من شدّة النظرات المتساقطة عليّ وكأنّهن يعلمن كلّ شيء، بدا أنّهنّ قد سمعن محادثتي مع كبيرة الخادمات من خلال الباب الذي تُرك نصف مفتوح.
كلّ ما حدث هو أنّني قدّمت طلب الإجازة بعد أن نلت موافقة ريس المستخفّة، وتلقّيت منه توديعًا قصيرا بأن أذهب وأعود سالمًة، لكن يبدو أنّ هذا وحده كان كافيًا ليكشف الأمر.
‘سأعود في يومٍ واحد فقط، لذا فأن أسمّيها إجازة يبدو مبالغًا فيه.’
ما إن أومأتُ برأسي ببطء حتى تبادلن نظراتٍ متثاقلة قائلة “كما توقّعنا”، بملامح يملؤها الاضطراب.
وحين أملتُ رأسي متسائلة عن السبب، شرعت الخادمات المتردّدات بالكلام على استحياء.
“في غيابكِ، لا بدّ من خادمة تتولّى خدمة السيّد الشاب بدلًا منكِ. لذا كنّا نتناقش حول مَن ستفعل ذلك. على الأرجح لن يرغب أحد….”
“الخير أنّ عودتك لن تتأخّر سوى يوم واحد، وإلّا فلن نعثر على متطوّع.”
ما الأمر؟ بدا لي شيئًا بسيطًا.
لكنّ وجوههنّ القاتمة كانت تنطق بغير ذلك، وكأنّ خدمة ريس أمرٌ يتجنّبه الجميع برهبة.
‘صحيح أنّ الهدف أحيانًا يرهقني بكثرة الطلبات، لكنّها تبقى في حدود ما على الخادمة الشخصية أن تؤدّيه… فلماذا؟’
فعلى وجه العموم، خدمة ريس لم تكن ذات صعوبة تُذكر.
نعم، يُكثِر من إرسال الرسائل، ويُكرّر “افعلي هذا” و”أحضري ذاك”، لكن الأمر لا يرقى إلى شيء يستحقّ هذا الرعب.
“أتسألين لماذا؟ لأنّ السيّد الشاب من الصعب خدمته. ولولا أنّكِ لم تصبحي خادمته الخاصّة، لكنّا جميعًا نعيش في رعب.”
“يستدعي الخادمة، ثمّ لا يكلّفها بشيء، كأنّكِ محبوسة في فراغ خانق.”
“أشعر أحيانًا أنّني جدار، أو أنّ الجدار أنا! إلى هذا الحدّ من اللامبالاة؟! لا أريد أن أخدمه مرّة أخرى…”
“أما أنا، فقد أعدت كوب الشاي مرّة لأنّ حرارته زادت قليلًا! فغضب السيد ديمون وأمرني أن أتعلم من البداية كمتدرّبة في المطبخ! إلى الآن تفيض عيناي بالدموع كلّما تذكّرت ذلك!”
تتابعت الشكاوى:
من دقّة ذوقه في الطعام، إلى شدّة حساسيته لأيّ وقع قدمٍ، إلى عديد التفاصيل الصغيرة المرهقة.
‘ما الذي أسمعه الآن؟’
بينما أصغيتُ إلى الخادمات يرتجفن رعبًا من مجرّد خدمة ريس، تملّكني ارتباك هائل.
‘الهدف… لا يكلّفهنّ بأي شيء؟!’
كانت دهشتي عظيمة حتى تفتّحت عيناي المتعبة على اتّساعهما.
معاملة كالجدار؟! هذا مستحيل! فالرجل معروف بكثرة أوامره وتكليفه الناس بشتى المهام!
ألم يكن اليوم ذاته مليئًا بما كلّفني به ريس؟ حتى بتُّ متخصّصة في الأعمال المنزلية، وكأنّ خدمة القصر قدري الأبدي.
“لا يعقل. لا بدّ أنّكنّ مخطئات. لعلّ سوء فهمٍ قد حدث.”
لكنّ ردّهنّ لم يُبدّد صدمتي، بل زادها رسوخًا.
“إيلي، ألا ترين غرابة أنّ السيّد الشاب، ابن الخامسة عشرة، لم تكن له خلدمة خاصّة قبلَكِ؟”
“بل إنّكِ الوحيدة في الإمبراطوريّة بأسرها التي أصبحتِ خادمة خاصّة لإبن نبيل في هذا العمر.”
بالفعل، لم أنكر أنّني تعجّبت حين علمت أنّني الأولى.
لكنّني افترضت أنّه وإن لم يُبقِي خادمة ملازمة، فلا بدّ أنّه استعان بخدمة الخادمات بشكلٍ عام، إذ من المستحيل أن يرفض نبيل خدمة الأتباع تمامًا. ظننت أنّه فقط يكره ملازمتهم الدائمة.
“إذًا… لم يخدمه أحدكنّ في تبديل ملابسه من قبل؟”
سألتُ بتحفّظ عن إحدى أبسط مهام الخادمات، ففتحت الفتيات أفواههنّ ذعرًا وهززن رؤوسهنّ بعنف.
“بالطبع لا! السيّد الشاب لم يسمح لنا قطّ بأن تساعده في ارتداء ملابسه!”
“بل لا يسمح حتى بلمس جسده. لذا حين تُفصَّل له الثياب، يكون السيد ديمون هو الذي يأخذ المقاسات بيده. ومع ذلك، يكره السيّد الشاب ذلك…”
“حتى أنّه لا يوجد حرسٌ في القصر، ويُقال إنّ السبب أنّه يرفض أيّ حماية قريبة منه.”
مع توالي كلماتهنّ، بدا من المستحيل أن أحافظ على هدوئي. شعرتُ وكأنّ كلّ ما عشته معه قد نُفي بجرة قلم.
‘انتظري… هذا مغاير تمامًا لما أعرفه!’
طوال نصف شهر قضيتُه بجانبه، لم يخطر ببالي أن أشكّ في مصداقيّة ما رأيته بأمّ عيني وسمعته بأذني.
كيف أشكّ فيما سجّلته خبرتي بنفسي؟
لكنّ الآن… شقّت الشكوك طريقها بداخلي.
“ماذا عن مسألة الشاي؟ لم أره يومًا يهتمّ بمثل هذا.”
“أحقًّا؟ ألا تعلمين؟ السيّد الشاب لا يشرب الشاي إلا إذا بلغت حرارته ٨٢ درجة بالضبط! ذوقه صارم في هذا.”
“……حقًّا؟ ومنذ متى؟”
“منذ صغره، أثناء تدريبه. تمامًا كما يُقال إنّ عدد حبّات اللوز في كعك الإمبراطور محدّد مسبقًا. هذا أمر اعتيادي في العائلات الرفيعة.”
تجمّدت ملامحي وأنا أصغي. ظننّ أنني قوبلت باللوم.
فأرسلن إليّ نظراتٍ مشفقة.
‘ لا بدّ أنّه عاقبك كثيرًا.’
انتظري… هذا يعني أنّ ما قاله ديمون كان صحيحًا إذًا!
“السيّد الشاب لا يشرب الشاي إذا كانت حرارته أقلّ من ٨٢ درجة.”
ظننته يومها يسخر منّي ليضحك عليّ، فإذا به يقول الحقّ بعينه!
‘أيعني أنّ السيّد كان يحتسي شايًا غير مناسب لذوقه طوال الوقت… لمجرد أنّني أنا التي قدّمته؟’
……لماذا؟
لم يكن مجبرًا أن يتنازل لمزاج وصيفة مبتدئة. فأي دافع جعله يرضى؟
‘من الآن فصاعدًا، سأُحضر له الشاي بالحرارة المناسبة. إن أردتُ أن أتقرّب، فلا بدّ أن أظهر حسن الاهتمام.’
لقد عرفتُ الآن ذوقه، فالتجاهل لم يعد جائزًا.
وأيًّا كان السبب الذي جعله يشرب ما لا يُرضيه، فلعلي أعوّضه لاحقًا.
“الخلاصة أنّ السيّد الشاب لا يرغب في أيّ خدمة، وهذا ما يجعل الجميع يتوجّسون حتى من يومٍ واحد. وإن وقعنا في خطأ…”
“السيّد الشاب قادر على خدمة نفسه، لكنّنا بسببه جميعًا مهدّدون بالطرد!”
“ومن يُطرد من كاسيو فلن يُقبَل في أيّ مكان آخر! مصيرنا مظلم لا محالة…!”
‘هل ذكّرت كبيرة الخادمات شيئًا كهذا حين استلمتُ منها التعليمات؟’
إن كانت صورة الهدف في ذهني مغايرة لصورة الآخرين… فهذا يعني أنّ أساس معرفتي يتداعى.
‘حين تلقيتُ التدريبات، اقتصر الأمر على تنظيف أماكنه المعتادة، وترتيب محيطه، وتحضير الشاي أو إطفاء الشموع. لم يُذكر شيء عن تبديل الثياب أو التدليك أو أيّ احتكاك مباشر…’
وبينما أراجع الماضي بهدوء، أخذت تفاصيل منسيّة تتّضح شيئًا فشيئًا.
‘تذكّرت! في أوّل يوم عمل لي كخادمة…’
حين قصدتُ غرفة نومه لأباشر مهامي، ما كان أول ما قاله لي ريس حين رآني هناك؟
‘……إيلي، ما الذي تفعلينه هنا؟’
أليس غريبًا أن يقول السيد لخادمته هذا؟!
فالخادمة الشخصية من المفترض أن تلازم سيدها ليلا و نهارا.
فهل كان استغرابه لأنني قمتُ بمبادرة لم يطلبها أصلًا؟! يومها بدت ردة فعله مبالغًا فيها، لكنني الآن أفهم.
الحقيقة أنّ الخطأ كان منّي.
لقد هرعتُ فجأة، أقتحم حرمة غرفته، أحدّق في جسده… دون أن يكون
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"