الفصل 91 :
“لقد ربحتُ الرهان.”
واصل فيليون حديثه قائلًا:
“لكنّ جدي لم يفعل أيًّ شيءٍ من أجل رايلي.”
ردّ الكونت ديلاريك بصوتٍ منخفض:
“أشعر أنّني قد دفعتُ الثمن بالفعل.”
“الثمن؟ آه، تقصد مساعدتكَ في قضية تالون لويانس.”
قبل عدّة أسابيع من الآن.
بعد أن دمّر ذلك الكهف بالكامل، وعاد إلى القصر، كان الكونت ديلاريك مضطرًا لأن يتفاجأ.
لأنّ فيليون لم يكُن في القصر.
وبناءً على ما اكتشفه بعد استجواب جيس، بدأ عمليّة البحث.
وفي تلك اللحظة، وصل فيليون إلى القصر وحده، بعدما استعاد ذكرياته وقوته السحرية.
وفور أن رآه، قال له:
― “أين رايلي؟”
أرسل الكونت ديلاريك رجاله للبحث عن رايلي فولكس.
لم يكُن أمامه خيارٌ آخر، إذ لو رفض المساعدة، لكان فيليون سيغادر بصمت ويختفي بلا أثر.
لقد كان عامٌ ونصف من القلق حول ما إذا كان حيًّا أو ميتًا أكثر من كافٍ.
ومن أجل ابنته أيضًا، أراد الكونت إبقاء فيليون ضمن دائرته بأيِّ ثمن.
وهكذا وصلوا إلى هذه النتيجة.
إذ إنّ فيليون اختطف رايلي من حفل زفافها، واضطر الكونت ديلاريك للتفاوض مع تالون لويانس حتى وقتٍ متأخرٍ من ليلة البارحة.
ولكي يتكفّل تالون بتسوية الأمر بنفسه، اضطر الكونت لدفع مبلغٍ كبير.
‘والدته أيضًا كانت تاجرةً بارعة… والابن تمامًا مثلها.’
رغم أنّ فيليون قال إن بإمكانه أن يستخدم أمواله كما يشاء، حاول الكونت أن يدفع أقلّ ما يمكن.
فأيُّ جدٍّ يفرح برؤية مال حفيده يُهدر؟
ومع ذلك كلّه…
‘أنظروا إلى هذا الموقف الوقح.’
ضيّق الكونت ديلاريك عينيه وهو يراقب فيليون.
كان فيليون كما ربّاه تمامًا.
قويًّا، لا يتزعزع بسهولة، واثقًا بنفسه.
حتى غروره كان يبدو كترف الأقوياء، وهذا كان يبعث في نفس الكونت شعورًا بالرضا.
لكن… أحيانًا كان من الصعب تحمّله.
ليس لأنّ التعبير عن رأيه أمرٌ سيّئ، ولكن… للأسف، الطرف الآخر كان عائلة فولكس…
“فيما تفكّر كل هذا الوقت؟”
قطّب فيليون حاجبيه قليلًا.
عينيه البنفسجيتين الحادتين كانتا تحدّقان في الكونت باهتمام.
ولأنّه شعر وكأنّ أفكاره تُقرأ، حوّل الكونت نظره، وأثار موضوعًا لا علاقة له بالأمر.
“بالمناسبة، ماذا فعلت مع إيان سيرفيل؟”
“لا شيء.”
جاءه جوابٌ أثار القلق.
‘لا شيء؟ مستحيل أن تكون لم تفعل شيئًا.’
نظر إليه الكونت بعينين تشكّان في الأمر، لكن فيليون اكتفى بهزّ كتفيه.
“حقًّا لم أفعل شيئًا. اقترب وسألني عن أفكاري ثم انسحب مباشرة. صحيح أنّه تفاجأ حين عرف هويّتي، لكنّه لم يمنعني.”
“……وهكذا انتهى الأمر؟”
“أجل، وكان الأمر سلسًا بشكلٍّ مزعج.”
كان ذلك ختامًا غريبًا للأحداث.
فبحسب تحقيقات الكونت، كان إيان سيرفيل يُحبّ رايلي فولكس.
حتى أنّه عصى أوامر وليّ العهد لإنقاذها.
‘فلماذا؟ هل كان هناك أمرٌ آخر أجهله؟’
لم يكن الأمر بلا إثارة فضول، لكن لم يكن هناك سبيل لمعرفة الإجابة الآن، خاصّة أنّ باقي أتباع وليّ العهد كانوا أوفياء للغاية، ولم يتركوا فرصةً للتقريب.
وربّما كان فيليون يعرف ما هو ذلك ‘الأمر الآخر’.
‘لكنني محوتُ ذكرياته عن العام والنصف الماضيين…’
ويبدو أنّ فيليون فكّر بالأمر نفسه، إذ ازدادت تجاعيد جبينه عمقًا.
لقد فقد فيليون ذكرياته عن العام والنصف الماضيين، وكان يستشيط غضبًا من ذلك.
ثم فجأة، رفع نظره نحو الكونت ديلاريك.
قال الكونت وهو يعقد ذراعيه:
“كما قلت، أنا لا أعرف ما الذي حدث بينك وبينها.”
“……أعرف. وأظنّ أنك لم تحاول حتى أن تعرف. ولم تكن ترغب بذلك أصلًا.”
ابتسم فيليون بسخرية.
“لكن كان من الأفضل لو حاولت أن تعرف.”
“……”
“لو كنت قد أخبرتني بذلك بالتفصيل، لربّما كنتُ غاضبًا منك أقلّ مِما أنا عليه الآن.”
في ذلك اليوم، فور أن عاد فيليون إلى القصر وحده، وقبل أن يخرج للبحث عن رايلي، أوقفه الكونت واستدعى هيميل.
إذ كان فيليون فضوليًا للغاية بشأن ما حدث خلال العام والنصف الماضيين، ولم يكن هناك خيارٌ آخر.
شرح هيميل لفيليون ما يعرفه عن ‘المرتزقة الكلب الأسود’.
لكن الكونت لم يذكر شيئًا.
حتى إنّه أخفى حقيقة أنّه تحدث مع رايلي.
وهيميل أيضًا تجنّب الحديث عنها قدر المستطاع، وفي النهاية اكتفى بالقول:
― “أظنّ أنّها ترى أنّ بقاءك هنا هو الأفضل.”
لكن فيليون أدرك على الفور سرّ الكونت.
وحين لم ينفع الإنكار، اضطر الكونت للاعتراف، تاركًا كلمةً دفاع واحدة.
― “لكن كان ذلك اختيارها.”
لم يبدُ على فيليون أنّه أعار الأمر اهتمامًا.
‘بل ربّما كان يعتقد أنّ اختيارها لا يعني شيئًا.’
تنهد الكونت ديلاريك بعمق.
“إذًا، مساعدتي في قضية تالون لويانس لا تكفي.”
“صحيح، لا تكفي.”
ثم أطلق زفرةً أخرى، ونظر إلى فيليون بعينين متوسّلتين.
“……ألا يمكنكَ تغيير رأيك؟”
“لا.”
“سأعطيك كل ما تريد. أستطيع أن أجعلك دوق ألفيرت غدًا إن أردت.”
“لا أريد. ولا أحتاج.”
“ماذا عن كل ثروتي؟”
“أنت تعرف أنّني غني.”
“اللعنة، لماذا هي بالذات؟ هناك الكثير من النساء في هذا العالم!”
“لكن رايلي واحدةٌ فقط.”
ابتسم فيليون بابتسامة هادئة.
“لا داعي لأن تساعدني.”
“……”
“لكن لا تعترض طريقي. هذا كل ما أطلبه.”
كان طلبًا صعب القبول بالنسبة للكونت.
فلا يمكنه السماح لفيليون بأن يمرّ بما قد يحدث بسبب تلك المرأة.
“ولا تفكّر باستغلال بريدين لعرقلة أمري.”
ارتجف كتفا الكونت وهو يخفف من حدّة غضبه.
“لقد حرّرتُ بريدين سيفير من التحجّر وسلّمتها لك لتفعل بها ما تشاء. ووضعتها في السجن، أليس كذلك؟”
“……نعم.”
“أظنّ أنّكَ تخطّط لاستغلالها، لكن دع الأمر. تدخلها لن يزيد الأمور إلا فوضى، وأنت لا تريد ذلك أيضًا.”
“……”
“مهما فعلت، لن يتغيّر ما في قلبي.”
كان صوته هادئًا، ولم تكن في عينيه أيُّ نظرة تحذير.
لكن الكونت كان يعرف مدى عناد فيليون، فاضطر في النهاية للتراجع.
عليه الآن أن يفكر في كيفية التعامل مع الأمر لاحقًا.
ولن يكون ذلك سهلًا، لكن من أجل فيليون… تبا!
“فقط لا تدعهم يكتشفون! مفهوم؟ لا يجب أن يُكشف أمرك أبدًا!”
“لا تقلق.”
ابتسم فيليون قائلًا:
“أنت تعرف أنّه لا يوجد شيءٌ لا أستطيع فعله.”
نقر الكونت بلسانه.
‘كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟’
لكن لا فائدة من التذمّر الآن، إذ لم يكن بوسعه فعل أيُّ شيءٍ في الوقت الحالي.
***
عاد فيليون إلى القصر قرابة الظهر من اليوم التالي.
لم أكن أراقب الساحة طوال الوقت، لكن أثناء جلوسي في المكتبة، سمعتُ حركة الخدم من خلف الباب.
لم أتوقّع أن يدخل المكتبة فور عودته، لذا واصلت القراءة على الأريكة، حتى فُتح باب المكتبة فجأة.
كان فيليون يرتدي ملابس مختلفةً تمامًا عن تلك التي كان بها البارحة.
حسنًا، فمن الطبيعي أن يبيت في مكان آخر إن لم يعد طوال الليل.
لكن لسببٍ ما، لم أستطع تجاهل الأمر بهذه البساطة.
أين كان؟ وأين نام؟ ومَن قابل؟
هل التقى إيريون … أو امرأةً أخرى…
“هل أعجبكِ؟”
باغتني صوته، فقفزت من أفكاري فجأة.
“أوه… أجل، لا بأس.”
“الكتاب؟ أم هذا المكان؟”
“حسنًا… كلاهما مقبول.”
أجبتُ بخفوت، فتقدّم فيليون إلى داخل المكتبة.
جلس على الأريكة المقابلة وبدأ يتفحص الكتب على الطاولة.
أما أنا فبقيت أراقبه بصمت.
فتح فيليون أحد الكتب وسأل:
“لماذا وضعتِ علامةً هنا؟”
“آه؟ هناك أمرٌ لم أفهمه.”
“ما هو؟”
دفعت الكتاب الذي كنت أمسكه، واقتربت من الطاولة لأشرح.
“لكن هنا يتحدث عن أنّ عمر الهومونكولوس أطول مما أعرفه، ومع ذلك لم يشرح كيف يتم ذلك.”
الهومونكولوس هو باختصار إنسانٌ صناعي.
كائنٌ شبيه بالبشر في المظهر، خُلِق بيد الإنسان.
لكن لا يتم استخدامه كثيرًا، إذ لا يعيش سوى بضعة أيام.
وصنعه بالغ التعقيد ويكلّف مبالغ طائلة، فما الفائدة إذا عاش أيامًا قليلة فقط؟
كما أنّ حجمه عادةً صغير وذكاءه منخفض، فلا فائدة منه تقريبًا.
بمعنى آخر، هو مجرّد دميةٍ تتحرّك لمدّةٍ قصيرة.
ومع ذلك، كنت مهتمةً بالهومونكولوس… لمجرّد أنّه أمرٌ مثير للاهتمام.
ولم أحاول صنعه أبدًا، فتكلفته مجنونة كما قلت، ناهيك عن أنّ طبيعتي السحرية لا تناسبه.
لذلك كنت أقرأ عنه فقط للتسلية، وكأنني أقرأ رواية.
وبسبب قلّة من يدرسه، كنت أفرح حين أجد كتابًا عنه.
“ما الذي فاتني هنا؟ لم أستطع فهمه أبدًا.”
“ربما تمّ شرح الأمر في كتاب سابق، فتجاوزوه هنا.”
“حقًّا؟ وما هي الطريقة؟”
“استخدام القيد المكاني.”
“القيد المكاني؟”
“أيّ أن يقتصر بقاؤه على قيد الحياة داخل نطاقٍ معيّن فقط.”
ثم تناول فيليون قلمًا ورسم صيغة سحرية على الورق بخط واضح كالعادة.
“آه، صحيح، الآن فهمت. شكرًا على الشرح.”
لكن نظرته إليّ في تلك اللحظة كانت غريبة.
بينما كنتُ أشعر بالرضا من الشرح الواضح، بدا هو وكأنه في حيرةٍ شديدة.
ولمّا أومأت له برأسي وكأنني أطلب منه أن يوضّح، وضع القلم وقال:
“……غريب.”
“ما الغريب؟”
“لماذا لم تغضبي؟”
فجأةً، تذكّرت الماضي.
عندما كنتُ أغلق الباب وأضع الحاجز للعمل، كان فيليون يقتحم المكان ويعرض مساعدته.
وقد كان ذلك يثير أعصابي للغاية لأنه بدا وكأنه يتفاخر.
“وقتها أنتَ جئت من نفسك من دون أن أطلب، وشرحت الأمر. الوضع الآن مختلف.”
واصلت الحديث وأنا أرتب الكتب.
“وفوق ذلك، لم تكن علاقتنا وقتها جيدة.”
“……وكأنكِ تقولين إن الوضع الآن تغيّر.”
“صحيح، لقد تغيّر. مؤخرًا لم تكن علاقتي بك سيئة إلى هذا الحد.”
ثم نظرتُ إليه بحدة وأضفت:
“لكن لو عدتَ للاستفزاز كما في السابق، فسيتغيّر ذلك.”
“لقد تغيّر الأمر عمّا كان عليه…؟”
أجل، تغيّر كثيرًا.
أجبتُ بلا مبالاة، ومددت يدي لألتقط الكتاب الذي كنتُ أقرأه قبل قليل.
لكن فجأة، امتدّت يدٌ من الجهة المقابلة وأمسكت بالكتاب.
تلاقت أعيننا مباشرة، فقال:
“لماذا؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 91"