بالطبع، لو حدث ذلك، كانت تخطط لإعطاء سارة مبلغًا كبيرًا من المال كي لا تضطر للعيش كخادمة. ومن وجهة نظر سارة، كان الزواج مجددًا أمرًا شائعًا بين العوام، لذا لم يكن ذلك ليُعد خسارة كبيرة. بل كان بإمكانها حتى أن تعود إلى وطنها الأصلي.
«حتى لو عاد إكيان بطريقة ما… تبدو وكأنها من النوع الذي يعرف متى يتراجع بعقلانية.»
ومع ذلك، لم يعد ثمة داعٍ للتفكير في سارة. وضعت إيزابيلا شوكتها على الطاولة.
كلما قلّ عدد من يعرفون عن هذه المسألة، كان ذلك أفضل. وبما أن جوديث كانت على علم بالفعل بالخطة، فقد كان من المنطقي أن تتولى هي تنفيذها. علاوة على ذلك، كانت إيزابيلا قد بدأت بالفعل تُكِن لها بعض المودة.
“حسنًا إذًا، كارل، بعد انتهائك من الحلوى، اصعد إلى الأعلى. يجب أن أستعد لمقابلة ضيفتنا في الحديقة.”
“ضيف؟”
“نعم. سأعرفك بها لاحقًا.”
ستدخل جوديث العائلة بصفتها زوجة إكيان، وسيتعين عليها العيش مع كارل لعدة أشهر. غير أن كارل لا يزال صغيرًا، ولم تكن إيزابيلا تنوي إخباره بالحقيقة في الوقت الراهن.
رد كارل، الذي لم يُبدِ اهتمامًا كبيرًا، قائلاً بهدوء:
“حسنًا.”
وبعد أن راقبت إيزابيلا ابنها وهو يبدأ في تناول الحلوى بشوكة صغيرة، نهضت بخفة واتجهت نحو الحديقة.
كانت جوديث قد أشارت إلى مدى جمال الورود في الحديقة، لذا كانت إيزابيلا تخطط لترتيب مائدة الشاي بجانبها.
وعلى الرغم من أنها تستطيع ترك هذه المهمة للخادمات، فقد أرادت أن تختار بنفسها المكان الذي ستوضع فيه الطاولة. وبينما كانت تتجول في الحديقة متفقدة كروم الورود الجميلة، حدث ما لم يكن في الحسبان.
“سيدتي!”
أسرعت امرأة نحوها، ممسكة بأطراف تنورتها بكلتا يديها. كان شعرها الأحمر المجعد مربوطًا بقطعة قماش بسيطة، وارتدت فستانًا بيجياً بسيطًا مع حذاء بدا مستهلكًا. كانت تلك المرأة هي جوديث.
قطبت إيزابيلا حاجبيها وهمست: “…جوديث؟”
رغم أن بينهما موعدًا، إلا أن وقت الشاي لم يحن بعد. الغداء قد انتهى لتوه. لم تكن جوديث من النوع الذي يتصرف بتهور؛ فقد كانت دائمًا رزينة ومتماسكة. لذا حدّقت إيزابيلا بدهشة في ظهورها المفاجئ.
أنهى كارل تناول الحلوى تحت أنظار كبير الخدم، ثم نهض واقفًا. كان حقًا يحرص على ألا يُقلق والدته. بعدها، توجه إلى الحديقة الخلفية.
“سيدي الصغير.”
كانت سارة، التي كانت تجلس على مقعد بين الزهور، في انتظاره. استقبلته بابتسامة مشرقة.
“هل استمتعت بطعامك؟”
“نعم.”
“أنا متأكدة أن السيدة الوالدة قد سُرّت بذلك.”
أومأ كارل برأسه وقال: “نعم، لكننا لم نكمل الوجبة معًا.”
“أوه؟ ولم لا؟”
“أمي ذهبت إلى الحديقة لتستعد لاستقبال الضيفة، لذا غادرت مبكرًا.”
تسامت ابتسامة خفيفة على شفتي سارة. وعلى الرغم من أنها كانت تعرف السبب مسبقًا، فقد طرحت السؤال لتأكيد الأمر.
كانت قد حصلت على معلوماتها منذ الصباح. وجود الدوقة والخادمات في الحديقة كان يعني أن الطريق أمامها خالٍ.
تابعت سارة كارل وهو يقفز على الأرجوحة في الحديقة. وبينما أخذ يتأرجح ويركل قدميه في الهواء، لمع في ذهنها طيف الشاب الذي كان يدفع الأرجوحة له من قبل.
كان هناك وقت شعرت فيه أن تلك النظرات المليئة بالحب التي كان إكيان يوجهها نحو كارل، ستتحول يومًا ما نحوها.
قبل خمس سنوات…
حين كانت هي، وإكيان، وكارل فقط، كانت الحياة أشبه بالتحليق في السماء. لم تكن هناك خادمة أخرى تقضي وقتًا مع الشابين مثلمها. وكان هذا وحده كافيًا ليجعل قلبها يرفرف عاليا أكثر من الأرجوحة.
«كان أمرًا لا يمكن لأحد سواي، سارة أوتين، أن يفعله.»
رغم الحسد الذي كانت تتعرض له من البعض، إلا أن الجميع كانوا يقرّون بإمكانيتها.
فقد كانت الأجمل، والأذكى بين الخادمات. تعلمت القراءة دون معلم، وكانت تتقن اللغات الأجنبية.
«امرأة مثلي لم تُخلق لتظل خادمة.»
كان ذلك الحسد يغذي ثقتها، ويعزز شعورها بأنها تختلف عن الأخريات، ويبرر طموحاتها الجامحة.
وقد وقع العديد من خدم القصر في حبها، لكنها لم تعبأ بأحد.
فخطتها كانت الزواج من إكيان.
وعلى الرغم من ندرة زواج النبلاء من الخادمات، إلا أن القصص والأساطير كانت مليئة بمثل هذه الحالات.
بل حتى في العائلة الإمبراطورية، كانت تحدث زيجات من عوام في سبيل “الحب” وإن لم تدم طويلًا.
«كنت صديقة طفولة لإكيان.»
تجاهلت سارة تمامًا حقيقة أن إكيان حافظ دائمًا على مسافة فاصلة، وحدود واضحة بينها وبينه. وكانت تجلس كل ليلة على الأرجوحة، تحرك قدميها، وتحلم.
«إن بقيت قريبة من كارل، سيفتح قلبه لي في النهاية. فأنا جميلة وذكية.»
كانت تعتقد أن القدر قد أخطأ في ولادتها ضمن العوام، وأنها خُلقت لحياة النبلاء.
ويومًا ما، ستحكم على بقية الخادمات من علٍ، بصفتها فردًا من أسرة مايوس.
«أنا لست كالبقية. أنا في الواقع نبيلة.»
وقد كانت ترى أن إكيان هو الوحيد الذي يليق بها.
لذلك، حين اختفى، لم تستطع تصديق أن حلمها قد تحطم. أن تعود إلى حياة الخادمة العادية كان بالنسبة لها انحدارًا مأساويًا.
رغم أنها لم تحظَ أبدًا بمكانة النبلاء، شعرت وكأن حبها الطويل قد انتُزع منها عنوة.
ولعل هذا ما جعلها تجد متعة مشوهة في السيطرة على كارل.
فهي لم تكن تتحمل خسارة سيطرتها على الحياة التي كانت تظن أنها تتحكم بها بسهولة، بدافع اقترابها من طبقة النبلاء.
«انظروا. كارل لا يستمع لأحد سواي.»
الطفل العبقري كارل كان يعتمد عليها. وبإفساد وريث عائلة مايوس الأخير، كانت سارة، في جوهرها، تدمر دوقية مايوس.
«هذه العائلة لي. أنا لست خادمة عادية!»
وبعد أن خلا المكان من العيون المتطفلة، أخرجت سارة زجاجة صغيرة من جيبها.
“سيدي الصغير، ها هي. هذا هو الدواء الذي سيساعدك على التقيؤ. ذهبت خصيصًا إلى المدينة البارحة لأحضره.”
تألقت عينا كارل وهو يأخذ الزجاجة منها بحماس، ثم سألها:
“حقًا… إذا توقفت عن النمو، وأصبحت مريضًا جدًا وضعيفًا… هل تعتقدين أن أخي سيعود؟”
“بالطبع.”
“لقد فعلتُ ما طلبتِه. أرسلت المدرّس بعيدًا، ورفضت حضور تدريبات الفرسان.”
قبض على الزجاجة بإحكام، وأضاف بثقة:
“لو واصلت حياتي بشكل طبيعي، فلن يكون ذلك صائبًا. أن أتصرف كخليفة في حين أن كل شيء ليس على ما يرام… كنتِ محقة، شكرًا لأنك أخبرتني.”
“لا داعي للشكر، كل ما أفعله هو من أجلك، سيدي الصغير.”
ابتسمت سارة وربّتت على شعره بلطف.
“أنا أفتقد السيد إكيان أيضًا… أفتقد الوقت الذي كنا فيه معًا، نحن الثلاثة فقط…”
وفي تلك اللحظة، اهتزت أوراق شجرة كبيرة خلفها، لكن لم يلاحظ أحد.
كانت الشجرة كثيفة بما يكفي لإخفاء شخص خلفها. وعلى الرغم من أن الريح لم تكن تهب، فقد سقطت ورقة كبيرة، متسببة في حركة خفيفة للأغصان. ثم طار طائر صغير من أعلاها مذعورًا.
“إذا بدوتَ بخير جدًا، فسيساء فهمك يا سيدي الصغير.”
قالت سارة، مستندة إلى الشجرة من الخلف، بنبرة لطيفة:
“قد يظنون أنك سعيد بغياب السيد إكيان.”
“آه…”
“وإذا استمر الحال هكذا، ستصبح دوق المستقبل. وهذا أسوأ توقيت ممكن، أليس كذلك؟”
“نعم، معك حق.”
تمتم كارل بحزن، ولا زال ممسكًا بالزجاجة بإحكام. حتى ضوء الشمس الذي تسلل من بين الأوراق لم يكن كافيًا ليخفف من كآبته.
“يقولون إنه لم يتم العثور على أي دليل على أنه حي منذ خمس سنوات، لذا سيعلنون وفاته قريبًا… لكن أن أبدو سعيدًا… لا يصح.”
“صحيح.”
تنهدت سارة بحزن، وهي ترتدي نفس التعبير المظلم، ثم أومأت برأسها.
“طبعًا، الدوق والدوقة يريدانك أن تكون بخير وسعيدًا… لكن علينا أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار ما قد يظنه الآخرون. وبالطبع، سيكون من الرائع أن يعود السيد إكيان لأنه قلق عليك.”
“أنتِ على حق.”
“لذا، اشربه بسرعة. هذه أفضل وسيلة لإعادة السيد إكيان.”
مسحت سارة دموعها، ثم فتحت الغطاء بأصابعها البيضاء الطويلة.
“من الآن فصاعدًا، بعد كل وجبة، سأحضر لك هذا الدواء. وبهذه الطريقة، لن تقلق والديك، و…”
في تلك اللحظة—
“لااا!”
بصرخة حادة، اندفعت شخصية فجأة وضربت الزجاجة من يد كارل بقوة.
{الترجمه : غيو}
التلي : https://t.me/gu_novel
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 15"
مجنونه