غامضة، وفيها نوع من التوتر الذي لم يعتد عليه ثراندويل.
بدا أنه قد اتخذ قراره، وتحدث بصوت أكثر حسمًا:
“أعتقد أن السبب ليس في مشاعرك فقط، بل في شيء أعمق مما تتصور. هناك قوى أخرى قد تكون تحرك هذا الإرهاق الذي تشعر به.”
قوبل هذا التفسير بنظرة غارقة في التفكير من ثراندويل، إذ تساءل عن ماهية هذه القوى الغامضة التي يشير إليها الحكيم. كانت نظراته مليئة بالأسئلة، وملؤها البحث عن إجابة قد تكون أكبر بكثير مما يتخيل.
أكمل الحكيم حديثه مُستطردًا: “بعد أن قمت أنا وعدد من الحكماء الآخرين بمعالجة جروح السيدة نيملوث، شعر البعض منا بإرهاق كان مُريبًا بالنسبة لنا؛ بالأخص بعد أن قمنا بإزالة بعض بقايا البلور العالقة في ساقيها. لذا قررت أن أُجري اختبارًا على قطعة البلورة التي أعطيتِها إياها، يا جلالتك. لكن للأسف لم أستطع فعل ذلك.”
” و لماذا لم تستطع فعل ذلك ؟ ” سأل ثراندويل و قد استطاع إخفاء القلق بين طيات نبرة صوته الباردة و غير المُبالية .
” لقد تحولت البلورة إلى رماد ” قال الحكيم بصوت منخفض، كما لو أنه يعبر عن شيء كان يتوقعه لكنه لا يقدر على شرحه تمامًا.
توقفت أنفاس ثراندويل للحظة، وأصبح عقله في دوامة من الأسئلة. هل كانت تلك البلورة تحمل شيئًا خطيرًا؟ هل ما حدث هو نتيجة لتأثير ما كان يتوقعه الحكيم؟ أم أن هذا التحول المفاجئ كان مجرد بداية لشيء أكبر وأكثر تعقيدًا؟
“ماذا يعني هذا؟” همس ثراندويل وهو ينظر إلى الرجل الواقف امامه ، عاجزًا عن الفهم.
أجاب الحكيم بعد لحظة صمت، وكان صوته يفيض بالحيرة:
“أعتقد أن هناك قوى أكبر من تلك البلورة، ربما كانت مجرد أداة لشيء أعظم. ولكن ما نراه الآن قد يكون بداية لفهم ما كان خفيًا عنّا طوال الوقت.”
وكانت عيون ثراندويل مليئة بالتساؤلات، بينما قلبه ينبض بسرعة.
” هل يعني هذا أن جسد السيدة نيملوث قد تضرر بسبب البلورة؟”
هز الحكيم رأسه موافقًا و رد ” أعتقد هذا ”
شعر ثراندويل ان الزمن قد توقف ، فكر في حالة نيملوث و خشي أن يحدث لها شيء غير سار ؛ سيكون هذا مخيب للآمال و قد يقتل والدها.” لكن كيف يُكن أن يتضرر شخصٌ ما بسبب بلورة ؟” سأل ملك الجان ، كان يخشى أن يتلقى إجابة لا يريد سماعها . هز الحكيم رأسه و أجاب
” لم أفهم سبب ذلك حتى الآن “
هز ثراندويل رأسه مُتفهمًا ؛ كان من الصعب على الحُكماء معرفة السبب ، خاصةً بعد أن تحولت البلورة إلى رماد .
أمره بأن يأخذ معه عدد من الجان الآخرين ؛ حتى يذهبوا إلى المكان الذي عثر فيه على نيملوث. عسى أن يجدوا شيء يساعدهم في معرفة السبب الاساسي لِما يحدث .
عندما بات ثراندويل وحيدًا ، في غرفته بدأ يُفكر فيما حدث معه في الفترة الأخيرة. كان العثور على نيملوث أمر غير متوقع؛ بعد أن أعتقد الجميع أنها قد ماتت أثناء محاولتها حماية الملكة الراحلة .
كانت عودتها قد أحضرت بعض الدفء إلى
صَدره، مثل شُعلة صغيرة اوقدها وسط غابة مُثلِجة
احس بالسعادة من أجل والدها ؛ لقد كان هو الآخر أبًا و يعرف مدى صعوبة المشاعر التي يعيشها الأب ، عندما يكون إبنه بعيدًا عنه .
لكن الشر في هذه البلورة قد يتسبب بقتل والدها ؛ اذا حدث لها أي شيء .
عندما عاد الحكيم و الآخرون إلى القصر ، لم يكونوا يحملون الأخبار السارة ؛ فقد تحولت قطع البلور في ذلك المكان إلى رماد . و لم يقتصر الأمر على ذلك فقط ، بل ماتت الحشائش و الشجرة التي في ذلك المكان .
مما جعل القلق يعتمر قلب الملك.
مرت الأيام .
و لم تستيقظ نيملوث بعد .
و إستمر هذا الوضع لأشهر .
في بداية كان والدها سعيدًا للغاية بعودتها، و كل يوم كان يضحك مع الآخرين و يقول ان ابنته سوف تفيق من غيبوبتها.
لكن هذا لم يحدث
و ظلت نيملوث نائمة لعشرة أعوام.
تلاشى مع هذه المُدة أمله ، مثلما تلاشت ابتسامته .
كلما مر يوم ، كانت ساعات الإنتظار تُصبِح أطول ، و يزداد الثِقل في قلبه، و في كل صباح كان يستيقظ على نفس الواقع .
في ذات الوقت شعر ثراندويل بالأسى على حاله ، و تمنى أن تستيقظ نيملوث في يومٍ ما ، لكن ما فعلته تلك البلورة بجسدها كان غير معروف حتى الآن و شعر كأنه يُراهن على حقيقة سراب .
عندما قل الوقت الذي يقضيه والدها في غرفتها ، وجد ثراندويل نفسه أمام غرفتها يُحدق في الباب لبعض الوقت، ثم يترك المكان من دون أن يفعل اي شيء آخر .
لكن في أحد الأيام ، قرر أن يفتح هذا الباب ، و يدخل إلى المكان ؛ بغية رؤية صديقته القديمة .
كانت مُستلقية على السرير ، ملامحها مُسترخية و تبدو هادئة للغاية ، لا تبدو مثل المرأة التي كان يعرفها في الماضي. ضوء القمر إنعكس على بشرتها الخزفية و بدا له و كأن شعرها يلتقط الضوء .
جرَّ كرسيًا ، و جلس بالقرب من السرير ؛ ينظر إلى وجهها على أمل أن يعثر على شيء يُعيد ثراندويل القديم .
بدأت الذكريات تتدفق إلى ذهنه ، مثل تدفق جدول من الماء العذب و البارد ، و كان هو كالشخص المُتعطش للحصول على هذا الماء ، و رؤية انعكاسه عليه.
تلك الأيام ، عندما كان كل شيء يبدوا يافعًا للغاية في نظره .
♤♤♤
كان الإبن الوحيد للملك اورفر، يحب أن يقضي وقتًا طويلًا في الغابة ، يصعد على الأشجار، يرى تدفق المياه ، يراقب الحيوانات ، يتدرب على الرماية . لكن اهم شيء بالنسبة له هو محادثته مع الغابة .
كان يجلس في مكانٍ هادئ لا يجده فيه أي أحد ، و يُغلق جفنيه ؛ حتى يزداد تركيزه على حاسة السمع ، مُستَمتعًا بأصوات الغابة .
كان يشعر وكأن الغابة ليست مجرد مكانٍ تعيش فيه الكائنات، بل كانت روحًا تشاركه اللحظات الصامتة.
الأشجار تهمس له بأسرارها
والنهر يغني له ألحانًا قديمة
بينما كان الهواء يلتف حوله كأنما يرحب به.
لقد احب هذه الحياة و هذا المكان ، كانت الغابة جزء لا يتجزأ منه . و قد شارك أسرار هذه الحياة مع صديقته نيملوث ابنة نحات التماثيل.
ذات يوم ، كان ثراندويل الصغير جالسًا عند حافة النهر يقوم ببعض التعديلات على قوسه عندما أتت نيملوث إلى عنده ، كانت ترتدي فستانًا ابيض ارغمتها أمها على ارتدائه ، لكن هذا لم يمنعها من الخروج إلى الغابة ، حتى لو كان هذا يعني أن تتلطخ ثيابها بالطين .
عندما وقع نظره على الطين أسفل ثوبها ، لم يستطع منع نفسه من أن لا يُعلق على مظهرها ؛ فقال بلهجةٍ ساخرة ” تبدو الخنفساء بحالٍ أفضل منك ”
لم ترد نيملوث على لهجته الساخرة ، و جلست أمامه من دون أن تنطق بأي كلمة ؛ مما جعل ثراندويل يترك مافي يده، و يوجه نظره إليها و سأل ” بماذا تُفكرين؟”
شعرت نيملوث و كأنه منحها فرصة ، من أجل أن تتحدث عن ما يجول في خاطرها و قالت ” يوم أمس اخبرني والدي عن قصة التنين أنكالاغون الأسود و أشعر أنني أرغب بالحصول على تنين ”
شعر ثراندويل و كأنه على وشك أن يختنق ؛ بسبب أنفاسه التي حبسها مع ضحكته ، لكنه لم يستطع أن يتحمل و بدأ يضحك بصوتٍ عالي و يقول ” نيملوث انتِ مجنونة ، هل تظنين نفسك مورغوث؟ ”
انزعجت نيملوث، و رمت حصى على رأسه جعلته يرفع يديه و يحاول التوقف عن الضحك و يقول ” حسنًا حسنًا، لن اضحك ، لكن هذه الفكرة غريبة ؛ لا يمكنك ترويض تنين ، إن التنانين كائنات مُدمرة . سمعت ان نارها لا ترحم .”
أعادت خصلة من شعرها خلف اذنها، أعادت نظرها إليه و ردت على كلامه قائلة ” سأبحث في المخطوطات و افعل اي شيء حتى أحقق هذا ”
توقف ثراندويل عند الضحك ، ظل هادئًا و بعد دقائق من الصمت تحدث اخيرًا ” حسنًا لا بأس ، ربما تجدين شيء مفيد و من يدري قد تفعلينها ذات يوم ، لكنني لن احمل جسدك المتفحم اذا احترقتي ” ختم جملته بضحكة مُدوية و قامت نيملوث بعدها بشد شعره و قد تقطع بعض منه .
مر على ثغر ثراندويل طيف ابتسامة طفيفة؛ عندما تذكر ذلك اليوم بشكلٍ أكثر وضوحًا.
أراح ظهره إلى الخلف و رفع نظره نحو السقف ، بدا وكأنه يحدق في شيء بعيد للغاية .
كسر حاجز الصمت في المكان ، عندما تحدث بصوتٍ رخيم ” لقد حدثت الكثير من الأمور عندما رحلتِ يا نيملوث ” أخذ تنهيدة و اكمل كلامه ” افتقد تلك الأيام، عندما كنت انا و انتِ أبرياء لا نحمل اي هموم “
نظر إليها من زاوية عينه ” ليجولاس أصبح رجلاً الآن، إنه قوي ، شُجاع للغاية و طيب القلب ” شعر بغصة في حلقه قبل أن يكمل حديثه ” لكنه ليس بجانبي، انا وحيد يا نيملوث ” تحورت تعابير وجهه الى السخرية البحتة ، لكن المرارة كانت واضحة في عينيه و ملامح وجهه ، و شعر و كأن أنفاسه بدأت تُسبب له ألم فضيع .
” لو انك كُنتِ واعية الآن، لن اعترف بهذا ؛ لأنك سوف تسخرين مني ” شهق و بدأ بإبتلاع الغصة التي استقرت في حلقه .
قال و هو كاسف البال” حالتي مُثيرة للشفقة”
كان يراقب وجهها النائم بتأملٍ عميق. كانت عيونها مغلقة، لكن مع ذلك، بدا وكأنها تحمل عالماً كاملاً في داخلها. شعرها الأشقر الشاحب كان يتناثر حول وجهها برقة، مُنتشر على الوسادة .
بشرتها كانت خزفية، ناعمة لدرجة أن الضوء الخافت للقمر الذي تسلل من النافذة، انعكس عليها وكأنها قطعة من نوره، تضيء بلطف وسط الظلام.
مد يده ببطء، كما لو أنه يخشى أن يوقظها من سباتها، وأمسك ببعض خصلات شعرها بإجلال، كأنما لا يجرؤ على لمسها أكثر من ذلك، وكأن لمسها قد يكون جريمة. كان يشعر أن كل شيء في هذه اللحظة مثالي، أن الزمن قد تجمد، وأنه لا يرغب في أن يترك هذه اللحظة تنقضي أبدًا.
كان مَنظَرها يَسُر النظر منذ ان كانا صِغار ،لكنه لم يعترف بهذا، و احتفظ به لنفسه .
نهض ببطء من مكانه، وكأن الأرض نفسها كانت تثقله، نظر إليها مرة أخيرة، ثم أدار ظهره، خطواته خفيفة على الأرض، تتردد صوتها في المكان .
كان يعلم أن عليه أن يبتعد، رغم أن قلبه يصرخ في وجهه ليتوقف، ليمكث أطول قليلاً في تلك اللحظة المسكونة بالصمت والهدوء.
توجه نحو النافذة، حيث كان ضوء القمر لا يزال يتسلل عبر الزجاج، يرقب السماء الزرقاء الداكنة وكأنها تحمل أسرارًا بعيدة عن متناول يده.
لكنه لم يستطع منع نفسه من العودة ببصره إلى وجهها النائم. همس في نفسه، “يجب أن تعودي ….قاومي من اجل كل شيء عزيز عليكِ ” ثم ترك الغرفة بصمت، تاركًا وراءه صورة وجهها التي لن تفارقه، مهما ابتعد.
♤♤♤♤♤♤♤♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل "3"