“لا تُطلق كلامًا لا معنى له! ما أقصده هو أنّك، أنتَ الذي أعرفه، لم تكن مثل الآن…”
“لا بُدَّ أن أكون مختلفًا.”
قال فيليون وهو يطرق بخفةً جانب جبينه بأصابعه.
“ليس لدي ذكرياتٌ من ذلك الوقت.”
كان يقصد بذلك قبل عدّة أشهر، أيّ الفترة التي كنتُ فيها أفرُّ معه.
صحيح أنّ تلك الفترة جعلتني أشعر تجاهه بألفةٍ كبيرة، لكن قبل أن تدخل إيريون حياته، كنّا نعيشُ بطريقةٍ لا بأس بها. بل كانت هناك بعض الذكريات الجميلة، ولو قليلة.
كنتُ أقصد الماضي بأكمله بما فيه ذلك.
“كيف يُمكنكِ أن تقولي إنّني الشخص نفسه، بينما لا أتذكّر ذلك الوقت على الإطلاق؟”
“…..”
“أليس كذلك، رايلي؟”
كانت نظرته التي يُحدّق بها فيّ باردةٌ إلى أقصى حد.
“مختلف… تُرى، ما الذي كان مختلفًا؟ هل كان يجب أن أُبعد الكرسي قبل أن تجلسي؟ أم كنتِ تنتظرين أن أُطعمكِ بيدي؟”
“..…”
“يبدو أنَّ ذاك الرجل كان مطيعًا لكِ جدًّا.”
بدت نبرته الممزوجة بابتسامةٍ باهتة غريبةً عليّ.
“آسف، لكنني لستُ مثل ذاك الرجل.”
“..…”
“لذلك، لا تتوقّعي منّي ما كان ذاك الرجل يفعله لكِ.”
توقّف لحظةً ثم واصل كلامه.
“إن لم تستطيعي تحمّل هذا الواقع…”
وتوقّف مجددًا.
ملأ صمتٌ ثقيل أرجاء الغرفة، ولم نتحرّك أنا ولا فيليون. كنّا واقفَين بلا حراك، نتبادل النظرات.
ثم، عندما عضضتُ شفتي بإحكام، أزاح فيليون يدي التي كانت تمسك به.
“المسألة التي أعطيتُكِ إيّاها… حاولي حلّها جيدًا.”
ثم غادر الغرفة مباشرة.
ظللتُ واقفةً في مكاني شاردةً، أستمعُ لوقع خطواته وهي تبتعد.
***
لا أفهم شيئًا.
‘أيمكن أنّه شعر بالغيرة من نفسه في الماضي؟’
لا، لم تكن غيرة، عينيه كانتا قاسيتين جدًّا. أشدُّ قسوةً حتى من يوم لقائنا الأول.
‘لماذا حبسني؟’
فرضية أنّه يُحبّني ويريد العيش معي… أُسقطها من حساباتي اليوم. أيُّ مجنونٍ يحبّ أحدًا يحدّق فيه بتلك النظرة ويقول مثل ذلك الكلام؟
…حسنًا، هو مجنونٌ بالفعل.
‘لا بد أنّ هناك سببًا آخر.’
تمدّدتُ على السرير وزفرتُ تنهيدةً عميقة.
انشغالي بالتفكير في فيليون جعلني لا آكل جيّدًا، ومع ذلك لم أشعر بالجوع. لم يكن لديّ أيُّ شهية.
وبما أنَّ الأمر سيبقى على حاله، فقد غيّرتُ ملابسي إلى ثياب النوم فور عودتي إلى الغرفة، بعد أن استحممتُ. حتى الكتاب لم أستطع التركيز فيه، فاكتفيتُ بالاستلقاء شاردةً فوق السرير.
ثم بدأتُ أتذكّر الحوار الذي دار بيننا.
-“فكّري جيّدًا في سبب إحضاري لكِ.”
“لا أفهم…”
أطلقتُ تنهيدةً طويلة.
كانت الظروف مختلفةً تمامًا عمّا توقّعته حين صعدتُ إلى العربة، وهذا جعلني أشعر ببعض الضيق.
لكنّ فكرة الاستسلام لم تراودني.
‘يجب أن أذهب إلى القارّة الشرقية.’
الحياة هنا مريحةٌ بلا شك، لكن لا يمكنني العيش إلى الأبد تحت حماية فيليون.
وإذا حدث أن وليّ العهد عثر عليّ، فكم سيكون الأمر مزعجًا بالنسبة لفيليون!
‘الانتظار حتى وفاة الإمبراطور خطةٌ ساذجة. لا أحد يعرف متى وأين سيظهر متغيّرٌ ما.’
مهما فكّرت، يبقى الذهاب إلى القارّة الشرقية هو الخيار الصائب.
لكنني لم أعُد أرغب في الرحيل وكأنني أفرُّ هاربة.
حتى البارحة، كنتُ أضع ذلك الاحتمال في الحسبان، لكن قراءة الكتب غيّرت تفكيري.
‘أريد أن أراه، أحيّيه، ثم أرحل.’
أودّ أن نتحدّث بصراحة عن الماضي، وأن أحصل منه على اعتذار. وأنا أيضًا أريد أن أعتذر له لأنني وافقت على محو ذكرياته.
ثمّ نشجّع بعضنا على المضيّ قُدمًا، ونفترق بابتسامة مع عبارة: “اعتنِ بنفسك”.
‘بهذا، سأشعر بالراحة حتى وأنا في القارّة الشرقية.’
وحينها، لو وصلني خبرٌ عنه، فسأبتسم وأقول: “فهمت” وأتجاوز الأمر.
وقد أُقدّر الذكريات التي لا يتذكّرها هو أكثر.
ولم يكن الأمر يبدو صعبًا.
‘لأنّ فيليون الحالي لا يُكنّ لي مشاعر.’
حتى الأمس لم أكن متأكّدة، لكن اليوم أيقنت. تلك ليست نظرة مَن يُحب.
إذا حللتُ اللغز فسوف يتركني بسهولة.
إذًا، يجب أن أحلّه في أسرع وقت.
‘آه… لكنني حقًّا لا أفهمه.’
ضغطتُ على طرف عيني بيدي وأنا ألتفّ على جانبي. بدأ رأسي يؤلمني حتى توقّف تفكيري.
‘سأسأله مجددًا غدًا.’
ويبدو أنّني غفوتُ ثانيةً.
حين فتحتُ عيني، كان الصباح قد حلّ.
دعكتُ عينيّ النعساوين وجذبتُ الحبل المعلّق، لكن الغريب أنّ الخادمة لم تأتِ. ولم يكن جيس موجودًا أيضًا.
فارتديتُ معطفًا خفيفًا وخرجتُ من الغرفة. ولمّا لم أرَ خدمًا في الممر، واصلتُ السير.
حتى وصلتُ إلى البهو، ورأيت.
“…إذًا، أرجوكِ.”
“حسنًا، لا تقلق، يا سيّدي.”
كان فيليون يتحدّث مع جيس.
“…عُد سالمًا، أرجوك.”
كان على وشك الخروج. كان يرتدي معطفًا سميكًا، وقفّازَين من الجلد الأسود، وحذاءً جلديًّا طويل الساق، وقبّعةً عريضة الحواف تُلقي ظلًّا على وجهه.
‘هل سيخرج للصيد؟’
كان ينقصه بندقيةٌ طويلة ليبدو المشهد كاملًا. كان لباسه أسود بالكامل، لا يناسب صيدًا في الجبال الثلجية، لكنّه بدا عمليًّا.
وبينما كنتُ أحدّق به، التقت أعيننا.
لم أشيح بصري، وبقي يُحدّق بي بعينيه البنفسجيتين البراقتين بلا رمشة، وكأنّه لا يريد أن يفوّت لحظةً واحدة.
لماذا؟
‘لماذا ينظر إليّ هكذا اليوم أيضًا؟’
كنتُ سأرميه بكلمةٍ لاذعة إذا نظر ببرود، كما خطّطتُ البارحة: أن أتشاجر معه لأعرف سبب إحضاره لي.
لكن نظرته تلك جعلت عزيمتي تضعف. وإن لم أكن أتوهّم، فقد كان فيها حنينٌ أيضًا.
‘ما الأمر بحق السماء؟’
تشبّثتُ بحافة الدرابزين، أشعر بالارتباك.
‘بِمَ تفكّر يا فيليون؟’
لكنه لم يُجب عن تساؤلي. أنزل نظره من وجهي إلى يدي، ثم استدار وغادر القصر.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 93"