10
الفصل 10
كيف لزينو أن يعرف ذلك أصلًا؟
كلما فكّرت في الأمر ازداد عجبي. كانت في تصرفاته أشياء كثيرة غير منطقية—قدرته العجيبة على الشفاء مثلًا، أو ذلك الشعور الغريب الذي ينتابني كلما عالجته… كأن جزءًا من قوتي يُسحب مني شيئًا فشيئًا.
صحيح أن استخدام القدرة يستهلك طاقة، لكن لم يسبق أن شعرتُ بهذا الإنهاك من قبل.
(لا بد أن أجد تلك الشجرة في أقرب وقت.)
في غابات الشمال، لا تسكن الوحوش فحسب، بل هناك كائن فريد لا يعرف بوجوده إلا من يملكون قدرات خاصة.
شجرة مشبعة بطاقةٍ إلهية، قادرة على إيقاظ القوى الكامنة في صاحب الموهبة.
ذات مرة، كانت إيزابيل قد وصلت إلى الشمال مصادفة، وهناك اكتشفت وجود تلك الشجرة.
لا أعلم تحديدًا كيف انتهى بها المطاف إلى الغابة، أو ما الذي كانت تفعله مع سيدريك آنذاك، لكن المهم أنها وجدتها، وبفضلها بلغت ذروة قوتها.
لذلك كان عليّ أن أسبقها.
حتى إن سارت الأمور على نحوٍ سيئ، فعلى الأقل سأملك لنفسي مخرجًا واحدًا.
(ربما يمكن لتلك الشجرة أن تمنحني ما أحتاجه لأحمي نفسي… أو لأرحل.)
كانت إيزابيل قد أيقظت بالفعل قواها النادرة، تلك التي لا نظير لها في الإمبراطورية كلها.
أما أنا، فطالما تذكّرت مكان تلك الشجرة، فلا بد أن أجدها وأستفيد منها قبل فوات الأوان. لقد كنت قد رأيتها بنفسي ذات مرة حين رافقت سيدريك إلى هناك.
تقدّمنا أنا وزينو عبر الثلج الأبيض، خطواتنا تُحدث صريرًا خافتًا في الصمت المهيب.
“هل أنت متأكد فعلًا من أنك تعرف موقعها؟”
لم أكن أتوقع أن يملك الذئب هذه المعرفة أيضًا. في الحقيقة، حين عثرت عليها أول مرة، كان ذلك صدفةً محضة، وحتى الآن لا أذكر موضعها بدقة. لذلك قررت أن أتبعه. قال إنه سيُسديني الجميل ويرشدني، فوافقت.
أخبرت كبير الخدم والجنود أنني أخرج للتنزه فقط. وحين عرضت أريتا أن ترافقني، اعتذرت متعلّلةً بأن الذئب حادّ الطباع ولا يحتمل وجود غرباء.
من كان يظن أنني، التي خضتُ الغابة سابقًا على ظهر حصان، سأعود إليها اليوم راكبةً على ظهر ذئب!
“هل وصلنا إلى هذا العمق من قبل؟”
كانت الغابة هادئة على غير العادة، لحسن الحظ لم تعصف الثلوج في هذا اليوم. ومع ذلك، كان للريح التي تعصف بين الأغصان صوتٌ غامض يُقلق القلب. لكن وجود زينو، الضخم الجسد، بجانبي منحني بعض الطمأنينة—على الأقل لن أكون فريسة لأي وحشٍ آخر.
بعد مسافةٍ ليست بعيدة، لاح بين الأشجار ضوءٌ متلألئ، كوميضٍ سماوي. هناك، وسط العراء الأبيض، وقفت الشجرة.
“ها هي… تلك هي الشجرة!”
“آآوووو!” (قلتُ لكِ، أنا لا أكذب.)
رفع زينو رأسه بكبرياءٍ طفولي، فابتسمتُ وربتُّ على عنقه بلطف قبل أن أركض باتجاه الشجرة، يملؤني حماسٌ غريب.
لكن ما إن اقتربت حتى أدركت المشكلة الكبرى—لم أكن أعرف كيف أستخدمها.
هل أحتاج إلى تلاوة تعويذة معينة؟ أم يكفي أن ألمسها؟ لا أحد أخبرني كيف تتم عملية “الاستيقاظ”.
(حسنًا، ربما آخذ غصنًا منها وأستخدمه كورقة ضغط مع سيدريك.)
سأعرض عليه الأمر ببساطة: “أمنحك شيئًا ينفع الشمال، وأنت تمنحني حريتي.”
فكرةٌ ممتازة بحق.
وضعت يدي على ذقني وأنا أحدّق بالشجرة اللامعة بتفكيرٍ عميق.
“آآووو؟” (ما الذي تقفين تفكرين فيه؟)
“لا أعرف طريقة تفعيلها. هل تعرف أنت كيف تُستخدم؟ أو ربما… نكتفي بأخذ غصنٍ منها؟”
أطلق زينو أنينًا يشبه السخرية وهزّ رأسه نفيًا.
“ماذا؟ أتسخر مني الآن؟”
في اللحظة التالية، دفعني فجأة بجسده القوي، فاختل توازني وكدت أسقط. مددت يدي تلقائيًا لأتوازن، فلامست جذع الشجرة.
وفورًا—اندفعت موجةٌ من الضوء الساطع لتغمرني تمامًا. شعرت بدفءٍ غامر يسري في كل خلية من جسدي، كأن هواءً نقيًا انساب في عروقي، يمحو التعب والقلق والبرد جميعًا.
أحسست بأن بصري ازداد وضوحًا، وأن قلبي صار أخفّ من الريح.
“آآآووووو!” (أخيرًا… لقد استيقظتِ. بفضل العقد بيننا.)
“العقد؟” تمتمتُ مذهولة، وأنا أحدّق في يدي التي ما زالت تتوهّج بضوءٍ ناعم.
“ما الذي فعلتَه؟! من سمح لك بتفعيله؟!”
“غروو!” (ألم تكوني تبحثين عن الشجرة كي تستيقظي؟!)
“هذا صحيح، لكنني لم أكن مستعدة بعد! ثم إنني أملك قدرة بالفعل—”
“غروو!” (حتى لو كانت لديكِ قدرة، فثمة جزء لم يُفتح بعد. لقد حررته لكِ.)
وبهذا، دون قصدٍ مني، وجدت نفسي قد أيقظت قواي الكامنة… فعليًا.
❖ ❖ ❖
“متى بالضبط تنوي العودة إلى الغابة؟”
تنهّدت وأنا أحدّق في زينو الممدّد بكسلٍ بجانبي، يغطّ في استرخاءٍ تام كأنه في نزهةٍ دافئة لا في بيت دوقٍ مهيب.
“أشعر وكأنك أصبحت أكثر وقاحة منذ أن عقدت معي ذاك الاتفاق.”
“غرووو.” (ما هذا الكلام؟ عقدنا اتفاقًا، أليس كذلك؟ إذن عليكِ أن تتحملي مسؤوليتك.)
تجمدتُ في مكاني أحدّق فيه بعينين متسعتين.
يا إلهي… يبدو أنني وقّعت عقدًا مع ذئبٍ بملامح أمير.
“أحسنتِ قولًا… عقد؟ عن أي عقد تتحدث؟ لم أبرم معك أي اتفاق!”
“غروو!” (ألا تشعرين أن طاقة تلك الشجرة مألوفة لديكِ؟)
كانت تلك الشجرة المشبعة بالقوة الإلهية على ما يبدو امتدادًا لقوة زينو نفسه.
فهل يعني ذلك أن زينو كائنٌ مقدّس؟ لا يمكن لحيوانٍ عادي أن يمتلك طاقةً إلهية. وما إن فكرت في هذا الاحتمال، حتى بدأتُ أفهم لماذا كانت قوته تشبه قوتي إلى هذا الحد.
ربما، حين كان على شفا الفناء، زرع جزءًا من قوته في تلك الشجرة كي ينجو.
وهذا يفسّر أيضًا لماذا بدا صغير الحجم عندما التقيته أول مرة—قوته كانت ناقصة، فضعُف جسده تبعًا لذلك.
“إذًا… هل قوتي من ذات النوع الذي تنتمي إليه قوتك؟”
“آآووو.” (وأخيرًا أدركتِ ذلك.)
تمطّى زينو بكسل، واهتزّ فروه تحت ضوء النهار، بينما زفرتُ تنهيدةً طويلة وأرخيتُ رأسي للخلف.
الحديقة التي نشأت حديثًا بفضل الطاقة التي غمرت المكان كانت باعثة على الراحة.
الطيور تحلّق فوق رأسي، وصغار الحيوانات تتراكض بين الأشجار الكثيفة التي نمت بسرعةٍ مدهشة، حتى صارت الحديقة مليئة بالزوايا الخفية—أماكن مثالية لأحاديثٍ لا ينبغي لأحدٍ أن يسمعها.
لولا هذا المكان السري، لما استطعت التحدث مع زينو على هذا النحو.
“غروووو.” (لكن قبل كل شيء، ألا ترين أنه حان وقت فكّ هذا القيد؟)
“مستحيل. ما زلت ذئبًا بريًا، وقد تفعل شيئًا متهورًا.”
“كياااان، نغغغ.” (أطلقي سراحي. هذا الطوق لا يساوي شيئًا على أي حال.)
هززت رأسي بصرامة. لا يمكن أن أكرّر حادثة المرة الماضية.
“كياااان…” (يا سيدتي، أنظري إليّ على الأقل.)
“……”
“كيااان كيااان.” (لن تنظري إليّ حتى الآن؟ حقًا؟)
بدأت محاولاته اليائسة لجذب انتباهي—يتدلل، يئن، يزمجر—لكنني تمسكت بتجاهلي العنيد.
“غرووو، كياااان!” (حقًا لن تنظري؟ لن تندمي على ذلك؟!)
كان يتقلّب مزاجه بسرعةٍ مذهلة، يصدر أصواتًا غريبة ويزمجر بعنادٍ طفولي، لكنني كنت أعرف أن التراجع الآن يعني خسارة دائمة.
إن رضخت له، فسأفقد زمام الأمور إلى الأبد، وسأضطر إلى الدخول معه في معركة إرادات كل يوم.
كنتُ قد أخضعته مرة من قبل—أو على الأقل هكذا ظننت—لكن يبدو أنه لم يقتنع بذلك بعد.
“قلت لا.”
نطقتها بلهجةٍ حازمة قصيرة، نبرة صلبة وهادئة في الوقت ذاته، كما يفعل مدرّبو الكلاب حين يفرضون السيطرة.
ارتعش جسده قليلاً، وكأنه تفاجأ.
“غرووو.” (هكذا إذًا؟ تريدين اللعب بهذه الطريقة؟)
زمجر ثانية، نبرته تحمل إنذارًا واضحًا، لكنني لم أتراجع. لو استسلمت الآن، سأعود إلى نقطة الصفر.
(يناديني “سيدتي” بكل أدب، لكنه لا يعرف الخوف أصلًا.)
أنا من عقد الاتفاق، لكنّي أشعر وكأنني الطرف المقيّد فيه.
وبينما كنت أشيح بنظري عنه، بدا أن صبره قد نفد تمامًا. فجأة عدّل من وضعه وانطلق يعدو بجنون.
أمسكت بالطوق بشدّة فاندفعتُ خلفه جريًا دون وعي.
“ا-انتظر، زينو! زينووو!”
كان سريعًا إلى درجة جعلتني أكاد أسقط على وجهي، فاضطررت في النهاية إلى افلاته من قبضتي. وفي اللحظة التي تركت فيها الطوق، اختل توازني وسقطت للأمام. العالم دار من حولي، ثم عمّ الظلام لحظةً قصيرة.
حين فتحتُ عيني، كانت أنفاسي تختلط برائحة العشب والرطوبة، وشيءٌ صلبٌ ودافئ يحيطني… جسد انسان !
“كم أنتِ ضعيفة… لا أستطيع حتى أن أوبّخك.”
كان صوته عميقًا يلامس قلبي، وصدره العريض يضمّني بإحكام.
فتحتُ عينيّ بدهشة لأجد نفسي بين ذراعيه. لم يكن هناك وقت للتفكير—سحبت نفسي بسرعة، ووجهي يحترق خجلًا.
أما هو، فكان مستلقيًا على الأرض، عيناه نصف مغمضتين، يحدّق بي بنظرةٍ كسولة مفعمة بالإغواء، والطوق ما زال يلتف حول عنقه.
“ومن الذي طلب منك أن تجري بتلك السرعة أيها الأحمق!”
رفعت صوتي أكثر مما ينبغي لأغطي ارتباكي.
“……كلير؟”
تجمّدت. جاء الصوت من خلفي، مألوفًا جدًا… حدّ أن الدم تجمّد في عروقي.
“هاه. إذًا الذئب الذي تحدث عنه الخادم لم يكن وحشًا، بل كان رجلًا، أليس كذلك؟”
لا… لا يمكن.
سيدريك؟ هنا؟ مستحيل!
لم أجرؤ حتى على الالتفات. كل جزءٍ فيّ كان يصرخ بأن أبقى كما أنا. لكن رأسي، وكأنه فقد السيطرة، بدأ يستدير ببطء.
تلاقت نظراتنا. عيناه الزرقاوان، اللامعتان كحدّ السيف، كانتا مشوبتين بجنونٍ باردٍ لا تخطئه العين.
(أريد أن أختفي… أن أذوب في الهواء الآن.)
هل تقع مثل هذه المواقف السخيفة إلا في قصص البطلات الرئيسيات؟
أم أن لعنتي أنني تورطت مع البطل نفسه، سيدريك، فحصلت على “ميزة البطلة” عن غير قصد؟
أغمضتُ عينيّ بقوة، وأدرت رأسي ببطء، متمنية أن أكون واهمة.
لكن حين فتحتُ عينيّ مجددًا، كان يقف هناك فعلًا، أمامي، بكل هيبته وهدوئه القاتل.
“أمم… أيها الدوق، أقصد، صاحب السمو، الأمر ليس كما يبدو…”
لم أستطع حتى تكوين جملة صحيحة.
هل انتهت الحرب بهذه السرعة؟ لا يمكن. كنت متأكدة أنه لن يعود قبل شهرين على الأقل.
ومع ذلك، ها هو أمامي… في أسوأ لحظةٍ ممكنة على الإطلاق.
“لكن، لماذا أنتم هنا؟ متى عدتم؟”
“هل هذا ما يهمك الآن؟”
كان صوته باردًا كالجليد، يحمل في طيّاته تهديدًا خفيًا.
زمجر زينو واقترب مني بخطواتٍ حذرة، يحاول أن يقف بيني وبينه كدرعٍ واقٍ.
(لا، زينو، أرجوك لا تفعل… لا تزيد الطين بلّة.)
تنهدتُ بعمق، ووضعت يدي على جبيني. أيّ تبرير سأقوله الآن لن يصدّقه أحد، وأنا أول من لن يصدق نفسي.
راقب سيدريك المسافة الضئيلة بيني وبين زينو، وتقلّص بريق عينيه إلى وهجٍ حادٍ قاتل.
كاد الهواء نفسه أن يتجمد من شدّة التوتر.
“زوجتي… هل تتكرّمين بشرحٍ بسيط لما رأيته الآن؟”
اقترب بخطواتٍ بطيئة، ثم مدّ يده وفصلني عن زينو بقوةٍ محسوبة. كان مختلفًا تمامًا عن سيدريك الذي أعرفه—ذلك الهدوء، تلك السيطرة، كلها تخفي عاصفةً لا تُرى.
“فسّري لي ما الذي رأيته بعيني.”
كانت يده باردة كالجليد وهي تمسك بمعصمي، ونظراته لا تعرف الرحمة.
(ها قد وصلتُ إلى النهاية بنفسي.)
كنت دائمًا أتحدث عن الطلاق، لكنني لم أفعل شيئًا يستحق أن يُطلقني عليه بالفعل.
أما الآن… فأنا متأكدة تمامًا أنني على وشك أن أُطلّق.
والأسوأ أن السبب يشبه تمامًا ما كنتُ أبرر به رغبتي في الرحيل عنه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 10"