1
في الأفق البعيد، اجتمعت الغيوم الداكنة كأنها جيوش مُتأهِبة للقتال.
كانت السماء قد أخذت لونًا رماديًا قاتمًا، وكأنها ارتَدت عباءة الحزن.
تمايلت الرياح في حركات مضطربة، تحمل معها همسات غامضة، وكأنها تحذر من قدوم شيء غير مألوف.
تجمعت الغيوم الكثيفة فوق رؤوس الأشجار، حيث بدأت الأغصان تتراقص في رعب، تستشعر اقتراب العاصفة.
كانت هناك رائحة رطبة في الهواء، تحمل معها وعدًا بالمطر، لكن هذا المطر كان يبدو وكأنه يحمل في طياته غضب السماء.
وقف الساحر العجوز فوق إحدى الصُخور العالية؛ يَنظُر إلى السماء ، و قد لاح القلق عينيه اللتين تَحمِلا حكمة سنين طويلة .
تساقَطَت قَطرات المطر الأولى، بدت و كأنها دموع السماء ، عندما لامست القطرات وجه الساحر
العجوز ، قال و كأنه يُخاطب الغابة التي كانت اشجارها تهتز بفِعل الرياح ” هذا نذير شؤم ”
♤♤♤♤♤♤♤♤
تحطم هدوء غابة الجان في تلك الليلة ؛ عندما وصلت رياح العاصفة إلى ميركوود.
عمل الجميع على تَجنب أكبر قَدر من الخسائر ، و لم يَنم مَلكِهم ؛ لأنه لن يرتاح قبل أن يكون جميع أبناء شعبه في مأمن من شرور العاصفة .
الملك ثراندويل
ملك الغابة ، الذي استطاع أن يحمي شعبه لسنوات طويلة ، من دون مساعدة اي خاتم سحري مثل ملوك الجان الآخرين .
كان بإمكانه مُنازلة التنانين و الوحوش ، من أجل شعبه لكن الأمور التي خارج نِطاق سيطرة اي كائن في العالم
لا يُمكنه مواجهتها .
بعد شُروق الشمس ، إنتهت العاصفة اخيرًا، و كان الجان فَرحين بهذا بعد أن انقضت تلك الليلة المشؤومة.
كان امامهم عمل كثير يتضمن إصلاح ما تم افساده، لكن ملكهم سمح لهم بالحصول على قِسط من
الراحة ، قبل أن يعودوا إلى العمل مرة أخرى؛ لقد بذلوا جُهدًا كبيرًا لذا إستحقوا هذا .
بعد أن ذهب الجميع لكي يَنالوا قِسطًا من الراحة ، ظل ثراندويل جالسًا على عرشه يُفكر بحال إبنه ليجولاس.
بعد أن إِنقَضَت معركة الجيوش الخمسة، ترك ليجولاس المملكة و بات يتجول في الأرض الوسطى كمُحاربٍ حُر
على أمل أن يجد الملك اراجون.
الترحال في الأرض الوسطى ، التعرف على أُناس مُختلفين و نيل الحُرية المُطلقة ، كانت اشياء لطالما تمنى ثراندويل ان يَحصُل عليها . لكنه لا يستطيع ترك مملكته التي ورثها عن ابيه من أجل الحصول على بعض المتعة الشبابية.
ربما لن ينالها ، لكنه سمح لإبنه بهذا ؛ على الاقل ليجولاس ليس مُقيدًا بهذا العرش مثله .
لكن الوحدة أمر مؤلم .
وضع يده على صَدره ؛ عندما أحس بالألم في قلبه ، لطالما كرهه و تمنى زواله، لكن في كل مرة يحاول فيها نسيانها، كانت تأتيه مأساة توقظ الألم في صدره، تُعيد ذكريات مؤلمة ، ذِكرى كُل مرة شعر فيها بهذا الألم الذي لا يُطاق و يَكاد يكون قاتلاً.
” المَلك اورفر قد قُتل ”
عندما سمع ثراندويل هذه الجملة ، تسلل الألم إلى صدره للمرة الأولى و تجمعت الدموع في مقلتيه . لكن لم يَكن أمامه وقت كافٍ للحزن ؛ لقد كان في معركة تحالف فيها الرجال و الجان ضد جيش ساورون، و العدو يحيط به من كُل جهة .
منع نفسه من البكاء و تحول حزنه إلى غضب لا يُمكن أن يقف اي جندي من جنود العدو ضده و يظل على قيد الحياة . عندما لاحظ أن جيش مملكته أُحبِطَت عزيمتهم ، ركب على ظهر الرنة الخاصة به و خاطبهم بصوته القوي ” ملكنا قُتل و هذه خسارة فادحة، لكن يَجب أن نُقاتل جيش العدو بكل ما أوتينا من قوة ؛ لا تسمحوا لتضحية الملك اورفر أن تَذهب سُدى ”
بهذه الكلمات ارتفعت عزيمة جنود جيش الجان ، هتفوا بإسم ملكهم الراحل و هم يُقاتلون بجانب ملكهم الجديد .
في تلك المعركة فرغ ثراندويل كل غضبه على اي جُندي يقع بين يديه ، لم يتوقف عن القِتال لساعات إلى أن إنتهت المعركة .
كان كل جزء من جَسَده يَصرخ طالبًا الراحة ، لكن ثراندويل لم يذهب لكي يرتاح ، توجه إلى الخيمة التي تم وضع جثمان والده فيها ؛ حتى يراه للمرة الاخيرة ، قبل أن يودعه إلى الأبد.
تقدم بخطوات مُتثاقلة الى تلك الخيمة ، كل خطوة كأنها تحمل ثقل الجبال. كان قلبه يخفق بشدة، يختلط فيه الخوف والحزن، بينما كانت رائحة الدم والدخان تملأ الهواء. ومع كل خطوة، كانت ذكريات والده تتدفق إلى ذهنه: ضحكاته، نصائحه، تلك اللحظات التي قضياها معًا في أوقات السلم.
وعندما وصل أخيرًا إلى جثة والده، شعر وكأن الأرض قد انشقت تحت قدميه ؛ كان الرجل الذي فيما مضى رمزًا للقوة والشجاعة، مستلقيًا هناك بلا حراك ، عيناه المغلقتين لم تعودا تشعان بالحياة، وشعر ثراندويل حينها بقبضة من الألم تعصر قلبه ؛ كان وجه والده مشوهًا بفعل المعركة، لكنه كان يراه كما عرفه دائمًا: مفعمًا بالحكمة والعطف.
” أخرجوا ”
أمر ثراندويل الجان الذين كانوا على وشك أن يُنظفوا جسد الملك و امتثلوا لهذا الأمر على الفور .
بمجرد أن خرجوا جثا على ركبتيه ، و سمح لدموعه أن تنهمر على خديه .
في تلك اللحظة عاد الألم مرة أخرى و لكن بشكل أقوى جعله يتأوه من شدته ، لكنه لم يهتم ؛ أراد أن يُكرم جسد والده بنفسه قبل أن يذهب إلى مثواه الاخير .
وقف ببطء ، أخذ قطعة قماش نظيفة مبللة ، ثم بدأ يُنظف وجه والده . تمنى لو كان ما يَعيشه الآن مجرد كابوس و أن يستيقظ ليجد والده بجانبه، يروي له قصص النصر والشجاعة.
لكن الحقيقة كانت قاسية، والواقع لا يرحم، شعر بفراغ هائل يملأ قلبه، وكأن جزءًا منه قد تمزق إلى الأبد .
عليه أن يتحمل هذا العبء ، و يصبح الرجل الذي كان والده يأمل أن يكونه ومع ذلك، كان لديه شعور عميق بالخواء .
شعر بأن العالم قد فقد شيئًا ثمينًا.
أغمض عينيه للحظة، مستدعيًا روح والده. “سأجعلك فخورًا”، همس في نفسه. ومع تلك الكلمات، بدأ يخطو نحو المستقبل، حاملاً معه ذكرى والده، مستعدًا لمواجهة التحديات القادمة بعزم لا ينكسر.
أفاق ثراندويل من ذكرياته عندما كان على وشك ان يَصطدم بالجِدار ؛ لقد إنغمس في افكاره أثناء مشيه في ممرات القصر المُتعرجة و لم يلاحظ الوجهة التي إقتاد نفسه إليها.
لاحظ أنه قريب من إحدى الغرف التي لم يَزرها منذ زمن ، و قرر أن يدخل فيها؛ ليطمئن على الرجل الذي يعمل هناك . عندما دخل وجد النحات تورغون ، الرجل الذي نحت تمثال زوجة ثراندويل الراحلة و والد رفيقة طفولته .
كان رجلاً طويل القامة ، ذو شعر ذهبي طويل ، دائمًا كان يرفعه إلى الأعلى؛ حتى لا يُزعجه أثناء نحته للتماثيل ، ملامح وجهه حادة و مثالية كما هو حال الجان الآخرين و يمتلك عينين شديدتي الزُرقة .
أدار رأسه عندما شعر بوجود أحدهم. بمجرد رأى ثراندويل يقترب منه، إنحنى إحترامًا و قال
” شرفتني بحضورك إلى عندي ، ملكي ثراندويل ”
اومأ ثراندويل له ، و أخفى مشاعر الحُزن التي كان يشعر بها قبل قليل خلف قِناعٍ من اللامبالاة الباردة و قال ” أعتقد أنك ترتاح مثل الآخرين ، لكن على ما يبدو لي انك لا تتوقف عن العمل مُطلقًا ”
على عكس ثراندويل، كان تورغون رجلًا من السهل قراءة مشاعره ، ظهر الحُزن في عينيه و اجاب ملكة بينما ينظر الى التمثال الذي لم يكتمل بعد .
” كُنت أخشى أن أنسى ملامح وجهها قبل أن أنتهي من نَحت التمثال ”
عقد ثراندويل حاجبيه مُحاولاً أن يفهم إلى أي إمرأة تنتمي هذه الملامح ، زوجتة تورغون ام إبنته.
” و هذه تكون ؟”
” ابنتي ” اجابه تورغون بينما يُدون بعض الملاحظات على ورقة من الرق ، على ما يبدو أنه أراد الاحتفاظ بهذه الصفات في دفتره و أن لا يعتمد على ذاكرته فقط .
أعاد ثراندويل نظره إلى التمثال و لاحظ أن الملامح الغير مُكتملة، تُشبهها إلى حد ما ، لكن التماثيل ليست سوى حجر لا اكثر ، لا يُمكنها أن تُعوض وجود أحبائهم .
أخرج زفيرًا طويلًا و قال ” فُقدان احبائنا صعب على بني جنسنا ، لا نستطيع أن نتخيل حياتنا الأبدية من دون وجودهم “نظر إلى تورغون و أضاف قائلًا” أنا الملك ، لا يمكنني الذهاب إلى أرض الخالدين و ترك مملكتي ، لكن انت يمكنك أن تذهب و تَجد بعض السلام هُناك ، كان يجب عليك ان ترحل قبل سنوات ، عندما قررت زوجتك أن ترحل ؛ بسبب حُزنها على رحيل ابنتكما ”
هز تورغون رأسه و يبدو أنه تقبل هذه الفِكرة الآن ، بعد أن ظل يتمنى عودة في يوم من الأيام .
بنظرة نصفها حُزن و تفهم استدار ثراندويل على عقبيه و خرج من الغرفة؛ حتى يتعامل تورغون مع أحزانه وحده .
♤♤♤♤
قرر ثراندويل ترك القصر لبعض الوقت، ركب على ظهر حيوان الرنة يتجول في الغابة ؛ بغية الحصول على القليل من السلام الداخلي .
أثناء تجوله في الغابة كان حريصًا على أن يسمع كُل الأصوات التي يُمكن لأذنه أن تسمعها ، كانت الغابة مملكته و كُل شيء فيها يعتبره جزء لا يَتجزأ من شعبه .
أغمض عينيه و اخذ نفسًا عميقًا و استمع إلى غابته العزيزة ، كُل صوت كان يقول شيء بلغته الخاصة، شجرة تُعاني من إنكسار احد اغصانهة ، أنثى عصفور تحاول إعادة بناء عُشِها ، جيش نمل يحاول إعادة بناء مملكته بعد أن غَرَقت بفعل مياه الأمطار و غزالٌ صغير يبحث عن أمه .
لكن بدا له و كأن الغابة تحاول إخباره بشيءٍ ما يجب عليه ان يعرفه .
وضع يده على رقبة الحيوان الذي يركبه ، و كأنه يأمره أن يتوجه إلى الطريق الذي تُريد منه الغابة أن يسلكه، من دون أن ينطق ثراندويل اي كلمة غير الحيوان طريقه و توجه إلى المكان الذي يوجد فيه الشيء الذي اقلق سُكان الغابة .
عندما توقفت الرنة ، فتح ثراندويل جفنيه و اندهش من المنظر الذي رآه أمامه؛ كان هُناك حجر بلوري ابيض و ضخم ، لم يُشبه اي شيء رآه من قبل في الغابة او في اي مَكانٍ آخر .
انزل جسده من على ظهر الحيوان و تقدم بخطواتٍ حذرة ؛ خشية أن يكون هناك أي فِخاخ قريبة او حيوانات مفترسة .
بعد ان تفحص محيطه ، ادرك عدم وجود أي شيء يُشير على أن المكان خطير .
تأمل الحجر الذي امامه و قد كان يَشع بضوءٍ خافت و غريب ، بدا له و كأن ما في هذا الحجر يناديه حتى يلمس الجدار البلوري.
مد يده و لمس السطح البلوري للحجر ، شعر و كأن هُناك طاقة غريبة تسللت إلى جسده لبرهة وجيزة .
ابعد يده ، و شعر بإنجذاب كبير ناحية هذه البلورة لكن ذَكر نفسه بضرورة الابتعاد.
كان على وشك ان يتراجع لكنه توقف ؛ عندما لاحظ أن البلورة قد بدأت تنكسر.
خلال لحظات تحطمت البلورة الضخمة إلى مليون قطعة و ظَهر ما كان يوجد في داخلها، إمرأة من الجان ذات شعر اشقر فضي ، غائبة عن الوعي و ملابسها في حالة سيئة .
اقترب ثراندويل منها و نظر إلى وجهها ، لم يستطع أن يواري الصدمة من على وجهه عندما تعرف على ملامحها ؛ كان يعتقد أنها ماتت منذ قُرون ، لكن ها هي الآن أمامه غائبة عن الوعي و تتنفس
” لا أصدق ما أراه أمامي!”
” نيملوث!”
♤♤♤♤♤♤♤♤
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 9 - تركتني و رحلت 2025-05-31
- 8 2025-05-14
- 7 - دفتر 2025-04-11
- 6 - زهرة الاقحوان 2025-04-10
- 5 - مذاق ترابي 2025-04-09
- 4 - يقظة بعد غياب 2025-04-08
- 3 - الجميلة النائمة 2025-04-06
- 2 - ذكريات 2025-04-04
- 1 - آلام الملك 2025-04-04
التعليقات لهذا الفصل "1"
رأيكم يا حلوين