الفصل 95 :
من البديهي أننا لم نغادر القصر عبر النزول من الجرف.
اقترحت إيريون أن نستخدم السحر للنزول كما فعلت عند صعوده، لكني رفضت. لم ننسق يومًا حركاتنا معًا، ولا يمكن أن تكون المحاولة الأولى في أمرٍ كهذا.
وفوق ذلك، كان الخروج سيرًا على الأقدام أسهل بكثير.
كنت قد أمضيت أيامًا في مراقبة مسارات الخدم جميعها.
“بعد أن يتأكدوا أني نائمة، لا يبقى في القصر سوى عددٌ قليلٌ جدًا، أما البقية فيعودون إلى مساكن الخدم. لن يكون الخروج صعبًا.”
“جيد، إذن فلننتظر حتى الليل معًا.”
وأضافت إيريون أنها ربطت حصانين في منتصف الجبل، وبذلك لا نحتاج إلى البحث في الإسطبل، بل ننزل ونركبهما مباشرة.
“كل ما عليكِ هو الحضور بنفسكِ، لقد أعددتُ كل شيء.”
“… من يسمعكِ يظنها خطبة زواج.”
“لن أترككِ تلمسين قطرة ماءٍ واحدة!”
تلك الليلة، استغللنا نوم الخدم وغادرنا القصر.
تركتُ في غرفتي رسالتين. واحدة رسالة اعتذار لجيس، الذي سيفزع صباح اليوم التالي حين يكتشف غيابي. أما الأخرى فكانت:
[سأذهب مع إيريون إلى الجنوب. إن كنت ستلحق بي، فتعال.]
“بهذا الشكل، سيتبعني بالتأكيد.”
وذكرتُ ‘الجنوب’ ليعرف بسهولة وجهتنا.
لم يكن هناك ما يفعله غير ذلك. فكلانا، أنا وإيريون، لدينا خبرةٌ كمرتزقة، لذا لم نجد صعوبةً في السير ليلاً، كما عثرنا على الخيل بسرعة.
حين بدأ الفجر بالانبلاج وصلنا إلى مدينة قريبة، فاسترحنا قليلاً، ثم غادرنا عند الظهر.
وبحلول وصولنا إلى المدينة الثالثة، كانت السواد في شعري قد تلاشى تقريبًا.
“شعرك أصبح مبقعًا، سيجذب الأنظار.”
“ذلك لأنني استخدمت صبغةً سحرية. تالون أصر أن أستعمل نوعًا فاخرًا، قائلاً إنه سيحزن إن تلف شعري.”
والصبغة السحرية لا تضر الشعر أو فروة الرأس تقريبًا، لكنها لا تدوم طويلاً. في الواقع، لقد صمدت هذه مدةً لا بأس بها.
ذهبنا لشراء صبغةٍ جديدة، لكن المزعج أن منشورات المطلوبين كانت منتشرةً في كل متجر، بل حتى في النزل!
“يبدو أنهم يوزعونها بكثرةٍ في المدن الكبرى. يا للصداع.”
“آسفة، كان يجب أن أراقب سمو ولي العهد بشكلٍ أفضل…”
“إيريون، لا داعي لاعتذاركِ. وحتى لو حاولتِ، فلن يقتنع.”
اضطررنا للتخلي عن دخول المدن والتخييم في العراء. كان ذلك مزعجًا جدًا، خصوصًا أن التخييم في شتاء الشمال أقرب إلى الموت بردًا.
لكننا صمدنا. كنا نبحث عن كهوفٍ أو بيوتٍ مهجورة، ونملؤها بسحر التدفئة والحماية الذي تتقنه إيريون.
في الليلة الأولى كنتُ قلقة، لكن تبيّن أن الأمر محتملٌ أكثر مِما توقعت، خاصةً أننا نملك خبرةً كمرتزقة.
قبل النوم، كان لدي متسعٌ للتفكير في أمورٍ متفرقة.
‘متى بدأ مسار القصة ينحرف؟ حياتي لم تكن مختلفةً كثيرًا عن حياة رايلي فولكس في القصة الأصلية.’
لكنني لم أشغل نفسي طويلاً، فمهما فكرتُ وحدي فلن أجد جوابًا.
وحاولتُ ألا أتعمق في التفكير بشأن فيليون أو مستقبلي، لأن ذلك لن يجلب سوى القلق.
“سيكون كل شيء بخير، لا تقلقي كثيراً.”
هكذا تجاوزنا الشمال، وسلكنا الطريق المركزي حتى دخلنا الجنوب.
لحسن الحظ، كان الاهتمام بمنشورات المطلوبين أقل في الجنوب، وتمكنا من المبيت أحيانًا في النزل.
حتى وصلنا إلى الكهف المقصود…
“ما هذا؟”
لقد انهار بالكامل.
“لماذا أصبح هكذا؟”
“هذا هو المكان بالتأكيد…”
حدّقت إيريون في الأنقاض بذهولٍ وصوتٍ مُرتجف.
“مـ… ماذا نفعل الآن؟”
“… لنحاول الحفر باستخدام السحر.”
“لكنني لا أجيد ذلك النوع مِن السحر…”
“سأضع لكِ المخطط. إيريون، ما مدى إتقانكِ لسحر العناصر؟”
“لست سيئة، لكن لستُ بارعةً أيضًا…”
أخرجتُ ورقةً وقلم من حقيبتي. كنتُ قد أحضرتهم تحسبًا، ولم أتوقع أن أحتاجهما فعلاً.
“إلى أيّ حدٍّ تستطيعين؟”
من وصفها، بدا أن سحرها ليس سيئًا، لكنه لم يكن كافيًا لإزاحة هذا الكم من الصخور. اللعنة، لو لم يكن القيد السحري عليّ، لأنجزتُ العمل في يومٍ واحد.
أما سحر عكس الزمن أو الإعادة، فلا وجود له في هذا العالم الذي وُلدت فيه مجددًا.
وربما هناك ما يُشبهه، لكن بالتأكيد سيكون في كتبٍ محرمة.
فهو سحرٌ يتعامل مع الزمن! ومن الطبيعي أن يكون ممنوعًا.
“تُرى من فعل هذا…؟”
“أتظنين أن مُعلمي…؟”
“لا أعتقد، بدا وكأنه يريد حماية هذا المكان.”
عندما جئتُ أول مرة، وجدتُ الكثير من الأوهام والحواجز، بل وحتى حارسًا عند المدخل.
لكن أين ذهب الحارس الآن؟
حتى بالتجول حول الكهف لم أسمع أيّ صوتٍ له.
“حسنًا… لنبدأ. كم بقي لديكِ من الطاقة السحرية؟”
بدأت أشرح لإيريون تعاويذ العناصر المطلوبة، وهي ذكية فاستوعبتها بسرعة.
لكنها كانت معقدةً لدرجةٍ يصعب إنجازها في يوم، فاضطررنا لنصب مخيمٍ قرب الكهف.
بعد أن نصبنا خيمةً صغيرة وأشعلنا النار، ذهبتُ لجمع الحطب وحدي، تاركةً إيريون لتستريح بعد يومٍ طويل من التدريب.
ولسببٍ ما، لم أشعر بأيِّ وجودٍ للوحوش، فكان الأمر آمنًا.
‘مَن الذي دمّره يا ترى؟’
كما قلت، لا أظن أن فيليون هو الفاعل، وإلا لما حافظ عليه أصلاً.
‘الداخل واسع، ومن يقدر على تدميره تمامًا لابد أن يكون ساحرًا عظيمًا.’
ولي العهد لا يملك ساحرًا كهذا، وإلا لأحضره معه أثناء الرحلة. أما السحرة من عائلة فولكس الذين معه، فهم جميعًا مختصون في العلاج.
إذن، من غير ولي العهد يعرف موقعه…؟
‘إنه فعل الكونت ديلاريك.’
تمتمتُ بضيق.
أيها العجوز المزعج، لماذا فعلت هذا؟
‘هل أغضبه أن فيليون يُحافظ على مختبري؟ وكيف عرف أصلاً بمختبري؟’
هناك سؤالٌ آخر: إذا كان قد وجد الكتاب المحرم، فلماذا لم يعده إلى برج السحر؟
الكونت كان يقدّر فيليون كثيرًا، ولرفع أمر الملاحقة عنه كان عليه إعادة الكتاب.
‘أم أنه يريد استغلال الكتاب لغرضٍ آخر؟’
أو ربما…
‘لم يكن الكتاب موجودًا هنا أصلاً؟’
عندما دخلتُ المكان أول مرة، لم أره، لكنني لم أبحث بدقة. ولهذا أخبرتُ الكونت بالموقع، وكنتُ واثقةً أنه سيجده.
‘إن لم يكن هنا، فأين خبأه إذن؟’
قررتُ أن أبحث في الأمر مع إيريون، فأخذت قطعة حطبٍ أخرى ونهضت.
وفي اللحظة التي التفتُ فيها للعودة…
خشخشة.
سمعتُ صوت حركةٍ من جهة اليمين. أمعنتُ النظر، فسمعت الصوت مرةً أخرى.
خشخشة.
ناديتُ بحذرٍ في اتجاه الظلام.
“هل أنت… فيليون؟”
***
يبدو أنه ليس هو.
فاللون الذي لاح من الشعر لم يكن أسود، بل أشقر لامع، مصفف بعناية.
‘أيمكن أن يكون ولي العهد؟’
قبضتُ على مقبض سيفي بإحكام، أحدق في الشعر الذهبي تحت ضوء القمر.
لكن الوجه الذي ظهر كان…
“آه؟ إنه إنسانٌ فعلاً!”
لم يكن ولي العهد.
“آسف، لم أتوقع أن ألتقي أحدًا هنا.”
“…..”
“ظننتكِ وحشًا، لكن هذا جيد.”
كان أكثر تهذيبًا من ولي العهد، وفوق ذلك…
‘يبدو أصغر بكثيرٍ منه.’
وراءه كان يقفُ صبيٌ أقصر منه، يخفيهِ ظل الأشجار. لم يبدُ أنه يريد الهجوم، وكذلك الشاب الأشقر.
اطمأننت قليلاً…
“الـ… الأمير الثاني؟”
حسنًا، ربما ليس كثيرًا.
“إنه أنتَ حقًا يا سمو الأمير!”
“إيريون؟ أنتِ هنا؟”
خرجت إيريون من بين الشجيرات متوجهًا نحوي، وهمست أنها جاءت لأنها قلقةٌ لتأخري.
ثم عادت لتنظر إلى الشاب الأشقر.
“آه، هذه رفيقتي. زميلتي الساحرة.”
“أنا لينا.”
انحنيت بأدبٍ، مستخدمةً اسمًا مستعارًا.
“هذا هو سمو الأمير الثاني…”
أضافت إيريون بابتسامةٍ محرجة.
“شقيقُ ولي العهد.”
لم يبدو أنه يعرفني، إذ ابتسم وقال:
“تشرفتُ يا آنسة لينا. لم أتوقع أن ألتقيكِ أنتِ أيضًا، يا إيريون.”
“وأنا كذلك. ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”
“القصة طويلة…”
حينها، جاء صوتٌ آخر يناديه: “سموك!”، وظهر عددٌ من الفرسان المسلحين بخفة، يبدو أنهم حرس الأمير الثاني.
لكن الصبي الذي كان خلف الشجر لم يحمل أيّ سلاح.
حين رمقناه أنا وإيريون، ابتسم الأمير الثاني وقال بلطف: “تعال يا صغيري.”
خرج الصبي مترددًا، وسار ببطء حتى وصل إليه، فوضع الأمير يده على كتفه وقال:
“لقد وجدته قريبًا من هنا. للأسف، فقد ذاكرته بالكامل، ولا يعرف من هم والداه ولا من أين جاء.”
“…..”
“لا يتذكر سوى اسمه.”
حين تحركت الغيوم، وعاد ضوء القمر، ظهرت ملامحُ الصبي بوضوح.
توقفتُ عن التنفس وأنا أحدق فيه، وأظن أن إيريون فعلت مثلي.
لأن وجهه كان مألوفًا جدًا.
“مرحبًا… اسمي فيل.”
يا إلهي… هذا الوجه…
‘فيليون؟!’
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 95"