وبعد لحظة، عضّ كارل شفته السفلى وقال موجّهًا كلامه إلى جوديث:
“آه، أنا آسف. نسيت تمامًا. لقد قلتُ إنه سرّ عن أخي، أليس كذلك……………”
في تلك اللحظة، أدركت جوديث بوضوح. في المستقبل الذي أرتها إياه آخر كاهنة على شكل كتاب، كان كارل قد أصبح شريرًا عظيمًا.
ربما لأنه يتلقى الآن الكثير من الحب وينمو في بيئة مستقرة، لكن مع ذكائه ودهائه، لو كان بهذا القدر من قلة الفطنة خلال فترة نموه، لكان من المؤكد أنه عانى كثيرًا. لقد كانت بيئة مناسبة تمامًا لينحرف ويصبح شريرًا.
“همهم، همهم!”
سعل ألتيون بسرعة.
“إذًا، يجب أن أعود الآن إلى الإمبراطورة……………”
ثم تمتم بصوتٍ عالٍ بما يكفي ليُسمع، وغادر الغرفة كالعاصفة. على أي حال، قدرته على الهروب من هذا الموقف دون مراعاة لأي أحد كانت من الامتيازات التي يمنحها له منصبه كإمبراطور.
“آهام.”
تثاءب كارل بشكلٍ متكلّف، وهو الطفل الذي نجا بفارق بسيط من مستقبل كان سيصبح فيه شريرًا.
“سأذهب للنوم الآن… تصبحون على خير جميعًا.”
قال الطفل عبارته بوضوح واحترام، رغم أن وجهه لم يكن يوحي بالنعاس على الإطلاق، ثم خرج من الغرفة.
أفاقت إيزابيلا من شرودها فجأة وتبعته.
“كارل؟ لحظة فقط. ألم نتفق أنني سأقرأ لك قصة قبل النوم الليلة؟”
كانت تكذب. فكارل يعرف كيف يقرأ بنفسه، وكان قد اعتبر كتب القصص الطفولية أمرًا تافهًا وتجاوزها منذ سنوات. كما أن إيزابيلا نفسها لم تكن من النوع الذي يجلس بجوار سرير الطفل ويروي له الحكايات بهدوء.
“أوه، يا إلهي.”
فيما كانت الأجواء لا تزال متجمّدة، تصنّع بن التوتر فجأة.
“أين وصلتُ في تصنيف الوثائق يا ترى…… لو أن أحد الخدم أعاد ترتيبها وأنا خارج، فستكون كارثة.”
ثم غادر الغرفة دون أن يلتقي بعيني إكيان حتى النهاية، بل وأغلق الباب بعناية أيضًا.
وهكذا، بقيت جوديث وحدها في الغرفة مع إكيان، يدهما لا تزال متشابكة. كانت الأجواء ثقيلة كأن للهواء وزنًا.
تنفّس إكيان بعمق ثم قال:
“لنلخّص الأمر… هل أنا الوحيد الذي لا يعرف جنس طفلنا؟”
“هذا صحيح، لكن…”
ردّت بسرعة:
“المشكلة كانت في التوقيت. كاترين أخبرتني قبل لحظات فقط من دخولي إلى الممر لحضور الزفاف… وبعدها، أثناء المراسم، كنا مشغولين باستقبال الضيوف.”
“جوديث.”
نادى إكيان اسمها بصوت منخفض وهو يقطّب حاجبيه.
“حتى مع ذلك، كان هناك متّسع من الوقت لتخبريـني. كوني صادقة. لا تخفي عني شيئًا بعد الآن. هل تظنين أن من الطبيعي أن أكون، من بين كل أفراد العائلة، أنا – والد الطفل – آخر من يعلم بجنسه؟”
“لكن… لم يكن هناك شيء طبيعي حتى الآن أصلاً……………”
قالت جوديث بصوت حزين.
“لم يكن بيدي. كنت أنتظر لحظة نكون فيها وحدنا كي أخبرك. لم أرد أن أقع في زلة لسان أمام الآخرين.”
“هكذا إذن، فهمت……………”
…
في وقت سابق، كان قد قال لألتيون إنه يشعر بأن جوديث قبلته في النهاية لأنها تحب العائلة.
كانت تلك هواجس لم يستطع البوح بها لها مباشرة. شكوكه بأنه ربما لم يكن “الخيار الأكثر منطقية” بالنسبة لها. صحيح أن جوديث ستكون زوجة مخلصة له طوال حياتها، وأمًا جيدة، ودوقة عظيمة…
لكن، أليس كل ذلك امتدادًا لما كانت عليه حين كانت مجرد معلمة زائرة جيدة؟
مع ذلك، فإن التفكير بهذه الطريقة لن يغير شيئًا. فجوديث، بطبعها الحنون، ستنكر الأمر حتمًا، وربما يؤدّي ذلك فقط إلى فتور في العلاقة.
لذا، لم يعبّر عما بداخله. بل كان يعتبر أنه لو تمكّن من إبقائها بجانبه “بهذه الشروط العديدة”، فهذا بحد ذاته إنجاز.
على أي حال، إذا كان بوسعه أن يقيّدها بجانبه، فربما عليه استخدام المزيد من الشروط.
لكن، حين واجه هذا الموقف فجأة، شعر وكأن تلك الشكوك السوداء التي كان يحتفظ بها في قلبه قد اتخذت شكلًا ملموسًا أمامه.
ليس هناك ما يدعو للقلق. فهي ستكون بجانبه. أليست جوديث الطيبة تراقب ملامح وجهه الآن بالفعل؟
ومع ذلك، هذا الشعور المتأجج، وكأن قلبه يحترق ودمه يغلي، ربما سببه أنه طمّاع للغاية.
لأنه، على عكس جوديث، لم يستطع “قبول الأمور كما هي”. لأنه لم يستطع أن يعيش ببساطة ويتبع التيار…………
“فهمت، جوديث.”
ومع ذلك، حاول إكيان أن يرسم ابتسامة على شفتيه ببطء. سواء احترق قلبه أم لا، ما دام وجود جوديث إلى جانبه نابعًا من كونها اتخذت “الخيار المنطقي لعائلتها”، فهو مضطر للتمسّك حتى بذلك.
“رغم أنني علمت بالأمر متأخرًا بسبب الظروف… فلا بأس.”
⸻
في الحقيقة، لم يكن يظن أن “لا مفرّ” هو عذر مقبول.
ففي قاعة الاحتفال، كانت هناك عشرات اللحظات التي كان بإمكان جوديث فيها أن تهمس له قائلة:
“لدي شيء أود قوله لك… طفلنا صبي.”
كان الأمر واضحًا. لقد تمّ تأجيله ببساطة لأنه لم يكن أولوية.
لا بد أنها فكرت: “سأخبر إكيان لاحقًا”، وهكذا تم تأجيله مرارًا وتكرارًا بلا اهتمام.
ومع ذلك… رغم كل شيء، لم يكن أمامه سوى أن يقبل ذلك.
لأنه، في أي ظرف من الظروف، لم يكن يستطيع أن يترك يدها.
تنفّس إكيان بعمق، ونظر إلى بطن جوديث قائلاً بنبرة حنونة:
“إذن هو صبي، صغيري… سأفكر جيدًا في الاسم الذي سنسميك به.”
وبغض النظر عن الشعور بالضيق، إلا أن مشاعره تجاه الطفل فاضت بعاطفة خاصة ومختلفة.
فما كان مجرد كائن صغير وغامض، بدأت ملامحه تتضح في ذهنه، وبدأت ملامح المستقبل تتكوّن أمامه.
“أول مرة تمسك فيها سيفًا، أول مرة تركب حصانًا، أول مرة تلعب بالكرة… دعنا نفعل كل ذلك سويًا، أنا وأنت.”
راحت جوديث تنظر إليه بصمت.
كانت ملامحه متصلّبة بعض الشيء، على عكس نبرة صوته اللطيفة.
لاحظت ذلك، فبادرت بتعديل يدها التي تلامس يده، وشبكت أصابعها بأصابعه.
“إكيان، هل أنت مستاء؟”
“مستحيل.”
هزّ إكيان رأسه نافيًا.
“الأم، الأب، جلالة الإمبراطور، جلالة الإمبراطورة، كارل، ثم أنا… أنا السادس. كيف لي أن أكون مستاءً؟
صحيح أنني لم أكن من الخمسة الأوائل، لكنني ضمن العشرة الأوائل، وذلك شرف كبير. لست منزعجًا على الإطلاق.”
“لو لم تكن مستاءً، فربما تكون غاضبًا إذًا، أليس كذلك؟”
“أبدًا. كيف يمكن لشخص مثلي أن يغضب؟
هذه ببساطة مكاني الطبيعي، لذا لا داعي للغضب.”
“إكيان، هذا استنتاج مبالغ فيه بعض الشيء. منطقيًا لا يمكن القبول به.”
“لا بأس. أمام المرأة التي أحبها، تقلّ المنطقية وتكثر المخاوف والخيالات غير المنطقية.”
فمن هو ذلك الشخص العقلاني والمنطقي أمام الحب؟
أليس الحب هو أن تنهمر عليك الخيالات والمخاوف من أبسط الكلمات وأصغر الإيماءات؟
حين اعترف بهذه المبالغة بكل جرأة، تنهدت جوديث بعمق، وقالت ببطء:
“أنا آسفة لأنني لم أخبرك مسبقًا…
ظننت فقط أنك كنت تتمنى أن يكون الطفل فتاة، وكنت خائفة من أن تُحبط أو تعجز عن إخفاء تعابير وجهك أمام الضيوف حين تسمع أنه صبي.”
“…ماذا؟”
“قد يُصاب الشخص بلحظة حزن مفاجئة، أليس كذلك؟
ألم تقل يومًا إنك لا تريد ولدًا يشبهك؟”
كان ذلك سببًا لم يخطر على بال إكيان مطلقًا.
صحيح أنه قال شيئًا مشابهًا من قبل، لكن السبب كان لأنه قتل والده بنفسه.
فكيف له ألا يرغب بصدق في ولد يأتي من جوديث ومنه؟
بصراحة، كان كلامها بعيدًا كل البعد عن المنطق، حتى أنه لم يجد ما يقوله.
نظرت إليه جوديث بخجل وقد أرخَت كتفيها، حين رأت تعبير الصدمة على وجهه.
“بالنسبة لباقي أفراد العائلة، لا فرق بين ولد أو بنت.
لكنك أنت… أنت أهم شخص في حياتي.
لذا أنتبه لكل تفصيلة صغيرة. حتى لو كانت كلماتك بلا نية، أنا لا أستطيع التوقف عن التفكير فيها.”
لم يكن إكيان يصدّق تمامًا أنها وصفته بـ”أهم شخص في حياتها”.
تنهدت جوديث وأردفت همسًا:
“ماذا عساي أن أفعل؟ أمام الرجل الذي أحبه، تتزايد مخاوفي وتكثر خيالاتي.”
وكأنها كانت تعرف تمامًا ما يدور في ذهنه، ابتسمت بلطف وأكملت:
“إكيان، لقد اتخذت قراري في المرة السابقة حين تطلّقت.
من الآن فصاعدًا، لن أتزوج إلا من أحب.”
⸻
تعليق : يحزن ويضحك بنفس الوقت أيكيان 😭😭
ترجمة : هيسو
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 143"