الفصل 97 :
قال الأمير الثاني بجدية:
“بشعُ المظهر وفظّ الطباع، فمن الذي سيرضى بمصاحبته؟ من المؤكد أنه سيهرب.”
“تخمينٌ… يبدو معقولاً.”
“ليس تخمينًا، بل يقين. لم أشعر في حياتي بحدسٍ قوي كهذا.”
كان هذيانًا لا أعرف من أين أبدأ بتصحيحه.
صحيح أن التفكير بتلك الطريقة أسهل عليّ… لكن الأمر كان سخيفًا جدًا.
“في الحقيقة، خطرت ببالي فكرةُ أن الرجل والمرأة ربما سرقا الكتاب المحرم وهربا معًا.”
كانت هناك جملة جعلتني أتجمد للحظة في منتصف الحديث.
“لكنني توصلتُ سريعًا إلى أنه أمرٌ مستحيل. هل يعقل أن يفرّا معًا بعد أن اخترقا كل قوات أخي؟”
“صحيح… هذا أيضًا منطقي.”
“ثم إن كان الأمر كذلك فعلاً، لما احتاج أخي إلى الكذب بشأن القلادة. كان يمكنه أن يطلب المساعدة من برج السحر وسيرسلون فورًا سحرةً للإمساك بهما.”
وهكذا، لم يسعني إلا أن أعترف أن أوهام الامير الثاني كانت ثمرة تفكيرٍ جاد من جانبه.
ربما كان هذا أفضل استنتاجٍ يمكنه التوصل إليه بما توافر لديه من دلائل. فبدون الكلمة المفتاحية ‘البركة’ لم يكن أمامه خيارٌ آخر.
استمر الحوار بعد ذلك، لكن أغلبه كان في نفس السياق.
الأمير الثاني لم يكن يعلم أن ولي العهد يسعى لقتلي.
ولم يخطر بباله أبدًا أن المرأة في ملصق المطلوبين قد تكون أنا.
حتى عندما قلنا له إننا سنعود إلى المخيم، لم يشك في الأمر. بل لوّح لنا بيده مبتسمًا ببراءة متمنيًا لنا السلامة.
بفضله، خفّ التوتر تمامًا ونحن نجرّ أقدامنا نحو المخيم.
قالت إيريون وهي تمسح وجهها بتعب.
“ليست مسرحيةً لإيقاعنا في الغفلة…”
“أجل… لم يبدو الأمر كذلك.”
“نعم، كان في عينيه صدقٌ حقيقي.”
“مممم… كم عمر الأمير الثاني؟”
“بلغ العشرين في نهاية العام الماضي.”
“آه… طفلٌ فعلاً.”
أخبرتني إيريون كل ما تعرفه عن الأمير الثاني.
قصّت عليّ بعض الحوادث والشائعات، لكن الخلاصة أن العائلة الإمبراطورية تحميه بشدةٍ مبالغٍ فيها.
“إن كان ولي العهد زهرةٌ في دفيئة، فالامير الثاني… كأنه جروٌ في دفيئة.”
كما أخبرتني كيف تعرفت عليه.
كانت أول مرةٍ قبل ثلاث سنوات، حين التقيا في حفل دعاهم إليه الكونت ديلاريك.
الدعوة كانت في الأصل لفيليون، لكنه رفض الحضور فذهبت إيريون بدلاً عنه.
“بما أنه لم يقابل فيليون من قبل، فربما ظن أنه يُشبه الصورة في ملصق المطلوبين.”
“لكن، لماذا لم تصحح خطيبتة مُعلمي السابقة الأمر؟ هي تعرفُ وجهه.”
“… ربما لأن سماعها لأحدهم يصف فيليون بالقبيح كان مسليًا لها؟”
“أكانت العلاقة بينهما سيئةً إلى هذا الحد؟”
بعد وصولنا إلى الكهف، غيّرنا موقع المخيم.
خشينا أن يهاجمنا الأمير الثاني ورجاله أثناء الليل، فانتقلنا إلى مكان أكثر خفاءً وصعوبةً في العثور عليه.
على عكس خيم الأمير الثاني الكبيرة والفاخرة، كانت خيمتنا صغيرةً وسهلة الفكّ وإعادة النصب.
وفي صباح اليوم التالي، بعد فطورٍ بسيط، ذهبنا إلى الكهف، فوجدنا الأمير الثاني مع فرسانه يفحصون المنطقة.
“آه، إيريون، والآنسة لينا أيضًا”
“سموّك، صباح الخير.”
“صباح الخير. هل نمتما جيدًا؟”
رحّب بنا بابتسامةٍ مشرقة كما فعل بالأمس.
عندما وجهت بصري نحو الفرسان، بادر هو بالشرح.
“كنا نتفقد المكان. آثار الانهيار لا تبدو طبيعية.”
“فهمت.”
“هل تفقدتهِ أنتِ يا إيريون؟”
“لا، لقد وصلنا البارحة ليلاً…”
“إذن فلنلقِ نظرة معاً!”
كانت ابتسامته بريئةً ونقيةً للغاية.
وخزت إيريون في جنبها وهمست:
“إيريون، أيمكنني سؤالكِ لماذا رفض الأمير الثاني الزواج؟”
“يقول إنه يريد الزواج فقط مِمَن يُحب حقًا.”
“أوه، هل هناك من يحبه بالفعل؟”
“لا، لا يوجد.”
ثم أضاف بصوتٍ منخفض:
“يبدو أنه ينتظر حبًّا قدريًّا… كالحب مِن النظرة الأولى.”
آه…
“ليس بالأمر السيء… لكنه نقيٌّ أكثر مِما توقعت من أمير.”
رغم ذلك، لم أتخلّ عن حذري.
صحيح أن الحذر بدأ يتبدد، لكن فكرة أن أتلقى طعنة غدرٍ من شخصٍ كهذا كانت مهينةً أكثر مِن أيّ شيء.
أجلنا إزالة الصخور بالسحر، لأن ذلك يتطلب الكثير من الطاقة، ولم أرد أن أرهق إيريون بينما الأمير الثاني قد يغيّر موقفه فجأةً.
وبالنهاية، بقيتُ أتفرج عليه فقط.
‘متى سيأتي فيليون…؟’
لن يظهر فجأةً هنا بوجود الأمير الثاني ورجاله، بل ربما يتسلل نحو مخيمنا بهدوء، ولا أدري متى سيصل.
كنت أظن أنه سيعثر عليّ قبل وصولنا إلى هنا.
“الأمر هادئ أكثر مِن اللازم…”
جلستُ أستمتع بأشعة الشمس الدافئة، أراقب الناس.
كان الأمير الثاني يطلق بعض النكات عن الأنقاض، وإيريون تضحك بتكلف.
الفرسان يتجولون بلا أيّ إيقاعٍّ يوحي بالجدية.
أحسستُ بالملل حتى تثاءبت، لكن فجأةً شعرت بنظرةٍ غريبة.
التفت فرأيت نارًا مشتعلة.
رغم أن النهار كان لا يزال قائمًا، إلا أن الطقس البارد دفع الفرسان لإشعالها.
وبالقرب منها… كان يجلس صبي يُشبه فيليون.
‘… قال إنهم لم يستطيعوا تركه وحده، لذا أحضروه معهم.’
وأضاف أنهم بعد الانتهاء من البحث سيأخذون الصبي إلى أقرب مدينةٍ للعثور على والديه. وهذا منطقيٌ… لكن…
‘هل يمكن أن تكون مجرد صدفة؟’
صبيٌ يشبه فيليون، يظهر فجأةً في مكانٍّ حماه فيليون بحاجزٍ سحري؟
الأمر مريب.
وبمجرد أن بدأت أراقبه، لم أستطع إبعاد عيني عنه. كان هو أيضًا يبادلني النظر.
بعد تبادل نظراتٍ طويل، اقتربتُ منه.
“مرحبًا.”
لم يرد الصبي، بل اكتفى بالتحديق بي. جلستُ بجانبه وأخرجت كيسًا من الكعك.
“هل تريد قطعة؟”
كنت قد اشتريته من النزل قبل دخول الغابة.
“آه، صحيح… ربما الأمير أطعمك جيدًا بالفعل. إن لم تكن جائعًا…”
“أعطني.”
مد يده نحوي.
“سآكل.”
ابتسمتُ وأنا أعطيه القطعة، فبدأ يأكل دوّن تردد.
‘كأنَّ فيليون الصغير جاء بدلاً مِن فيليون نفسه.’
كان مضغُه للكعك لطيفًا جدًا. تمنيتُ لو اشتريت المزيد.
‘في عمر الخامسة عشرة، فيليون لم يكن ليأكل شيئًا أعطيه له أبدًا.’
أما في العشرين، فقد فعل، لكن حين كان أصغر كان دومًا بارد التعامل معي.
ربما لهذا وجدتُ نفسي أحدّق به باهتمام.
وعندما كنت أخرج قطعةً ثانية، التقت نظراتنا.
“آه، الأمر فقط أنكَ تُشبه شخصًا أعرفه.”
ابتسمتُ بخجلٍّ وأدرت وجهي، لكن جاءني سؤالٌ غير متوقع.
“إلى أيِّ حد؟”
“هاه؟”
فكرت قليلاً قبل أن أجيب.
“ليس كثيرًا، التشابه بينكما ليس كبيرًا.”
كنت قد قلت ذلك للأمير بالأمس، لذا عليّ الالتزام بنفس الكلام.
“وهذه الكعكة… هل أعطيتني إياها لهذا السبب؟”
“رُبما.”
“هل هو شخصٌ تُحبينه؟”
صعقت مِن السؤال، ولولا أنني لم أشرب شيئًا لكنتُ فعلت كـ رددت فعل الأمير بالأمس ونفثته من فمي.
“لا… لا أدري.”
“وماذا عنه هو؟”
لم يكن الصبي ينوي التوقف عن طرح الأسئلة رغم انزعاجي.
“هل ذلك الشخص… يُحبكِ أنتِ؟”
كانت عيناه بنيةً عادية، لا تُشبه عينَي فيليون البنفسجيتين.
لكن، لسببٍ ما، لم أستطع صرف بصري عنه، وكأنني واقعةٌ تحت سحره.
وجدت نفسي أجيب بسهولة:
“لا أدري أيضًا.”
“..…”
“في البداية، كنتُ أظن ذلك. عندما دخل قاعة الزواج، كان يبدو مخيفًا للغاية… لكن عندما التقت عينانا، ابتسم.”
“…..”
“كانت ابتسامةً سعيدةً جدًا، فأربكني الأمر. صوته كان لطيفًا… وإن كانت كلماته تحمل بعض السخرية أحيانًا، لكن كان هناك شعورٌ خاص.”
“…..”
“لذلك ظننت أنه….”
ألحّ الصبي بالسؤال.
“ظننتِ ماذا؟”
“لكنني كنتُ مخطئةً تمامًا. لسببّ ما، انقلب حاله فجأةً وصار باردًا جدًا.”
“..…”
“حتى عندما غادر، لم يخبرني إلى أين ذهب، ولا متى سيعود.”
عانقت ركبتيّ وأسندت وجهي عليهما.
“قال إنه سيعود ليأخذني بنفسه… ثم رحل.”
ظلّ وداعه الأخير عالقًا في رأسي، أو بالأحرى، غيابه عن أيّ وداعٍ حقيقي.
“لا أريد أن يكون هذا آخر لقاءٍ بيننا…”
فجأة، شعرت وكأنني أستيقظٌ مِن حلمٍ غائم.
ماذا قلتُ للتو؟ نظرتُ حولي بارتباك.
“حمقاء.”
قالها الصبي بصوتٍ منخفضٍ بالكاد سمعتُه.
“ماذا قلت للتو؟”
“لا شيء.”
ربما كنت أتوهم.
“هل يمكنني أكل الباقي؟”
“تفضل. آه، لقد اتسخ فمك، هل تريد منديل؟”
“شكرًا.”
ابتسم الصبي وهو يأخذ المنديل، بابتسامةٍ مختلفةٍ تمامًا عن أيِّ شيءٍ أتذكره من فيليون.
***
لم يعثر الأمير الثاني ورجاله على شيء.
الأنقاض لم تحوِ أيّ دليل، والمنطقة كلها كذلك.
لكن الأمير لم ييأس.
“يجب أن نفحص الجهة الأخرى من الغابة. إن اكتشفنا شيئاً سأخبركما.”
أديت له التحية بأدبٍ وأنا أراقب ابتعاده، وعيني مثبتة على الصبي الذي يتبعه.
‘لماذا أخبرته بكل ذلك؟’
وجهه مألوف، لكننا لم نلتقِ إلا منذ يومين.
ربما لأنني اعتبرته طفلاً فانخفض حذري… لكن الشعور وقتها كان…
‘كأنني وقعت تحت سحرٍ ما…’
تذكرت احتمالاً مقلقًا، وبدأت أفكر بسرعة.
إن كان الأمر كذلك، فلا بد من البحث عن دليل.
“إيريون، تعالي معي قليلاً.”
“إلى أين؟”
“إلى مكانٍ في الغابة لا تطؤه أقدام الناس.”
كنتُ أعرف أماكن كهذه جيدًا، فقد خبأتُ فيها بريستون الفاقد للوعيّ سابقًا.
“إن كان حدسي صحيحًا…”
أخذتُ إيريون وبدأنا نتفقد عدة مواقع.
لم نجد شيئًا في الأول، ولا الثاني، لكن في الثالث…
“وجدته.”
أزلتُ التراب لأكشف عن كتاباتٍ حمراء داكنة محفورةٍ في الأرض.
“إنها صيغةٌ سحرية، مبسطةٌ جدًا.”
“أول مرةٍ أرى هذا الشكل. ما نوع هذا السحر؟”
“لا أعرف بالتحديد… لكن…”
حاولتُ خدشها بظفر إصبعي، لكنها لم تتأثر.
“من الواضح أنها محفورةٌ بطاقةٍ سحرية.”
“..…”
“هذه لم تكُن هنا في آخر مرةٍ جئتُ فيها. وبحسب علمي، الشخص الوحيد الذي يمكنه فعل هذا هو…”
رفعت رأسي بشعورٍ غريب.
فجأةً، صار الضباب كثيفًا، حتى صارت أشجار الغابة ضبابية الملامح.
واختفت إيريون مِن جانبي.
“إيريون؟”
كانت تتحدث معي قبل لحظة، والآن لا أثر لها.
أخذت أتلفت بارتباك، وفي تلك اللحظة…
رأيت من بعيد ظلاً أسود.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 97"