2
الفصل الثاني
بعد رحيل سيدريك، انفجرت إيزابيل في البكاء، دموعها تتساقط بغزارة وهي تبكي بصوت يملؤه الحزن. لكن حتى مع ذلك، لم يُبدِ والدي أي رد فعل، وكأنه لم يسمع شيئًا.
“إذن، كان هذا هو سبب استدعائه المفاجئ… الحديث عن الزواج.”
كنتُ أراقب حديثهما بشرود، بالكاد أستوعب ما يُقال. لم يكن الأمر أنني لم أكن مهتمة، بل لأن عقلي كان لا يزال عالقًا في الموقف المحرج الذي وقعتُ فيه مع سيدريك. هروبي بتلك الطريقة كان مشهدًا مخزيًا، وكلما تذكرتُه، شعرتُ برغبة في الاختفاء من الوجود.
“أرجوكِ، فقط وافقي على الزواج…”
تشابكت أناملي في صلاة صامتة. لو حدث ذلك، كم سيكون الأمر رائعًا! فوفقًا لأحداث الرواية الأصلية، كانت إيزابيل ستعترض بقوة أمام الإمبراطور وترفض الزواج.
التفتُّ نحوها بحذر، فرأيتها تقبض على طرف فستانها بقوة. كنتُ قد تهيأت لسماع احتجاجاتها المعتادة، لكن ما نطقت به كان أبعد ما يكون عن توقعاتي.
“حسنًا، إذا كان هذا ما تريده يا أبي، فسأقبل.”
رغم الدموع التي انسابت على وجنتيها، كانت نبرتها ثابتة، لا أثر فيها للتردد أو الاضطراب.
شعرتُ بالارتياح أخيرًا، وزفرتُ بعمق. لكن راحتي لم تدم طويلًا.
“لكن يا أبي، أليس الوقت مناسبًا أيضًا لزواج كلير؟”
“ماذا؟!”
ارتفع اسمي فجأة وسط الحديث، مما أعادني إلى الواقع دفعة واحدة. كنتُ أعلم أن الأمر لن ينتهي بسهولة…
“زواج كلير قد يتأخر قليلًا.”
نطق والدي بتلك الكلمات، لكن إيزابيل لم تبدُ مقتنعة. بل بالعكس، كانت تحمل في عينيها إصرارًا غريبًا وهي تقول:
“سأبذل جهدي في هذا الأمر. أريد لأختي أن تتزوج في مكان جيد.”
“لكنني بخير، لا حاجة لذلك…”
لم أكمل جملتي حتى أمسكتْ إيزابيل بيدي وابتسمت بثقة.
“أنا فقط أشعر بالقلق عليكِ. ماذا لو استهان بكِ أحدهم وحاول التقرّب منكِ بشكل غير لائق؟”
“لكن، يمكنني تدبّر الأمر بنفسي…”
“يا لكِ من فتاة نبيلة وطيبة القلب، إيزابيل. حسنًا، سأترك هذا الأمر لكِ.”
تجمدتُ في مكاني، فاغرة فمي بذهول.
“ماذا؟! متى أصبح زواجي قضية تشغل الجميع فجأة؟!”
كانوا يعاملونني وكأنني حمل ثقيل طوال هذا الوقت، وفجأة صار الجميع مهتمًا بمستقبلي الزوجي؟
❖ ❖ ❖
بعد بضعة أيام…
اقتحمت إيزابيل غرفتي بحماس، ووضعت في يدي ورقة مطوية. فتحتُها لأجد فيها تفاصيل عن أحد الرجال. قبل أن أتمكن من قراءة أي شيء، انتزعتْها من يدي ونظرتْ إليّ بترقب.
“أختي، إنه شاب وسيم، صغير السن، وغني جدًا!”
“…أوه، حسنًا؟”
“وهو لا يمانع الزواج من أي شخص.”
“هذا يشبه وضعي إلى حد ما… لكن مهلاً، لم أتحقق من الأمر بعد!”
لكن إيزابيل لم تتركني حتى أفكر، بل تابعت الحديث بحماس شديد.
“لقد سمعتُ والدي يتحدث في السر، يبدو أنه يخطط لخطبتكِ للكونت غيربون قريبًا.”
“…غيربون؟!”
“ذلك العجوز السمين؟!”
لم أستطع منع نفسي من التجهم. كان مجرد تخيّل الزواج من رجل يكبرني بأضعاف كافياً ليصيبني بالقشعريرة.
“حتى بعد أن قال إنه سيترك الأمر لإيزابيل، يقرر فجأة إلقائي إلى ذلك الرجل؟!”
كان واضحًا أن وعود الإمبراطور ليست إلا مجرد كلمات جوفاء.
“ليس لدينا الكثير من الوقت.”
كانت إيزابيل تتحدث بسرعة، تضغط عليّ بعجلة، وبدأتُ أشعر بالاقتناع رغمًا عني.
“في النهاية، فقط اصرفي نظر والدي لبعض الوقت، ثم افعلي ما يحلو لكِ لاحقًا.”
“ممم… هذا صحيح.”
“أنتِ حتى لا ترتاحين هنا، أليس كذلك؟”
كانت كلماتها تلامس واقعًا لا يمكنني إنكاره. في النهاية، لم يكن لدي اعتراض حقيقي على الزواج، طالما أن العريس لم يكن سيدريك. كنتُ أنوي إنهاء الزواج بسرعة، ثم طلب الطلاق.
“حسنًا، لا بأس. في النهاية، ما الفرق؟”
“والدي سيغضب بشدة إن علم بذلك، لذا أعتقد أن علينا التصرف بسرية.”
وهكذا، وجدتُ نفسي متورطة في زواج سري، دون حفل أو إعلان، أشبه بزواجٍ مسروق.
❖ ❖ ❖
والآن… كان هذا لقائي الثاني به.
أما ليلة زفافنا، فلم أتمكن حتى من رؤية وجهه، لذا لم تُحسب.
وبالمناسبة… أتراجع تمامًا عن كلماتي السابقة. حين قلتُ إنني سأقبله لو عُرض عليّ، كنتُ أعني أنني لو كنتُ إيزابيل، لأمسكتُ به دون تردد. لكن الزواج بهذه الطريقة؟ لا، هذا ليس ما قصدتُه أبدًا!
عدتُ إلى الواقع، أحدق في الملعقة بعيون شاردة. كنتُ أحركها بين الطبق وفمي بلا تفكير، لا أعرف حتى إن كنتُ أتناول الطعام أم لا.
“هل فقدتِ شهيتكِ؟”
“هاه؟ آه… لا، فقط أشعر ببعض التعب.”
“لماذا لا تذهبين في نزهة بعد الطعام؟ قد يساعدكِ ذلك.”
أومأت برأسي ببطء.
في الواقع، الطعام لم يكن سيئًا على الإطلاق، لكن إدراكي بأن الشخص الجالس أمامي هو سيدريك جعل معدتي تنقبض، ورأسي يمتلئ بأفكار لا تهدأ.
“يجب أن أرسل رسالة إلى إيزابيل.”
لكن، هل سيتغير شيء إن سألتها عن حقيقة ما جرى؟ على الأرجح لا.
ألقيتُ نظرة خاطفة على سيدريك، فرأيته يقطع اللحم أمامه بوجه جامد، دون أدنى تعبير.
كتفاه العريضتان، وشعره الأسود الذي ينسدل بنعومة، وعيناه الزرقاوان النقيتان كسماء بلا غيوم—لم يكن مشهدًا عاديًا، بل لوحة مرسومة بدقة متناهية.
وبينما كنتُ أراقبه، سألتُ بصوت متردد:
“إذن، كنتَ تعلم منذ البداية أنني سأكون زوجتك، أليس كذلك؟”
أومأ برأسه بخفة، دون أن يُظهر أي تعبير على وجهه. لم يسألني حتى أي شيء بالمقابل.
“لكن هذا مخالف لوعد الإمبراطور! ثم إنني، كما تعلم، وُلدتُ من عائلة غير شرعية.”
“وما شأن ذلك؟”
“بل له شأن! ألم يتم الزج بك في الحروب مرارًا، رغم إنجازاتك العظيمة، فقط لأنك حصلتَ على وعد بالزواج من إيزابيل؟”
كان له كل الحق في الاعتراض.
كان بإمكانه المطالبة بالزوجة التي يريدها، لكنه لم يفعل. ونتيجة لذلك، أنا من وقعتُ في هذا المأزق.
قبضتُ يدي بإحكام، وغمرني الغضب.
“هذا الزواج ليس عادلًا!”
“ليس عادلًا؟”
“نعم، في الحقيقة، كنتُ على وشك الزواج من كونت يعيش على أطراف المملكة، وليس منك.”
“هل تعرفين اسمه؟”
“كارثر تايلور…”
هل هذا الاسم حقيقي؟ لا أعلم، لكن إيزابيل قالت إن اسمه كان كارثر تايلور.
خفضتُ رأسي وكأنني جروٌ مُنهزم، متجنبةً نظرات سيدريك، إذ كنتُ أستطيع أن أتخيل تمامًا كيف ينظر إليّ الآن. لا بد أنه يعتقد أنني أقول أمورًا لا تُصدَّق.
وأنا نفسي أعلم أن كلامي يبدو سخيفًا، لكن… لا أريد أن أعيش مع زوج خائن منذ البداية!
“لا أعلم من يكون ذلك الرجل، لكن ما هو واضح لي أنكِ لا ترغبين بي.”
“لا، ليس الأمر كذلك!”
“ومتى ستتوقفين عن التحدث معي بهذه الطريقة الرسمية؟ أشعر أن بيننا مسافة كبيرة.”
“أليس من الأفضل أن تكون هناك مسافة مناسبة بين الزوجين؟”
“إذا كان ذلك ما تريدينه، فسأتحدث معكِ أيضًا بطريقة رسمية، رغم أنني لا أفضل ذلك.”
لم يكن هناك داعٍ لأن يُجاري أسلوبي، لكن الحقيقة أنني كنتُ أجد صعوبة في التحدث إليه بشكل غير رسمي. وجوده وحده كان كافيًا ليجعلني متوترة.
لذلك، لم أستطع أن أخاطبه بعفوية، لكنه، على ما يبدو، فهم الأمر بشكل مختلف.
اضطررتُ إلى الإيماء برأسي، رغم أنني لم أكن مقتنعة. لكن يبدو أنه لاحظ وجهي المتجهم، فسألني بجدية:
“هل تجدين وجهي غير جذاب؟”
“لا، ليس كذلك!”
“إذن، هل جسدي لا يعجبكِ؟ لا أعتقد ذلك، فأنتِ بالتأكيد تُفضلين هذا النوع من الأجساد.”
“… ماذا؟”
شعرتُ وكأنني سمعتُ خطأ، لذا حدّقتُ فيه بذهول. لكنه لم يبدُ مترددًا، بل كان جادًا تمامًا.
“مجرد إحساس… إذا لم يكن جسدي هو المشكلة، إذن، هل القصر لا يعجبكِ؟”
“لا! القصر مذهل! المنظر الثلجي، وأشعة الشمس التي تدخل من النوافذ، كل شيء فيه رائع!”
كان القصر أكبر بكثير من غرفتي السابقة وأجمل منها. حتى الأشجار في الحديقة بدت رائعة، والشمال لم يكن باردًا كما كنتُ أظن، بل كان دافئًا على نحو مدهش.
انطلقت كلماتي بسلاسة، مما جعل حاجبيه يرتجفان قليلًا. لم أكن أجيد الكذب، لذا تحدثتُ بصدق.
مسح شفتيه بمنديله، ثم ارتسمت على وجهه نظرة متأملة، وكأنه يفكر في شيء ما بجدية.
شعرتُ بالتوتر. ماذا لو اعتقد أنني أعبث معه وغضب؟ قد ينتهي بي الأمر مدفونة تحت الثلج في هذا الشمال القاسي!
كان يُقال إن سيدريك رجل بارد وعديم الاهتمام بالآخرين، لكن البعض زعموا أيضًا أنه متقلب المزاج ومزاجي جدًا.
وإذا نظرتُ إلى ذراعيه القويتين، فلا شك أنه قادر على رفع شخص ما ورميه بكل سهولة.
لكن، عكس كل توقعاتي، ما قاله بعد ذلك كان صادمًا.
“إذن، هل لم اعجبك؟”
“… ماذا؟”
رفعتُ جفوني ببطء، غير مستوعبة لما قاله للتو.
هل أنا في استجواب الآن؟ ما هذه الأسئلة الغريبة؟
لكن عندما رأيتُ ملامحه الجادة، أدركتُ أنه لم يكن يمزح.
يمكنني أن أجزم بأن أي امرأة أخرى كانت ستذوب من فرط الجمال لو نظرت لوجهه.
لكنني لم أستطع التفوه بتلك الكلمات.
كيف يمكنني أن أقول شيئًا بهذه الجرأة؟!
حتى مجرد النظر إلى عينيه المتقدتين كان كافيًا ليجعل وجهي يشتعل احمرارًا.
“يبدو أنني لست من ضمن معاييرك.”
“…ماذا؟!”
“لقد لاحظت انك تحبين الشقر لكنني لم أفهم السبب تمامًا…”
“مــاذااا؟!!”
قفزتُ من مقعدي، وأنا أحدق به في ذهول.
متى قلتُ إنني أحب ذلك؟!
عيناه الضيقتان كانت تحملان نظرة تحليلية، وكأنها تحاول أن تفهم ردة فعلي.
“سأسألكِ مرة أخرى.”
نهض من مكانه وسار نحوي ببطء، حتى صار أمامي تمامًا، ثم انحنى قليلًا ليقترب أكثر.
التقت أعيننا، وبتلك النظرة الثاقبة، سألني بوضوح شديد:
“هل خيّبتُ آمالكِ ومعايير الجمال لديك؟”
“… لا، ليس كذلك.”
هززتُ رأسي بسرعة، لكنني لم أكن قادرة على النظر إليه مباشرة.
ربما لم يكن يعلم السبب وراء تصرفي هذا، لكنه لو عرف، لكان فهم أنني الآن في قمة اليأس.
كيف لي أن أسمح لنفسي بالوقوع في شرك كلماته الساحرة، بينما قد ينتهي به الأمر بخيانتي مع إيزابيل؟
كم سيكون الأمر مؤلمًا حينها؟ كم سأكون بائسة؟
لهذا، لا يجب أن أسمح لنفسي بالانجراف خلفه. لا يجب أن أمنحه قلبي.
عليّ أن أحافظ على المسافة بيننا، على الأقل حتى أتأكد تمامًا من أنه لن يقع في حب إيزابيل. بعدها فقط، يمكنني التفكير في الاستمتاع بعلاقتنا.
لكن قبل أن أتمكن من تجنب نظراته، أحاط وجهي بكلتا يديه، مثبتًا إياه برفق بين راحتيه الدافئتين.
“كلير، عندما يتحدث إليكِ شخص ما…”
ابتلعتُ ريقي بصعوبة، بينما عينيه الزرقاوين اشتعلتا بوميض غريب، كأنهما أمواج عاتية تتلاطم بعنف في بحر مظلم.
كان المشهد ساحرًا ومخيفًا في آنٍ واحد.
“عليكِ أن تنظري إليه مباشرة.”
“… ل- لم أشعر بخيبة أمل!”
قلتُ ذلك بسرعة، فقط لإنقاذ نفسي.
ظهر ظل ابتسامة على شفتيه وهو يتمتم:
“إذن، لحسن الحظ، لم تشعري بالخيبة.”
ثم أضاف بنبرة هادئة، لكنها تحمل في طياتها شيئًا خطيرًا:
“نحن زوجان الآن، لذا إن كان هناك ما يزعجكِ، فأخبِريني في أي وقت.”
أومأتُ برأسي بسرعة، محاولةً الانسحاب من بين يديه.
لكنه لم يتركني بهذه السهولة.
بل مرر يده برفق على وجنتي، ثم قال بصوت عميق:
“لكن لو كنتِ قد شعرتِ بخيبة أمل، لكنتُ احبطت تماما… ربما كنت ساجلب لك مجوهرات العالم لترضي”
لمستُ وجهي، الذي احمرّ بالكامل دون أن أشعر.
تجمدتُ في مكاني بينما عاد إلى مقعده بهدوء، غير مدرك أنني كنتُ أحدّق في ظهره بذهول.
” مجوهرات العالم لارضي؟”
ترددت كلماته في أذني مرارًا، حتى باتت عالقة في عقلي، غير قادرة على مغادرته.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"