“كوو، كوو-كوو-كوو!”

بدأت أرفرف بجناحيّ وأُطلق أصواتًا غريبة دون أن أدرك.

بوووم—

امتدّ شعاع من الضوء من يد راي اليمنى، واخترق الوحش الغامض من فمه حتى مؤخرة عنقه. احترق الوحش بلون أبيض نقيّ دون أن يُصدر صوتًا، ثم تفتّت إلى رماد.

راي، الذي كان يحدّق في الدوامة بعينين مركزتين، غيّر شكل أصابعه على الفور. وحين حرّكها كما لو أنه يمسك كأس نبيذ، خرج رجل فجأة من داخل الدوامة.

بعيون غائرة ولعاب يسيل من فمه، بدا الرجل وكأنه فقد صوابه، وصرخ بعينين مجنونتين:

“أخيرًا، لقد نجحت!! هل أنت من لبّى ندائي؟! يا كائنات هذا العالم!! استمعوا لأوامري—أغخ!”

بمجرد أن نقَر راي بإصبعه، أحاط شيء يشبه قطرة ماء ضخمة بجسد الرجل، وراح يطفو في الهواء مُحدثًا صوت فقاعات، قبل أن يختفي تمامًا وتنفجر الفقاعة.

“تسك.”

أطلق راي تنهيدة خفيفة بينما كان يراقب الدوامة بصمت، ثم أنزل يده وأعاد جسده لوضعه الطبيعي. 

وفي تلك اللحظة بالتحديد—

“…هاه؟ هناك طريق هنا…”

ظهر من وسط الدوامة حذاءان أسودان، تَبِعهما مباشرة فتاة ذات شعر بني قصير وتنورة مربعة، وقميص أبيض كزيٍّ مدرسي.

“…ما الذي يحدث؟ أين أنا؟”

تراقص الدب الصغير المعلق على حقيبة الفتاة الحمراء بينما خطت خطوة كبيرة إلى الأمام. كانت هذه هي بطلة هذا العالم، مينا.

“هل تفاجأتِ؟ هذا المكان يُدعى إمبراطورية ألوسينا.”

قال راي بابتسامة خفيفة، مرددًا نفس الجملة التي تُقال عند الوصول إلى هذا المكان بعد بدء اللعبة والانتهاء من المقدّمة.

كان الأمر لا يُصدّق. كيف يمكن لحدث مذهل كهذا أن يحدث مباشرة قبل هذا الترحيب الهادئ واللطيف؟ ما ذلك الكائن بحق السماء؟ ومن ذلك المجنون؟ وكيف تعامل راي مع كل ذلك بهذه البساطة؟

كان راي يرتدي ابتسامة رسمية، على عكسي أنا، التي كنت في حالة ذهول شبه كامل مما شاهدته للتو. وراح يوجّه مينا الحائرة وكأن شيئًا لم يحدث.

“قد تشعرين ببعض الدوار، هذا أمر معتاد عند خوض تجربة الانتقال بين الأبعاد لأول مرة.”

“هل أنا… انتقلت بين الأبعاد؟”

“نعم، سواء صدقتِ أم لا.”

قاد راي مينا نحو المخرج. كان من الغريب أن أشاهد افتتاحية اللعبة من منظور الشخص الثالث، لكن الغرابة الأكبر كانت أن جسد ذلك “الشخص الثالث” هو جسد حمامة.

وعندما فُتح الباب، لم يكن الرجل ذو الشعر الكحلي الذي رحّب بنا سابقًا موجودًا، وبدلاً منه وقف حارس واحد فقط لاستقبالنا.

“لقد مر وقت طويل منذ أن استضفنا زوارًا من عالم آخر. تفضّلي بالدخول، جلالة الإمبراطور بانتظاركِ.”

“……جلالة الإمبراطور؟”

ارتجفت رموش مينا. نعم، أتذكّر. من هذه النقطة، سيتم نقلكِ مباشرة إلى القصر الإمبراطوري، وهناك سيتم إخباركِ بما يجب عليكِ فعله.

كان هناك أُناس يظهرون أحيانًا عبر البوابة بعدما ضلّوا طريقهم من عوالم أخرى، وكانت مينا واحدة منهم. وكان يُقال لهم إنه للعودة إلى عالمهم، عليهم دخول البوابة مجددًا في نفس اللحظة تمامًا بعد عامٍ واحد.

من المفترض أن مينا تذهب إلى القصر وتسمع القصة، وهناك يتم لقاؤها الأول مع ثاني بطل في القصة، ولي العهد.

آه، أتذكّر… ولي العهد. كان رئيس مجلس الطلبة في الأكاديمية الملكية التي تقضي فيها مينا عامها، وكان بمثابة الايدول لجميع الطلاب. بشعره الذهبي المتلألئ وعينيه الرماديتين الفاتحتين، وحتى رموشه كانت ذهبية. 

‘لا يمكنكِ البقاء بجانبي… أليس كذلك؟’

حتى كلمات اعترافه كانت حزينة لدرجة تجعل من الصعب رفضها. وبالطبع، لم أكن أنوي الرفض أصلًا، لكني لم أكن قادرة على تجنّب نهاية “الرحيل المؤلم” في اللعبة.

بصراحة، راي كان شخصيتي المفضّلة، لكنني لم أتجاوز معه نهاية “طعام الطيور”، لذا كانت لدي ذكريات أكثر مع ولي العهد.

‘أنا آسفة، لدي… شيء مهم عليّ فعله، ويجب أن أعود.’

أتذكّر الابتسامة المرتبكة التي ارتسمت على وجهه عندما سمع عبارتي عن قبولي في الجامعة.

‘…أفهم. إن كان هذا هو قرارك… فلا يسعني سوى احترامه. لكن، مينا، أنا حقًا بحاجة إليكِ.’

كان صوته يرتجف قليلًا، وكأن ذلك الارتجاف أتى من عمق قلبه.

مجرد تذكُّر ذلك المشهد جعلني أشعر بشيء من التأثر العاطفي.

***

“هل انتهى الأمر؟ لقد خرجتَ في وقت أبكر من المعتاد.”

اقتربت راينا من راي، الذي كان قد أنهى عمله للتو.

“برأيك، من سينجح هذه المرة؟”

“لا أعلم.”

انطوى صوت راي على لمحة خفيفة من السخرية، بينما نقلني بهدوء إلى يده اليمنى.

“ربما سينجح الجميع، أو ربما لا أحد.”

عينان خاليتان من المشاعر، وابتسامة خفيفة بالكاد ترتسم على شفتيه. لم يسبق لي أن رأيت راي بهذا الشكل من قبل. 

في الحقيقة، معظم ما رأيته منه اليوم كان غريباً عني. في ذاكرتي، كان راي رجلاً هادئاً، يقرأ الكتب أو يتمشى في سكينة، وكنت أتساءل إن كان كذلك حقاً…

تأملني راي بعناية، وأنا واقفة على راحة يده.

“أعتقد أن الأمر لا يهم… مهما كان الشخص.”