الفصل الثالث 

“آه… لا أستطيع الهضم.” 

تلفعت بالملابس الثقيلة وخرجت إلى الحديقة، ثم جلست على أحد المقاعد، أشعر وكأن معدتي تعتصرني. كانت الثلوج قد تراكمت حتى بلغت مستوى الركبتين، مما دلّ على مدى غزارتها. 

لحسن الحظ، بدا أن أحدهم استخدم حجارة الطاقة السحرية لتمهيد ممرات للمشي، مما جعل التنقل أسهل. 

كان المشهد أمامي بديعًا، منظر ساحر يسرّ العين. لولا أنني أعلم ما ينتظرني، لكنت استمتعت بهذا المنظر بحق. 

حتى الزهور، التي كان يفترض أن تتجمد في هذا البرد القارس، كانت متفتحة بألوان زاهية وكأنها تتحدى الشتاء القاسي. 

ولكن، متى بالضبط تم نقلي إلى هنا؟ 

هذا القصر، رغم أنه يقع بعيدًا عن العاصمة، كان يُفترض أنه مجرد منزل للمتزوجين حديثًا… أليس كذلك؟ لم أكن أعرف موقعه تحديدًا، فالخريطة التي أعطتني إياها إيزابيل قادت العربة مباشرة إلى هنا، دون أن تتيح لي فرصة إدراك الاتجاهات. 

بل إنني، فور وصولي، اقتادني المرافقون مباشرة إلى غرفتي، ثم قُضي الأمر! ليلة زفاف ساخنة، أعقبها نوم عميق… وحين فتحت عيني، وجدت نفسي في القصر الدوقي! 

لابد أنني كنت مرهقة إلى درجة أنني لم أشعر حتى بنقلي من مكان إلى آخر. 

“آآآه! إيزابيل!!” 

لماذا خدعتني وجعلتني أتزوج بدلاً منها؟! 

لابد أنها، مثلما في الرواية الأصلية، حكمت على سيدريك بناءً على الشائعات، دون أن تكلف نفسها عناء رؤيته بنفسها. 

رغم أنني ألمحت لها مرارًا وتكرارًا أنني لن أكون البديلة! 

ترى… هل اعتقدت أنني كنت أبعث لها إشارات؟ هل تخيلت أنني معجبة بسيدريك وأرغب فيه، لذا دفعتني نحوه بهذه الطريقة؟ 

كلما فكرت في الأمر، بدا هذا هو التفسير الأكثر منطقية. 

“علي أن أتصرف… يجب أن أجد حلًا.” 

مهما كلفني الأمر، يجب أن أنهي هذا الزواج قبل أن يتفاقم الوضع. 

تزوجت، فقط لأجد زوجي يهوى بأخرى ويهجرني؟ هذا المشهد المهين لن أسمح له بأن يكون جزءًا من حياتي! 

لطالما تهربت من سيدريك لهذا السبب تحديدًا، لكن المشكلة أنني الآن أمام معضلة أخرى… كيف يمكنني البقاء بجوار رجل بهذه الوسامة وهذا الجسد المثالي، ثم أتحكم في قلبي وأمنع نفسي من الوقوع فيه؟! 

لا، لا… الحل الوحيد هو الطلاق. 

❖ ❖ ❖

كنت مصممة على فرض مبدأ الغرف المنفصلة على سيدريك، وفي الوقت نفسه، أردت أن ألمّح لموضوع الطلاق. 

“أممم…” 

رفعت عيني نحوه، لأجده منهمكًا في تقليب الأوراق في مكتبه، لكنه سرعان ما رفع رأسه ونظر إليّ مباشرة. 

“هل لديكِ ما تريدين قوله؟” 

“بعد تفكير طويل، أدركت أن استمرار هذا الزواج ليس القرار الصائب.” 

“……”

تغير بريق عينيه الزرقاوين للحظة، ثم وضع قلمه جانبًا وسند ذقنه على راحة يده، يحدق فيّ بصمت مربك. شعرت بجفاف في حلقي تحت تأثير تلك النظرة النافذة. 

“إذًا، تريدين الطلاق؟” 

“إن أمكن، نعم.” 

“هذا مستحيل.” 

“…لكن، لم يتم تسجيل الزواج رسميًا بعد، كما أن والدي…” 

قبل أن أكمل، فتح أحد أدراج مكتبه وأخرج منه وثيقة، ثم رفعها أمامي قائلاً: 

“تمت الموافقة بالفعل. لقد تلقيتُ أمرًا بالإسراع في إتمام الأوراق، وقد نفذتُ ذلك. ثم إنكِ من قلتِ إنه لا داعي لحفل الزفاف، أليس كذلك؟” 

لكنني لم أقل هذا! إيزابيل من قالت ذلك، وليس أنا! 

“ناهيك عن ذلك، هناك رسالة من القصر الإمبراطوري أيضاً. الاسم المذكور هنا هو كلير آن روز، وهو اسمكِ، أليس كذلك؟” 

وضع الرسالة على الطاولة، فتقدمت ببطء وأخذتها منه، فتحتها بحذر، ثم حدقت في الختم الموجود عليها. 

“هذا… هذا اسمي حقًا! وحتى ختم والدي موجود عليها!” 

لابد أن هذه كانت من تدبير إيزابيل… هل كانت تكره فكرة الزواج من سيدريك لهذه الدرجة؟! 

أحسست بصداع مفاجئ وضغطت على جبيني، ثم زفرت بضيق. 

“الزواج عهد، ولا يمكن كسره.” 

قالها سيدريك بنبرة ثابتة، لم تعكس أي مشاعر. هل لديه مشاعر أصلًا؟ أم أنه ببساطة متمسك بالزواج لمجرد أنه أمر واقع؟ 

لكن… هذا الزواج لن يستمر في جميع الأحوال، فلماذا يبذل هذا الجهد في الحفاظ عليه؟ 

“ما هذا العناد؟!” 

تراجعت خطوة للخلف وأنا أحدق فيه. 

“في الواقع، ما لا أفهمه هو موقفكِ أنتِ. لقد كنتِ تلاحقينني في القصر خفية، أليس كذلك؟ ألم يكن ذلك بدافع الفضول؟” 

“هـ-هذا لأنني كنت أتساءل كيف يبدو الرجل الذي ستتزوجه إيزابيل! لم يكن سوى فضول عابر!” 

“إذن، يمكنكِ أن تراقبيني عن كثب وتشبعين فضولكِ أكثر.” 

“أوه، هذا مستحيل… إنه يدور في حلقة مفرغة!” 

لم يكن ينوي الطلاق أبدًا. 

كنت أظن أنه سيسعد بإنهاء هذا الزواج بنفس قدر سعادتي، لكن يبدو أنني كنت مخطئة. 

ترى… هل لديه سبب يجعله يرفض فكرة الطلاق بهذه الشدة؟ 

“هل هناك سبب يجعلك غير قادر على الطلاق؟” 

“أسباب كثيرة. وأهمها أنني لست رجلًا يتراجع عن زواجه بهذه السهولة.” 

“…لكن، قد تكون هذه فرصة جيدة لك. ربما إذا تطلقتَ مني، ستستعيد قلب إيزابيل؟” 

“لا تهمني مشاعر شخص تخلى عني بمحض إرادته.” 

نهض فجأة من مقعده، لينظر إليّ من الأعلى بعينين باردتين. 

“حتى لو لم يعجبكِ هذا المكان، فلا خيار أمامكِ سوى التأقلم، لأنه أصبح منزلكِ الآن.” 

“هذا ليس ما أعنيه—” 

“أنا مشغول، لذا أرجو منكِ المغادرة الآن.” 

“…!”

“آه، سحقًا!” 

لقد كانت طردًا واضحًا لا يحتمل التأويل. 

لم يكن أمامي سوى الخروج من المكتب، وأنا أقبض على يدي بغيظ! 

❖ ❖ ❖

“ﻻ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻓﻬﻢ ﻫﺬﺍ.” 

ﺗﻨﻬﺪ ﺳﻴﺪﺭﻳﻚ ﻭﻫﻮ ﻳﻤﺮﺭ ﻳﺪﻩ ﺑﻴﻦ ﺧﺼﻼﺕ ﺷﻌﺮﻩ، ﻣﺘﺤﻴﺮًﺎ ﻣﻦ ﺳﺒﺐ ﺇﺻﺮﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻼﻕ، ﻭﻛﺄﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺩﻭﻧﻪ. 

ﻟﻢ ﻳﻤﻀِ ﺃﺳﺒﻮﻉ ﻛﺎﻣﻞ ﻣﻨﺬ ﺯﻭﺍﺟﻬﻤﺎ. ﺑﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻣﻨﺬ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺰﻓﺎﻑ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻌﻤﺪ ﺗﺠﻨﺒﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺃﻥ ﺟﺴﺪﻳﻬﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻼﻣﺴﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ ﻟﻤﺮﺓ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﺸﻐﻮﻟًﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺴﻨَّ ﻟﻪ ﺩﺧﻮﻝ ﻏﺮﻓﺘﻪ ﻛﺜﻴﺮًﺎ، ﻟﻜﻦ ﻛﻠﻤﺎ ﺭﺂﻬﺎ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺣﺪﻳﺚ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻄﻼﻕ، ﻣﻤﺎ ﺃﻳﻘﻆ ﻋﻨﺎﺩﻩ. 

“ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺭﺃﺳﻬﺎ؟” 

ﻭﻗﻒ ﻭﺃﺩﺍﺭ ﺫﺭﺍﻋﻴﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺻﺪﺭﻩ، ﺛﻢ ﺭﻣﻖ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ. ﻫﻨﺎﻙ، ﻟﻤﺢ ﻛﻠﻴﺮ ﻭﻫﻲ ﺗﺘﻬﺎﺩﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﻣﺮﺗﺪﻳﺔ ﻣﻼﺑﺲ ﺛﻘﻴﻠﺔ، ﺗﺴﻴﺮ ﺑﺘﺜﺎﻗﻞ ﺗﺤﺖ ﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ. 

“ﻻ ﺑﺪ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺠﻬﻞ ﻛﻢ ﻫﻮ ﻣﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ.” 

ﺳﻤﻊ ﺃﻥ ﺍﻺﻤﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺒﺎﻟﻲ ﺑﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮًﺎ، ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺍﺑﻨﺔ ﻏﻴﺮ ﺷﺮﻋﻴﺔ. ﻓﻲ ﺍﻸﺼﻞ، ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺽ ﺃﻥ ﻳﺘﺰﻭﺝ ﻣﻦ ﺇﻳﺰﺍﺑﻴﻞ، ﻟﻜﻦ ﻟﺴﺒﺐ ﻣﺎ، ﺃﺭﺳﻞ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻏﻴﺮﺕ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻣﺸﻴﺮًﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﻏﺒﺘﻪ ﻓﻲ ﺇﺗﻤﺎﻡ ﺯﻭﺍﺝ ﻫﺎﺩﺉ ﺑﻌﻴﺪًﺎ ﻋﻦ ﺃﻱ ﺿﺠﺔ. 

ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻪ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻬﻤًﺎ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺮﻭﺱ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﻛﻠﻴﺮ ﺃﻭ ﺇﻳﺰﺍﺑﻴﻞ، ﻓﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ. ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺃﻓﻀﻞ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸﻜﻠ؛ ﻓﺰﻭﺍﺟﻪ ﻣﻦ ﻛﻠﻴﺮ، ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻺﻤﺒﺮﺍﻃﻮﺭ، ﻳﻌﻨﻲ ﺗﺠﻨﺐ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ. ﺃﻣﺎ ﻟﻮ ﺗﺰﻭﺝ ﻣﻦ ﺇﻳﺰﺍﺑﻴﻞ، ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺗﺤﺖ ﺭﻗﺎﺑﺔ ﻣﺸﺪﺩﺓ. 

“ﺃﻡ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀًﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﺄﻣﺮ ﻣﻦ ﺍﻺﻤﺒﺮﺍﻃﻮﺭ؟ ﻫﻞ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﻧﻘﺾ ﺍﻟﻌﻬﺪ؟” 

ﺇﺫﺍ ﻓﺸﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭُﻌﺪﺕ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺳﺘﺘﺒﺨﺮ، ﻭﻫﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻣﺮًﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺡ ﺑﺤﺪﻭﺛﻪ. ﺃﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﻪ ﺍﻺﻤﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﺣﺘﻰ ﺍﻶﻦ؟ 

“ﺍﻟﻄﻼﻕ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ.” 

ﺟﺪﺩ ﻋﺰﻣﻪ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺪﻭﺭ ﻓﻲ ﺭﺃﺳﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﻟﻦ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺬﻟﻚ. 

“ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﺍﻟﺪﻭﻗﻲ.” 

“ﺁﻪ، ﻛﺎﺑﻦ. ﻫﻞ ﺃﻧﺠﺰﺕ ﻣﻬﻤﺘﻚ؟” 

“ﻟﻘﺪ ﻗﻀﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﻮﺵ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﺑﺔ، ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﻏﺎﺿﺒﺔ ﺑﺸﺪﺓ. ﻫﻞ ﺣﺪﺙ ﺷﻲﺀ ﻣﺎ؟” 

“ﻻ ﺷﻲﺀ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺍﻟﺬﻛﺮ.” 

ﺣﻚ ﻛﺎﺑﻦ ﺭﺃﺳﻪ، ﺛﻢ ﺃﻭﻣﺄ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻼﺣﻆ ﻛﻴﻒ ﺃﻥ ﺳﻴﺪﺭﻳﻚ ﻟﻢ ﻳﺒﻌﺪ ﻋﻴﻨﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ. 

“ﻛﻨﺖ ﻗﻠﻘًﺎ، ﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺍﻟﺴﻤﻮ ﻗﺪ ﺃﺣﺒﺖ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ.” 

“…ﺃﺣﺒﺖ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ؟” 

ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ. ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎﺭﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺨﻂ ﻣﻨﺬ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﺰﻓﺎﻑ. ﺑﻔﺠﺎﺋﻴﺔ، ﺃﺳﺪﻝ ﺳﺘﺎﺋﺮ ﺍﻟﻨﺎﻓﺬﺓ ﻭﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ. 

“ﺃﺟﻞ، ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﺒﻬﺮﺓ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ. ﺗﺠﻮﻟﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﻘﺔ ﻭﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﺗﻠﻤﻌﺎﻥ ﺇﻋﺠﺎﺑًﺎ.” 

“ﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧﻚ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﻘﺮﺑًﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ.” 

“ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻫﻲ ﻣﻦ ﺑﺎﺩﺭﺕ ﻭﺳﺄﻟﺘﻨﻲ ﻋﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻓﺎﻧﺘﻬﻰ ﺑﻨﺎ ﺍﻟﻤﻄﺎﻑ ﻧﺘﺤﺪﺙ ﻛﺜﻴﺮًﺎ. ﺣﺘﻰ ﺇﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺮﻳﺪ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﺍﻟﻐﺎﺑﺔ ﻏﺪًﺎ.” 

ﺿﺤﻚ ﻛﺎﺑﻦ ﺑﺨﻔﺔ، ﻟﻜﻦ ﻭﺟﻪ ﺳﻴﺪﺭﻳﻚ ﺍﺯﺩﺍﺩ ﻇﻠﻤﺔ. ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﻛﻠﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻠﻄﺎﻓﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ. ﻛﻠﻤﺎ ﻓﻜﺮ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﺍﺯﺩﺍﺩ ﺇﺣﺒﺎﻃﻪ، ﻓﺘﻀﺎﻳﻖ ﻭﺭﺍﺡ ﻳﻘﻠﺐ ﺍﻸﻮﺭﺍﻕ ﻣﺤﺎﻭﻟًﺎ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻠﻪ. 

“ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ، ﺷﻌﺮﺗُ ﺑﺨﻴﺒﺔ ﺃﻣﻞ ﻷﻨﻚ ﻟﻢ ﺗﺘﺰﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻸﻤﻴﺮﺓ ﺇﻳﺰﺍﺑﻴﻞ، ﻟﻜﻨﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺴﻴﺪﺓ ﻛﻠﻴﺮ ﻫﻨﺎ.” 

ﻇﻞ ﻛﺎﺑﻦ ﻣﺒﺘﺴﻤًﺎ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ ﺫﻟﻚ. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﺗﻪ ﺃﻱ ﺳﺨﺮﻳﺔ، ﺑﻞ ﺑﺪﺍ ﺣﻘًﺎ ﺳﻌﻴﺪًﺎ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻛﻠﻴﺮ. ﺻﺤﻴﺢ ﺃﻥ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻣﻦ ﺍﻸﻤﻴﺮﺓ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﻮﻓﺮ ﻟﻬﻢ ﻗﺪﺭﺍﺕ ﺳﺤﺮﻳﺔ ﺇﺿﺎﻓﻴﺔ، ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺣﻈﻮﺍ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺃﻳﻀًﺎ. 

ﻣﻦ ﻭﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ ﻛﺎﺑﻦ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻠﻨﺪﻡ. ﻓﺎﻟﺪﻭﻕ ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻬﻤﻪ ﻣﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﺮﻭﺱ. 

“ﺗﺮﻯ، ﻫﻞ ﻳﻌﺮﻑ ﺣﺘﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺤﺐ؟ ﻻ ﺃﻇﻦ ﺫﻟﻚ.” 

ﺳﻴﺪﺭﻳﻚ ﻟﻢ ﻳﺴﺒﻖ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺐ. ﺭﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻛﻠﻴﺮ ﻛﻤﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺠﺮﺩ ﺣﺠﺮ ﻻ ﺃﻛﺜﺮ، ﻟﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻨَّ ﻟﻬﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮ؟ ﻫﺬﺍ ﻣﺴﺘﺒﻌﺪ ﺗﻤﺎﻣًﺎ. 

“ﻣﻊ ﺫﻟﻚ، ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻄﻴﻔًﺎ ﻣﻌﻬﺎ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻤﻮ، ﺃﻥ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﺑﺮﻗﺔ. ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻚ ﺃﻥ ﺗﺮﺍﻓﻘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﺎﺑﺔ ﻏﺪًﺎ؟” 

“ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﻋﻠﻲ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ؟” 

“ﻷﻨﻬﺎ ﺯﻭﺟﺘﻚ ﻣﻦ ﺍﻶﻦ ﻓﺼﺎﻋﺪًﺎ. ﺳﺘﻜﻮﻥ ﻭﺣﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﺎﻟﻲ، ﻓﻼ ﺷﻚ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﻮﺣﺪﺓ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ، ﺑﺼﺮﺍﺣﺔ، ﻣﻈﻬﺮﻙ ﻣﺮﻋﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﻲﺀ، ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺴﻤﻮ.” 

“…ﻣﺎﺫﺍ؟” 

“ﺃﻧﺖ ﻻ ﺗﺒﺘﺴﻢ ﺃﺑﺪًﺎ، ﻟﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﻭ ﻣﺨﻴﻔًﺎ. ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺊ ﺇﻥ ﻗﺮﺭﺕ ﺍﻟﻬﺮﺏ، ﺃﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ؟” 

“ﻭﺍﺻﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ.” 

“…ﻓﺠﺄﺓ ﺗﺬﻛﺮﺕ ﺃﻥ ﻟﺪﻱ ﻋﻤﻠًﺎ ﻋﻠﻲ ﺇﻧﺠﺎﺯﻩ، ﺳﺄﻏﺎﺩﺭ ﺍﻶﻦ!” 

ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺃﻥ ﻻﺣﻆ ﻛﺎﺑﻦ ﻛﻴﻒ ﺃﻇﻠﻢ ﻭﺟﻪ ﺳﻴﺪﺭﻳﻚ، ﻫﺮﺏ ﺳﺮﻳﻌًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺘﺐ. ﺑﻘﻲ ﺳﻴﺪﺭﻳﻚ ﻭﺣﺪﻩ ﻟﻠﺤﻈﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﺘﻔﺖ ﻟﻴﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺮﺂﺔ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺒﻪ. 

“…….”

ﺭﻓﻊ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺷﻔﺘﻴﻪ ﺑﺎﺑﺘﺴﺎﻣﺔ ﻣﺘﻜﻠﻔﺔ، ﻳﺤﺪﻕ ﻓﻲ ﺍﻧﻌﻜﺎﺳﻪ ﺑﺼﻤﺖ ﻃﻮﻳﻞ، ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺮﺂﺔ ﻓﺠﺄﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻬﺎ. 

ﻟﻘﺪ ﻧﺴﻲ ﺗﻤﺎﻣًﺎ ﻣﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺁﺨﺮ ﻣﺮﺓ ﺍﺑﺘﺴﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺼﺪﻕ. 

“ﻳﺎ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺃﺣﻤﻖ، ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻓﻌﻠﻪ؟” 

ﻗﺒﺾ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﻓﻲ ﺿﻴﻖ، ﺛﻢ ﻏﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻜﺘﺐ. ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﻗﺎﺩﺭًﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺳﻂ ﻫﺬﺍ ﺍﻼﺧﺘﻨﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﻪ.