كنت أمسك بأسفل الكتاب، بينما كان فيليون يمسك بأعلاه، ووقفنا متقابلين نشدّ كلٌّ منا إلى جهته. شددت بقوة لا بأس بها، لكن الكتاب لم يتحرك قيد أنملة.
قطبت حاجبيّ وأحكمت قبضتي أكثر.
“ماذا قلت؟”
قال فيليون بوجه خالٍ من التعبير.
“سألتكِ لماذا تغيّر الأمر عن ذي قبل.”
“لا بد أن يتغير. كنا نهرب سويًا طوال الوقت.”
“……”
“لو كانت علاقتنا سيئة لما استطعنا البقاء معًا هكذا. بل حتى لو كانت سيئة، فمع هذه المدة الطويلة لا بد أن تتحسّن.”
وعندما شددت الكتاب ناحيتي مرةً أخرى بقوة، أطلق فيليون يده على غير المتوقع. قبل لحظة فقط كنت أظن أنه لن يتركه أبدًا، فجاءت النهاية هزيلة. شعرتُ بالحرج فتراجعت وأسندت ظهري إلى المقعد.
خفض فيليون نظره وكأنه غارقٌ في التفكير.
لكن ما الذي يفكر فيه؟ لا فكرة لدي.
قبل بضعة أشهر على الأقل كنت أستطيع قراءة تعابيره إلى حدٍّ ما، أما الآن فالأمر أشبه بجدارٍ رمادي خالٍ من أيّ أثر أو زخرفة.
… ومع ذلك، لم أشعر بالانزعاج كما في السابق. لم أكرهه أيضًا.
رغم أنه لا يملك ذكريات العام والنصف الماضية، كنت أرى فيه صورة ذلك الشخص من قبل بضعة أشهر.
كنت أظن أنني أفصل بينهما بوضوحٍ في ذهني…
لكن، الوجه نفسه، فكيف لي أن أتجاهل التشابه؟
بل وكان هناك شبهٌ آخر. البارحة، عندما قال إن بإمكاني استخدام مكتبته كما أشاء، كانت نظرته تحمل شيئًا من الود.
وكذلك حين دخل هذه المكتبة قبل قليل. وحتى صوته وهو يشرح لي كان لطيفًا.
… ولم يسألني بعد عن سبب تظاهري بالموت والهرب.
وبينما كنت أفكر، راودني ذلك الاحتمال مجددًا…
ربما… حتى قبل خمس سنوات، كان فيليون يُحبني؟
وإن كان الأمر كذلك…
فهل هذا يعني أنه حتى الآن يُحبني؟
هل لهذا السبب لم يطالبني بتفسير، وأبقاني قربه؟
“أوه… أشعر بغرابة…”
أما فيليون فما زال غارقًا في أفكاره.
فترددت قليلًا، ثم بدأت الكلام بحذر:
“ذاك… السبب الذي جعلني أهرب هو…”
“أعرف. ولي العهد كان يستهدفكِ.”
كلماته قطعت فجأةً ذلك الشعور الغريب الذي بدأ يتصاعد بداخلي، وكأنّ أحدهم سكب ماءً باردًا عليّ.
“أجل، أنتَ عبقريٌ حقًا…” تمتمت ببرود.
“وماذا بعد؟”
“بعد؟”
“ماذا حدث بيننا؟”
كان هناك أحداث… لكن أول ما خطر ببالي كان لقائي مع الكونت ديلاريك.
حين رأى فيليون وبكى… ذلك الشعور الغريب الذي بدا مزيجًا من الضيق والحنين في نظره.
وكلماته التي أعقبت ذلك.
أنتِ تريديز تدمّر حياة حفيدي إذن.
لم أرد أن يلومني فيليون. لذلك تركته.
أدرت ظهري رغم توسّله أن أذهب معه.
… حسنًا، لم يكن وحيدًا، كان لديه عائلته.
ولم أرَ داعيًا لإثارة ذلك الآن. سيضع عائلته في موقفٍ حرج.
فليس من الضروري أن تسوء علاقاتهم بسببي، وأنا على أي حال سأغادر قريبًا.
“كنا معًا طوال الوقت. هذا كل شيء.”
قلت ذلك بطريقةٍ عابرة، وأدرت رأسي فجأة.
لكن فجأة راودني شعورٌ بالذنب…
ماذا لو شعر فيليون بالأسى لعدم تذكره تلك الأشهر؟ صحيح لم يحدث شيءٌ استثنائي كبير، لكن ما زال الأمر يثقل صدري. فسألته بحذر:
“ألا… ألا تتذكر شيئًا إطلاقًا؟”
ظل وجهه بلا أيّ تعبير وهو يسمعني، وعرفتُ حينها… إنه حقًا لا يتذكر.
“أجل…”
لا أعلم إن كان هذا أمرًا يستحق الارتياح أم الحزن. لكن المؤكد أنني شعرتُ بالأسف.
أطرقت برأسي… فرأيتُ قبضته المشدودة.
لا أعلم متى بدأ يفعل ذلك، لكن بدا وكأنه يحاول احتمال شيءٍ ما.
رفعت عيني أنظر إليه.
“هل هذا كل شيء إذن؟”
“هممم؟”
“حسنًا.”
ثم وقف فيليون، رتب ثيابه، وأومأ برأسه نحو الباب.
“ماذا تنتظرين؟ ألن تخرجي؟”
“…هاه؟”
نظر نحو باب المكتبة، ثم عاد ينظر إلي. هل يطلب مني الخروج… الآن؟
“حين يأتي صاحب الغرفة، أليس من الأدب إخلاؤها؟”
“لماذا فجأة؟”
“إنه مجرد أدبٍ أساسي، لا أكثر. رايلي.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ جانبية مستفزة.
“لا تقولي إنكِ لا تعرفين ذلك؟”
“لماذا الآن…”
“اخرجي.”
قالها بصرامة:
“حالًا.”
نهضتُ فورًا. لا أعرف السبب، لكن لم أرغب في البقاء.
حتى الكتاب الذي حصلت عليه بشق الأنفس ألقيته على الطاولة، فانزلق كتاب آخر وسقط، ولم أكلف نفسي عناء التقاطه.
بل اكتفيت بتحديقه بنظرةّ حادة.
“حسنًا، كما تريد. لن أقترب من هنا بعد الآن.”
حتى لو أنه لم يقل ذلك صراحة، أردت الرد بهذه الطريقة.
لأن نظرته لي كانت باردةً بشكلٍّ لا يُحتمل.
ودّ؟ أيُّ ودّ!
غادرت المكتبة وأنا أزمجر غاضبة.
وقفت في الممر قليلًا، لكن فيليون لم يلحق بي.
***
عند المساء، طرق أحدهم الباب.
“آنستي… العشاء جاهز.”
كان جيس يطل برأسه بحذر.
أنزلت الكتاب قليلًا ونظرت إليه، فتابع:
“هل ترغبين بتناوله هنا؟”
“أين فيليون؟”
“في قاعة الطعام.”
أغلقت الكتاب وتركته جانبًا.
بصراحة، لم أقرأ منه شيئًا… عقلي كان مشغولًا فقط بسبب تغيّر فيليون المفاجئ.
وكان استنتاجي: لا فكرة لدي.
لن أعرف ما لم يخبرني بنفسه.
لكني لا أستطيع الاستمرار هكذا.
خرجت، وبعد قليل وصلت إلى قاعة الطعام. كما قال جيس، كان فيليون هناك، والطعام للتو وصل، يعلوه بخارٌ ساخن.
جلستُ مقابله وأصدرت صوتًا متعمدًا.
“هممم.”
لكن حتى مع ذلك، لم يرفع نظره نحوي.
بدأت الخادمة بوضع الطعام أمامي، وبدأنا الأكل بصمت.
حتى بعد أن أكلت نصف طعامي، لم ينبس فيليون بكلمة.
لم أتحمل الصمت أكثر، فقلت:
“…قبل خمس سنوات.”
حسنًا، الآن بعد مرور السنة، ربما يجب أن أقول قبل ست سنوات، لكن هذا غير مهم.
المهم أنه توقف عن تحريك يده التي تمسك بالسكين، فتابعت:
“في ذلك الوقت… آسفة لأنني خدعتك.”
هذه كانت نظريتي لسبب انزعاجه المفاجئ.
صحيح أنه قبل أيام قال إنه لا يهتم، لكن يجب أن نواجه الأمر في وقت ما.
“ربما كان هناك طريقةٌ أخرى، لكن حينها لم أكن أملك وقتًا لأفكر. كان كونت فولكس قد فقد عقله تقريبًا… أنتَ تعرف أنه لم يكن مجنونًا عاديًا. كنتُ مضطرةً لفعل أيِّ شيء للبقاء على قيد الحياة.”
خفضت صوتي أكثر:
“ظننتُ أنكَ لن تصدقني…”
نظرت إليه مجددًا، لكن كالعادة لم أقرأ أيّ شعورٍ في وجهه.
فجأة تساءلت: ولماذا أشرح له هذا أصلًا؟ أليس هو من أساء إليّ كثيرًا أيضًا؟ لم أسمع منه اعتذارًا بعد…
لا، ليس الآن. سأفتح هذا الموضوع لاحقًا، بعد أن نكسر هذا الجو الخانق.
حاولت تهدئة انفعالي وسألته بلطف:
“أنت… كيف عشت بعد ذلك؟”
ابتسم فيليون بسخريةٍ طفيفة.
“بعد أن تظاهرتِ بالموت وهربتِ؟ أم بعد أن تركتِني مع جدي ورحلتِ؟”
“…كلاهما.”
“لم يحدُث شيءٌ يُذكر.”
ثم عاد يأكل، وأنا انتظرت أن يقول المزيد… لكنه لم يفعل.
صرخت بذهول:
“هذا كل شيء؟!”
“أجل، لم يحدث شيء.”
“لكنني رويتُ لك كل شيء!”
“آه، شكرًا لأنك أخبرتني، رايلي.”
ابتسم ثم واصل الأكل.
كنت مذهولةً لدرجة أنني قررت الصمت وأكملت طعامي.
حقًا، إنهُ بارع في إغاظة الناس.
وعندما أنهى طعامه، نهض من مكانه دون أن ينظر إليّ حتى.
لم أحتمل، فلحقت به وأمسكتُ بذراعه.
“ما بك؟”
“ماذا بي؟”
“لماذا انقلب مزاجك فجأة؟ حين دخلتُ المكتبة ظهيرة اليوم لم تكن هكذا.”
حتى أثناء شرحه للسحر كان طبيعيًا.
هذا الجو البارد لم يكن موجودًا.
“…إنه شعورٌ خانق.”
“…..؟”
“لم أختبر جانبكَ هذا من قبل… لا أعرف كيف أتعامل معه.”
هبط صوتي من الحزن، وانخفض بصري نحو قدميه.
وبعد قليل، التفتت قدماه باتجاهي. شعرتُ ببعض الأمل… لم يبعدني.
شدت قبضتي على ذراعه أكثر:
“لم يكن الأمر هكذا من قبل…”
ارتجف كتفه قليلًا، وزفر كأنه يضحك ساخرًا.
رفعتُ رأسي، فرأيته يمرر يده على وجهه.
ثم قال بصوتٍ أبرد من أيِّ وقتٍ مضى.
“التحدث هنا عن رجالٍّ آخرين… لن يعود عليكِ بأيِّ فائدة.”
اتسعت عيناي من الصدمة.
ماذا؟
رجالٌّ آخرين؟
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات