5
الفصل الخامس
تساقطت الثلوج بغزارة من السماء، تملأ الأجواء ببياض ناعم يلف كل شيء.
كنتُ لا أزال بين ذراعيه، أرمش ببطء وكأنني أستوعب الموقف تدريجيًا. لو لم يمسكني الدوق ويسقط معي، لكنتُ الآن أشلاء متناثرة بين الثلج.
“… سمو الدوق!”
حين أدركتُ أنه تحتي مباشرة، انتفضتُ بسرعة وأبعدتُ نفسي عنه. حتى من نظرة خاطفة، كان واضحًا أن إصابته خطيرة.
“أنا آسفة… ماذا أفعل؟! أنت تنزف!”
“… لا بأس، فقط لا تصرخي.”
زمّ شفتيه وضغط بجزء من كُمّه على عينيه وكأنه يحاول تحمل الألم. كنتُ أرتجف قلقًا بينما أرفع رأسي نحو الأعلى. لم يكن السقوط في حفرة عميقة جدًا، لكنها كانت كافية لجعل الخروج منها بمفردي أمرًا صعبًا.
وفوق كل ذلك، هو قد تأذّى بسببي.
“ألم احذرك من وجود فخاخ للوحوش؟”
“لكنني لم أتوقع أن تكون مجرد حفرة محفورة بهذا الشكل البدائي.”
“بدائي؟ … هه. في المناطق الثلجية، لا يوجد فخ أكثر كفاءة من هذا.”
“سأنادي على أحد ليساعدنا!”
نهضتُ ورفعتُ يديّ نحو الأعلى، أصرخ بكل قوتي:
“هل هناك أحد؟! شخص ما وقع في الحفرة! أيها الفرسان!”
ظللتُ أصرخ حتى شعرتُ أن حبالي الصوتية ستتمزق. لم أكن واثقة مما إذا كان صوتي يصل للخارج، لكن لم يكن أمامي خيار آخر. كان عليّ فعل أي شيء، فكل لحظة تمرّ تعني أن جراح الدوق ستزداد سوءًا.
“هل يسمعني أحد؟! نحن هنا!”
فجأة، شعرتُ بيدٍ تمسك بمعصمي. التفتُ بسرعة، وعيناي تتسعان في دهشة.
“رجاءً… توقفي عن الصراخ، رأسي يؤلمني.”
“آه…”
توقفتُ عن الكلام فورًا ونظرتُ إليه. كنتُ أمتلك قدرة علاجية، لكنها لم تكن مجدية سوى مع الحيوانات.
“حاولْ أن تتحمل قليلًا… سأوقف النزيف أولًا.”
مددتُ يدي نحوه بتردد، لكنني لم أجرؤ على لمسه. لم أستخدم قدرتي يومًا على إنسان، ولم أكن متأكدة مما إذا كانت ستنجح.
لا بد أنه لاحظ ارتباكي، لأنه أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بصوت هادئ:
“لا تقلقي، سيكون الأمر على ما يرام. الفرسان سيلاحظون غيابنا ويأتون قريبًا.”
“لكن جراحك خطيرة! كل هذا بسببي، يجب أن أفعل شيئًا…”
“كلير.”
ناداني بصوت منخفض، دافئ لكنه حازم، جعلني أرفع رأسي إليه دون وعي. كانت عيناه الزرقاوان تنظران إليّ بثبات مطمئن.
“لا بأس، لذا اهدئي.”
أومأتُ برأسي ببطء. حينها فقط، أرخى جسده قليلًا وأسند ظهره إلى جدار الحفرة. الثلج لم يتوقف عن الهطول، والبرد بدأ يتسلل إلى عظامي.
ضممتُ ذراعيّ إلى صدري محاوِلةً تدفئة نفسي. كان سيدريك صامتًا، ربما لأنه فقد الطاقة حتى للكلام. نظرتُ إليه بتردد، ثم ناديتُه بحذر:
“سمو الدوق؟”
… لم تجد إجابة.
“سمو الدوق؟!”
التفتُ إليه بسرعة، لأجده قد أغلق عينيه تمامًا.
“سمو الدوق! استيقظ!”
أمسكتُ بكتفيه وهززته بلطف، لكنه لم يتحرك. مددتُ يدي أمام أنفه، فتأكدتُ أنه لا يزال يتنفس، لكنه كان ضعيفًا. كنتُ قد سمعتُ أن فقدان الوعي بسبب البرد قد يؤدي إلى الموت، وإن استمر الأمر على هذا الحال، فسينتهي به الأمر ميتًا!
“لا يمكنك النوم الآن!”
صفعته بخفة على خده، لكنه لم يفتح عينيه. شعرتُ بالفزع، فبدأتُ أضربه على خديه بكلتا يديّ، محاولةً إبقائه مستيقظًا.
“لا! لا يمكنك النوم هنا! ستموت إن غفوت!”
صفعته صفعة اقوى
“… آه.”
وقتها فتح سيدريك عينيه أخيرًا، بينما كنتُ لا أزال أمسك وجهه بيديّ الاثنتين، وعيناي متسعتان في صدمة. لم أقصد أن أصفعه بقوة، لكن يبدو أنني بالغتُ قليلًا بسبب الذعر.
“… ماذا تفعلين؟”
“كنتُ أحاول إبقاءك مستيقظًا!”
“هل تدركين كم يبدو هذا الموقف غريبًا؟”
“… هاه؟”
حين نظرتُ مجددًا، أدركتُ كم كانت المسافة بيننا ضئيلة. في محاولتي لإيقاظه، اقتربتُ منه أكثر مما ينبغي، ويديّ كانتا لا تزالان تمسكان بخدّيه. لو رآنا أحد الآن، لظنّ أنني…
“هل كنتِ تحاولين سرقة قبلة مني بعد ما طلبتِ الطلاق؟”
“هل هذه حقًا اللحظة المناسبة للمزاح؟!”
“أنا لم أمت بعد، كنتُ فقط أشعر ببعض النعاس.”
“ان الامر سيان حاليا .
“شعرت بأن تركه على هذه الحال قد يؤدي إلى كارثة. قبضت يدي ثم بسطتهما لأهدئ نفسي. كنت أنوي انتظار الفرسان حتى يصلوا، لكنني بدأت أفقد صبري.
“في الواقع، سموّ الدوق، هناك أمر أريد أن أخبرك به…”
لكن فجأة، سقط رأسه على كتفي. استدرت إليه في دهشة، فرأيت قطرات من العرق البارد تتشكل على جبينه.
“لم تكن تشعر بالنعاس… بل كنت تتألم.”
كان فاقدًا للوعي. كنت أنوي إخباره بالحقيقة قبل أن أستخدم قدرتي، لكن يبدو أن الأمور سارت لصالحنا بهذه الطريقة.
“لا أعلم إن كانت القوة ستنجح أم لا.”
مددت يدي إلى وجنته، وأطلقت قدرتي. تمنيت من أعماق قلبي أن يكون تأثيرها فعالًا عليه كما هو على الحيوانات. فالبشر… في نهاية المطاف، هم مجرد حيوانات بطريقة أو بأخرى، أليس كذلك؟
“أرجوك… أرجوك افق.”
صلّيت بصمت. إن أصابه مكروه بسببي، فسأندم على هذا اليوم طوال حياتي.
مرت لحظات، ثم بدأت ملامحه تتحسن تدريجيًا. ومع آخر ذرة من طاقتي، زفرت براحة.
“الحمد لله…”
“ها هو! وجدناه! سموّ الدوق هنا!”
سمعت أصوات الفرسان. رفعت رأسي ورأيتهم يلقون الحبال إلى داخل الحفرة. أخيرًا، استطعت أن أتنفس الصعداء.
❖ ❖ ❖
فتح سيدريك عينيه. كانت المرة الأولى منذ زمن طويل التي يحصل فيها على نوم هانئ.
عندما استدار، رأى كلير نائمة بجانبه، أنفاسها هادئة ومنتظمة.
“لا أشعر بأي ألم على الإطلاق…”
باستثناء بعض الصداع الخفيف، كانت حالته الجسدية مثالية.
في تلك اللحظة، اندفع خادمه إليه في ذعر.
“سموّ الدوق…!”
رفع سيدريك إصبعه إلى شفتيه، مشيرًا له أن يخفض صوته.
“س-سموّ…”
خفض الخادم صوته فورًا، متلعثمًا.
نهض سيدريك من السرير، ثم التقط كلير برفق ومددها على الفراش، وسحب الغطاء عليها قبل أن يجلس على حافة السرير.
“هل أنت بخير، سيدي؟” همس الخادم.
أشار له سيدريك بيده ليبتعد، متضايقًا من قربه. تراجع الخادم بوجه متجهم.
“حسنًا، أخبرني، ماذا حدث بالضبط؟”
“آه… لا تسأل يا سيدي. لقد فقدت الوعي، فاضطرت سموّ الدوقة والفرسان إلى بذل مجهودٍ شاق لإعادتك.”
“… وما الذي كان شاقًا جدًا في الأمر؟”
“تخيل ذلك، يا سيدي. الثلوج تتساقط بغزارة، وكان علينا أن نحمل جسدك الضخم بطول 190 سم إلى حيث يوجد الحصان!”
“حسنًا، فهمت. يمكنك المغادرة الآن. أحتاج إلى مزيد من الراحة، فلا تدخل حتى أناديك.”
“كما تأمر، سيدي.”
انحنى الخادم وغادر الغرفة متثاقل الخطى.
أخذ سيدريك نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى جسده.
كانت هناك ندوب متناثرة على صدره العاري، لكنه لم يجد أي أثر للجروح التي أصيب بها من الفخ.
بل الأكثر غرابة… أنه لم يشعر بهذه الراحة منذ وقت طويل.
“… أشعر بخفة غير معتادة.”
كانت هذه الحال مريبة جدًا.
بدأت ذكريات مبهمة تتسلل إلى ذهنه، فتوسعت عيناه ببطء.
تذكّر وجهها، وهي تمسك بخديه بيديها.
لم يتذكر تفاصيل ما حدث، لكن ذلك المشهد وحده كان كفيلًا بأن يجعله يشعر بصدمة كبيرة.
“ما الذي حدث بالضبط؟”
حاول استعادة التفاصيل، لكنها بقيت ضبابية.
مسح على ذقنه بتفكير، وعندما أدار رأسه مرة أخرى، ترددت في ذهنه جملة غريبة بصوتها:
“لا! لا تنم! إن نمت هنا فستموت!”
“…”
توقف عن محاولة التذكر على الفور.
كلما حاول استرجاع ما جرى، زادت الأمور غرابة.
“لا… لا يمكن أن تكون هي من قالت هذا.”
لابد أن ذاكرته تخونه. لا يمكن لكلير أن تتفوه بكلمات خشنة كهذه.
نظر إلى جانبها مرة أخرى.
كانت لا تزال نائمة بسلام، وكأنها لا تدري عن شيء.
ربما كان كل هذا مجرد وهم، لأن ذاكرته لم تكن واضحة.
لكن هناك شيء واحد كان متأكدًا منه…
في اللحظة التي بدأ فيها يفقد وعيه داخل الفخ، كان صوتها آخر ما سمعه.
“الحمد لله.”
كان ذلك الصوت ممتلئًا بقلق لم يشعر به أحد تجاهه من قبل.
لم يكن أحد قد ناداه بهذا الحنان قط.
وبلا وعي، بدأت كلير تثير فضوله أكثر فأكثر.
كان زواجهما مجرد التزام، وهو لم يهتم قط بهوية العروس.
لكن الآن… أراد أن يعرفها.
لم يفكر أبدًا في استكشاف علاقتها به، كان يعتبرها مجرد زواج رسمي لا أكثر.
لكنه الآن أراد أن يفهم من هي كلير حقًا.
مد يده إلى شعرها البنفسجي، وأزاح بعض الخصلات عن وجهها، ثم ابتسم ابتسامة خافتة.
“يا لكِ من امرأة غامضة.”
قبل أيام، كانت تتوسل الطلاق، والآن كانت تبذل كل ما بوسعها لإنقاذ حياته.
تذكر تعابير وجهها، ترددها، نظرتها القلقة…
رفع يديه إلى وجهه وتنهد بعمق.
“ما الذي أفعله بحق الجحيم؟”
شعر بتشوش غريب، وكأن الأمور بدأت تنحرف عن مسارها الطبيعي.
مرر يده في شعره بتوتر، ثم نظر إليها مجددًا.
كانت خصلاتها تتناثر على الوسادة، وملامحها تبدو قلقة، كما لو أنها كانت تحلم بشيء مزعج.
“ما الذي تحلمين به؟”
اقترب قليلًا ليصغي إلى همساتها.
“هممم… أيها الأوغاد اللعينون.”
“…”
رفع رأسه على الفور.
حسنًا… من الأفضل أن يتظاهر بأنه لم يسمع ذلك.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"