كانت سليميا في الغرفة التي أُعطيت لها في الطابق العلوي كغرفة خاصة، تتأمل الخارج من النافذة بشرود وهي على سرير بسيط.
بما أن الإضاءة الاصطناعية مثل مصابيح الشوارع غائبة، بدت النجوم أقرب بكثير مما اعتادت عليه، وضوء القمر الباهت ينير جبل ألف ببريق خافت.
فتحت نافذة الزجاج ذات الإطار الخشبي وأطلّت برأسها. أصوات الحشرات التي تشبه رنين الأجراس تهزّ أذنيها، والنسيم البارد ليلاً يداعب وجنتيها.
(…حقًا، لقد جئت إلى جبال أولنار. في أعماق الجبال البعيدة عن المدينة…)
شعرت بالارتياح لأنها وجدت مأوى مؤقتًا للعيش. بحسب أدولف، حتى لو نزلت من هذا الجبل، فإن القرى البشرية تبعد مسافة شاسعة. لو لم يساعدها، لكانت تجوب وحيدة في هذا المكان المليء بالوحوش.
مجرد التفكير في ذلك جعل قشعريرة تسري في ظهرها.
فجأة، خطرت في بالها ذكريات أليكس ووالديها. أليكس الذي أمر بنفيها خارج البلاد بطغيان لا يوصف، ووالداها اللذان تخليا عن ابنتهما بسهولة دون رحمة.
“……!”
انسابت دمعة على خدها، ثم تبعتها دموع أخرى لا تتوقف.
“…هذا فظيع…! أليكس، وأبي، وأمي، الجميع… فظيعون… لقد بذلت كل جهدي، ومع ذلك يعاملونني بهذا الظلم…”
لم يكن هناك سوى الأسى والحزن يتدفقان في قلبها كأمواج عاتية. ظلت سليميا تبكي، قضت ليلة بلا نوم.
◇◇◇
في صباح اليوم التالي.
نزلت السلالم بجسد ثقيل من قلة النوم، متجهة إلى غرفة الطعام، حيث كان أدولف يُعدّ الفطور على الطاولة وقال:
“صباح الخير، ميا. يبدو أنك لم تنامي جيدًا الليلة الماضية.”
“صباح الخير… أمم، نعم. لم أنم كثيرًا في الحقيقة…”
ابتسم أدولف ابتسامة متعاطفة وهو ينظر إلى وجهها. بعد بكائها الطويل ليلًا، كانت جفونها منتفخة وحمراء، وتحت عينيها هالات سوداء.
“اجلسي على الكرسي. انتظري قليلاً.”
“…؟ حـ، حسنًا…”
جلست على الكرسي الخشبي كما أُمرت. كان مقعده منحنيًا في المنتصف، ومسنده العالي ذو انحناء لطيف يدعم الظهر بثبات.
أثاث الغرفة كله من الخشب العتيق، ينضح بالدفء.
عاد أدولف من غرفته حاملاً قارورة زجاجية صغيرة تحتوي على سائل مائل إلى الحمرة. أخذتها منه ومالت رأسها متسائلة.
“…ما هذا؟”
“جرعة لاستعادة الطاقة والنشاط.”
“…! شكرًا جزيلًا.”
ابتسمت بلطف وهي تشكره، ثم فتحت غطاء القارورة. عندما تذوقت السائل، شعرت بمرارة حادة ونكهة كيميائية تملأ أنفها. لكن الفعالية كانت مذهلة، فما إن أنهت الجرعة حتى شعرت بزوال الإرهاق الجسدي والنفسي الذي عانت منه أيامًا.
“كيف تشعرين؟ هل تحسن مزاجك قليلاً؟”
“نعم، جسدي أصبح خفيفًا جدًا.”
“هذا جيد.”
أخذ القارورة الفارغة منها، ثم مد يده الأخرى نحو وجهها وقال:
“أغمضي عينيكِ قليلاً.”
“…؟ حسنًا.”
أطاعته وأغمضت عينيها مستعدة، فغطى جفونها بيده الكبيرة. بعد لحظة، شعرت بدفء ضوء على جفونها.
“افتحي عينيكِ الآن.”
فتحتهما برفق، فوجدت الانتفاخ قد زال وشعرت بخفة. أدركت أنه استخدم سحر الشفاء عليها. لمست عينيها بأصابعها لتتأكد، فلم تجد أي ألم.
“شكرًا جزيلًا على كل هذا اللطف.”
“لا داعي للشكر. هيا، لننهِ الفطور بسرعة. سأعلمكِ اليوم أساسيات الأعمال المنزلية. تعلميها تدريجيًا وأنتِ تنفذينها يوميًا.”
“حـ، حسنًا. أرجو أن تهتم بتعليمي.”
جلسا معًا حول الطاولة، تناولا بقايا الحساء من الليلة الماضية مع الخبز.
ثم خرجا إلى الخارج، حيث علّمها الغسيل عند بئر الماء، وتربية الدجاج، وإدارة الحقل، موضحًا كل شيء عمليًا. في السابق، كانت تترك كل شؤون البيت والحياة للخدم.
أدركت الآن مدى صعوبة الأعمال المنزلية، فنشأ لديها احترام للخدم الذين كانوا يعملون من أجلها.
مع غروب الشمس بعد تعلمها أعمال البيت، راقبت تحضير العشاء في المطبخ كما حدث بالأمس.
كان طبق اليوم عبارة عن يخنة لحم الخنزير البري.
أخرج أدولف كتلة لحم مجمدة من صندوق التبريد، وبدأ بمعالجتها بمهارة. قطع البصل إلى شرائح، وأضاف الفطر والثوم المقطعين رقيقًا إلى القدر، ثم قلّبها مع اللحم حتى تحمرّ.
انتشرت رائحة الثوم الشهية، مثيرة الجوع.
ثم صبّ النبيذ الأحمر في القدر، وأضاف التوابل وتركها تنضج حتى اكتملت. حملت سليميا الطبق الذي قدّمه لها وهي تفكر:
(من أين يحصل على هذه المكونات حقًا؟ الثوم لم يكن في الحديقة المنزلية. الخضروات قد تكون محلية، لكن النبيذ بالتأكيد ليس محلي الصنع…)
وضعت الطعام على الطاولة وانتظرت أدولف، الذي عاد من غرفته حاملاً خيطًا في يده.
“سأعطيكِ هذا.”
كان عقدًا من جلد الغزال الناعم، يتدلّى منه حجر أبيض.
“…قلادة؟”
“شيء مثل تعويذة. أنا أخرج كثيرًا. لقد وضعت تعويذة على هذا الحجر، سيحميكِ في غيابي.”
“ستخرج؟”
“نعم، للتسوق في بلدة بعيدة… وبعض الشؤون الأخرى.”
(أها)
فهمت أخيرًا لماذا كانت المكونات متنوعة وحياتهما مريحة عند سماع كلمة “تسوق”. بالنسبة لشخص يستخدم سحر النقل مثل أدولف، السفر إلى بلدة بعيدة ليس بالأمر الصعب.
علّقت القلادة حول عنقها. إذا كانت تعويذة من ساحر عبقري مثله، فلا شيء أكثر طمأنينة منها.
“شكرًا، سأحتفظ بها بعناية.”
“حسنًا.”
اجتمعا حول الطاولة وبدآ بالأكل. قطعت سليميا لحم الخنزير البري بسكينها بحركات أنيقة ووضعته في فمها.
(واه… طري ولذيذ جدًا…!)
بفضل النبيذ الأحمر، لم يكن هناك أي رائحة للحم البري، كان يذوب في الفم، مشبعًا بنكهة الخضروات، والتتبيلة مثالية.
نظر إليها أدولف بفضول وقال:
“أنتِ حقًا تأكلين بنهم.”
“طبخك لذيذ بالطبع، لكن تناول الطعام مع شخص آخر يجعله مميزًا أكثر…”
في عائلة راينليتز، لم تكن عادة تناول الطعام مع العائلة موجودة. كانت دائمًا تأكل وحدها في غرفتها.
“لم تتناولي الطعام مع أحد من قبل؟”
“نعم، كنت دائمًا وحيدة. علاقتي بعائلتي لم تكن جيدة.”
“فهمت.”
بينما كان يأكل لحم الخنزير البري بهدوء، قال:
“نفس الشيء بالنسبة لي.”
“ماذا…؟”
“لقد كنتُ دائمًا… وحيدًا. مشاركة الطاولة مع شخص ما ليست سيئة كما كنت أظن.”
رمشت سليميا بعينيها متفاجئة. كان أدولف، “البطل الجميل”، محبوبًا ومحترمًا من الجميع. افترضت أنه اعتاد على وجبات صاخبة مع الآخرين.
شعرت بالتعاطف والتآلف، فضيقت عينيها وابتسمت بلطف.
“ههه، نحن متشابهان إذن. سأبذل جهدي لأعدّ طعامًا يسعدك يا أدولف، لذا اغسل رقبتك وانتظرني!”
“…الصواب هو ‘مدّ رقبتك’، يا لكِ من… كم سأضطر للانتظار حتى تصبحين بارعة؟”
“ألم تقل لي أن أتعلم تدريجيًا؟ أنا جيدة في استيعاب الأمور، سأعمل بجد. يقولون إن الغبار إذا تكدس يمكنه ثقب حجر في ثلاث سنوات.”
“…ربما تكونين جيدة في الاستيعاب، لكن عقلكِ ليس بذلك الذكاء على ما يبدو.”
“؟”
وهكذا بدأت حياة سليميا، الفتاة المنفية، مع أدولف شوغرايز، الساحر العبقري، تحت سقف واحد—.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 6"