أدخلتُها إلى الغرفة معي، وأغلقتُ نافذة الشُّرفة بإحكام، فقد كان البرد يتسرّب إلى الداخل.
‘أن تأتي كلَّ هذه المسافة وسط هذا البرد القارس…’
كانت إيريون جالسةً على حافّة السرير، تمسح عينيها بمنديلٍ أعطيتُها إيّاه.
يبدو أنَّ شهقاتها بدأت تهدأ شيئًا فَشيئًا.
قدّمتُ لها كوبًا مِن الشاي الدافئ.
“كيف عرفتِ هذا المكان؟”
“لقد… هاهك… تتبّعتُ مُعلمي.”
قالت إيريون وهي تتناول الكوب من يدي.
“كنتُ أظنّ أنّه سيأتي لمقابلةِ الكونت ديلاريك في وقتٍ ما.”
إذًا كانت قد تبعته عندما ذهب إلى الكونت.
هل كانت تنوي مقابلته اليوم أيضًا؟ تسك… كان عليّ أن أتبَعه.
“لا بدّ أنّ الأمر لم يكن سهلًا.”
“بالفعل، لم يكن سهلًا أبدًا. لو لم أكن قد عشتُ سنواتٍ كمرتزقة، لما استطعتُ ذلك. وخاصةً وقتها… لقد أزعجني كثيرًا لدرجة أنني ظننتُ أنه يفعلها عمدًا!”
رغم أنّني فضولي لمعرفة ما حدث بالتحديد، فقد قرّرتُ ألّا أسأل حتى لا تُستَفزّ أكثر.
لكن كان هناك سؤال لا بدّ أن أطرحه.
“أتقصدين أنّكِ تسلّقتِ ذلك الجرف بالكامل؟”
“نعم. عند المدخل كان هناك الكثير من الخدم، فلم أشأ أن أُلفِتَ الأنظار. لا بأس، فقد جرّبتُ شيئًا مشابهًا من قبل. بل إنّي طوّرتُ سحرًا خاصًّا لهذا النوع من المهام.”
يا لدهشتي…! مع أنّني عملتُ كمرتزقةٍ طويلًا، لم أقم بتسلّق منحدرٍ كهذا من قبل.
“لقد وصلتِ إلى مرحلة تطوير السّحر بنفسكِ إذًا. مذهل.”
لم أتمالك نفسي من الإعجاب، لا بقدرتها فقط، بل أيضًا ببرودتها في قول ذلك وكأنّه أمرٌ عادي.
لكن فجأةً، تغيرت ملامحها إلى الحزن.
عضّت شفتيها قليلًا ثم قالت:
“منذُ ذلك اليوم… درستُ بجنون.”
تأخرتُ قليلًا قبل أن أفتح فمي قائلاً:
“أنا آسفة… لأنّي رحلتُ بعد أن خدعتكِ.”
“…..”
“هل غضبتِ كثيرًا؟”
“نعم.”
… إذًا هي غاضبةٌ فعلًا.
‘طبعًا… لقد استغللتُها.’
ربما كانت إيريون أكثر غضبًا من فيليون نفسه، إذ لم يكن بيننا أيُّ ضغينةٍ سابقة.
زاد ذلك من شعوري بالثقل في صدري.
كنتُ على وشك تقديم المزيد من الاعتذارات، لكن عندها أمسكت بيدي فجأة.
نظرت إليّ بوجهٍ جاد وقالت:
“لكن الآن… ليس لدينا وقتٌ لتصفية الحسابات. فلنتحدث لاحقًا.”
“ماذا تعنين بـ’ليس لدينا وقت’؟”
“علينا الهرب من هنا! الآن فرصةٌ ذهبية لغياب مُعلمي!”
أمسكتُ يدها برفقٍ وقلت:
“إيريون… آسفة، لكنني لا أنوي المغادرة الآن.”
“ماذا؟”
“سأغادر لاحقًا، لكن ليس قبل أن ألتقي فيليون وأتصالح معه. لا أريد أن أرحل كما فعلتُ من قبل.”
“هذا غيرُ ممكن.”
“هاه؟”
“لا يمكن أن يعلم مُعلمي!”
رمقتُها بنظرةٍ متسائلة، فقالت بحزم:
“أعني الكتابَ المحرَّم!”
شدّت قبضتها على يدي أكثر.
“سأعثر على الكتاب الذي أخفاه مُعلمي، وأعيده إلى برج السحر.”
إذًا هذا سبب عدم رغبتها في أن يعلم فيليون.
“أريد الذهاب إلى الكهف الذي التقينا فيه. قلتِ إنّ هناك حاجزًا سحريًا وضعه معلمي، أليس كذلك؟”
“آه، ذلك المكان…”
“تستطيعين الدخول إليه؟”
“أستطيع، لكن…”
“لا مكان آخر يمكن أن يكون فيه! لقد فتّشتُ كلّ المواقع التي قد يذهب إليها مُعلمي!”
“…..”
“أرجوكِ، ساعدني يا رايلي.”
رفعت رأسها إليّ بنظرةٍ متوسّلة.
“إن ساعدتَني، فسأساعدكِ على الذهاب إلى القارّة الشرقيّة.”
ابتسمتُ بسخرية.
“كنتِ تعرفين إذًا.”
“… نعم. أخبرني صاحب السموّ وليّ العهد.”
“إلى أيِّ حدٍّ أخبركِ؟ هل أخبركِ أنّه يريد قتلي؟”
اتّسعت عيناها دهشة.
“أ… أنا… كنتُ أظنّ أنّ الأمر يتعلّق فقط بالقلادة…”
كانت ملامحها في تلك اللحظة بريئةً لدرجة أنّني لم أتمالك نفسي من الابتسام.
أن تساعدني في الهرب وهي تظن أنني سارقة قلادة… هذا قرارٌ عظيم بالنسبة لها.
ولذلك أخبرتها بالحقيقة: أنّ وليّ العهد يريد استخدام حياتي لفكّ لعنة الإمبراطور، وأنّ ظنّه بامتلاكي لتلك القدرة ليس بلا أساسٍ تام.
أخفيتُ بعض التفاصيل الشخصيّة، ومع ذلك، فهمت إيريون كلّ شيء… بشكلٍ مدهش.
“أليس هذا جنونًا؟!”
كانت تلك أوّل مرّة أسمع من إيريون لفظًا بهذه القسوة.
يا تُرى… ماذا حدث لها في خمس سنوات كمرتزقة؟
***
حتى بعد أن شربت كوبين من الشاي، ما زالت الصدمة مرتسمةً على وجهها.
“هناك كلمةُ سر، لكن حتى إن عرفتُها، فلن تعمل إلا إذا نطق بها فيليون نفسه.”
تجمّدت ملامحها، وكأنّها تفكّر في شتيمةٍ لم تقلها.
“ثمّ قد لا نجد الكتاب حتى لو ذهبنا الآن.”
“لماذا؟”
“لقد أخبرتُ الكونت ديلاريك عن موقعه، آمِلةً أن يُعيده إلى برج السحر. والآن… ربما…”
توقّفت عن الكلام.
فحسب الوقت، كان من المفترض أن يعود الكتاب منذ زمن، إذ إنّ الكونت كان قد زار الجنوب ومرّ وقتٌ كافٍ.
لكن…
“الكتاب لم يعد إلى البرج، أليس كذلك؟”
“نعم. لم أسمع أيّ خبرٍ عن ذلك.”
“هل يمكن أنّ الكونت لا ينوي إعادته؟”
“…..”
“لو أنّه خبّأه، فسيكون العثور عليه أصعب بكثير… لقد وعدتُ أصدقائي أن أستعيده، فكيف سأقابلهم الآن…”
تنفّست بعمقٍ مرّات، ومسحت وجهها بعصبيّة.
كان مشهدها يوجع القلب… خاصّةً أنّني ما زلتُ أحتفظ بصورة إيريون الفتيّة في ذاكرتي، والآن أرى كم تغيّرت.
نهضتُ بعد صمتٍ طويل.
“هيّا، لنجرّب على أيِّ حال!”
“إلى أين؟”
“إلى الجنوب! لنبحث عن الكتاب!”
“لكن قلتِ إنّكِ لا تستطيع فتح الحاجز إلا بمُعلمي.”
“بالضبط، لذلك علينا أن نُجبر فيليون على القدوم!”
رمشت عيناها بسرعة، وكأنّها تقول: وهل هناك طريقة؟
تردّدتُ قليلًا، لكنني اعترفتُ.
“لقد قال إنّه سيأتي للإمساك بي لو خرجتُ من القصر.”
“…..”
“إذًا سيلحق بي بسرعة… أظنّ.”
“لن نستطيع إعادة الكتاب للبرج هكذا، لكن على الأقل سنتأكّد إن كان ما زال داخل الحاجز.”
بعدها سأحاول التفاوض مع فيليون… رغم أنّني لستُ واثقة من قدرتي على إقناعه.
لكن قبل أن أشرح خطّتي، قالت فجأة.
“بصراحة… مُعلمي يحبّكِ، أليس كذلك؟”
سؤالها أربكني، وعيونها كانت تلمع فضولًا.
“بصراحة… لا أعلم.”
تذكّرتُ بروده معي بالأمس… تلك ليست نظرة شخصٍ واقعٍ في الحب.
‘بل كأنّه يتمنّى أن أفقد مشاعري نحوه!’
‘… لا بأس، هذا أفضل. سأرحل بلا عبء، وسيجد شخصًا جديدًا ويعيش سعيدًا مع عائلته.’
التفتُّ إليها فرأيتُها غارقةً في أفكارها، تعابيرها جادّة.
سألتُها فجأةً، رغم أنَّ الأمر ليس من شأني.
“إيريون… هل سبق وارتبطتِ بفيليون؟”
“ماذا؟”
قطّبت جبينها بشدّة.
“ماذااا؟”
“آسفة، كان سؤالًا غريبًا.”
“أبدًا! لم يحدث هذا أبدًا، ولن يحدث!”
بهذا، أيقنتُ أمرين: أوّلًا، أنّني كنتُ مخطئةً بشأن علاقتهما. وثانيًا… أنّ القصة الأصلية تحطّمت بالكامل.
ابتسمت وهي تقول:
“إذًا… متى سننطلق؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 94"