“سيدي الشاب، ما هذا…؟”
ما سلمه ريس هو الحقيبة المليئة بالعملات الذهبية التي قدمته ايلي للتو له.
كان الكيس ممتلئًا لدرجة أنه بدا للوهلة الأولى أنه يحتوي على مئة قطعة ذهبية على الأقل.
مال رأس ايلي بتساؤل عند تصرف ريس المفاجئ.
“انهم على حق. بما أننا جئنا إلى هنا، لا يصح أن نكتفي بالمشاهدة. هيا يا إيلي، راهني على الفائز في هذه الجولة.”
“مهلا، كل هذا؟”
“نعم. إنه ليس مبلغًا كبيرًا على كل حال.”
الرد الهادئ أضاف تقريرًا جديدًا في ذهن إيلي.
“ملاحظة إضافية عن الهدف: لا يملك أي إحساس بقيمة المال.
كيف يمكن لأحدهم أن يطلب منها وضع كل هذا المال في رهان كهذا؟ لم تستطع إيلي استيعاب الأمر.
كانت مئة قطعة ذهبية هي المبلغ الذي كان بإمكان ايلي كسبه من خلال إكمال ثلاث أو أربع مهام.
حتى أن هذا المبلغ كان كافياً للناس العاديين ليعيشوا حياة مريحة لبقية حياتهم.
‘واو، لقد عدت إلى رشدي فجأة. لابد من انه من طبقة النبلاء العليا’
ربما بسبب هذه الصدمة، استعاد عقل إيلي رباطة جأشه على الفور.
“يا لهذا الكرم! كنت أعلم من فخامة عربتك”
“ماذا عن اختيار الرقم 3 للفوز؟ أنا كذلك راهنت عليه!”
“هراء! رقم 18سيفوز هذه المرة!”
“رقم 18 مصاب! كيف سيفوز؟! قلت لك إن الرقم 3 بالتأكيد سيفوز !”
بدأ الحشد المحيط بهم في الهتاف، وارتفعت أصواتهم كلٌّ يدافع عن اختياره، محاولين رفع قيمة الرهان.
“سيدي، مع احترامي، لا أظن أن الرهان في مكان كهذا فكرة صائبة…”
في الواقع، كانت هذه الحلبة مجرد مسرحية، كل شيء فيها مخطط سلفًا. والمراهنة فيها كمن يرمي ماله على الطريق.
لم تستطع ايلي أن تفهم لماذا كان ريس، الذي قد تلقى أفضل أنواع التعليم، يتصرف بهذه الطريقة الحمقاء.
“ما المشكلة؟ ألا يعجبكِ الأمر؟”
“نعم.”
وبينما أومأت ايلي برأسها بحزم،فابتسم ريس و تجدث بصوت منخفض.
“”إذا فزنا، فكل المال سيكون لكِ.”
“لا، سيدي…!”
‘هذا ليس ما قصدته’
قالت ايلي، وهي تقبض بعنف على الحقيبة المليئة بالذهب التي أعطاها لها ريس بوجه من الدهشة.
“إن كنت مصرا إلى هذا الحد، فكيف لي كخادمة أن أرفض طلبك؟”
‘أوه يا إلهي، سيدي لا يمكن توقع تصرفاته! لا بأس، سأسايره هذه المرة فقط.’
رددت إيلي هذه العبارة كثيرًا، وهي تتذمر وتتراجع ببطء. لكن سرعان ما تحولت خطواتها البطيئة إلى هرولة، ثم اختفت كليًا في لمح البصر.
وما إن غادرت إيلي، حتى بدأت نظرات الحشد تتجه نحو ريس المتروك وحده.
“أيها النبيل، هل تفكر في بيع تلك الفتاة؟ سأدفع لك ما يرضيك!”
“ظننتُها امرأةً نبيلةً لجمالها! خادمة كهذه تستحق أن تكون عشيقة!”
“تلك العباءة الباهتة لا تليق بك! تعال، نحن مقامرون مثلك، دعنا نتعرف.”
أصواتهم المقززة وكلماتهم السوقية وصلت إلى أذنَي ريس كالإبر.
وفي خضم هذه الفوضى، قام ريس، الذي كان صامتًا لبعض الوقت، بتغطية فمه بيده فجأة.
هاهاها.
فجأة أصبح المكان هادئًا بينما انتشر الضحك الخافت بين الأصابع.
“هل جُنّ؟ يضحك وحده؟”
“عندما تخسر المال، سيكون من الصعب أن تضحك بهذه الطريقة، يا فتى!”
لكن ريس تجاهلهم، وتذكّر إيلي وهي تعض شفتها السفلى بقهر. فاستمر في الضحك، بخفة وسخرية.
“تحمّلتِ كثيرًا… وهذا أمر مثير للإعجاب.”
من لحظة مغادرتهما قصر الدوق وحتى دخولهما الحلبة، تصرف ريس وكأنه ساذج لا يفهم شيئًا، ليتعمد استفزاز إيلي.
ومع ذلك، على الرغم من الضيق الذي ظهر جليًا على وجهها، تمكنت ايلي من إخفاء غضبها حتى النهاية.
طبعًا، عندما لمس أحدهم خدّها، كادت ان تقتله فعلًا…
“يجب أن أعطيها جائزة.”
لقد بدأت أشعر بالملل على أية حال.
في المقام الأول ، لم يرغب ريس في الحضور إلى هذا المكان القذر والبائس.
لكنه كان يعرف أن إيلي لن تظهر حقيقتها إلا في مثل هذه الظروف.
لم يكن أمامه خيار. إن كان يرغب في رؤية الوجه الحقيقي لـ إيلي، فعليه أن يخلق البيئة المناسبة.
وفجأة…
“أوه، أوه أوه…؟”
“م-ماذا؟ ماذا يحدث لعينيّ؟!”
“آه، عيني! لا أستطيع أن أرى!”
“يا إلهي، أنقذوني…! فليُشعل أحدكم الضوء!”
في وضح النهار، سقط ظلام حالك على المكان وسلب رؤية الجميع.
كان الشخص الذي لمس خد ايلي منذ لحظة أعمى تمامًا في كلتا عينيه، وكان يزحف على الأرض، يبكي من الخوف.
وبينما ارتفعت صرخات أولئك الذين فقدوا بصرهم فجأة، وقف ريس من مقعده.
ثم وقف في وسط الضجيج وهمس بصوت واضح في آذان أولئك الذين غرقوا إلى أدنى نقطة.
“إن غسلتُم أعينكم بالماء الموجود في البرميل خارجًا، سترون من جديد.”
كان صوته كأن شيطانًا يهمس في آذانهم.
لكن بالنسبة لأشخاصٍ فقدوا نور أعينهم فجأة، كانت تلك الكلمات أشبه بالخلاص.
“تحرك! دعني أخرج أولًا!”
“أنا، أنا أولاً…!”
” احدكم ساعدوني ارجوكم!”
وبمجرد أن انتهى ريس من حديثه، بدأ أولئك الذين فقدوا بصرهم في الاندفاع إلى الخارج، واحدًا تلو الآخر.
وبذلك، هدأ المكان تمامًا، واستعاد ريس هدوءه وجلس وكأن شيئًا لم يكن.
وبما أنه لم يكن هناك أي مجهود بدني أو سلوك مشبوه واضح، فقد بدا الأمر وكأنه مجرد جدال بسيط بالنسبة للآخرين.
وكانت مثل هذه الأمور أمراً شائعاً يحدث بلا نهاية في هذا المكان.
متى ستعود إيلي؟
لا شك أنها ستكون سعيدة بهدوء المكان، بعدما أزعجها أولئك الحمقى قبل قليل.
* * *
“سأتناول طعامي بشهية، شكرًا.”
قالت إيلي بابتسامة مشرقة وهي تُخبئ كيس النقود الذهبية في حضنها. كان ثقل الذهب وملمسه الممتلئ يبعثان في نفسها شعورًا بالبهجة لا يوصف.
لو أنها وضعت هذا المبلغ على الطاولة كرهان، لما نجا من التلاعب والخداع، فكان من الحكمة أن تبتلعه هكذا، دون ضجيج.
“حسنًا إذن…”
نظرت إيلي بنظرات باردة نحو شباك التذاكر المزدحم بالناس، ثم بدأت تمشي بخطى سريعة نحو هدفها.
في الطابق الثاني، حيث يقع سطح ساحة القتال، اتجهت نحو السلالم الغربية التي وُضعت عندها لافتة “ممنوع الدخول”. لكنها تجاهلت التحذير كأنه لم يكن موجودا، وبعد أن تأكدت من خلو المكان من الأعين، صعدت الدرج بخفة.
“وجدته.”
بام!
ما إن لمحت خصلات الشعر الوردية حتى اندفعت نحوها بلا تردد، وصفعت صاحبها ضربة مؤلمة على رأسه.
صدر صوت غريب كأن حجرًا ارتطم بصخرة، وراح الشاب يتلوى على الأرض وهو يمسك رأسه بألم.
“آخ! إيلي، هذا مؤلم!”
“ولماذا تتدخل في عملي من دون إذن؟! لقد أفزعتني!”
كان الشاب الذي أمامها هو نفسه من اعتنى بعصابات الأزقة الخلفية التي كانت ايلي تحاول القبض عليها .
العلامات الحمراء التي بقيت على أعناقهم لم تكن لتُخطئها عينا إيلي، فقد عرفت تمامًا أنها من أثر السمّ الذي يصنعه هذا الشخص تحديدًا.
“آه، اعتقدت أنك ستشكرينني…”
قالها الشاب وهو يفرك رأسه، بتعبير حزين على وجهه.
تنهدت إيلي، ومرّرت يدها بانزعاج خلال شعرها.
“تشبْلين، هل نسيت القواعد؟ <المادة الثالثة: يُمنع التدخل في مهام الآخرين دون إذن>!”
“أعرف… لكن الهدف كان خلفهم مباشرة. كيف كنتِ ستتجاوزينهم؟ ظننت أنني أساعد فقط…”
ابتسم تشبلين ببراءة، وكأن الأمر لم يكن يستحق هذا الانزعاج وقال.
“على أي حال، سارت الأمور على ما يرام، لذا فالأمر على ما يرام”.
“وذلك بالضبط هو سبب المشكلة! من في هذا العالم يقدر على إسقاط خمسة رجال دفعة واحدة هكذا؟ الأمر يبعث على الشك، أليس كذلك؟!”
“لكن، يبدو أن هدفك لا يعرف شيئًا؟ ههه.”
كانت ابتسامته المنعشة الفريدة مثل الكرز منعشة، في العادة كنت سأقول “يا إلهي” وأترك الأمر، لكن هذه المرة، لأن الأمر كان خطيرًا للغاية، لم يكن من السهل القيام بذلك.
“ولو أنك كدت ان تكشف…! على أي حال، إن تدخلت مرة أخرى، سأرفع الأمر للقائد. وعلى ما يبدو، أنت أيضًا هنا لأجل مهمة، صحيح؟”
لقد حان الوقت للعودة ببطء إلى ريس.
شعرت إيلي بأن الوقت يداهمها، وبدأت تُفرغ سيلًا من التوبيخ دون توقف، بينما كان تشبلين يُشيح بنظره عنها وقد اعتاد على هذا النوع من المحاضرات.
‘هل تُدرك إيلي أنني اكبر منها بسنوات؟ أم أنها نسيت… هم؟’
بين جدران الدرج المؤدي إلى السطح كان هناك فراغ واسع، أتاح له إطلالة جزئية على ساحة القتال. وفجأة، لاح في عينيه مشهد أثار دهشته.
“… لماذا الناس مستلقون على الأرض ووجوههم لأسفل؟”
لم يكن قريبًا بما يكفي لسماع ما يجري، لكن تحركات الناس كانت واضحة بما يكفي لتُثير الانتباه.
“هاه؟ نهضوا فجأة وبدأوا يركضون؟”
في غمضة عين، اختفى الجميع من منطقة كاملة وكأنهم تبخروا.
كانت تلك المقاعد الفاخرة دومًا مزدحمة بمن يسعون وراء المال، ولكن، وبشكل مفاجئ، أصبح المكان خاليًا إلا من رجل واحد.
“هذا الرجل الأسود… أليس أنت هدف أيلي؟ هل استخدم قوته؟
ذلك الرجل لم يكن غريبًا على تشبلين، بل كان “الابن المدلل الوحيد لعائلة كاسيو” الشهيرة.
تألقت عيون شيفلين الوردية بالاهتمام للحظة.
“عليك أن اخبر أيلي بسرعة—”
حفيف.
“يا هذا! هل كنت تستمع لكلامي أصلًا؟! عندما يُكلمك أحد، فأجبه!”
وهذه المرة، مدت إيلي يدها وجذبت خدّ تشبلين الطري بقوة.
“…نـعـم، سيّدتي…”
كم هو مؤلم أن يتلقى مثل هذه الإهانة من فتاة أصغر منه بكثير… وبدا أن الدموع بدأت تترقرق في عينيه الورديتين.
ترجمة: لونا
Please enter your username or email address. You will receive a link to create a new password via email.
التعليقات على الفصل " 11"