4
الفصل الرابع
لم يكن في حسبانه منذ البداية أن زواجه سيكون من “كلير”.
كان “سيدريك” يظن أيضًا أن زواجه سيكون من الأميرة “إيزابيل”. فقد كان ذلك أحد مكافآت الإمبراطور مقابل انتصاره في الحرب.
لم يكن ليسمح لنفسه برفض عرضٍ كهذا، إذ كان يشمل استقلال الشمال وتوفير الموارد اللازمة له. فالشمال، الذي تتساقط عليه الثلوج طوال السنة، كان بحاجة إلى موارد أكثر، وكان من الضروري قبول هذا العرض من أجل من وثقوا به وتبعوه.
لكن لم يخطر بباله أبدًا أنه سينتهي بالزواج من تلك المرأة الغريبة التي صادفها في القصر الإمبراطوري ذلك اليوم.
حتى الآن، كلما تذكر الأمر، لم يستطع منع نفسه من الابتسام بسخرية. كان من الواضح أنها كانت تلاحقه، كيف له ألا يلاحظ ذلك؟ حتى لو كانت مجرد فضول، فإن نظراتها المشدوهة والمتقدة نحوه لم تكن شيئًا يمكن تجاهله.
في الواقع، كان قد التقى “إيزابيل” من قبل. فقد استدعاه الإمبراطور ذات مرة إلى مجلسه، وهناك رأى الأميرة للمرة الأولى. شعرها الذهبي وعيناها الذهبية كانتا دليلًا واضحًا على نسبها الإمبراطوري. الجميع كانوا منشغلين بمديحها، متغنين بجمالها الخلاب الذي لا يمكن مقاومته.
قال الإمبراطور بكل فخر:
“إنها ابنتي، العروس المثالية التي يطمح إليها الجميع في الإمبراطورية. إنها تمتلك قدرة خارقة، مما يجعلها هدفًا للجميع.”
أجابه سيدريك ببرود:
“حقا؟”
لكن ذهنه لم يكن منشغلًا بالأميرة، بل كان يتذكر تلك المرأة الغريبة التي رآها سابقًا. شعرها الذي كان يلمع بوهج بنفسجي، وعيناها الذهبية اللتين ارتسمت فيهما ملامح الارتباك حين التقت عيناهما.
قال الإمبراطور بصوت هادئ، ولكن يحمل تحته معاني دفينة:
“لم أظن أن الدوق سينتصر.”
بدا أن الإمبراطور كان يأمل في موته. فقد كان يرغب في السيطرة على الأراضي الشاسعة، لكنه في الوقت نفسه لم يكن يريد أن يمنح ابنته لأي أحد.
بالنسبة إلى سيدريك، لم يكن يهمه مع من سيتزوج. كان عليه فقط أن يحصل على ما وُعد به.
“يجب أن يتم الزواج في أسرع وقت.”
بمجرد أن قال ذلك، امتلأت عينا “إيزابيل” بالدموع، فاهتزت جفونها وكأنها على وشك الانهمار، ثم انزلقت دمعة صامتة على خدها.
لكنها لم تصدر أي صوت، فقط عضت على شفتيها بصمت.
كان يعلم أنها لا ترغب في هذا الزواج، لكنه لم يتوقع أنها ستحاول التهرب منه بهذه الطريقة، عبر تقديم أختها بدلاً منها.
عبست ملامح سيدريك وهو يتذكر حديث “كلير” حين طلبت منه الطلاق.
❖ ❖ ❖
شعرت بالارتباك.
لماذا ظهر سيدريك بدلاً من “كافين”؟ كان يقف بجوار حصانه، ينظر إليّ مباشرةً.
“وكأن التوتر حول موضوع الطلاق لم يكن كافيًا…”
متى كان يبتسم بودٍّ، والآن يطعني من الخلف هكذا؟ أدرت وجهي بامتعاض.
“لم أكن أعلم أن الدوق سيخرج بنفسه معي.”
أجاب سيدريك بنبرة هادئة، لكن عينيه كانتا تلمعان بشيء غير مفهوم:
“يبدو أنكِ خاب أملكِ. كافين كان لديه عمل مهم، فلم يستطع المجيء.”
“…إذًا، سأعود لاحقًا.”
“تطلبين الطلاق، ومع ذلك تتحدثين وكأنكِ تنوين البقاء في الشمال للأبد.”
“أليس ذلك لأنك لن توافق على الطلاق؟”
لم يجب سيدريك، بل اقترب مني بخطوات ثابتة، ثم فجأة، رفعني بين ذراعيه وأجلسني على ظهر الحصان.
“على أي حال، كنت متوجهًا إلى الغابة في دورية، لذا سواءً أعجبك الأمر أم لا، تحمّليه لهذا اليوم. أو يمكنكِ أن تركبي وحدكِ إن أردتِ.”
شعرت بالارتباك من ارتفاع الحصان، فأمسكت بعنان الفرس بقوة. كيف لي أن أركب وحدي وأنا لا أعرف كيف أمتطي الحصان أصلًا؟
“…أنا لا أعرف كيف أركب الخيل.”
رفع حاجبه قليلًا وقال بسخرية واضحة:
“إذا كنتِ لا تعرفين، فكيف كنتِ تنوين اللحاق بنا؟ لا تقولي إنكِ كنتِ تنوين الركوب مع كافين.”
تجمدت في مكاني. لقد أصاب كبد الحقيقة. إن لم يكن هناك عربة، كنت أنوي أن أطلب من “كافين” أن يساعدني.
تنهد سيدريك بعمق وقال:
“هكذا إذًا.”
ثم قفز بخفة إلى ظهر الحصان وجلس خلفي. عندما شعرت بوجوده قريبًا جدًا مني، انحنيت للأمام وأحطت نفسي بذراعيّ، لكن صوته الجاف وصلني:
“بهذه الوضعية، سيكون الأمر خطيرًا.”
ثم مد يده من خلفي وسحبني برفق حتى استويت جالسة، مما جعل جسدي ينتصب بقوة، وكاد رأسي أن يدور من شدة التوتر.
ثم أمسك بعنان الفرس، وكانت يديه تحيطان بي بالكامل. تجمدت في مكاني، وكأن أنفاسه الدافئة تلامس عنقي.
“استرخي، إلا إذا كنتِ ترغبين في أن يثور الحصان.”
“هك!”
شعرت بالرعب، فسحبت نفسًا عميقًا محاوِلة تهدئة نفسي.
عندما تحرك الحصان للأمام، أمسكت بيده اللا إراديا.
“آه، آسفة!”
“هل لمسي أمر بهذا السوء؟ إن لم يكن كذلك، فسأمسك بكِ جيدًا حتى لا تسقطي.”
وقبل أن أستوعب ما قاله، أدخل ذراعه بين خاصرتي وذراعي، ثم أحاطني بإحكام. ارتعدت من دفئه الذي انتقل إليّ عبر المعطف السميك.
كلما تحرك الحصان، كان جسده القوي يلامس ظهري، مما جعلني أشعر باضطراب غريب، فتجمعت العرق في راحتيّ.
عندما توغلنا أكثر داخل الغابة، تجلّى أمامي منظر مذهل. امتدت الثلوج البيضاء على مد البصر، مما جعلني أفتح فمي بدهشة.
“إنه رائع…”
كان الشمال مشابهًا لما تخيلته، لكنه بدا أكثر جمالًا مما يمكن للكلمات وصفه.
“لماذا كانت إيزابيل تكره هذا المكان؟”
حتى القلعة كانت دافئة بفضل أحجار الطاقة السحرية. والحدائق المشذبة بعناية كانت ساحرة بكل معنى الكلمة.
طوال الطريق، لم أستطع كبح اندهاشي من المناظر الطبيعية. تراكم الثلج على الأغصان، وامتزج سكون الغابة بسحر لا يوصف.
“هل تعيش الحيوانات هنا؟”
أجاب سيدريك بصوت هادئ:
“ربما.”
“إذًا، لم يسبق لك أن رأيتها؟”
“بسبب وجود الوحوش، لا نأتي إلى الغابة إلا في حملات الإبادة.”
في الحقيقة، كان لديّ سبب خاص للمجيء إلى هنا. كنت أبحث عن الشجرة التي ستساعدني على ايقاظ قدرتي الخارقة بالكامل. كانت فكرة قد خطرت ببالي أثناء بحثي عن شيء أفعله هنا في الشمال.
بهذ الشجرة ، ستتمكن إيزابيل عند ايجادها في القصة الاصلية من إحكام قبضتها على سيدريك أكثر فأكثر.
إذا تمكنتُ من العثور عليها اولا ، فربما يسهل عليّ التحدث مع سيدريك لاصل الى اتفاق معه. فكل صفقة تستلزم ثمناً يجب دفعه.
“إبادة الوحوش…”
رددتُ كلماته في ذهني بينما كنتُ أتفحص المكان من حولي. لحسن الحظ، لم أشعر بأي وجود آخر قريب.
“لقد أنهيتُ عملية الإبادة قبل وصولكِ، لذا لا داعي للقلق.”
“أفهم ذلك. هل يمكنني النزول من الحصان والتفقد بنفسي؟”
أوقف سيدريك حصانه وقفز برشاقة إلى الأرض، ثم مدّ يده نحوي.
“أمسكي بيدي وانزلي.”
“إنه… مرتفع جداً.”
لم أكن أرغب في قول ذلك، ولكن الواقع أن الجلوس على ظهر الحصان كان أعلى مما توقعت. انعكست لمعة غريبة في عينيه الزرقاوين، وبمجرد أن رأيت ذلك، شعرتُ بالحيرة والتوتر، فأمسكت بيده على عجل، محاوِلة النزول باستخدام موطئ القدم.
“آه!”
لكن قدمي زلّت، وسقطتُ مباشرة في أحضانه. لم أستطع فعل شيء سوى أن أفتح عينَي على اتساعهما في صدمة.
وما إن استعدتُ توازني وخرجتُ من بين ذراعيه، حتى قمتُ بتصفية حلقي متظاهرةً بعدم الاكتراث.
“ش، شكراً لك.”
“لا شيء يُذكر. بما أنكِ أردتِ رؤية المكان، فسأُرشدكِ.”
أومأتُ برأسي، وبدأنا نسير معاً وسط الثلج الذي أخذ يُصدر صوتاً خافتاً تحت أقدامنا. كنتُ أبحث بعينَي عن الشجرة المطلوبة كما لو كنتُ صائدة كنوز.
إذا تمكنتُ من العثور على الشجرة المباركة، فقد أتمكن من الطلاق. لم يكن لديّ خيار سوى إيجادها قبل العودة. لذا، أسرعتُ في خطاي، باحثةً عن أي شجرة تشعّ بالنور وسط الغابة المتجمدة.
“لا تبتعدي كثيراً. فقد بدأ الثلج يتساقط، وهناك أفخاخ وضعتها لاصطياد الوحوش، لذا كوني حذرة.”
كان سيدريك يحذرني من الخلف، لكني لم ألتفت إليه واكتفيتُ بهز رأسي، ثم توغلتُ أكثر. لم يكن بإمكاني العودة خالية الوفاض، فقد كنتُ في غاية العزم.
فمجرد التفكير في أنني سأُرمى جانباً من قِبَل زوج خائن كان كافياً ليشعل نيران الغضب في داخلي. لذلك، كان عليّ التخلص من أي عائق يقف في طريقي.
فجأة، اقترب مني وسألني بصوت منخفض:
“هل تبحثين عن شيء ما؟”
“نعم. شيء بالغ الأهمية.”
“هذه أول مرة تزورين الشمال، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح… لكنني علمتُ بوجود شيء معين هنا، نوع من الأساطير، إن صح التعبير.”
ضحكتُ بتوتر، محاوِلةً التهرب من الشرح.
لكن في تلك اللحظة، لمحتُ بريقاً بعيداً بين الأشجار، وكأن الشجرة التي كنتُ أبحث عنها قد ظهرت أخيراً.
“هناك!”
غمرني الحماس، فانطلقتُ راكضة نحوها، لكن…
“انتظري!”
سمعتُ صوت سيدريك يناديني، لكن بعد فوات الأوان.
شعرتُ بالأرض تنهار تحت قدمي، وسرعان ما غاب بصري في الظلام…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"